الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمثيل حقارة الأصنام
* النموذج الرابع - من سورة الروم:
هذه الاية الحكيمة تمثل دوراً في الدعوة بالوسائل السليمة لنبذ شبهة الإشراك وتمكين عقيدة التوحيد في العقول والقلوب.
فهي ترقق المشاعر، وتهذب الوجدان، وتفتح القلوب الغُلْف، وتخاطب العقول المستنيرة، وتضع أمامها الحقائق في رفق ولين، لتقز منها - بعد أن تتأملها - إلى الحق الذي لا مفر منه.
وتسد - بذلك - ثغرة من المنافذ منها الشيطان إلى طوايا النفوس فيملأها أوهاماً ،وأضاليل. فالمشركون - كما حكى عنهم القرآن - يتذرعون في عبادتهم للأصنام بأنها شفعلؤهم عند الله؟
جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى حكاية عنهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ
…
}
وكذلك قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى....} .
وهم - بهذا - يرفعون أصنامهم إلى درجة أن يكونوا نافذي الكلمة عند الله؟ وهذا الاعتقاد الضال تواجهه آية الروم السالفة الذكر مواجهة هادئة، ولكنها قوية السلطان، بالغة التأثير.
فالمثل المذكور فيها منتزع لهم من أحوال أنفسهم كما قال سبحانه: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ....} .
أما صورة المثل فقد استُهِلَّت باستفهام إنكاري هكذا: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ؟!
أي هل لكم من عبيدكم الذين تملكون شركاء في ما آتيناكم من أموال تخافونهم إذا تصرفتم في أموالكم دون مشورتهم أن يغضبوا عليكم ويردوا تصرفاتكم التي تصرفتموها في أموالكم بغير رضاهم والرجوع إليهم كما تخافون أنفسكم إذا شارك بعض أحراركم بعضاً آخر من الأحرار؟! إن كان ذلك واقعاً فعلاً في حياتكم فيصح أن الأصنام تدفع عنكم ما يراد بكم من عذاب من الله.
أما إذا لم يكن واقعاً، وإنكم لا تقيمون وزناً لعبيدكم في كل تصرفاتكم فكذلك الله لا يخشى أحداً من مخلوقاته، فليس للأصنام عنده شفاعة، ولا يستطيعون أن يردوا منت قضاء الله شيئاً {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} .
لقد وضع هذا المثل المشركين أمام باطلهم وجهاً لوجه. فما عساهم أن يقولوا؟
إن قالوا: لنا شركاء مما ملكت أيماننا، كابروا وخدعوا أنفسهم.
وإن قالوا: ليس من عبيدنا شؤكاء، لزمهم القول ببطلان الشرك، ولم يبق أمامه إلا التوحيد الخالص إن أرادوا لأنفسهم الخير، وإلا فقد لزمتهم الحُجَّة وكانوا من حصب جهنم هم فيها خالدون.
أنظر كيف آلان معهم القرآن القول، وقادهم برفق إلى مجالى الحق؟
براهين ناصعة غايتها الإقناع. وحِكَم بيانية ساطعة غايتها الإمتاع. وسياسة للنفوس تستل منها الأكدار، وتَبَّطَّف في الدعوة إلى الحق في كلمات قصار:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} .
* * *