الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيأتي من وقائع السُنَّة ما يؤيد ما قلناه، ونقول مرة أخرى إن الإسلام دين السماحة والعفو في الحياة الدنيا، أما الآخرة فيواخذ كل امرئ بما كسب. وما ربك بظلام للعبيد.
* * *
*
مبدأ إسلامي عام في التسامح:
الفتن الدينية من أعقد المشكلات حلاً، وأسوئها آثاراً، وأسرعها اشتعالاً، وأبطئها خموداً، وتقديراً من الإسلام لهذه الاعتبارات، فإن القرآن العظيم نهى عن التجادل في شئون الغقيدة الدينية، ولم يرخص لأحد، كائناً من كان. أن ينصب من نفسه قاضياً للفصل بين الطوائف الدينية، لأن أحداً من الخلق لا يصلح للقيام بهذه المهمة. لذلك خطا القرآن خطوات واسعة في هذا المجال، وأرجاً الفصل في شئون العقيدة لله الواحد الدَّيان يوم يقوم الناس لرب العالمين.
ترى ذلك واضحاً جلياً في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .
وأنظر كيف أدرج القرآن مع المؤمنين واليهود والنصارى - وهم جميعاً أهل كتاب - الصابئين والمجوس والمشركين عموماً. وهم جميعاً ينتمون إلى أديان ليست كتابية.
يريد القرآن من هذا أن ينصرف كل أهل دين إلى حال سبيله ويعمل على شاكلته، ويُعْرض عن الاحتكاك بالآخرين فلا يثير معهم أموراً دينية تكون سبباً في اشعال الفتنة والاضطراب فيختل نظام الحياة، وتكون فتنة في الأرض وفساد كبير. إن الذي نقوله - هنا - ليس تخميناً ولا اجتهاداً يحتمل الصواب والخطأ. بل هو حكم قطعي الثبوت والدلالة، تواترت النصوصو المحمكة على تقريره وتوكيده. فخذ إليك مثلاً آخر قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي
مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} .
إن لهذا المبدأ العام في التسامح الديني في الإسلام آثاراً عميقة الجذور في إقرار السلام العالمي، فهو يكره الفتن أيّاً كان سببها دينياً كان أو غير ديني، لأن نشوب الفتن لا يحل المشكلات، بل يزيدها استعاراً، ويفتح الباب واسعاً لمكايد الشيطان، وهو يعتبر قتل نفس واحدة - عدوناً وظلماً - بمثابة قتل الناس جميعاً، والفتن مجازر لقتل الألوف من الناس لذلك قرر الإسلام هذا المبدأ العلم العظيم، فأوصد باب الجدل الديني حتى تقوم الساعة، والله وحده يتولى الفصل بين عباده؛ لأنه حَكَمٌ عدل، وهو على كل شيء شهيد.
أهذا الدين - الإسلام - بما فيه من هذه المبادئ يكون موضعاً للإتهام بالإرهاب والعنف وسفك الدماء ومصادرة الحريات والقهر على فرض العقيدة؟
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} .
* * *