الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (42)
ونكفّر (1) من دان (2) بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهبٍ سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك.
وكذلك نقطع بتكفير كلِّ قائل قولاً (3) يتوصل به إلى تضليل الأمة، وتكفير جميع الصحابة كقول الكميلية (4) من الرافضة: بتكفير جميع الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم تقدم علياً، وكفّرت عليًّا؛ إذ لم يتقدم ويطلب حقه في التقديم، فهؤلاء قد كفروا من وجوه؛ لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها؛
(1) في الشفا: (ولهذا نكفر).
(2)
في (ظ): (كان).
(3)
في الشفا: (قائل قال قولاً).
(4)
الكُميلية من الرافضة: هم أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبي كامل، وكان يزعم أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي رضي الله عنه، وكفر علي بتركه قتالهم، وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال أصحاب صفين، ويقولون: إن الأرواح تتناسخ وقت الموت، والإمامة تتناسخ فتصير نبوة، وكان بشار بن برد الشاعر الأعمى على هذا المذهب. قال الخفاجي في نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض (4/ 546):(الصواب أن يقول المصنف يعني القاضي عياض الكاملية؛ لأنهم نسبوا لأبي كامل رئيسهم المؤسس لكفرهم كما نص عليه الإمام الرازي ووفق بينهما؛ بأنهم صغروا كاملاً على كميل، ونسب إليه).
انظر: مقالات الإسلاميين (ص 17)، والفرق بين الفرق (ص 54)، والملل والنحل (1/ 174).
إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن؛ إذ ناقلوه كفرةٌ على زعمهم؛ وإلى هذا والله أعلم أشار مالكٌ في أحد قوليه بقتل من كفّر الصحابة (1)، ثم كفروا من وجه آخر: بسبِّهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم على مقتضى قولهم، وزعمهم أنه عهد إلى عليّ، وهو يعلم أنه يكفر بعده، على قولهم - لعنة الله عليهم، وصلى الله على رسوله وآله -.
وكذلك [نُكفَّر](2) بكلِّ فعلٍ أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا (3) من كافرٍ، وإن كان صاحبه مصرِّحاً بالإسلام مع فعله ذلك الفعل؛ كالسجود للصنم، أو الشمس (4)، أو القمر، أو الصليب، أو النار، أو السعي إلى الكنائس (5) والبيع (6) مع أصحابها (7) بزيِّهم، من شدّ الزنانير (8)، وفحص الرؤوس (9)، فقد أجمع المسلمون أن هذا لا يوجد
(1) ذكر ذلك القاضي عياض في الشفا (2/ 1072)، ومر بنا في (ص 321) حاشية رقم (3) قول للإمام مالك قريب من هذا حيث قال:(من شتم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علياً أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قتل، .....) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1108)، والزواوي في مناقب مالك (ص 143).
(2)
في (ص): (يكفر)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(3)
(إلا) ليست في الشفا.
(4)
في (ن): (أو للشمس)، وفي الشفا:(وللشمس).
(5)
في (ظ) و (ن) والشفا: (والقمر والصليب والنار والسعي إلى الكنائس).
(6)
البيع: جمع بيعة بكسر الباء، كنيسة النصارى، وقيل: كنيسة اليهود.
انظر: لسان العرب (8/ 26)، وتاج العروس (11/ 35).
(7)
في (ظ) و (ن) والشفا: (مع أهلها).
(8)
الزنانير: جمع زنار، والزُّنَّارة: ما على وسط المجوسي والنصراني، وفي التهذيب: ما يلبسه الذمي يشده على وسطه، والزُّنَّير لغة فيه.
انظر: لسان العرب (4/ 330)، والقاموس المحيط. (41/ 2).
(9)
فحص الرؤوس: الفاء والحاء والصاد أصل صحيح، وهو كالبحث عن الشيء يقال: =
إلا من كافر، فإن (1) هذه الأفعال علامة على الكفر (2)، وإن صرح فاعلها بالإسلام.
وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحلّ القتل، أو شرب الخمر، أو الزنى (3) مما حرم الله بعد علمه بتحريمه؛ كأصحاب الإباحة من القرامطة، وبعض غلاة المتصوفة.
وكذلك نقطع بتكفير كل من [كذّب، و](4) أنكر قاعدة من قواعد الشرع، وما عرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول، ووقع الإجماع المتصل عليه؛ كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس، وعدد (5) ركعاتها، وسجداتها؛ ويقول: إنما أوجب الله في كتابه [علينا](6) الصلاة على الجملة؛ وكونها خمساً، وعلى هذه الصفات والشروط لا أعلمه؛ إذ لم يرد فيه للقرآن (7) نصٌّ جليٌّ، والخبر به عن الرسول صلى الله عليه وسلم خبر واحد.
= فحصت عن الأمر فحصاً، وأُفحُوص القطا: موضعها في الأرض؛ لأنها تفحصه. وفحص الرؤوس: هو تركها مثل أفاحيص القطا بمعنى: أنهم حلقوا وسطها.
انظر: معجم مقاييس اللغة (4/ 477)، ولسان العرب (7/ 63).
(1)
في الشفا: (وأنّ).
(2)
قول المصنف رحمه الله: (فإن هذه الأفعال علامة على الكفر) إن أراد به أنها ليست كفراً في ذاتها، وإنما هي علامة على كفر القلب، فهذا باطل، وهو قول المرجئة كما سبق، وإن أراد به أنها كفراً في ذاتها وهي في نفس الوقت علامة على ما ينطوي عليه القلب من الكفر، فهذا صحيح.
(3)
في (ظ) و (ن): (والزنى).
(4)
في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص).
(5)
في الشفا: (كمن أنكر وجوب الخمس الصلوات أو عدد).
(6)
في (ص) و (ظ) و (ن): (عليه)، وفي الشفا ما أثبته، وهي:(إنما أوجب الله علينا في كتابه الصلاة على الجملة).
(7)
في الشفا: (في القرآن) وفي (ص) و (ظ) و (ن) ما أثبته.
وكذلك أجمع [المسلمون](1) على تكفير من قال من الخوارج: إن الصلاة طرفي النهار، وعلى تكفير الباطنية في قولهم: إن الفرائض أسماء رجال أمروا بولايتهم، والخبائث والمحارم أسماء رجال أمروا بالبراءة منهم (2).
وقول بعض المتصوفة: إن العبادة وطول المجاهدة إذا صفَّت نفوسهم أفضت بهم إلى إسقاطها، وإباحة كل شيءٍ لهم، ورفع عهد الشرائع عنهم.
وكذلك إن أنكر منكرٌ مكة، أو البيت، أو المسجد الحرام، أو صفة الحج، أو قال: الحج واجب في القرآن، واستقبال القبلة كذلك، ولكن كونه على هذه الهيئة المتعارفة (3)، وإن تلك البقعة هي مكة والبيت والمسجد الحرام، لا أدري هل هي تلك أم غيرها؟، ولعل الناقلين أن النبي صلى الله عليه وسلم فسّرها بهذه التفاسير غلطوا ووهموا، فهذا ومثله لا مرية في تكفيره إن (4) كان ممن يُظن به علم ذلك، وممن خالط المسلمين (5) فلا يجد (6)[بينهم](7) خلافاً، كافةً عن كافة، إلى معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمور كما قيل لك، وأن تلك البقعة هي مكة
(1) في الشفا وليست في (ص) و (ظ) و (ن).
(2)
سبق التعليق عليه في (ص 408) حاشية رقم (2).
انظر: التدمرية (ص 48)، ومجموع الفتاوى (35/ 131 - 132).
(3)
في (ن): (المتعافة).
(4)
في (ظ): (وإن).
(5)
في الشفا: (وممن يخالط المسلمين، وامتدت صحبته لهم، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام؛ فيقال له: سبيلك أن تسأل عن هذا الذي لم تعلمه بعد كافة المسلمين).
(6)
في الشفا: (فلا تجد).
(7)
في (ص): (فيهم)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
والبيت الذي فيها هي الكعبة، والقبلة التي صلّى إليها (1) الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وحجّوا إليها، وطافوا بها، وأن تلك الأفعال هي (2) صفات عبادة الحج المراد به، وهي التي فعلها رسول (3) الله صلى الله عليه وسلم، وشرح مراد الله بذلك، وأبان حدودها؛ فيقع لك العلم كما وقع لهم، فلا (4) ترتاب بذلك بعد، والمرتاب في ذلك والمنكر (5) بعد البحث وصحبة المسلمين كافر باتفاقٍ، لا يعذر بقوله: لا أدري، ولا يصدق فيه؛ بل ظاهره التستّر عن التكذيب، إذ لا يمكن أنه لا يدري.
وأيضاً فإنه إذا جوّز على جميع الأمة الوهم والغلط فيما نقلوه من ذلك [و](6) أجمعوا أنه قول الرسول وفعله، وتفسير مراد الله أدخل الاسترابة في جميع الشريعة، إذ هم الناقلون لها وللقرآن، وانحلت عرا الدين كرَّةً، ومن قال هذا كافر.
وكذلك من أنكر القرآن، أو حرفاً منه، أو غيّر شيئاً منه، أو زاد فيه، كفعل الباطنية والإسماعيلية، أو زعم أنه ليس بحجة للنبي صلى الله عليه وسلم، أو ليس فيه حجة ولا معجزة؛ كقول هشام [الفوطي](7)، ومعمر الضمري (8): إنه لا يدل على الله، ولا حجة فيه لرسوله، ولا يدل على
(1) في (ظ) و (ن) والشفا: (لها).
(2)
في (ظ) و (ن): (من).
(3)
في الشفا: (فعلها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وأن صفات الصلاة المذكورة هي التي فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وشرح
…
).
(4)
في (ظ) و (ن) والشفا: (ولا).
(5)
في (ظ): (المتكر)، وفي الشفا:(أو المنكر).
(6)
في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص).
(7)
في (ص): (هشام النوطي والقوطي)، وفي (ظ) و (ن):(هشام النوطي)، وفي الشفا ما أثبته، وهو الصواب.
(8)
معمّر الضمري مرت ترجمته سابقاً باسم عبَّاد، ويقال له الصيمري أحياناً، وذلك =
ثواب ولا عقاب ولا [حكم](1)؛ ولا محالة في كفرهما بذلك القول، وكذلك تكفيرهما بإنكارهما أن يكون في سائر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حجة له، أو في (2) خلق السموات والأرض دليل على الله، لمخالفتهم الإجماع والنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم باحتجاجه بهذا كله، وتصريح القرآن به.
وكذلك من أنكر شيئاً مما نصّ (3) فيه بعد علمه أنه من القرآن الذي في أيدي الناس، ومصاحف المسلمين، ولم يكن جاهلاً [به](4)، ولا قريب عهد بالإسلام، واحتج [لإنكاره](5)، إما أنه (6) لم يصح النقل عنده، ولا بلغه العلم به؛ [أو لتجويزه](7) الوهم على ناقليه؛ فيكفر (8) به (9) بالطريقين المتقدمين (10)؛ لأنه مكذب للقرآن مكذب للنبي (لكنه
= نسبة إلى موضع بلدة، قال الخفاجي:(الصيمري: بفتح الصاد المهملة ومثناة تحتية ساكنة، وفتح الميم وراء مهملة، منسوب لصيمر موضع أو بلدة، وفي نسخة - يعني: للشفا - الضمري بفتح الضاد المعجمة منسوب لضمرة قبيلة، كما قال التلمساني، وفي التبصرة معمّر بن عباد تنسب له المعمّرية، ونسبت له خرافات يملها السمع) نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض (4/ 554 - 555). وانظر: الملل والنحل (1/ 65).
(1)
في (ص): (عتاب)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(2)
(في) ليست في (ظ).
(3)
في الشفا: (مما نَصَّ فيه القرآن).
(4)
في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص).
(5)
في (ص): (بإنكاره)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(6)
في الشفا: (بأنه).
(7)
في (ص): (والتجويز)، وفي (ظ) و (ن):(أو لتجويز)، وفي الشفا ما أثبته.
(8)
في (ظ) و (ن) والشفا: (فنكفره).
(9)
(به) ليست في (ظ) و (ن) والشفا.
(10)
بالطريقين المتقدمين أي: لمخالفته الإجماع، ولمخالفته أيضا النقل المتواتر عن =
يستتر (1) بدعواه) (2).
= النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك في المسألة السابقة.
(1)
في (ظ) و (ن) والشفا: (تستَّر).
(2)
من بداية هذا الفصل وإلى نهايته، نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1071 - 1077).