الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا كان لكل قتال وقع بين المسلمين وغيرهم في عصر النبوة الذي قصرنا هذه الدراسة عليه، سبب غير الكفر أياً كان نوعه. وفي هذا كله أقطع الأدلة على أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلام لا الحرب. وأن قتال المسلمين لغيرهم كان سببه "المحاربة" من غير المسلمين للمسلمين، وليس سببه الكفر المجرد كما يذهب من قال إن العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي علاقة الحرب لا علاقة السلام.
* * *
*
موازنة بين أدلة القريقين:
ذكرنا فيما تقدم أقوى أدلة الفريقين: القائلين بأن علاقة المسلمين بغيرهم علاقة حرب دائماً وفي كل حال: قاتلونا أو لم يقاتلونا، وفَواْ بعهودنا أو لم يفوا؛ لأن سبب قتال المسلمين لغير المسلمين هو الكفر فكيفما وجد الكفر وجب القتال. سواء أنضم إليه سبب آخر كنقض عهد أو اعتداء أو لم ينضم، فعلة الحكم عندهم هي الكفر؟!
وأدلة القائلين بأن علاقة المسلمين بغيرهم الأصل فيها: أنها علاقة سلام إلا إذا دعا داع لقتالهم، كأن يقاتلونا مثلاً. وعِلَّة الحكم عند هذا الفريق من العلماء هي: المحاربة. فمن حاربنا حاربناه، ومن لم يحاربنا فما جعل الله لنا عليهم سلطاناً.
ذكرنا أدلة هؤلاء وهؤلاء، أو ذكرنا أقواها، ونريد الآن أن نقوم بموازنة بين أدلة الفريقين، موازنة نصل منها إلى حقيقة العلاقة بين المسلمين وغيرهم:
أهي علاقة حرب وخصام دائماً؟ أم هي في الأصل علاقة سلام؟ ولنبدأ بالنظر في أدلة الفريق الأول
…
*
مناقشة أدلة الفريق الأول:
كان أول دليل من القرآن ذكرناه للفريق الأول هو قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ....}
هذه الآية كانت ضمن توجيهات من الله لرسوله وللمسلمين تجاه حالات خاصة بين المسلمين والمشركين، فقد عاهد النبي وأصحابه مشركي العرب بإذن الله، فنكث المشركون ما عاهدوا عليه صاحب الرسالة وأصحابه إلا بني ضمرة، فقد حافظوا على العهد، فأمر الله رسوله أن يمهل من نكث عهده من المشركين أربعة أشهر، هي الأشهر الحرم، فلا يقاتلهم خلالها. ثم إذا انقضت الأشهر الأربعة قاتلهم إلا بني ضمرة، ثم عاد فاستثنى بني ضمرة من نقض العهود مرة أخرى حيث قال:{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} أي لا تقاتلوهم - يعني بني ضمرة - ما داموا موفين بعههم لكم، فالاستثناء كما ترى متصل: أي استثنى مشركين من مشركين أعم منهم فدل ذلك على أمرين:
الأول: أن قتال رسول الله والمسلمين للمشركين كان سببه نقض العهود وليس الشرك.
الثاني: أن الإعراض عن بني ضمرة وترك قتالهم كان سببه وفاءهم بعهدهم للمسلمين على رغم أنهم مشركون.
والدليل على أن الأمر بالقتال كان خاصاً بمشركي العرب في قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قوله تعالى بعد ذلك بآيات: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ....} فْالَهمّ بإخراج الرسول ليس عاماً من كل المشركين في كل زمان ومكان، بل خاص بمشركي العرب في مكة قبل الفتح.