الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثُل من التاريخ النبوي
* النموذج السادس - من سورة الأنبياء:
ثم ساق القرآن عظة وعبرة من عبر التاريخ وعظاته على لسان أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام. وفيها يقول القرآن الأمين: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} .
سألهم إبراهيم ساخراً منهم ومن تماثيلهم عما هم فيه من ضلال، فما كان جوابهم إلا التقليد الأعمى لآبائهم. فكرَّ عليخم إبراهيم كَرَّة أخرى مسفهاً لهم ولآبائهم فقال لهم:{لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .
فوضعوا أمامه سؤالاً: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} ؟
فأجابهم بغير ما ينتظرون ألاعب هو أم جاد. بل صار بهم إلى حقيقة التوحيد مباشرة: {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} .
ثم تحداهم عَيَاناً جهاراً في أسلوب قَسَمى هادر: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} هكذا يقف إبراهيم عليه السلام أُمَّة وحده حزب الشيطان ويخاطبهم علانية بأنه سيكيد آلهتهم، ثم ينفذ عزمه في قوة وإصرار:{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} .
لقد حَطَّم أصنامهم وأحالها إلى أنقاض دارسة إلا صنماً واحداً علَّق الفأس الذي حطَّم به بقية الأصنام في عنقه نكاية فيهم وسخرية بهم.
وحين قدموا عليها في صبيحة عيد وجدوا المفاجأة المذهلة في انتظارهم؟ لقد وجدوا الآلهة التي جاءوا ليعبدوها ويتقربوا إليها أكواماً من الطوب والتراب.
* * *
* المحاكمة:
قرورا أن يعقدوا له محاكمة سريعة في مسرح الحدث الضخم الذي وقع ليلاً وهم وآلهتهم غافلون، محاكمة علنية أمام الجمهور ثم جئ بالمتهم البرئ. وسرعان ما جرى استجوابه:{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} .
فكان جوابه الساخر: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}
لقد وقع هذا القول من أنفسهم موقع الصدق فلاحت لهم بسببه أشعة الهدى. ويسجل القرآن هذه الومضة فيقول: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} .
ولكن ما كان الشيطان ليخلى سبيلهم فيمضوا في طريق التوحيد إلى نهايته بعد أن لاحت لهم أضواؤه فسرعان ما اراتدوا: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ....} وقالوا لإبراهيم: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} .
وهنا يثب إبراهيم عليه السلام وثبته الخالدة على الباطل الذي انخدع به أبوه وقومه، وهم يرون أصنامهم تلالاً من الأنقاض:{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
هزئ منهم ومن آلهتهم، وحقرّهم وحقَّر آلهتهم:{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، وقد في سلامة عقولهم:{أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ؟ لقد ساقهم إبراهيم سوقاً إلى هذا المشهد التربوي الحكيم وأراهم أن ما يدعون من دون الله لا يدفع عن نفسه شراً، ولا يجلب لها خيراً، فكيف يرجون - هم - منها نفعاً أو ضراً؟! إنَّ فاقد الشيء لا يعطيه أبداً. فما بالهم بمن فقد نفسه؟
* * *
* الحكم:
لم يذعن قوم إبراهيم للحق الذي أبصروه، ولم يكفروا بأصنامهم التي صارت {مَثَلُهُ} أمام أعينهم، فحكموا على إبراهيم بالإعدام حرقاً، انتقاماً منه، وثأراً لأنفسهم:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} فجمعوا الوقود وأضرموا النار، وألقوا فيها إبراهيم رسول التوحيد وهي مستعرة.
* * *
* ولكن هيهات:
وأردكت عناية الله إبراهيم أسرع إليه من مس النار ظواهر جلده، لأن رب التوحيد ناداها فأمرها:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فكانت كما أمرها من بيده مقاليد كل شيء. وهيهات هيهات لما أرادوا.... ثم كانت النهاية: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} .
ساق القرآن هذه القصة الزاجرة لمشركي العرب. فقد كان من قبل يحاورهم في شأن الأصنام وهي شخوص ماثلة للعيان، أما في هذه القصة فقد آراهم الأصنام هشيماً تذروه الرياح، وأصنام قوم إبراهيم هي أصنام المشركين في كل زمان ومكان، وما وقع لها على يد إبراهيم جائز الوقوع في كل لحظة، وقد حدث هذا فعلاً عام فتح مكة حيث طهَّر الفاتحون بيت الله الحرام منها، ولم يبق صنم في مكة بعد الفتح إلا وصار كتلاً من الصخور المفتتة، ثم ذهب كل شيء وارتفعت أعلام التوحيد في ربوع البلد الحرام و {.... جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} .
* * *