الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجوع الناس إليه وحده لا إلى أحد سواه. وقرر في الثانية منهما أن حساب الناس عليه هو، وليس على أحدٍ سواه.
ولما كان هذا المبدأ من آصل الأصول في الإسلام عبر عنه القرآن في أساليب فخمة قوية الإحكام:
ففيها من أدولت توكيد المعنى: حرف التوكيد "إن" ثم ما يعرف عند علماء المعاني بـ "اسمية الجملة" لأن الجملة الإسمية التي ركناها: المبتدأ والخبر. أثبت دلالة من الجملة الفعلية التي ركناها: الفعل والفاعل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن جميع التراكيب التي تحدثت عن هذا المعنى، وهو حصر مهمة الدعاة في التبليغ جاءت في القرآن الحكيم جملاً قَصْرية، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} ، {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} . {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} . {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} وغير ذلك مستفيض في آيات الذكر الحكيم.
* * *
*
حرص صاحب الدعوة، وتعقيب الوحي عليه:
من المعلوم أن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلام قومه. وقد بذل من الجهد رغبة في ألأن يقبلوا الإسلام ما تجاوز حدود الرسالة المنوطة به صلى الله عليه وسلم، مُحَمّلاً نفسه من الكد والعناء ما لا طاقة لأحد به غيره، بَيْدَ أن الوحي الأمين كان يتعقب مواقف حرصه المرة تلو المرة ويدعوه أن يترفق بنفسه ولا يُحّلها من المشاق ما لم يأمره الله به.
ومن تعقيبات الوحي الرحيم على حرصه صلى الله عليه وسلم على إمانهم وتحمله المشاق الزائدة عن المطلوب في هدايتهم، وحزنه الشديد على إعراضهم، من تلك التعقيبات قوله تعالى:{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} .
قال صاحب الكشاف في معناه: "أي ما عليك إلا أن تبلّغ وتُذكّر، ولم يُكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة، بعد أن لم تُفرّط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة".
إنه لخطاب رقيق ودود لصاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم ونداء إلهي كله عطف وحنان. وكأن الله يقول له: لا تُحمّل نفيك في الحرص على إسلامهم مشاقاً لم نكتبها عليك، ولا هي من طبيعة الرسالة التي كلفناك بها. فدع الشقاء المضني لك، وقف عند حدود التذكير والموعظة الهادئة الواضحة. بلّغهم ما أوحينا به إليك، وأرحم نفسك من هذا العناء، فلا عليك أن يؤمنوا وإنما عليك كمال البلاغ وإقامة الحُجُّة لله على من لم يؤمن. وحرصه صلى الله عليه وسلم كان نابعاً من فضيلة أصلية فيه، هي حبة الخير للناس، والإشفاق عليهم من الردى الأبدى والحرص الشديد الذي أبداه على إسلام قومه، وإن لم يكن من مراسم الرسالة، فهو مَحمده كريمة له عليه السلام وقد سجّل الله له هذه الفضيلة في قوله الكريم:
* * *