الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
هذا الكتاب - الذي بين يديك - يتصدى لخصوم الإسلام لدحض أخطر دعوى من دعاويهم التي يروجونها - الآن - على نطاق واسع؛ بعد أن كان أسلافهم من الكارهين لما أنزل الله يروّجونها في نطاق محدود، تلك الدعوى هي أن الإسلام دين دموي وإرهابي عنيف، يصادر الحريات ولا يقبل من الناس إلا أن يُسلْمَوُا أم يُقْتَلوا، وأنه لا يرى وجوداً في الجيان لغير المسلم؟ وأن الإسلام طبع المسلمين على التوحض والبطش، فصار الإسلام بذلك هو عدو الإنسانية وحضاراتها، لذلك يجب دحره أو القضاء عليه؟.
هذه الدعاوى الجوفاء كرَّست أوروبا - الآن - كل جهودخا لترويجها وإثارتها وبخاصة بعد سقوط الشيوعية وتفتيت كيانها لم تخلُ وسيلة من وسائل الدعاية الحديثة من الاشتراك في هذه الحملات الضارية، التي يشارك فيها سياسو أوربا ومفكروها وصحفيوها وإعلاميوها ومؤتمراتها.
والهدف هو إما القضاء على الإسلام، وإما تحجيمه في نطاق ضيق، وإما تشويه محياه الجميل الباسم، حتى لا يغزو العالم، ويملأ الفرراغ الذي تعيش فيه أوروبا - الآن - منذ اتخذت الفكر المادي فلسفة وعقيدة، وسلوكاً.
والعجيب أن إ'لام الغرب الذي يصف الإسلام بهذه الحقارات ينسى أو يتناسى تاريخ الشيوعية والصليبية والصهيونية الملطخ بالدماء في كل سطر من سطورة قديماً ووسيطاً وحديثاً، فالشيوعية عبارة عن سيف مصلت على رقاب الناس، غدر وخيانة وفتك، والصليبية ترى محاكم التفتيش الفظيعة، هي عنوان تاريخها، والصهيونية بدأ أسلافها بقتل الأنبياء، وهذا لم يحدث في التاريخ النبوي الممتد عبر ألف سنة من تاريخهم القديم إلا على أيدى أسلاف الصهيونية. ثم ختموا تاريخهم القديم بالتآمر على قتل آخر أنبيائهم عيسى ابن مريم عليه السلام، لولا أن نجاه الله منهم، ويكاد يجمع مؤرخو الغرب على أن الحربين العالميتين: - الأولى والثانية - كانتا من تدابيرهم؛ لأنهم - كما يقول المثل:
"لايصطادون إلا في الماء العكر" - هذا هو تاريخ أوروبا وحلفائها، تتناساه هي الآم، لتتفرغ في غير حياءء ولا خجل لمحاربة الإسلام، كما تتناسى أوروبا فظائعها وإجرامها وإرهابها الذي يجري الآن ضد مسلمي البوسنة والهرسك، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مسلمون:{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} .
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ....} .
لقد سلطت أوروبا - ومعها عظام الشيوعية النخرة - حماقها وسفاءها من الصرب على إبادة المسلمين في البلقان، فارتكبوا من الجرائم والفظائع ما لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب، وأوربا تتابع وهي متلجة الصدور، قريرة العيون، باسمة الثغور؛ لأن أرواح المسلمين تزهق، وماءهم تُسال، وحرمات نسائهم وفتياتهم تُنتهك، وأراضيهم تُسلب، ومقدساتهم تُداس يالأقدام، ومعاهدهم ومساجدهم تُهدم؟!.
كل هذا تنساه أوروبا بلا حياء لتقول إن الإسلام هو دين الإرهاب والعنف ومصادرة الحريات وعدم الإنسانية جمعاء؟
إنت المثل العربي القديم الذي يقول: "رمتني بدائها وأنسلت" أي وصفتني بالمرض الذي فيها وذهبت، هذا المثل يصدق كل الصدق على موقف أوروبا - الآن - من المسلمين والإسلام، ما لذلك من سبب سوى الحقد والحسد، وقديماً قال الشاعر في مثل هذه الظواهر:
حسداً بَلَّغُنَهُ في حقها وقديماً كان في الناس الحسد
إن تاريخ أوروبا وحاضرها معاً: إجرام في إجرام، وعنف في عنف، ولو كان عندها ذرة حياء أو مُسّكة من عقل لكفت عن بذاءاتها ضد الإسلام، ولكن الحقد أعمى أبصارها، وأصم آذانها، وحجُّر قلوبها فأخذت تهذى ضد الإسلام هذيان المخمور أو المحموم. ومن سلب الله من الحياء فلا يصدر عنه إلا الغرائب كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
* * *
ومن الغريب حقاً أن فريقاً منا - نحن المسلمين والعرب - تَبَنَّوْا بكل جراءة ووقاحة - كراهية أوروبا للإسلام، وأظهروا العداء له في كل ما يقولون وما يذيعون وما يكتبون، وبهاصة عملاء الشيوعية وأبواق العلمانية، ومنهم صليبيون معروفون - وفي مصر - حماها الله - نشط هؤلاء "الرفاق" نشاطاً ملحوظاً في العامين الأخيرين (1992 - 1993) عقيب مواراة الشيوعية التراب. ماتت الشيوعية في عقر دارها في غير انتظار بعث، فأرادوا إحياءها في مصر حفظها الله، هذا وقد تهيأت لهم الفرص في جميع المجالات:
الإعلام بعامة، والصحافة بخاصة، ومؤسسات التربية والتعليم، ومدرجات الجامعة، وفي الفنون والآداب.
ونحن لا نرسل القول هنا جزافاً بغير دليل، فليرجع معي القارئ الكريم إلى عدد صحيفة الأهرام بتاريخ (7/4/1993)، وليقرأ فيه مقالاً منشوراً في الصفحة (15) بعنوان:"كُتَّاب سيدنا أم جامعة القاهرة" كتبه أحد أ'لام الشيوعية. وها نحن أولاء ننقل فقرة واحدة نقلاً حرفياً من المقال ليرى القارئ بعينه ما فيها من "كفر صريح" وليس مقنعاً. يقول الكاتب وهو ساخط على جامعة القاهرة، لأنها رفضت ترقية رفيق له إلى درجة أستاذ لضعف نتاجه علمياً وتجزئه على أصول الإسلام، يقول الكاتب بالحرف الواحد من السطر رقم (25) إلى السطر رقم (31) ما نصه:
"وأحسب أن هذا نوع مرعب من الأزمات. لماذا؟ لأنه يدفع شيئاً فشيئاً بالجامعة إلى كيان محسَّن شكلياً من "كتاب سيدنا" القائم على آحادية الفكر، والتلقين المبسط الزجرر الإرهابي، الذي يُفَرَّخ لنا حفظه نصوص مصبوبة في قوالب جامدة تخاصم العقل وحرية الفكر، وتجبن عن ارتياد آفاق الإبداع التي لا نهاية لها
…
".
عزيزي القارئ
…
تأمل هذا الكلام جيداً، تر الكاتب قد شتم الله - تعالى عما يقولون علواً كبيراً - وشتم كتابه العزيز بكل وقاحة وجرأة
…
كما سخر ية لاذعة من حُفَّاظ كتاب الله؟!.
اسأل نفسك ما المراد من النصوص المصبوبة في قوالب جامدة؟!
وما المراد من النصوص التي تخاصم العقل وحرية الفكر؟!
وما المراد من النصوص "الجبانة" التي تجبن عن ارتياد آفاق الإبداع؟!
إنه القرآن - والقرآن وحده - هو المراد من هذه النصوص عند الكاتب قاتله الله.
وإذا كان القرآن جباناً - حاش لله - فالقرآن هو كلام الله. والكلام صفة المتكلم، وهذا يقتضي أن الكاتب شتم الذات الإلهية بالـ.... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومما يوقع في الحيرة أن هذا الكاتب بعد شهر واحد من نشر "كفرياته" هذه كرمته الدولة في عيد الإعلاميين (27 مايو 1993) ومنحته وسام تقدير في الحفل الذي رأسه رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة؟!
فعلام كافأنا هذا الكاتب يا ترى؟ ألأنه تطاول على الله وكتابه العزيز؟! أأصبحنا ضعيفى الذاكرة والوعي إلى هذا الحد؟ فلم نميز بين الحق والباطل؟ أم أن الأمر كما قال الشاعر: "وعين الرضا عن كل عيب كليلة"؟!
كان من المفروض على مصر المسلمة - إن لم يكن بنقتضى إسلامها، فبمقتضى دستورها - أن تقدم هذا الرجل إلى محاكمة عادلة عاجلة، لا أن تشد على يديه وتقول لله: المزيد من الكفريات.... المزيد؟!
وفي نفس الحفل الإعلامي كرمت الدولة كُتَّاباً آخرين معروفين بالعداء الحاقد على الإسلام.
ووصف القرآن بالتخلف والجمود والإرهاب أمر متفق عليه بين هؤلاء الرفاق المكَّرمين من الدولة وغير المكَّرمين، في نفس الوقت الذي تشكو فيه مصر من "التطرف"، وهذا التكريم غير الشرعي يزيد التطرف ضراوة واشتعالاً، فكانت مصالح مصر العليا تقتضي أن لا يكون شيء من هذا أبداً، ومثلما تهجم هذا الكاتب على كتاب الله الغزيز، تهجم رفيق آخر منهم على الكتاب العزيز وعلى سنُة رسوله الكريم، وهو رجل يتربع على عرش أخطر وزارة في مصر، وزارة التربية والتعليم حيث وصف هذا "الوزير" ما جاء في عذاب القبر بأنه:"خزعبلات"؟! يعني: خرافات؟!
وهذا تكذيب صريح لما جاء في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} أي لما يرونه من العذار. {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} .
ويقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار".
ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال في صاحبيهما: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير
…
".
أمع هذا يقال: أنَّ ما جاء في عذاب القبر خزعبلات وخرافات وتنشر هذا الكلام صحيفة من أ'رق الصحف المصرية وأوسعها انتشاراً؟!
هذا هو الوضع الراهن للشيوعيين "الأيتام" في مصر الآن، إنهم يتمتعون بحريات أكثر من أي عهد مضى، وهذا من شأنه أن يترك الحليم حيران، وليس الأمر مقصوراً على مصر وحدها، فما أكثر الأقطار الإسلامية التي اجتاحها الفكر الإلحادي المدمر، وقال المسيرة فيها ردحاً من الزمن ولا يزال؟!
والجماهير المسلمة شُغِلت عما يراد بها، ولها، بمشكلات الحياة اليومية من جهة، وبالخوف والتخويف من جهة أخرى، حتى أصبح لسان حال كل فرد منهم أن يقول لنفسه: انُج يا سعد، فقد هلك سعيد؟ هذا هو الواقع الؤسف الذي تعبأ فيه كل الجهود عالمياً ومحلياً لتقليص ظل الإسلام، والورقة الرابحة في أيدي خصوم الإسلام - الآن - هو وصفالإسلام بالإرهاب الفكري والمادي، وكبت الحريات. ونحن في هذه الدراسة التي ترجمنا لها بـ:"سماحة الإسلام منهجاً وسيرة" نتصدى لهذه الفرية موضوعياً، ونفند شبهات القائلين بها شبهو شبهة، سواء أكان القائل الغرب أو عملاءه من الشرق.
ومن البداية أن مًن أراد لأن يحكم على الإسلام بشيء أن يستمد حكمه من ثلاثة مصادر: القرآن نفسه - ثم سنة رسوله الصحيحة السند إليه - ثم التطبيق العملي الوثيق الصلة بالإسلام.
أما الأعمال التي لا صلة لها بالإسلام من قريب أو بعيد فيجب أن تُستبعد تماماً من هذا المجال.
وتوخياً للإيجاز المقنع قصرنا الدراسة على عصر النبوة وحده من خلال المصادر الثلاثة التي تقدم ذكرها. ولذلك جاءت موضوعات الدراسة موزعة على المنهج الآتي:
المرحلة الأولى للدعوة: الدعوة إلى الإسلام بالوسائل السلمية.
* الفصل الأول: سماحة الدعوة في القرآن الكريم.
المبحث الأول: سماحة الدعوة في القرآن الكريم في العهد المكي.
المبحث الثاني: سماحة الدعوة في القرآن الكريم في العهد المدني.
* الفصل الثاني: سماحة الدعوة في القرآن الكريم في حرية الاعتقاد.
* الفصل الثالث: سماحة الدعوة في النشاط النبوي.
المبحث الأول: سماحة الجعوة في السنة القولية.
المبحث الثاني: سماحة الدعوة في السنة العملية.
المرحلة الثانية للدعوة: مشروعية القتال وضوابطه.
* الفصل الأول: متى ولماذا شرع القتال في الإسلام؟
* الفصل الثاني: ضوابط ممارسة القتال وأخلاقياته.
* الفصل الثالث: حقيقة العلاقة بين المسلمين وغيرهم.
وفي كل هذه الموضوعات رعينا أمرين:
الأول: التركيز والإيجاز.
الثاني: وضوح الدليل على سماحة الإسلام وقوة الاستدلال عليها
…
والله نسأل حسن التوفيق.
مكة المكرمة - حي العزيزية:
مساء الجمعة 9/11/1413 هـ (الموافق 29/4/1993م) .
د. عبد العظيم المطعني.
عفا الله عنه
* * *