الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأَصوَاتِكُم، فَإِنَّ الصَّوتَ الحَسَنَ يَزِيْدُ القُرْآنَ حُسْناً (1)) .
صَدَقَةُ: صَدُوْقٌ.
18 - عِمَادُ الدَّوْلَةِ بنُ هُودٍ *
كَانَ أَحَدَ مُلُوْكِ الأَنْدَلُسِ فِي حُدُوْدِ الخَمْسِ مائَةِ، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ تَملَّكُوا شرقَ الأَنْدَلُسِ، فَلَمَّا اسْتولَى المُلَثَّمُوْنَ عَلَى الأَنْدَلُسِ، أَبقَى يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْنَ عَلَى ابْنِ هودٍ، فَلَمَّا تَملَّكَ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بَعْدَ أَبِيْهِ كَانَ فِيْهِ سلَامَةُ باطنٍ، فَحَسَّنَ لَهُ وُزَرَاؤُهُ أَخْذَ المُلكِ مِنِ ابْنِ هُودٍ، حَتَّى قَالُوا لَهُ: إِن أَمْوَالَ المُسْتَنْصِرِ العُبيديِّ صَارَت فِي غلَاء مِصْرَ المُفرِطِ تَحَوَّلَتْ كُلُّهَا إِلَى بنِي هُودٍ،
وَقَالُوا: الشَّرْعُ يَأْمرُكَ أَنْ تَسْعَى فِي خلعهِم، لِكَوْنِهِم مُسَالِمِينَ الرُّوْمَ، فَجَهَّزَ لَهُم الأَمِيْرَ أَبَا بَكْرٍ بنَ تيفلوت (2) ، فَتحصَّنَ عمَادُ الدَّوْلَةِ بِرُوْطَةَ (3)، وَكَتَبَ إِلَى عَلِيِّ بنِ تَاشفِيْنَ يَسْتَعطِفُهُ فِي المُسَالَمَةِ وَيَقُوْلُ:
لَكُم فِيمَا فَعلَه أَبوكم أُسْوَةٌ
(1) اسناده قوي على شرط مسلم، وأخرجه الحاكم 1 / 575 من طريق أبي محمد عبد الله
بن عبد الرحمن السمرقندي، حدثنا محمد بن بكر حدثنا صدقة بهذا الإسناد بلفظ " زينوا " وأخرج القسم الأول منه من غير هذه الطريق عن البراء أحمد 4 / 285 و296 و304، وأبو داود (1468) والدارمي 2 / 474، والنسائي 2 / 179 - 180، وابن ماجه (1342) والحاكم 1 / 575، وإسناده صحيح.
(*) الكامل لابن الأثير 9 / 289، الحلة السيراء 2 / 248، 249، المغرب في حلي المغرب 2 / 438، أعمال الاعلام 202، الحلل الموشية: 71، تاريخ ابن خلدون 4 / 163، نفح الطيب 1 / 441، الاستقصا في أخبار المغرب الاقصى 2 / 66، 67، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة:90.
واسمه: عبد الملك بن أحمد بن يوسف بن هود الجذامي، أبو مروان.
(2)
هو أبو بكر بن إبراهيم المعروف بابن تيفلوت - وورد في " نفح الطيب "" تيفلويت " بزيادة ياء بعد الواو - أحد أمراء المرابطين، وكان واليا على سرقسطة، توفي سنة 510 هـ.
مترجم في " الاستقصا في أخبار المغرب الاقصى " 2 / 65، و" الاحاطة " 1 / 404 - 409.
(3)
روطة: حصن من أعمال سرقسطة حصين جدا. " معجم البلدان " 3 / 96.
حَسَنَةٌ، وَسيعلمُ مُبْرِمُ هَذَا الرَّأْي عِنْدكُم سوءَ مَغَبَّتِهِ، وَاللهُ حسيبُ مَنْ مَعِي، وَحسبنَا اللهُ وَكَفَى.
فَأَمرَ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بِالكَفِّ، وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدْ أَدْخَلته الرعيَّةُ سَرَقُسْطَة، وَكَانَ ابْنُ رُذمِيْر اللعينُ صَاحِبُ مَمْلَكَةِ أَرَغُوْنَة مِنْ شرقِ الأَنْدَلُسِ قِسِّيْساً مُجَرَّباً، دَاهِيَةً مترهِّباً، فَقوِيَ عَلَى بِلَادِ ابْنِ هودٍ وَطوَاهَا، وَقنعَ عمَادُ الدَّوْلَةِ بن هود بِدَارِ سُكْنَاهُ، وَكَانَ ابْنُ رُذمِيْر لَا يَتَجَهَّزُ إِلَاّ فِي عَسْكَرٍ قَلِيْلٍ كَامِلِ العُدَّةِ، فَيَلقَى بِالأَلفِ آلَافاً.
قَالَ اليَسعُ بنُ حَزْمٍ: حَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ هِلَالٌ أَحَدُ وُجُوهِ العربِ، قَالَ:
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ المُرَابِطِيْنَ أَمرٌ أَلجَأَنِي إِلَى الوُفُوْدِ عَلَى ابْنِ رُذمِيْر، فَرحَّبَ بِي، وَأَمرَ لِي برَاتبٍ كَبِيْرٍ، فَحَضَرت مَعَهُ حرباً طُعن عَنْهُ حصَانُهُ، فَوَقَفتُ عَلَيْهِ ذَابّاً عَنْ حَوزتِهِ، فَلَمَّا انْصرفنَا إِلَى رشقَة، أَمرَ الصوَّاغِيْنَ بعملِ كَأْس مِنْ ذَهَبٍ رَصَّعه بِالدُّرِّ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ: لَا يَشربُ مِنْهُ إِلَاّ مَنْ وَقَفَ عَلَى سُلْطَانِهِ.
فَحَضَرتُ يَوْماً، فَأَخْرَجَ الكَأْسَ، وَملأَهُ شرَاباً، وَنَاولنِي بحضرَةِ أَلفِ فَارِسٍ، وَرَأَيْتُ أَعْنَاقَهُم قَدِ اسودَّتْ مِنْ صدَأِ الدُّرُوْعِ.
قَالَ: فَنَادَيتُ، وَقُلْتُ: غَيْرِي أَحقُّ بِهِ.
فَقَالَ: لَا يَشربُ هَذَا إِلَاّ مَنْ عَمِلَ عَملَكَ.
وَكَانَ هِلَالٌ هَذَا مِنْ قَرْيَة هِلَالِ بنِ عَامِرٍ، تَابَ بَعْدُ، وَغَزَا مَعَنَا، فَكَانَ إِذَا حَضَرَ فِي الصَّفِّ جَبَلاً رَاسياً يَمنعُ تَهَائِمَ الجُيُوْشِ أَنْ تَمِيدَ، وَقَلْباً فِي البسَالَةِ قَاسياً، يَقُوْلُ فِي مُقَارعَة الأَبْطَالِ: هَلْ مِنْ مزِيدٍ؟
أَبْصَرتُهُ رحمه الله أُمَّةً وَحْدَهُ، يَتحَامَاهُ الفَوَارِسُ، فَحَدَّثَنِي عَنِ ابْنِ رُذمِيْر وَإِنصَافِهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَهُ بِظَاهِرِ رُوطَةَ، وَقَدْ وَجَّه إِلَيْهِ عمَادُ الدَّوْلَةِ وَزِيْرَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللهِ بنَ هَمُشْك (1) الأَمِيْرَ رَسُوْلاً، فَطَلبَ فَارِسٌ مِنِ ابْنِ رُذمِيْر أَنْ يُمكَّنَ مِنْ مبَارزَةِ ابْنِ هَمُشْك، فَقَالَ: لَا، هُوَ عِنْدنَا ضَيفٌ.
فَسَمِعَ بِذَلِكَ ابْنَ هَمُشْك، وَأَمْضَى ابْنُ رُذمِيْر حَاجتَهُ،
(1) بفتح الهاء وضم الميم وسكون الشين، انظر ضبطه ومعناه في " الاحاطة " 1 / 297.
وَصرفَهُ.
فَقَالَ: لَا بُدَّ لِي مِنْ مُبَارزَةِ هَذَا.
فَأَمرَ الملكُ ذَاكَ الفَارِسَ بِالمبَارزَةِ، وَقَالَ: هَذَا أَشجعُ الرُّوْمِ فِي زَمَانِهِ.
فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللهِ يُرِيْدُ رُوطَةَ، وَخَرَجَ وَرَاءهُ الرُّوْمِيُّ شَاكّاً فِي سلَاحِه، وَمَا مَعَ ابْنِ هَمُشْك درعٌ وَلَا بيضَةٌ، فَأَخَذَ رُمحَهُ وَطَارِقتَهُ مِنْ غُلَامِهِ، وَقصدَ الرُّوْمِيَّ، فَحَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الآخر حملَات، ثُمَّ ضربَهُ ابْنُ هَمُشْك فِي الطَّارقَةِ، فَأَعَانَهُ اللهُ، فَانقطعَ حِزَامُ الفَارِس، فَوَقَعَ بسرجِهِ إِلَى الأَرْضِ، فَطعنه ابْن هَمُشْك، فَقَتَلَهُ، وَالملكُ يُشَاهِدُهُ عَلَى بُعْد، فَهمَّتِ الرُّوْمُ بِالحملَةِ عَلَى ابْنِ هَمُشْك، فَمنعهُم الملكُ، وَنَزَلَ غُلَام ابْن هَمُشْك، فَجرَّدَ الفَارِسَ، وَسَلَبَهُ، وَأَخَذَ فَرسَهُ، وَذَهَبَ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى نَاحِيَتِنَا، فَمَا أَدْرِي مِمَّ أَعْجَبُ: مِنْ إِنصَافِ الملكِ؟ أَوْ مِنِ ابْنِ هَمُشْك كَيْفَ مَضَى وَلَمْ يُعرِّجْ إِلَيْنَا؟!
وَأَقَامَ ابْنُ رُذمِيْر مُحَاصِراً (1) سَرَقُسْطَة زَمَاناً، وَأَخَذَ كَثِيْراً مِنْ حُصُوْنِهَا، فَلَمَّا رَأَى أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ غَلْبُوْنَ القَائِدُ مَا حلَّ بِتِلْكَ البِلَاد مِنَ الرُّوْمِ، ثَار بدورقَة وَقَلْعَة أَيُّوْب وَملينَة، وَجَمَعَ وَحشد، وَكَافح ابْنَ رُذمِيْر، وَاسْتَوْلَى أَبُو بَكْرٍ بنُ تيفلوت عَلَى سَرَقُسْطَة، وَأَقَامَ بقَصْرهَا فِي لذَّاتِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ غَلبُوْنَ، فَأَحْسَنَ السِّيْرَةَ، وَعدلَ وَجَاهدَ وَرُزِقَ الجُنْدَ، رَأَيْتُهُ رَجُلاً طُوَالاً جِدّاً، وَاجتمعتُ بِهِ، أَقَامَ مُثَاغراً لابْنِ رُذمِيْر شَجَىً فِي حلقِهِ، التَقَى مَرَّةً فِي أَلفِ فَارِسٍ لابْنِ رُذمِيْر، وَالآخر فِي أَلفٍ، فَاشتدَّ بَيْنهُمَا القِتَالُ وَطَالَ، ثُمَّ حَمَلَ ابْنُ غلبُوْنَ عَلَى ابْنِ رُذمِيْر، فَصَرَعَهُ عَنْ حصَانه، فَدَفَعَ عَنْهُ أَصْحَابُه، فَسَلِمَ، ثُمَّ انْهَزَمُوا، وَنَجَا (2) اللعينُ فِي نَحْوِ المائَتَيْنِ فَقَطْ.
وَأَمَّا ابْنُ تيفلوت، فَإِنَّهُ رَاسلَ ابْنَ غَلبُوْنَ وَخَدَعَهُ، حَتَّى حسَّنَ لَهُ زِيَارَةَ أَمِيْرِ المُسْلِمِينَ عَلِيِّ بنِ
(1) في الأصل: محاصر والصواب ما أثبتناه.
(2)
في الأصل: أو نجا والصواب ما أثبتناه.
يُوْسُفَ، فَاسْتَخلفَ عَلَى بِلَادِهِ وَلدَهُ أَبَا المُطَرِّفِ، وَكَانَ مِنَ الأَبْطَالِ المَوْصُوْفِيْن أَيْضاً، فَقَدِمَ مُحَمَّدٌ مَرَّاكُش، فَأُمسِكَ، وَأُلزِمَ بِأَنْ يُخَاطِبَ بَنِيهِ فِي إِخلَاءِ بِلَادِهِ لِلمُرَابِطِيْنَ، فَأَخلَوهَا طَاعَةً لأَبِيْهِم، وَتَرَحَلُّوا إِلَى غربِ الأَنْدَلُسِ، فَفَرح بِذَلِكَ ابْنُ رُذمِيْر، وَحَصَرَ سَرَقُسْطَة، وَصنعَ عَلَيْهَا بُرْجَيْنِ عَظِيْمَينِ مِنْ خشبٍ، وَإِنَّ أَهْلهَا لَمَّا يَئسُوا مِنَ الغِيَاثِ، خَرَجُوا، وَأَحرقُوا البُرجَيْنِ، وَاقْتَتَلُوا أَشدَّ قِتَالٍ، وَكَتبُوا إِلَى ابْنِ تَاشفِيْنَ يَسْتَصرخونَ بِهِ، وَمَاتَ ابْنُ تيفلوت، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، فَأَنجدَهُم بِأَخِيْهِ تَمِيْمِ بنِ يُوْسُفَ، فَقَدِمَ فِي جَيْشٍ كَبِيْرٍ، وَعَنَّى ابْنُ رُذمِيْر جُيُوْشَهُ، فَفَرح أَهْلُ سَرَقُسْطَة بِتَمِيْمٍ، فَكَانَ عَلَيْهِم لَا لَهُم، جَاءَ مُوَاجِهَ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ نَكَّبَ عَنْهَا، وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْ خَيلِهَا وَرَجِلِهَا قَدْ تَلَقَّوهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِم حَملَةً قَتَلَ مِنْهُم جَمَاعَةً كَثِيْرَةً، ثُمَّ نَكَّبَ عَن لقَاءِ العَدُوِّ، وَانْصَرَفَ إِلَى جهَاتِ المورَالَة، وَاشتدَّ البَلَاءُ عَلَى البلدِ، ثُمَّ سَلَّمُوْهُ بِالأَمَانِ، عَلَى أَنَّ مَنْ شَاءَ أَقَامَ بِهِ.
وكَانَ ابْنُ رُذمِيْرَ مَعْرُوْفاً بِالوَفَاء، حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، فَفَقدهَا، فَأُخبِرَ أَنَّ كَبِيْراً مِنْ رُؤُوْسِ الرُّوْمِ خَرَجَ بِهَا إِلَى سَرَقُسْطَة، فَتَبِعَهُ أَبوَاهَا وَأَقَارِبُهَا، فَشكوهُ إِلَى ابْنِ رُذمِيْر، فَأَحضرَهُ، وَقَالَ: عَلَيَّ بِالنَّارِ، كَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا بِمَنْ هُوَ فِي جِوَارِي؟
فَقَالَ الرُّوْمِيُّ: لَا تَعجل عليَّ، فَإِنَّهَا فَرَّتْ إِلَى دِيننَا.
فَجِيْءَ بِهَا، فَأَنْكَرَتْ أَبويهَا وَارتدَّتْ.
وَلَمَّا دَخَلَ سَرَقُسْطَة، أَقرَّهُم عَلَى الصَّلَاةِ فِي جَامِعهَا سَبْعَةَ أَعْوَام، وَبعدَ ذَلِكَ يَعملُ مَا يَرَى، وَحَاصَرَ قُتُنْدَة (1) بَعْد سَرَقُسْطَة سَنَتَيْنِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، قَصَدَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ حيونَة فِي جَيْشٍ فِيهِم قَاضِي المرِيَّة أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الفَرَّاءِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، فَبَرَزَ لَهُم اللعينُ، فَقتل خلقاً، وَأُسِرَ آخرُوْنَ،
(1) وهي ثغر سرقسطة من قرى مرسية: انظر " معجم البلدان " 4 / 310، و" المغرب " 2 / 264.