الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظاهرة الأولى مواقف الدعوة السلمية من أهل الكتاب
لغط أهل الكتاب لغطاً كثيراً حين جاورا المسلمين في المدينة بعد الهجرة، وأثاروا قضايا دينية مختلفة، وكان لغطهم في تلك القضايا التي أثاروها قائماً على الإدعاء والخطأ. لهذا تصدى القرآن الأمين لكل ما أثاروه ولغطوا حوله، وفيما يأتي نبين مواقف القرآن الكريم من بعض أخطائهم وانحرافاتهم، لأن الحديث عن كل ما أثاروه يضيق به المقام - هنا - وهدفنا من هذه الدراسة بيان سماحة الإسلام مع مخالفيه، وهذا يكفي فيه التمثيل ما دام الاستقصاء غير ميسور، ونبدأ بهذه المسألة:
* إدعاء أهل الكتاب أن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانيا؟
إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، فمن ذُرَّيته إسماعيل عليه السلام جد العرب، وإسحاق أبو يعقوب، ومن يعقوب تفرعت أنبياء بني إسرائيل وأسباطهم، وقد سجل القرآن الأمين هذه المناقب لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام فقال:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} .
وكان وجود إبراهيم قبل أن يُتزل الله التوارة على موسى عليه السلام بزمن طويل، وقبل أن ينزل الإنجيل على عيسى عليه السلام بزمن أطول، ومكانته في تاريخ أنبياء العهد القديم لم يرق إليها أحد منهم، لهذا حرص كل من اليهود والنصارى أن يكون منهم.
فاليهود ادَّعَوْا أنه كان يهودياً، والنصارى زعموا أنه كان نصرانياً.
وفي سورة آل عمران - المدنية - تصدى القرآن لهذه الدعوى فنفى ما ادعاه اليهود، ونفى ما زعمه النصارى وإليك البيان:
جادل اليهود والنصارى صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم، وجادلوا المسلمين في أمر إبراهيم عليه
السلام، كل منهم يزعم أنه من مِلَّته، فنزل الوحي حاسماً هذا الخلاف ومبطلاً دعاواهم:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
وهكذا قطع القرآن عليهم الحُجَّة من أقصر طريق، إذ كيف يكون إبراهيم يهودياً أو نصرانياً ولم تكن اليهودية ولا النصرانية معروفة في عصره، ومع هذا الاستدلال المفحم فقد عرَّض بهم القرآن ونسبهم إلى الحمق والسفه في قوله:{أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ؛ لأن هذه الدعوى لا يدعيها إلا من ذهب عقله.
ثم يخطو القرآن خطوة أخرى في إبطال دعاواهم، لأن أهل الكتاب قد يتمسكون بنسبهم ونسب أنبيائهم إلى إبراهيم، وهذا حق، ولكن القرآن يستبعد أن يكون للنسب السلالى وزن في هذا المجال. فالاعتبار للاقتداء والتأسَّي في الإيمان والعمل الصالح:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} .
واليهود والنصارى لم يتبعوا إبراهيم، لأن إبراهيم موحَّد وهم أشركوا بالله عزيراً وعيسى، وحرَّفوا الكتب المنزَّلة على أنبيائهم، وادّعوا لأنفسهم ما لم يدعه نبي مقرب ولا رسول مرسل.
أما الذين اتبعوا إبراهيم في حياته، وبع وفاته، ومنهم خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون بما جاء به، فهم أوْلى النًّاس بإبراهيم عليه السلام.
فانظر كيف ردّ القرآن مزاعمهم بأدلة عقلية وسنن إلهية، وكلها وسائل إقناع سلمية، لم تسل فيها دماء، ولم تحتدم حولها معارك، ولكنها حُجَج بّينات وكلمات حاسمات،
* * *