الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجل: يا رسول الله اعدل، فقال:«ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل» فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «معاذ الله أن يتحدث الناس أنني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلوقهم أو قال: حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية [ (1) ] » .
وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد، والبخاري والنسائي وأبو الشيخ، والبيهقي عن زيد ابن أرقم رضي الله تعالى عنه: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أياما، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال إن رجلا من اليهود سحرك، فعل لذلك عقدا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله تعالى عنه فاستخرجها، فجاء بها فجعل كل ما حل عقدة وجد لذلك خفّة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه [ (2) ] .
وروى البيهقي في شعب الإيمان، مرسلا عن عبد الله بن عبيد مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيّته، وشجّ وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه، وقالوا: لو دعوت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني لم أبعث لعّانا، ولكن بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون [ (3) ] » ، ورواه موصولا عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه مختصرا:«اللهم: اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون» ،
ولله در القائل حيث قال.
وما الفضل إلا أنت خاتم فضة
…
وعفوك نقش الفصّ فاختم به عذري
ومن رحمته ورأفته صلى الله عليه وسلم بأمته تخفيفه وتسهيله عليهم، وكراهيته أشياء مخافة أن تفرض عليهم
، كقوله صلى الله عليه وسلم:«لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء، ومع كل صلاة، ولأخّرت العشاء إلى ثلث الليل» ،
وخبر قيام رمضان، ونهيه عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سبّته ولعنته رحمة لمن سبه وزكاة وطهورا.
تنبيهات
الأول: الحلم حالة توقير، وثبات في الأمور، وتصبّر على الأذى، لا يستثير صاحبه الغضب عند الأسباب المحركة، ولا يحمله على انتقام، وهو شعار العقلاء، وقد كان صلى الله عليه وسلم منه بالمحل الأعظم، كما يشهد له قول أبي سفيان وقد قال له: يا عمّ أما آن لك أن تسلم؟ «بأبي
[ (1) ] أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد (6163)(3933)(3610) ومسلم 2/ 744 (148/ 1064) وأحمد 3/ 56، 353، 355 والبيهقي في الدلائل 5/ 185، 187 وابن ماجة (172) وانظر الدر المنثور 3/ 350.
[ (2) ] تقدم.
[ (3) ] وهو عند مسلم 4/ 2007 والبخاري في الأدب (321) والطبراني في الكبير 19/ 189 وانظر الدر المنثور 4/ 342.
أنت وأمي ما أحلمك!» ، ولا تزيده كثرة الأذى إليه إلا حلما، بشهادة ما تقدم ومما حصل له يوم أحد.
الثاني: الصبر على الأذى جهاد النفس، وقد جبل الله تعالى النفس على التألم بما يفعل بها، ولهذا شقّ عليه صلى الله عليه وسلم نسبة بعض المنافقين له الجور في القسمة، لكنه حلم وصبر لما علم من جبريل ثواب الصابرين، وأن الله تعالى يأجرهم بغير حساب، وصبره صلى الله عليه وسلم على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه، وأما إذا كان لله تعالى فإنما يمتثل فيه أمر الله تعالى من الشدة، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم 9] وقد وقع أنه صلى الله عليه وسلم غضب لأسباب مختلفة، مرجعها إلى أن ذلك في أمر الله تعالى، وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد في الزّجر، فصبره وعفوه إنما كان يتعلق بنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم،
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما شجّ المشركون وجهه: «اللهم اهد قومي»
وقال حين شغلوه عن الصلاة: «ملأ الله قلوبهم نارا» ،
فتحمّل الشّجّة الحاصلة في وجه جسده الشريف، وما تحمّل الشّجّة الحاصلة في وجه دينه المنيف، فإن وجه الدين هو الصلاة، فرجح حق خالقه على حقه صلى الله عليه وسلم.
الثالث: قال القاضي في
قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» :
انظر ما في هذا القول من إجماع الفضل، ودرجات الإحسان، وحسن الخلق، وكرم النفس، وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم على السكوت عنهم، حتى عفا، ثم أشفق عليهم، ورحمهم، ودعا، وشفع لهم، فقال:«اللهم اهد واغفر» ، ثم أظهر الشفقة والرحمة بقوله:«لقومي» ، ثم اعتذر عنهم لجهلهم، فقال:«إنهم لا يعلمون» .
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
العفو: المساهلة، وترك المؤاخذة، والبحث عن مذامّ الأخلاق: أي أخذ ما سهل من أخلاق الناس، وأفعالهم، من غير كلفة، ولا طلب ما يشقّ عليهم حذرا من أن ينفروا من حوله.
السّمرة: بسين مهملة مفتوحة، فميم مضمومة، فراء، فتاء تأنيث ضرب شجر الطّلح.
الغرّة: بغين معجمة مكسورة، فراء مشددة: الخدعة.
الصّرف: بصاد مهملة مكسورة، فراء ساكنة، ففاء: شجر أحمر يدبغ به الأديم.
زيد بن سعنة: بسين مهملة، فعين، فنون مفتوحتين، كما قيده به الحافظ عبد الغني، وجرى عليه الدّارقطني والأمير وبالمثناة التحتية ثبت في نسخ الشّفا، وأن مصنفه صحح عليه، وهو الذي ذكره ابن إسحاق، قال الذهبي في التجريد: والأول أصح.
تمر الذّخيرة: بذال، وخاء معجمتين، قال في النهاية: هو نوع من التمر معروف. الرميّة تقدم الكلام عليها والله أعلم.