الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير، وأوسع من الصبر» .
وروى ابن عدي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن لي مثل جبال تهامة ذهبا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني كذوبا ولا بخيلا» [ (1) ] .
وروى البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أنه بينما هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الناس، مقبلا من حنين علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاة نعم لقسمته عليكم لا بخيلا، ولا كذابا، ولا جبانا» [ (2) ] .
وروى أبو جعفر بن جرير الطبري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: حكيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلّة أنمار صوف أسود، فجعل حاشيتها بيضاء، وقام فيها إلى أصحابه، فضرب بيده إلى فخذه فقال:«ألا ترون إلى هذه ما أحسنها!» فقال أعرابي: يا رسول الله بأبي أنت وأمي هبها لي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئاً أبدا فيقول: لا، فقال:
«نعم» ، فأعطاه الجبة.
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما لأناس، فقلت: يا رسول الله لغير هؤلاء كانوا أحقّ بهذا القسم، فقال:«إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني، ولست بباخل» [ (3) ] .
وروى ابن الأعرابي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأله الناس، فأعطاهم من البقر والغنم والإبل، حتى لم يبق من ذلك شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ماذا تريدون؟ أتريدون أن تبخّلوني؟ فو الله ما أنا ببخيل، ولا جبان، ولا كذوب» ، فجذبوا ثوبه حتى بدت رقبته، فكأنما أنظر- حين مدّ يدا من منكبه- شقة القمر من بياضه [ (4) ] .
تنبيهات
الأول: قال الحافظ: قوله: ما قال: لا، ليس المراد أنه يعطي ما طلب منه جزما، بل المراد أنه لا ينطق بالرد بلا، إن كان عنده أعطاه، إن كان إلا إعطاء سابغا، وإلا سكت، قال:
[ (1) ] أخرجه ابن عدي 3/ 964.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 35 (2821)(3148) .
[ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الزكاة (127) وأحمد 1/ 35 وابن عساكر كما في التهذيب 6/ 212 وانظر الكنز (16712) .
[ (4) ] ابن عساكر كما في التهذيب 3/ 4289/ 133.
وقد روينا بيان ذلك في حديث مرسل لابن الحنفية عند ابن سعد ولفظه: إذا سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت،. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام لم يقل:
لا، منعا للإعطاء، ولا يلزم من ذلك أن يقولها اعتذارا كما في قوله تعالى: «لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة 92] ولا يخفى الفرق بين قوله: (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ وهو نظير ما في
حديث أبي موسى الأشعري لما سأله الأشعريون الحملان فقال صلى الله عليه وسلم: «ما عندي ما أحملكم»
لكن يشكل عليه أنه صلى الله عليه وسلم حلف لا يحملهم
فقال: «والله لا أحملكم» ،
فيمكن أن يخص من عموم حديث جابر ما إذا سئل ما ليس عنده، والسائل يتحقق أنه ليس عنده ذاك، حيث كان المقام لا يقتضي الاقتصار على السكوت من الحالة الواقعة، أو من حال السائل كأن لم يعرف العادة، فلو اقتصر على السكوت مع حاجة السائل تمادى في السؤال ويكون القسم على ذلك تأكيدا لقطع طمع السائل، والسر في
قوله: «لا أجد ما أحملكم»
وقوله: «والله لا أحملكم»
أن الأول لبيان أن الذي سأله لم يكن موجوداً عنده، والثاني أنه يتكلف الإجابة إلى ما سئل بالقرض مثلا، أو بالاستيهاب، إذ لا اضطرار حينئذ.
الثاني:
قوله صلى الله عليه وسلم: فخصها فلانا
أفاد المحب الطبري في كتاب الأحكام له أن الرجل السائل عبد الرحمن بن عوف، وعزاه للطّبراني، قال الحافظ: ولم أجد ذلك في معجمه الكبير، لا في مسند سهل، ولا في عبد الرحمن، نعم رواه الطبراني، وقال في آخره: قال قتيبة هو سعد بن أبي وقاص، وقد يقال: تعددت القصة، وفيه بعد.
الثالث:
قوله صلى الله عليه وسلم: الأجود
أفعل تفضيل من جاد يجود، جوداً فهو جواد، بتخفيف الواو، وقومٌ جودٌ، وأجاود، وأجواد. قال النحاس: الجواد: الذي يتفضل على من يستحقّ، ويعطي من لا يسأل، ويعطي الكثير، ولا يخاف الفقر، من قولهم مطر جواد إذا كان كثيراً، وفرس جواد يعدو كثيراً، قبل أن يطلب منه، ثم قيل: هو مرادفٌ للسّخاء، والأصحّ أن السخاء أدنى منه، ولذا يوصف الله تعالى به، والسخي اللّين عند الحاجات، من أرضٌ سخاوية: لينة التراب، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى: قال القوم من أعطى البعض فهو سخيّ، ومن أعطى الأدنى، وأبقى لنفسه شيئاً، فهو جواد، ومن قاسى الضر، وآثر غيره بالبلغة فهو مؤثر، وقال السّهروردي في عوارفه: السخاء صفة غريزية، وفي مقابله الشّح. والشح من لوازم صفة النفس قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن 16] فحكم بالفلاح لمن وقي الشّحّ، وحكم بالفلاح أيضا لمن أنفق وبذل فقال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة 5] والفلاح اسم لسعادة الدارين، وليس الشح من الآدمي بعجيب لأنه جبليّ فيه، وإنما العجب وجود السخاء في الغريزة، والسخاء أتم وأكمل من الجود. وفي مقابله البخل، وفي مقابلة السخاء الشح، والجود
والبخل يتطرق إليهما الاكتساب بطريق العادة، بخلاف السخاء إذا كان ذلك من ضرورة الغريزة، فكل سخي جواد، وليس كل جواد سخي، والجود يتطرق إليه الرّياء، ويأتي به الإنسان متطلعا إلى غرض الخلق أو الحقّ، بمقابلة من الثناء، أو غيره من الخلق، أو الثواب من الله تعالى، ولا يتطرق الرياء من السخاء لأنه يقع من النفس الزكية المرتفعة عن الأغراض.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
الكرم: بفتحات الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم قدره.
الجود: بضم الجيم: تجنب اكتساب ما لا يحمد وهو ضدّ التقتير.
الفاقة: بفاء فألف، فقاف: فقد الدنيا.
المنهل: بميم مفتوحة فنون ساكنة فهاء مفتوحة فلام: كل ما يطؤه الطريق، وما كان على غير الطريق لا يدعى منهلا، ولكن يضاف إلى موضعه، أو إلى من هو مختص به، فيقال منهل بني فلان، أو مشربهم، ومواضع نهلهم.
المنسجم: بميم مضمومة، فنون ساكنة، فسين مهملة فجيم فميم: السائل.
يباري: بتحتية مضمومة، فموحدة فألف فراء فتحتية: يعارض ويجاري ويسابق.
المزن: بميم مضمومة، فزاي ساكنة، فنون: الغيم والسحاب وقيل السحاب الأبيض.
الطّامي: بطاء مهملة فألف فميم: الكثير.
الملتطم: بميم مضمومة، فلام ساكنة، ففوقية مفتوحة، فطاء مهملة مكسورة، فميم:
دخل بعضه في بعض لكثرته.
القناع: بكسر القاف: طبق يؤكل عليه.
الجرو: بجيم مكسورة، فراء ساكنة، فواو: صغار القثاء وقيل الرمان أيضا.
زغب: بزاي، وغين معجمة، فباء: صغار عليها زغب أي وبر.
المجال: المجال.
الكاهل: بكاف فألف فهاء مكسورة فلام: أعلى الظهر.
الخراج. البحرين: معروفة.
الريح المرسلة: السريعة النفع، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الأعراف 57] .
البخل: بموحدة مضمومة، فخاء معجمة، فلام: ضد الكرم.
الجبن: بجيم مضمومة، فموحدة ساكنة، فنون: ضد الشجاعة.
حلّة أنمار: بهمزة مفتوحة، فنون، وآخره راء: بردة من صوف يلبسها الأعراب.