الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمثيل عجز الأصنام
* النموذج الثالث - من سورة الرعد:
في مواجهة القرآن لدعاوى المشركين، حيث اعتقدوا أن اصنامهم تنفع وتضر، رَكَّز لبقرآن كثيراً على تعرية الأصنام من الفائدة، فلا هي بنافعة، ولا هي بضارة، وآية الرعد التي ذكرنهاها آنفاً واحدة من آيات كثيرة مثبوثة في سور الذكر الحكيم، أسهمت في وضوح في تجريد الصنام من أي نفع أو ضر، وأخلصت في النصح لمن يدعى تلك الدعوى من مشركي قريش وأسلافهم من الأمم الغابرة، كقوم إبراهيم وهود وصالح عليهم صلوات الله وسلامه.
بدأت الآية المواجهة بأن الله له دعوة الحق، فهو - وحده - النافع والضار. وأما ما يدعونه من دونه فلا يملكون نفعاً ولا ضراً، لذلك فهم:{لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} أي وإن كان تافهاً حقيراً. وقد نفى فعل الإستجابة بحرف النفي "لا" دون لم، أو لن مثلاً، لأن النفي بـ "لا" مقصور على الماضي، وبـ "لن" موقوف على المستقبل. أما "لا" فهي للنفي في جميع الأوقات، وهو المناسب هنا: لأن الأصنام عارية عن الاستجابة في كل وقت: ماضياً، وحاضراً، مستقبلاً.
ثم يمضي القرآن قُدُماً في تيئيس المشركين من آلهتهم التي يدعونها من دونه، فيصور لهم عجز آلهتهم في صورة حسية موحية، ويكشف لهم عن ضلال عقيدتهم وسعيهم، فيصوَّرهم يرجون النفع من أصنامهم بصورة رجل كاذ يقتله الظمأ فوقف على شاطئ بحيرة وبسط كفيه في الهواء راجياً أن يصعد الماء إلة كفيه ليرفعه إلى "فمه"؟! فالماء لن يصعد من مكانه، فلت يبلغ كفيه ولن يبلغ فاه (فمه) وسيظل باسطاًكفيه محروماً ظامئاً حتى يلقى هلاكه.
هذه الصورة التشبيهية توحي بالمعاني الآتية:
أولاً: خيبة مسعى المشركين الأبدية.
ثالنياً: العجز الأبدي الحاصل للأصنام.
ثالثاً: التعريض بالمشركين بأنهم ليسوا عقلاء، لأن العاقل لا يصدر عنه هذا "البله" من مدَّ الأكف فوق الماء راجياً صعود الماء إليها.
رابعاً: أن المشركين حين عبدوا آلهة من دون الله ورَجَواْ منها النفع لم يسلكوت الأسباب الصحيحة لتحقيق مقاصدهم، بل هم تنكبوا سواء الصراط. أما الأسباب الصحيحة لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة فهي توحيد الله ذاتاً، وأفعالاً وصفات، مع الالتزام بالمنهج الذي أساسه التوحيد قولاً وعملاً، فِعْلاً وتركاً، هذا هو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟
أرأيت كيف نقل القرآن عجز ما يُعبد من دون الله، وضلال عقيدة الشرك من صورة ذهنية مجردة إلى صورة حسية موحية شاخصة للعيان، يدركها ويسخر من صانعيها حتى الأطفال فضلاً عن الأذكياء وأولي الألباب. هذا هو شأن القرآن في نصاعة البيان، وبلاغة القول.
* * *