الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (33)
والمسارعة إلى الصلوات المكتوبات في أوائل الأوقات أفضل الأعمال، كذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة عن أشرف الخلق، وأصدقهم في المقال، وإتمام الركوع والسجود، والانتصاب التام بالقيام والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة (1) في ذلك كلّه واجبٌ، وتارك ذلك غير مصلٍّ، وللسنة مجانب.
والتواصي بقيام الليل، وصلة الأرحام، والتعفف عن المأكل والمشرب (2) والملبس والمنكح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في الخيرات، والبدار إليها، واتقاء سوء عاقبة الطَّمع.
والتحاب في الله وأسبابه، والعمل بالحق، والصبر على طِلَابه، ونفي الجدال في أصول الدَّين، واجتناب أهل الضَّلالة والجهالة المارقين، ومعاداة أهل الأهواء والبدع، والاستعانة على ذلك بالتَّضرع والالتجاء، والاقتداء برسول الله وبأصحابه؛ الذين هم كالنجوم، وبأيِّهم اقتدى اهتدى الصادق (3) المرحوم (4)، واتباع آثار السلف الصالحين،
(1) في (ظ) و (ن): (بالطمأنينة).
(2)
في (ظ) و (ن): (المآكل والمشارب).
(3)
(الصادق) ليست في (ظ).
(4)
شبه المصنف رحمه الله الصحابة رضي الله عنهم بالنجوم من حيث هدايتهم ودلالتهم من سار على دربهم، وقد ورد ذلك في حديث مرفوع لا يثبت، ولفظه:"أصحابي كالنّجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".
وقد أخرجه ابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله (2/ 925) رقم (1760)، وابن =
والتمسك بما كانوا عليه وبه (1) مستمسكين (2) من الدين المتين، والحق المبين.
وبغض (3) أهل البدع (4) الذين أحدَثوا في الدِّين ما ليس منه، ولا نحبهم ونصحبهم، ولا نسمع (5) لكلامهم، ولا نجالسهم،
= حزم في الإحكام (6/ 244) من حديث جابر.
قال ابن عبد البرّ: (هذا إسناد لا تقوم به حجّة).
وقال ابن حزم: (هذه رواية ساقطة من طريق ضعيف إسنادها).
وروي من حديث ابن عمر أيضاً، وأبي هريرة، وعمر كما في التلخيص الحبير لابن حجر (4/ 209 - 210)، وكلّها ضعيفة أو موضوعة، كما نصّ الحافظ ابن حجر على ذلك.
والحديث ذكره الألباني في الضعيفة (1/ 78) رقم (58)، وقال:(موضوع).
ونظراً لكون المعنى الذي دل عليه الحديث معناً صحيحاً عبر المصنف رحمه الله بلفظه دون رفعه إلى النبي (وذلك من حسن تصرفه، وتمام علمه).
(1)
في (ظ) و (ن): (بما كانوا به).
(2)
في (ظ) و (ن): (متمسكين).
(3)
في (ظ): (وبعض).
(4)
أهل البدع من المسلمين تجتمع فيهم الولاية والعداوة، فيوالون، ويحبون لإسلامهم وما فيهم من خصال الإيمان والبر والخير، ويبغضون على قدر بدعتهم، فهم محبوبون من وجه ومبغضون من وجه آخر، إذ من المقرر عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان إذا ذهب بعضه لا يذهب كله، فيبقى في الشخص موجبات الثواب والعقاب، وموجبات المحبة والبغض، فيثاب ويحب على قدر ما حقق من الإيمان، ويعاقب ويبغض على قدر ما ترك من الإيمان.
وكلام المصنف رحمه الله هنا جار على أصولهم، من حيث بغضهم على قدر بدعهم هجراً لهم، وتنفيراً منهم.
انظر: مجموع الفتاوى (28/ 209 - 210)، وشرح العقيدة الطحاوية (2/ 506 - 507)، وموقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع للرحيلي (2/ 477 - 480).
(5)
في (ظ) و (ن): (لا تحبهم، ولا تصحبهم، ولا تسمعهم).
ولا نجادلهم (1) في الدين، ولا نناظرهم (2)(3)، ونصون أسماعنا عن
(1) في (ظ) و (ن): (ولا تجالسهم، ولا تجادلهم).
(2)
في (ظ) و (ن): (ولا تناظرهم).
(3)
وردت النصوص بالأمر بالجدال والمناظرة والحث عليهما، كما وردت أيضاً بالنهي عن ذلك، والتحذير منهما، والجمع بين هذه النصوص بأن يقال: إن المناظرة والجدال منهما ما هو محمود، ومنهما ما هو مذموم.
يقول ابن حزم رحمه الله في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (1/ 19 - 23): "قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، فصحَّ بهذه الآية أن كلام الله تعالى لا يتعارض ولا يختلف، فوجدناه تعالى أثنى على الجدال بالحق، وأمر به، فعلمنا يقيناً أن الذي أمر به تعالى هو غير الذي نهى عنه بلا شك، فنظرنا في ذلك لنعلم وجه الجدال المنهي عنه المذموم، ووجه الجدال المأمور به المحمود؛ لأنا قد وجدناه تعالى قد قال:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] ووجدناه تعالى قد قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] فكان تعالى قد أوجب الجدال في هذه الآية، وعلَّم فيها تعالى جميع آداب الجدال كلها من الرفق والبيان، والتزام الحق، والرجوع إلى ما أوجبته الحجة القاطعة.
قال أبو محمد: فلما وجدنا الله تعالى قد أمر في الآيات التي ذكرنا بالحجاج والمناظرة، ولم يوجب قبول شيء إلا ببرهان، وجب علينا تطلب الحجاج المذموم على ما قدمناه، فوجدناه قد قال:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الكهف: 56] فذم تعالى كما ترى الجدال بغير حجة، والجدال في الباطل. =
أباطيلهم؛ التي إذا قرّت في الآذان وقرتْ في القلوب وضرّت، وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، قال الله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
= وقال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35].
فقد جمعت هذه الآيات بيان الجدال المذموم، والجدال المحمود الواجب، فالواجب هو الذي يجادل متوليه فى إظهار الحق، والمذموم وجهان بنص الآيات؛ التي ذكرنا: أحدهما: من جادل بغير علم، والثاني: من جادل ناصراً للباطل بشغب وتمويه بعد ظهور الحق إليه
…
".
إضافة إلى أن الجدال والمناظرة قد ينهى عنهما لأمر خارج عما سبق كالجدال والمناظرة؛ التي توجب حصول الشبهات، أو المناظرة والجدال لمن هو فاقد الأهلية لهما.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في درء التعارض (7/ 184): "وكلام السلف في ذم الكلام متناول لما ذمه الله في كتابه، والله سبحانه قد ذم في كتابه: الكلام الباطل، والكلام بغير علم.
وأما جنس النظر والمناظرة فهذا لم ينه السلف عنه مطلقاً، بل هذا إذا كان حقاً يكون مأموراً به تارة، ومنهياً عنه أخرى، كغيره من أنواع الكلام الصدق، فقد ينهى عن الكلام الذي لا يفهمه المستمع، أو الذي يضر المستمع، وعن المناظرات التي تورث شبهات وأهواء، فلا تفيد علماً ولا ديناً".
ولهذا اتخذ أهل السنة والجماعة المناظرة وسيلة من وسائل إظهار السنة، وقمع البدعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما يترتب عليهما من تمييز الحق من الباطل، والدعوة إلى الخير وبيان دلائله، والتحذير من الشر، وبيان عواره.
وانظر: الإحكام في أصول الأحكام (1/ 19 - 23)، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (1/ 230 - 235)، درء تعارض العقل والنقل (7/ 184)، الجواب الصحيح (1/ 85 - 90)، فتح القدير للشوكاني (4/ 481).
وعلامات البدع على أهلها تظهر ولا تخفى، وأظهر علاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم، واستخفافهم بهم، وتسميتهم إياهم حشوية (1)، ومشبّهة (2)، وجهلة، اعتقاداً منهم في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما تلقيه الشياطين إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم
(1) الحشوية: كثير من أهل البدع يسمون أهل السنة المتبعين لآثار السلف حشوية، وأول من ابتدعها زعيم المعتزلة عمرو بن عبيد، حيث يقول: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه حشوياً، والمعتزلة يسمون الجماعة والسواد الأعظم: الحشو، كما تسميهم الرافضة: الجمهور.
ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه اللفظة فيقول: (أما لفظ الحشوية فليس فيه ما يدل على شخص معين، ولا مقالة معينة، فلا يدرى من هم هؤلاء. وقد قيل أن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد فقال: كان عبد الله بن عمر حشوياً، وكان هذا اللفظ في اصطلاح من قاله يريد به العامة الذين هم حشوة، كما تقول الرافضة عن مذهب أهل السنة: مذهب الجمهور). منهاج السنة النبوية (2/ 520).
وانظر: مجموع الفتاوى (12/ 176)، وبيان تلبيس الجهمية (1/ 240).
(2)
المشبهة: هم الذين شبهوا ذات الباري بذات غيره، أو شبهوا صفاته بصفات غيره. والمشبهة لذات الله بغيره أصناف متعددة:
أ - قسم خارج الدين وإن انتسب له، منهم: السبئيون، والبيانية، والمغيرية، والمنصورية، والخطابية، والحلولية، وغيرها.
ب - قسم عدهم البعض من فرق الملة لإقرارهم بلزوم أحكام القرآن والشرع، منهم: الهشامية، واليونسية، والكرامية، وغيرها.
أما المشبهة لصفات الله بصفات خلقه، مثل: معتزلة البصرة، والكرامية، وغيرهم. ويطلق أهل البدع من المتكلمين والفلاسفة وغيرهم على من أثبت حقيقة الصفات التي وردت بها النصوص والأخبار، كما يليق بالله عز وجل مشبهة، ويعنون بذلك أهل السنة والجماعة من السلف الصالح وأهل الحديث.
انظر: الفرق بين الفرق (ص 225)، والملل والنحل (1/ 103)، وشرح العقيدة الطحاوية (1/ 57).
[المظلمة](1)، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير العاطلة، وكلماتهم وحججهم الدَّاحضة الباطلة، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].
وروى (2) الحاكم أبو عبد الله [الحافظ](3) رحمه الله بإسناده إلى أحمد [بن سنان](4) القطان (5) أنه قال: (ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة (6) الحديث من قبله) (7). وقال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي (8)، (9): (كنت أنا
(1) في (ص): (المضلة)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(2)
في (ظ) و (ن): (روى) بدون واو.
(3)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(4)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(5)
هو أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، أبو جعفر الواسطي القطان، ولد بعد السبعين، سمع من أبي معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح، وحدث عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم.
قال ابن أبي حاتم: هو إمام أهل زمانه، وقال أبوه: ثقة صدوق، مات سنة 256 هـ.
انظر: الجرح والتعديل (2/ 53)، وسير أعلام النبلاء (12/ 244)، وتهذيب التهذيب (1/ 65).
(6)
في (ظ) و (ن): (حلوة).
(7)
أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص 136) رقم (145) من غير طريق الحاكم، والصابوني في عقيدة السلف (ص 299 - 300) من طريق الحاكم به.
(8)
في (ظ) و (ن): (الزيدي).
(9)
هو محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، أبو إسماعيل الترمذي، روى عن أيوب بن سليمان بن بلال، والحميدي. وعنه الترمذي والنسائي، ووثقه النسائي. وقال أبو بكر الخلال: رجل معروف ثقة، كثير العلم. وقال الخطيب: كان فهماً متقناً، مشهوراً بمذهب السنة.
وأحمد بن الحسين (1) الترمذي (2)، (3) عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسين: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قتيلة (4)، (5) بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه، وقال (6): زنديق، زنديق، زنديق، ودخل البيت) (7).
= انظر: تاريخ بغداد (2/ 42)، وتذكرة الحفاظ (2/ 604) وتهذيب التهذيب (7/ 54).
(1)
في عقيدة السلف: (الحسن) وهو الصحيح.
(2)
في (ظ) و (ن): (الزيدي).
(3)
هو أحمد بن الحسن بن جنيدب، أبو الحسن الترمذي، صاحب الإمام أحمد بن حنبل روى عنه وعن عبد الله بن نافع وغيرهما، وعنه البخاري، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم.
قال ابن خزيمة: كان أحد أوعية العلم. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال الحاكم: كتب عنه كافة مشايخنا، وسألوه عن علل الحديث والجرح والتعديل. توفي كما قال الذهبي قبل سنة 243 هـ.
انظر: تذكرة الحفاظ (2/ 536)، وسير أعلام النبلاء (12/ 156)، وتهذيب التهذيب (1/ 55).
(4)
في (ظ) و (ن): (قبيلة).
(5)
يمكن أن يكون هو يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن داود بن أبي قتيلة السلمي، أبو إبراهيم المدني. قال أبو حاتم ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما وهم وخالف.
انظر: تهذيب التهذيب (11/ 174)، والجرح والتعديل (4/ 127).
(6)
في (ظ) و (ن): (فقال).
(7)
أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص 137 - 138) رقم (147) من طريق شيخه أبي بكر عن الحاكم، وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 38)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 300 - 301) سماعاً من الحاكم، وذكره ابن عبد الهادي في بحر الدم في من تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم (ص 506) رقم (1267).
وقال أبو نصر بن سلام الفقيه (1): (ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد، ولا أبغض إليهم من سماع الحديث، وروايته بإسناده)(2).
وقال الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه (3) - وهو يناظر رجلاً -: (حدثنا فلان، فقال الرجل: دعنا من حدثنا، إلى متى حدثنا؟ فقال له الشيخ: قم يا كافر، ولا يحلّ لك أن تدخل داري بعد هذا، ثم التفت إلينا فقال: ما قلت قط لأحد لا تدخل داري إلا لهذا)(4)(5).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (6): سمعت أبي يقول:
(1) هو أبو نصر محمد بن سلام البلخي، الفقيه الحنفي، قد يذكر بكنيته فيقال: أبو نصر بن سلام، وقد يجمع بين كنيته واسمه، توفي سنة 305 هـ.
انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 268)، والفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص 167).
(2)
أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص 137) رقم (146) من غير طريق الحاكم، والصابوني في عقيدة السلف (ص 302) سماعاً من الحاكم.
(3)
هو أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد النيسابوري، الشافعي المعروف بالصبغي، مولده في سنة 258 هـ، سمع الفضل بن محمد الشعراني، وإسماعيل بن قتيبة، وحدث عنه حمزة بن محمد الزيدي أبو عبد الله الحاكم صاحب المستدرك.
قال الذهبي: جمع وصنف، وبرع في الفقه، وتميز في علم الحديث. قال الحاكم: أفتى بنيسابور نيفاً وخمسين سنة، ولم يؤخذ عليه في فتاويه مسألة وهم فيها.
انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 483)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 81)، والشذرات (4/ 361).
(4)
في (ظ) و (ن): (هذا).
(5)
أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 302 - 303).
(6)
هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن منذر، الحنظلي، الغطفاني، أبو محمد الحافظ، ولد سنة 240 هـ. سمع الحسن بن عرفة، ويونس بن عبد الأعلى. وروى =
(علامة أهل البدع: الوقيعة قي أهل الأثر، وعلامة الزنادقة (1): تسميتهم أهل الأثر حشوية يريدون إبطال الآثار، وعلامة القدرية (2): تسميتهم أهل السنة مُجبرة (3)، وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبّهة،
= عنه ابن عدي، وأبو أحمد الحاكم.
قال أبو يعلى: (أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان زاهداً يعد من الأبدال)، وهو صاحب كتاب الجرح والتعديل. قال الذهبي: كتابه في التفسير من أحسن التفاسير.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 263)، والبداية والنهاية (11/ 191)، وطبقات الحفاظ (ص 345).
(1)
الزنادقة: جمع زنديق، فارسي معرب، وهو المنكر لأصل من أصول العقيدة، أو يرى رأياً يؤدي إلى ذلك. وأطلقه كثير من أهل العلم على من بدل دينه وأحدث فيه، وأطلق على القائلين بتناقض القرآن، والزنديق في عرف الفقهاء: هو المنافق الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقيل الزنديق: هو الذي لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام الدهر، والعرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد، أي: طاعن في الدين. وكتب الفرق لا تطلق هذا اللقب على طائفة بعينها. انظر: لسان العرب (10/ 147)، ومجموع الفتاوى (7/ 471).
(2)
القدرية: هم نفاة القدر، فكل من أنكر القدر يقال عنه: قدري، وأشهر القدرية: المعتزلة، وهم الذين يقولون بان العبد يخلق فعله استقلالًا، فأثبتوا خالقاً مع الله، فأشبهوا بذلك المجوس؛ لأن المجوس قالوا بإثبات خالقين: النور والظلمة، وأول القدرية على الأرجح معبد الجهني المقتول سنة 80 هـ، وتبعه على ذلك غيلان بن مسلم الدمشقي المقتول في عهد عبد الملك بن مروان، والقدرية يزعمون أن الله لا يقدر على مقدورات غيره.
انظر: الفرق بين الفرق (ص 18 - 19)، والملل والنحل (1/ 41 - 46)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 33 - 34).
(3)
المجْبَرَة: هم الجبرية، وسموا بذلك نسبة إلى الجبر، فهم لا يثبتون للعبد فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، بل يضيفون الفعل إلى الله تعالى، والعبد عندهم لا فعل له فهو كالريشة في مهب الريح، وحركاته كحركات المرتعش ليس له إرادة ولا قدرة =
وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل الأثر نابتة (1)(2)(3). وقال (4) الإمام أبو عثمان الصابوني: وناصبة (5)(6)، وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث.
= على الفعل، وممن قال بذلك: الجهم بن صفوان، والجبرية أصناف: الجبرية الخالصة وهي التي لا تثبت للعبد فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، والجبرية المتوسطة وهي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة. وهذا اللقب نبزت المعتزلة والقدرية به أهل السنة، وذلك لأن أهل السنة والأثر يقولون: كل شيء بقدر الله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن أفعال الشر من الكفر والمعاصي تقع بإرادة الله وقضائه وقدره. وهذا القول عند القدرية جبر، ومن قاله سموه جبرياً أو مجبراً.
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 35)، والملل والنحل (1/ 85 - 91)، ووسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم (ص 123).
(1)
في (ظ) و (ن): (ثابتة).
(2)
النابتة: لغة من النبت، والنابت من كل شيء: الطّري حين ينبت صغيراً، ونبتت لهم نابتة: إذا نشأ لهم صغار، والنوابت من الأحداث: الأغمار. ولفظ النابتة أطلقه أهل الكلام على أهل السنة والأثر، يعنون أنهم أحداث أغمار: لا خبرة لهم بعلم الكلام، ولا دراية لهم به.
انظر: لسان العرب (2/ 96)، ووسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم (ص 151).
(3)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 200 - 201) رقم (321)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 303 - 305)، والذهبي في العلو (ص 190) رقم (56)، ومنتصر العلو (ص 207) رقم (256)، وانظر: عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين تحقيق محمود الحداد (ص 69).
(4)
في عقيدة السلف: (وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة. قلت: وكل ذلك عصبية
…
).
(5)
في (ظ) و (ن): (وناصبية).
(6)
الناصبة: من النصب، وهي العداوة، يقال:(نصب فلان لفلان نصبا) إذا عاداه، وتجرد له.
والنواصب: عموما تطلق على من يبغض علياً وأصحابه، ويدخل في هذا الاسم =
وقال: رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقَّبوا بها أهل السنة - ولا يلحقهم شيء منها فضلًا من الله ومنةً - سلكوا معهم مسلك المشركين الملعونين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اقتسموا القول فيه، فسمّاه بعضهم ساحراً، وبعضهم كاهناً، وبعضهم شاعراً، وبعضهم مجنوناً، وبعضهم مفتوناً، فكان صلى الله عليه وسلم من تلك المعائب بعيداً بريئاً، ولم يكن إلا رسولاً نبياً، وأنزل الله عز وجل:{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء: 48]، [الفرقان: 9].
وكذلك المبتدعة - خذلهم (1) الله - اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره، ورواة أحاديثه المهتدين (2)، والمقتدين به، المعروفين: بأصحاب الحديث، فسمّاهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم مجبرة، وبعضهم نابتة (3) وناصبة، وأصحاب الحديث [مصانة](4) من هذه المعائب بريئة نقية تقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية، والسيرة المرضية، [والسبل](5) المستوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله تعالى لاتباع كتابه، ووحيه، وخطابه، وجعلهم من أتباع أقرب أوليائه إليه، وأكرمهم وأعزهم عليه، وشرح صدورهم
= الخوارج بفرقهم المختلفة، والرافضة تطلق هذا الاسم على من أحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فأهل السنة عند الرافضة (نواصب).
انظر: لسان العرب (1/ 761)، ومجموع الفتاوى (3/ 72 - 73)، (25/ 301) ووسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم (ص 136).
(1)
في (ظ) و (ن): (خدلهم).
(2)
في (ظ) و (ن): (والمهتدين المقتدين به).
(3)
في (ظ) و (ن): (ثابتة).
(4)
في (ص) و (ن): (عصابة)، وفي (ظ) ما أثبته.
(5)
في (ص): (السبيل)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
لمحبته، ومحبة أئمة شريعته، وعلماء، أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"المرء مع من أحب"(1).
وإحدى علامات أهل السنة حبهم لأئمتها، وعلمائها، وأنصارها، وأوليائها، وبغضهم لأئمة البدع الذين يدعون إلى النار وبلائها (2).
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب (4/ 2034) رقم (2641) بلفظه عن أبي موسى الأشعري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحب قوماً ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المرء مع من أحب"، وأخرجه البخاري أيضاً في كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل: ويلك (10/ 557) رقم (6170).
(2)
هذا الفصل كله من أوله إلى آخره نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 297 - 307).