الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة إلى الإسلام - هنا - تواجه طائفتين من البَشر: أهل الكتاب ومشركي العرب. وكل العقوبات التي رصدتها للمعرضين عن الإسلام عقوبات أخروية. ولم يأت ضمن هذه العقوبات أمر بقتال المعرضين أو أي عقوبة دنيوية لهم يقوم بايقاعها أحد من الناس.
وهذا معناه:
* إطلاق حرية الاعتقاد. وأن العقائد لا تفرض على الناس بقوة السلاح أو وسائل ضغط أخرى.
*
إن هذه الحرية لها ضابطان:
الأول: اختصاصها بأوضاع الناس في الحياة الدنيا.
الثاني: اختصاصها بعلاقات الناس بعضهم ببعض.
أما الله - سبحانه - فله من التدابير والتصرفات في شئون خلقه ما يقع في الدنيا، وما يقع في الأخرة:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} .
* * *
*
مهمة الدعاة:
أما مهمة الدعاة جميعاً - رسلاً وغير رسل - فهي البلاغ وحده وليس لهم سلطة الجبر والقهر على قبول الإسلام. وغذا كان الله قد قصر مهمة الرسل على البلاغ المبين. فغيرهم من الجعاة أولى بهذا القصر. وحين يخرج الدعاة عن هذا، ويرون أن من سلطتهم استعمال القوة لفرض الإسلام، يكونون في حاجة إلى دعاة آخرين أكثر منهم بصراً وبصيرة ليعلموهم آداب الدعوة إلى الحق كيف تكون.
* * *
*
نصوص أخرى تؤكد هذا المبدأ:
نعني بالمبدأ - هنا -: الاعتقاد، وقصر مهمة الدعاة على التبليغ والإبلاغ، وأنَّ ليس
لهم سلطة الإجبار. ومن النصوص القرآنية التي تؤكد هذا المبدأ قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} .
فهذا بيان صريح بأن في حالة التولي والإعراض فإن المتولين المعرضين يتحملون وزر توليهم أمام الله. والطاعة خير لهم. أما الرسول فليس عليه إحدا الهداية في قلوبهم، ولا فرض أصول الإيمان عليهم فرضاً. بل عليه - فحسب - البلاغ المبين. تبرأ ذمته منهم أمام الله.
وقوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} .
من المعلوم الذي لايكاد ينازع فيه عند علماء المعاني أن: "إنما" من الأساليب البلاغية يكون ما يقع بعدها مباشرة مقصوراَ على ما بعده، لا يتعداه إلى غيره من الصفات أو من الموصوفين. وتطبيق هذه القاعدة على الآية - هنا - جلى واضح. فالذي وقع بعد "إنما" مباشرة هو الجار والمجرور "عليك" والذي وقع بعده هو "البلاغ" والصمير، وهو "الكاف" في "عليك" مراد به الرسول صلى الله عليه وسلم. أي أن الواجب عليه في مجال الدعوة هو البلاغ وحده، ولا شيء غير البلاغ. وهذا يؤكد ما قدَّمناه مرات من أن الإجبار ليس من حق الدعاة، لأن الدعاة تابعون للرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المبدأ. أي أن حرية الاعتقاد في الحياة الدنيا مكفولة شرعاً ووحياً. أما حساب الرافضين للحق فلله وحده لا يشركه في ذلك أحد. والالتزام بهذا المنهج واجب النفاذ.
* * *
إنما أمن مذكر.... لستَ عليهم بمصيطر
بدأ هذا التوجيه الإلهي بلفت أنظار المدعويين إلى بعض دلائل القدرة الإلهية. وكيف أحكم الله خلق الإبل، ورفع السماء بلا عُمد، ونصب الجبال فأمكن نصبها، ومَهَّد سطح الأرض لتيسير الحياة عليه. وبعد هذه النماذج من الدعوة بالوسائل السلمية التي تستقطب العقول، وتأسر القلوب توجه إلى رسوله فأمره بالتذكير، بل حصر مهمته فيه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} وعلى غرار ما تقدم في: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} فإن مهمة الرسول هنا - كما هي هناك - محصورة في التذكير لا تتعداها إلى أي أمر آخر. ومع أن هذا المعنى مفهوم من دلالة التركيب، فإن القرآن أكَّده مرة أخرى:{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} أي لا سلطة لك عليهم بعد التذكير والإنذار والتبشير. وهذا المعنى جاء بطريق الإثبات في: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} وبطريق النفي في: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} وتأدية هذا المعني بطريق الإثبات مرة، والنفي أخرى أقوى وأبلغ من تأديته عن طريق الإثبات وحده، أو النفي وحده.
وهذا المنهج البياني - الجمع بين الإثبات والنفي في تأدية المعنى الواحد - يستعمله القرآن في المعاني ذات الشأن العظيم، ومنها المعنى الذي نتحدث عنه الآن.
أما الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} فليس معناه أن من تولى وكفر يكون للرسول عليه سيطرة، كلا. لأن هذا الاستثناء منقطع عما قبله وليس متصلاً به. وتمام معناه في قوله تعالى:{فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} .
ثم تأتي الآيتان (25 - 26) فتقطعان كل احتمال، حيث قرر الله في الأولى منهما أن