الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد عورض بمثله - كما سيأتي - والأولى أن نحمل هذه الآية - وهي مطلقة - على النصوص القرآنية المتعددة التي شرعت القتال من أجل قتال غيرنا لنا، وحمل المطلق على المقيَّد أصل من أصول الفقه كما نعلم، وكثيراً ما عولجت به ظاهرة النصوص المتعارضة من حيث الظاهر، وكان مسلكاً محموداً للتوفيق بين النصوص الذي هو أولى من إعمال نص وتعطيل آخر.
* والخلاصة: أن هذه الآية ليس فيها دليل قطعي الدلالة على سلامة مذهب القائلين بأن العلاقة بين المسلمين وغيرهم، هي - دائماً - علاقة حرب لا سلام.
* * *
*
الدليل النبوي:
أما الحديث الذي استدلوا به على لأن غير المسلمين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو الحرب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أِن أٌقَاتِلَ النَّاسِ حتى يَقولوا: لا إلهَ إلَاّ الله
…
"
وهو حديث متفق عليه كما تقدم. فهذا الحديث - مع صحته - ليس فيه دليل للقائلين بان علاقة المسلمين بغيرهم هي الحرب لا السلام. لأنه - كما نص كثير من العلماء - خاص بمشركي العرب دون غيرهم من الناس. وهذا مذهب جمهور العلماء، وحكى بعضهم عن الإمام مالك أنه عام في كل الكفار. وسبب الاختلاف نشأ حول الجزية هل تؤخذ من أهل الكتاب وحدهم؟ هذا هو صريح ما ورد في القرآن الكريم في آية التوبة:{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وألحقت السنة بهم المجوس حيث ورد في شأنهم: "سنوا فيهم سُنَّة أهل الكتاب" يعني: أن قتال أهل الكتاب والمجوس ينتهي إذا صالحوا على الجزية. أما غيرهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام، فإن أبوا استمر
قتالهم حتي يسلموا أو ينفوا، وعبارة العموم المنسوبة إلى مالك حكاها الإمام الشوكانى في فتح القدير بقوله:"وقال الأوزاعي ومالك: إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائناً من كان".
بَيْدَ أن غيره ذكرها على غير هذه الوجه فقال: وعند مالك تؤخذ من نصارى العرب، وهذا القول هو الصواب والموافق للسنة العملية، لأن نصارى العرب أهل كتاب، والقرآن نص على أخذها من أهل الكتاب مع جواز إبقائهم على عقائدهم. وهذا ما حدث في السُنَّة العملية حيث صالح صلى الله عليه وسلم نصارى نجران، وهم عرب على الجزية.
وبهذا يكون حديث: "أُمِرْتُ أِن أٌقَاتِلَ النَّاسِ حتى يَقولوا: لا إلهَ إلَاّ الله" خاصاً بمشركي العرب. وليس عاماً في جميع الناس وإنما خُصَّ مشركو العرب بهذا التضييق؛ لأن القرآن بلغة العرب نزل، وعلى رجل منهم يعرفون فضله وشرفه منذ الطفوله، فلا عذر لهم في رفض الإسلام، ولا شبهة تحول بينهم وبينه. بدليل أن قريشاً سارعت إلى الإسلام عام الفتح عن بكرة أبيها، لما رأت دلائل الحق فيه أظهر من الشمس، إذن فمن منهم على شركه بعد هذا الوضوح فليس له إلا السيف لأنه معاند مكابر.
* الخلاصة: أن هذا الحديث - مع صحته والاتفاق عليه - ليس فيه متمسك للقائلين بأن علاقة المسلمين بغيرهم علاقة حرب لا علاقة سلام.
وما من دليل لهم ذكروه على صحة مذهبهم بمنأى عن المناقشة الكاشفة بتوهين الاستدلال به. فهذا المذهب إن لم يكن أم إن لم نقل إنه ليس صواباً فهو مرجوح مرجوح، وليس له دليل واحد يبلغ الاستدلال به درجة اليقين أو ما يقرب منه من ظنٍ قوي، وهذا ما نتهى إليه بعض الفقهاء المحدثين من أمثال الشيخ عبد الوهاب خلاف في كتابه المعروف بـ "السياسة الشرعية".
* * *