الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (38)
إذا وقع العلم بالمراد من الشارع؛ فذكر الاحتمالات المعنوية المستنبطة من اللفظ الشرعي المخالفة [للمراد](1) المعلوم: تحريفٌ، أو تبديل، أو تغيير، أو تشكيك أو تضليل، أو تعطيل، أو تشبيه، وكل ذلك إما كفر أو معصية.
والكفر (2) إما شرعي أو لغوي، والشرعي: ما نطق (3) الشارع به
(1) في (ص): (المراد)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(2)
الكفر: الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية، كما ذكر ابن فارس، يقال لمن غطَّى دِرْعه بثوب: قد كفر درعه، والمُكفَّر: الرجل المتغطي بسلاحه، ويقال للزرَّاع كافر؛ لأنه يغطي الحبَّ بتراب الأرض. والكفر ضد الإيمان؛ سمِّي لأنه تغطية الحق، وكذلك كفران النعمة: جحودها وسترها.
انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 191)، والقاموس المحيط (ص 605). والكفر اسم شرعي، والكافر من كفره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فليس الكفر حقاً لأحد من الناس، بل هو حق الله تعالى، قال ابن تيمية في درء التعارض (1/ 242):(الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والعقل قد يُعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفراً في الشرع، كما أنه ليس كل ما كان صواباً في العقل تجب في الشرع معرفته).
ويقول ابن الوزير في العواصم والقواصم (4/ 178): (إن التكفير سمعي محض لا مدخل للعقل فيه، وأن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعياً قطعياً، ولا نزاع في ذلك).
(3)
في (ظ) و (ن): (نطلق).
باللسان العربي على وفق لغة العرب؛ الذين آمنوا به صلى الله عليه وسلم، وفهمهم، أو كان على مناهجهم [لا](1) ما أحدث من اللغات النبطية، والمفاهيم الغويّة، والاصطلاحات المخالفة الحادثية.
واللغوي شرعي إلا ما علم أن المراد خلافه، مثاله: العفو في اللغة التوفية والإزالة (2)، والكفر فيها: التغطية (3)، والستر، والإزالة، فإذا علم المراد تبيّنا أن ما خالفه لغوياً غير مراد، فلا تخرج (4) اللغة عن الشرع إلا [العلم](5) بعدم الإرادة من الشارع (6)، فإذا قال صلى الله عليه وسلم:"قصوا الشوارب، واعفوا اللِّحى"(7) علمنا: أن المرادَ ظهورُ زينة الله تعالى
(1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(2)
في (ظ) و (ن): (للتوفية وللإزالة).
(3)
في (ظ) و (ن): (للتغطية).
(4)
في (ظ) و (ن): (يخرج).
(5)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(6)
التحقيق في المسألة هو أن علاقة الشرعي باللغوي من حيث العموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، والراجح أن الشرع مخصص ومقيد للغة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإيمان (ص 256):(وبسبب الكلام في مسألة الإيمان تنازع الناس هل في اللغة أسماء شرعية نقلها الشارع عن مسماها في اللغة، أو أنها باقية في الشرع على ما كانت عليه في اللغة، لكن الشارع زاد في إحكامها لا في معنى الأسماء؟) إلى أن قال: (والتحقيق أن الشارع لم ينقلها، ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة).
انظر: مختصر الصواعق المرسلة (2/ 259 - 268)، وحقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة لمحمد المصري (ص 9 - 14).
(7)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 229) من حديث أبي هريرة بلفظه، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (12/ 103) رقم (7132).
وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع (2/ 810) رقم (4392)، وأصل الحديث في الصحيحين، وانظر الحديث التالي.
للعباد بها، لا [تبشيع](1) خلق الله بإزالتها؛ بدليل قوله [في الرواية الأخرى](2)"وأوفوا اللحى"(3).
وكذلك إذا ورد لفظ الكفر حُمل على كل كفر من التغطية، والستر، والإزالة، فإذا علم أن المراد أحدها وجب الحمل عليه، وصار الباقي لغوياً غير مراد، مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم للنساء -: "إني رأيتكن أكثر أهل النار"، قيل: يا رسول الله، بماذا؟ قال:"بكفرهن"، قيل: يا رسول الله، أيكفرن بالله؟ قال:"لا، يكفرن الإحسان ويكفرن العشيرة"(4)، فلو لم يكن الكفر عند الصحابة في مفاهيمهم عنه صلى الله عليه وسلم محمولاً عندهم على جميع وجوهه الشرعية اللغوية، لما حسن الاستفهام ولما أجابهم صلى الله عليه وسلم، ولهذا ثبت لفظ الكفر في قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم -:"بين العبد والشرك والكفر ترك الصلاة"(5)، وقوله:
(1) في (ص): (تشنيع)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(2)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(3)
أخرجه مسلم في الطهارة، باب خصال الفطرة (1/ 22) رقم (259) من حديث ابن عمر بلفظ:"خالفوا المشركين، احفوا الشوارب، وأوفوا اللحى".
وهو عند البخاري في اللباس، باب إعفاء اللحى (10/ 351) رقم (5893) من حديث ابن عمر أيضاً بلفظ:"أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى".
(4)
أخرجه البخاري في الإيمان، باب كفران العشير
…
(1/ 83) رقم (29)، ومسلم في الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (2/ 626) رقم (907) من حديث ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أُريت النار أكثر أهلها النساء يكفرن"، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط".
(5)
أخرجه مسلم في الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (1/ 88) رقم (82) من حديث جابر بن عبد الله بلفظ:"بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة".
وأخرجه أيضاً أبو داود في السنة، باب في رد الإرجاء (5/ 58) رقم (4678)، =
"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"(1).
وفي قول شقيق بن سلمة التّابعيِّ الجليل: ما كان أصحاب محمدٍ (2)(يعدون شيئاً تركه كفر إلا (3) الصلاة) (4) حمله المحدِّثون وكثير من الفقهاء على جميع وجوهه من تغطية الحق، وستره، وإزالته في موضوعه ومفهومه، وهو الكفر بالله (5)، وتأوله بعضهم على بعضها، وهو التغطية أو الستر دون الإزالة، وهي إزالة الإسلام، والله أعلم.
ثم الكفر بالتحريف أو التبديل قد يكون مخرجاً عن الإسلام وقد لا يكون، فإن كان مخرجاً كالتحريف في صفات الباري عز وجل المؤدي إلى تشبيهه بخلقه سبحانه وتعالى، أو تعطيلها، وإخراجها عن معنًى يليق بجلاله؛ فهو كفر مخرجٌ عن الدين بلا شك.
وكذلك التحريف في الأحكام الفروعية المجمع عليها الواجبة [أو المحرمة](6) بلا تأويلٍ يسوّغ (7)، وأما المندوبة أو المكروهة أو المباحة
= والترمذي في الإيمان، باب في ترك الصلاة (5/ 14) رقم (2620)، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب فيمن ترك الصلاة (1/ 342) رقم (1078)، وأحمد في المسند (3/ 389) من حديث جابر بن عبد الله بنحوه. ولفظ أحمد قريب من لفظ مسلم.
(1)
تقدم تخريجه في (ص 241) حاشية رقم (7).
(2)
في (ظ) و (ن): (رسول الله).
(3)
في (ظ) و (ن): (غير).
(4)
تقدم تخريجه في (ص 242) حاشية رقم (4)، وهذا الأثر لعبد الله بن شقيق العقيلي كما بينت ذلك.
(5)
ما ذكره المؤلف رحمه الله هنا من حمل الكفر في أثر عبد الله بن شقيق على حقيقته، وهو التغطية والستر والإزالة، هذا يرجح كفر تارك الصلاة خلافاً لما ذكره عن الشافعي وجمهور أصحابه وجماعة من علماء السلف في (ص 278).
(6)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(7)
مثل تأويلات الباطنية الذين يجعلون للمأمورات والمنهيات تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها، فهم يقولون كما ذكر شيخ الإسلام عنهم في التدمرية (ص =
فالتحريف فيها حكمه حكمها في التكفير؛ لكونه أضاف إلى الله تعالى ما لم يضفه إلى نفسه، ولا يجوز إضافته إليه.
وقد كفَّر بعض أصحاب الشافعي رحمهم الله بمجرد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يعتقد جوازه وكان مطابقاً لأصول شريعته؛ سداً للباب، وضبطاً للشريعة. وأما من حيث موضوعه ووصفه؛ فحكمه حكمها في وصفه بالندبية، والكراهة، والإباحة.
والتكفير بالتحريف (1) والتبديل راجع إلى القصد والإصرار وعدمهما (2)، وما يترتب على ذلك من تعدي الضرر، وقصوره في حكمه، ومحله.
وأمّا إطلاق الكفر على المعاصي؛ فلا يجوز إلا لقصد الزجر عنها (3)، كما أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء؛ لما جعله سبباً لدخول
= 48): (إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم، وإن صيام شهر رمضان كتمان أسرارهم، وإن حج البيت السفر إلى شيوخهم، ونحو ذلك من التأويلات التي يعلم بالاضطرار أنها كذب وافتراء على الرسل صلوات الله عليهم، وتحريف لكلام الله ورسوله عن مواضعه، وإلحاد في آيات الله).
انظر: مجموع الفتاوى (35/ 131 - 132).
(1)
في (ظ) و (ن): (أو).
(2)
في (ظ) و (ن): (والإضرار وعدمها).
(3)
هذه الجملة فيها إجمال وايهام، إذ قد تكون صحيحة إن أريد أنها تمر كما جاءت في النصوص، ونأخذ بظاهرها المفهوم منها، فهي جاءت بالوعيد والتغليظ والتخويف، وذلك على حقيقته نؤمن به، ولا نرده.
وقد تكون باطلة إن أريد بها أن هذه النصوص جاءت بوعيد لقصد التغليظ والزجر لا حقيقة له، وهذا الأمر إن كان مراداً؛ فإنه قد يؤول إلى تعطيل الشريعة، وإبطال العقاب.
انظر: الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص 88)، ومجموع الفتاوى (7/ 674)، (19/ 150)، ونواقض الإيمان القولية والعملية (ص 492 - 495).
النار، وأطلقه عليهن؛ لقصد زجرهن عن المعاصي؛ التي هي كفر الإحسان، وكفر العشير، فلما استُفسر صلى الله عليه وسلم:"أيكفرن بالله؟ " قال: لا (1)، ومن هذا المعنى إطلاقه صلى الله عليه وسلم:"من غشنا ليس (2) منا"(3)"لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"(4)، ومعلوم أن مجرد الغش والكبر من غير اعتقاد حله؛ لا يوجبان الكفر، ولا الخلود في النار، ولا عدم دخول الجنة مطلقاً، ولا الخروج من مِلَّة الإسلام، وإنما ينقصان الرتبة، فأطلقه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لقصد الزجر لا لاعتقاد الكفر، وقسْ على هذا كلَّ ما ورد على (5) مثل هذا.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن المؤمن كقتله"(6)، وكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ
(1) تقدم تخريجه (ص 348) حاشية (4).
(2)
في (ظ) و (ن): (فليس).
(3)
أخرج مسلم في الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"من غشنا فليس منا"(1/ 99) رقم (101)، وأبو داود في البيوع، باب النهي عن الغش (3/ 731) رقم (3452)، والترمذي في البيوع، باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع (3/ 606) رقم (1315)، وابن ماجه في التجارات، باب النهي عن الغش (2/ 749) رقم (2224)، وأحمد في مسنده (2/ 242) من حديث أبي هريرة بلفظه.
(4)
أخرجه مسلم في الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه (1/ 93) رقم (91) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظه.
(5)
في (ظ) و (ن): (من).
(6)
أخرجه البخاري في الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل، فهو كما قال (10/ 514) رقم (6105)، ومسلم في الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه .... (1/ 104) رقم (110) من حديث ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذب به يوم القيامة، ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة، ومن حلف على يمين صير فاجرة، فهو كما قال".
اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، في (1) قول كل العلماء إلا ابن عباس رضي الله عنهما وقد ثبت رجوع ابن عباس عنه (2)، والله أعلم.
(1) في (ظ) و (ن): (وفي).
(2)
المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما في قاتل المؤمن عمداً أنه لا توبة له، وهو خالد في نار جهنم.
ولكن هناك من الآثار والأخبار ما تبين أنه رجع عن قوله هذا، وأنه آخر قوليه في هذه المسألة، منها:
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 285): (وذهب جماعة من العلماء منهم عبد الله بن عمر - وهو مروي عن زيد وابن عباس - إلى أنه له توبة) ثم ساق أثراً عنه يبين رجوعه (3/ 286) قائلاً: (روى يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو مالك الأشجعي عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: ألمن قتل مؤمناً متعمداً توبة؟ قال: لا، إلا النار، قال: فلما ذهب قال له جلساؤه: أهكذا كنت تفتينا؟ كنت تفتينا أن لمن قتل توبة مقبولة، قال: إني لأحسبه مغضباً يريد أن يقتل مؤمنا. قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك) وذكره أيضاً السيوطي في الدر المنثور (2/ 629)، وقال القرطبي معقباً على ذلك:(وهذا مذهب أهل السنة وهو الصحيح، وأن هذه الآية مخصوصة، ودليل التخصيص آيات وأخبار).
وساق الإمام السيوطي في تفسيره آثاراً عن ابن عباس رضي الله عنهما تؤكد وتبين رجوعه عن قوله الأول، فقد قال في الدر المنثور (2/ 627):(وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقول: جزاؤه جهنم إن جازاه، يعني: للمؤمن وليس للكافر، فإن شاء عفا عن المؤمن، وإن شاء عاقب)، وقال في تفسيره (2/ 627) أيضاً:(وأخرج ابن المنذر من طريق عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] قال: هي جزاؤه إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له).
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن القتل العمد من أعظم كبائر الذنوب عند الله، ولكن القاتل لا يخلد في نار جهنم، بل هو إن مات ولم يتب من ذلك تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه في النار، ثم يخرجه منها إلى الجنة؛ لأنه تعالى - فضلاً منه - لا يخلد في النار أحداً من الموحدين. وقد ذكر الشوكاني في فتح القدير =
وقد تقدم فصلٌ: أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنبٍ، والكلام عليه وتفصيله (1)(2).
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: (لا (3) نشهد على أحدٍ من أهل القبلة بكفر، ولا بشركٍ، ولا نفاقٍ ما لم يظهر منه شيءٌ من ذلك، ونذر (4) سرائرهم إلى الله تعالى) (5). فقد (6) رُوِّينا في صحيح البخاري رحمه الله بإسنادنا إليه، ثم إلى عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ (7) قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
(إن ناساً كانوا يُؤخذون بالوحي على (8) عهد رسول الله (وإن
= (1/ 461) أن مذهب جمهور العلماء هو القول بقبول توبة القاتل.
انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 282 - 288)، وزاد المسير لابن الجوزي (2/ 166 - 168)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 812 - 816)، ومدارج السالكين لابن القيم (1/ 392 - 398)، والدر المنثور للسيوطي (2/ 622 - 632).
(1)
في (ظ) و (ن): (وتفاصيله).
(2)
انظر: (ص 328).
(3)
في (ظ) و (ن): (ولا).
(4)
في (ظ) و (ن): (وندر).
(5)
نقله المؤلف رحمه الله بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 15 - 16)، حيث قال الطحاوي:(ولا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى).
(6)
في (ظ) و (ن): (وقد).
(7)
عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، ابن أخي عبد الله بن مسعود، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وروى عنه، وروى عن عمه ابن مسعود، وعمر، وعمار، وعنه ابناه، والسبيعي، والشعبي، وغيرهم. وثقه العجلي وابن سعد، وذكره العقيلي في الصحابة. توفي سنة 73 هـ.
انظر: الإصابة (2/ 340)، وأسد الغابة (3/ 203).
(8)
في (ظ) و (ن): (في).
الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمّنّاه، وقرّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأْمنْهُ ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة) (1).
وروينا في صحيح مسلم رحمه الله عن أبي عبد الله طارق بن أشيم (2) رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرّم الله ماله (3) ودمه، وحسابه على الله"(4)، قال (5) الله تعالى في حق المشركين:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].
إذا عرفت هذا فاعلمْ: أن (من أنكر ما عُرف بالتواتر من الأخبار والسير والبلاد؛ التي لا [ترجع] (6) إلى إبطال شريعةٍ، ولا [تفضي](7) إلى إنكار قاعدةٍ من الدين، كإنكار غزوة تبوك أو مؤتة، أو وجود أبي
(1) أخرجه البخاري في الشهادات، باب الشهداء العدول (5/ 251) رقم (2641) من طريق عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ......... فذكره بلفظه.
(2)
هو طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي، والد أبي مالك تفرد بالرواية عنه ولده، وصرح بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي السنن أن ولده قال له: (يا أبت إنك صليت الصبح خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، أكانوا يقنتون؟ قال: يا بني محدث
…
). انظر: أسد الغابة (3/ 48)، والإصابة (2/ 219).
(3)
في (ظ) و (ن): (حرم ماله).
(4)
أخرجه مسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله .... (1/ 53) رقم (23) من حديث طارق بن أشيم بلفظه.
(5)
في (ظ) و (ن): (وقال).
(6)
في (ص): (يرجع)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(7)
في (ص): (يفضي)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
بكرٍ وعمرَ، وقتل عثمان أو (1) خلافة عليّ، مما عُلم بالنقل ضرورةً، وليس في إنكاره جحد شريعةٍ، فلا سبيل إلى تكفيره بجحد ذلك (2)، وإنكار (3) وقوع العلم له؛ إذ ليس في ذلك أكثر (4) من المباهتة (5) كإنكار هشامٍ (6) وعبادٍ (7) وقعة الجمل، ومحاربةَ عليّ من خالفه. فأما من أنكر ذلك وضعّفه (8) من أجل تهمة الناقلين، ووهَّمَ المسلمين أجمع،
(1) في (ظ) و (ن) والشفا: (أو قتل عثمان وخلافة علي).
(2)
وذلك لأن التكفير حكم شرعي، وليس حقاً لأحد من الناس، كما بينت ذلك في بداية هذا الفصل.
(3)
في الشفا: (وإنكاره).
(4)
في (ظ) و (ن): (أكبر).
(5)
المباهتة من بهت: والباء والهاء والتاء أصل واحد، وهو كالدهش والحيرة، يقال: بُهتَ الرجل يُبْهتُ بهتاً. والبَهتة: الحيرة، وأما البهتان فالكذب، تقول العرب: يا لَلْبهيتة، أي: يا لَلْكذب.
انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 307)، والقاموس المحيط (1/ 144).
(6)
هو هشام بن عمرو، أبو محمد الفوطي، المعتزلي، الكوفي، مولى بني شيبان. قال الذهبي: صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال، أخذ عنه عباد بن سلمان وغيره، ونهى عن قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وقال: لا يعذب الله كافراً بالنار، ويقول: يعذبون في النار لا بها
…
وتوفي بعد المئتين.
انظر: السير (10/ 547)، وطبقات المعتزلة (ص 61).
(7)
هو عباد بن عمرو، وقيل: معمّر بن عمرو، أبو المعتمر البصري المعتزلي السلمي مولاهم، كان يقول: في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها، ولا لها عند الله عدد ولا مقدار؛ ولذا قامت عليه المعتزلة بالبصرة، وفرّ إلى بغداد، واختفى عند إبراهيم بن السندي، وكان يزعم أن الله لم يخلق لوناً ولا طولاً ولا عرضاً، وكان بينه وبين النظام مناظرات ومنازعات، وله تصانيف في الكلام. هلك سنة 215 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 546)، وطبقات المعتزلة (ص 54)، والفهرست لابن النديم (207).
(8)
في الشفا: (فأما إن ضعف ذلك من أجل تهمة الناقلين).
[فنكفره](1) بذلك؛ [لسريانه](2) إلى إبطال الشريعة.
وأما (3) من أنكر الإجماع المجرد (4)؛ الذي ليس طريقه النقل المتواتر عن الشارع، فأكثر المتكلمين من الفقهاء والنظار في هذا الباب قالوا: بتكفير كل من خالف الإجماع الصحيح الجامعَ [لشروط](5) الإجماع المتفق عليه عموماً.
وحجتهم قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"من خالف الإسلام (6) قيد شبرٍ فقد خلع ربقة الإسلامِ من عنقه"(7).
وقد نقل العلماء (8) الإجماعَ على تكفير من خالف
(1) في (ص) و (ظ) و (ن): (فتكفيره) وفي الشفا ما أثبته.
(2)
في (ص): (سريانه)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(3)
في الشفا: (فأما).
(4)
المؤلف رحمه الله أورد هذه المسألة في (ص 328)، ويعيدها هنا بشيء من التفصيل.
(5)
في (ص): (بشروط)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(6)
في الشفا: (من خالف الجماعة).
(7)
أخرجه أبو داود في السنة، باب في قتل الخوارج (5/ 118) رقم (4758)، وأحمد في مسنده (5/ 180)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 419 - 420) رقم (892)، والحاكم في المستدرك (1/ 117) من حديث أبي ذر بلفظ:"من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه". قال الألباني في ظلال الجنة: (حديث صحيح).
وهذا الحديث استدل به القاضي عياض في الشفا (2/ 1079) بلفظه، ونقله المؤلف من الشفا بلفظ: "من خالف الإسلام
…
"، ولم أجده في كتب الحديث بهذا اللفظ؛ إذ لعله تحريف من النساخ، أو سبق قلم من المؤلف، والله أعلم.
(8)
في الشفا: (وحكوا الإجماع على تكفير من خالف الإجماع).
الإجماع (1)(2). ولم يخالف أحدٌ من السلف فيه، وقال جماعة من علماء الخلف (3): المُجمع [عليه](4) على ضربين (5):
أحدهما: ما علم من دين الإسلام بالضرورة، كإجماعهم على عدد الركعات في الصلوات الخمس، ومقدار نُصُب الزكاة، ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحريم الزنى واللواط والخمر، وأخذ الأموال بالباطل، والأخذ في الأعراض بغير حق ونحو ذلك، فمن أنكر ذلك كفر.
والثاني: ما يعرفه العلماء ويجهله العوام، كمقادير الفرائض لأهلها: ككون السدس للجدة، وللأخت من الأم السدس، وما (6) شاكل ذلك، قالوا: فمنكر ذلك لا يكفر به؛ قالوا: لأنه لا يعرفه إلا العلماء [وهم قليل](7) فيلزم منه تكفير أكثر الخلق من المسلمين، وهذا الكلام ليس فيه تحقيقٌ؛ لأن الإنكار غالباً لا يكون [إلا](8) بعد اعترافٍ، وهو المسمّى بالجحود، وأما من لم يعرف شيئاً فإنما (9) نسمّيه
(1) الإجماع المعلوم الذي علم به ثبوت النص يكفر المخالف فيه، أما غير المعلوم فيمتنع تكفيره.
انظر: مجموع الفتاوى (19/ 270).
(2)
نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1078 - 1079).
(3)
في (ظ) و (ن): (الحلف).
(4)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(5)
هذا التقسيم الذي أورده المؤلف رحمه الله للمجمع عليه، قريب من كلام شيخه النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (1/ 205).
(6)
في (ظ) و (ن): (ما) بدون واو.
(7)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(8)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(9)
في (ظ) و (ن): (فإنا).
جاهلاً أو مقصّراً في التعلّم (1)، وكلاهما لا يكفران بذلك، إلا أن يعتقد أنه لا يجب التعلّم (5) بعد [علمهما](2) بوجوبه. وكلامنا إنما هو في من علم وجوب العمل بالإجماع في جميع الأحكام الظاهرة والباطنة، ثم أنكرها، وذلك لا يختلف بمجمعٍ (3) عليه، دون مجمعٍ عليه مشتهراً كان أو غير مشتهرٍ، فالصواب ما قاله السلف من تكفيره بجحوده؛ إذ الجحود لا يكون إلا [بعد إقرار](4)، والله أعلم.
قال القاضي عياض رحمه الله بعد أن حكى الإجماع على تكفير من خالف الإجماع: (وذهب آخرون إلى الوقوف عن القطع بتكفير من خالف الإجماع؛ الذي يختص [بنقله] (5) العلماء. وذهب آخرون إلى التوقف في تكفير من خالف الإجماع الكائنَ عن نظرٍ، كتكفير النظّام (6)
(1) في (ظ) و (ن): (التعليم).
(2)
في (ص): (عليهما)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(3)
في (ظ) و (ن): (لمجمعٍ).
(4)
في (ص): (إلا بإقرارٍ)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(5)
في (ص): (نقله)، وفي (ظ)(بقله)، وفي الشفا ما أثبته.
(6)
هو إبراهيم بن سيار أو ابن شعبان، أو إسحاق، مولى آل الحارث بن عباد الضبعي، البصري، المتكلم، المعروف بالنظام. تكلم في القدر وانفرد بمسائل وهو شيخ الجاحظ، كان يقول:(إن الله لا يقوى على الظلم ولا الشر، وإن الله لا يقدر على إخراج أحد من جهنم، وإنه ليس يقدر على أصلح مما خلق)، وقال بعضهم: كان على دين البراهمة. وله مصنفات عدة منها: كتاب الجواهر والأعراض، وكتاب الوعيد. قال الذهبي: لم يكن النظام ممن نفعه العلم والفهم، وقد كفره جماعة. سقط من غرفة وهو سكران، فمات في سنة بضع وعشرين ومئة.
انظر: تاريخ بغداد (6/ 97)، والملل والنحل (1/ 53)، وسير أعلام النبلاء (10/ 541).
بإنكار الإجماع؛ لأنه بقوله هذا مخالف إجماع السلف على احتجاجهم به، خارقٌ [للإجماع](1)(2).
(1) في الشفا: (بإنكاره).
(2)
نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1079 - 1080).