الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (8)
الفوقية ثابتةٌ له سبحانه وتعالى كلِّ وجهٍ يليق به سبحانه وتعالى، دون ما نفهمه من مواجيدِ ذواتنا، تبارك وتعالى عمَّا يقول الظالمون [والجاحدون](1) علوًّا كبيراً، بل هو سبحانه محيطٌ بكلِّ شيءٍ.
والفوقيةُ المطلقة (2) صفةٌ تفرَّد بها الربُّ سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى فوقَ كلِّ شيءٍ، وليس فوقه شيءٌ. والكتاب العزيز ناطقٌ بها، وكذلك السنة النبوية، والفِطَرُ شاهدةٌ بذلك، قال الله تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وقال تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]، وقال تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، في ستة (3) مواضع من القرآن العظيم (4).
وقد تقدّم أن الكيفية لا سبيل لأحدٍ إلى الكلام فيها، ولا إلى معرفتها، ولا إلى تصورها، ولا يحلُّ الفكرُ فيها ولا في غيرها من
(1) في (ن) ليست في (ص).
(2)
يثبت السلف رحمهم الله فوقية وعلو الله بأنواعه: علو الذات، والقدر، والقهر.
(3)
قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، وردت في ستة مواضع من القرآن كما تقدّم، وهي:
أ -[الأعراف: 54]، ب -[يونس: 3]، ج -[الرعد: 2]، د -[الفرقان: 59]، هـ -[السجدة: 4]، و -[الحديد: 4].
وهنالك موضع سابع ذكر فيه الاستواء في سورة: [طه: 5]، وهو قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
(4)
(العظيم) ليست في (ن).
الذات وصفاتها، فاسترح أيها المُحاذي (1) من ذلك واشتغل بما ينفعك [مما](2) هنالك، واسلك أحسن المسالك، تنج من المهالك.
قال (3) الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} [المعارج: 4]، (4) الآية، وقال تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وأخبر الله عز وجل عن فرعون اللعين إقامةً للحجة عليه: {
…
يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36، 37]، يعني [في قوله] (5): إنَّ في السماء إلهاً.
وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته.
قال عبد الله بن المبارك: (نعرف ربنا فوق سبع سمواته، على العرش استوى، بائناً من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية: إنَّه ها هنا - وأشار إلى الأرض -)(6).
(1) المحاذي: من حَوَذَ، والحاء والواو والذال أصل واحد، وهو من الخفة والسرعة وانكماش في الأمر. والأحوذي قيل: هو المنكمش، والحادّ، والخفيف في أموره، وقيل: هو المشمر في الأمور، القاهر لها.
والحِواذ بالكسر: هو البعد، واستحوذ: غلب واستولى. ولعلّ معنى المحاذي هنا المشمر لمعرفة ذلك.
انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 115)، ولسان العرب (3/ 486)، والقاموس المحيط (1/ 352).
(2)
في (ص): (بما)، وفي (ن) ما أثبته.
(3)
في (ن): (وقال).
(4)
قوله: [(
…
في يوم كان مقداره) الآية] ليست في (ن).
(5)
في (ن) وليست في (ص).
(6)
أثر عبد الله بن المبارك أخرجه: =
وروينا بإسنادنا إلى الشّيخ الزاهد أبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسيِّ (1) رحمه الله المتفق على إمامته وجلالته ودينه وورعه وتفرّده بذلك في زمنه بالشام وغيره، في كتابه الحجة على تارك المحجَّة (2)، في عقيدته التي أجمع عليها علماء الإسلام، - ممَّن لقيه أو بلغه قوله من غيرهم ممّن هو موصوفٌ بالقدوة، والزعامة، والعلّم الصائب، والفهم الثاقب، مشهورٌ بالأمانة القوية، والديانة الأصلّية، والإمامة العلّية، ناطقٌ عن الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة، مجانبٌ للبدعة والضلالة والأهواء والجهالة -: (إنَّه لا يجوز اعتقاد ما لم يكن له أصلٌ
= - أبو سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (ص 47) برقم (67)، وفي النقض على بشر المريسي (1/ 224).
- وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/ 111 - 174 - 307) بأرقام (22 - 216 - 598).
- والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 335 - 336) برقمي (905 - 903).
- والصابوني في عقيدة السلف (ص 186).
- والذهبي في العلّو (ص 149) برقمي (398 - 399)، وفي المختصر (ص 151) برقم (150)، وقد صححه الذهبي.
- وابن قدامة في إثبات صفة العلّو (ص 171) برقمي (83 - 84).
وقد صحح شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأثر كما في الحموية ضمن الفتاوى (5/ 52 - 184). وقال ابن القيم كما في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 213 - 214): (وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر).
(1)
هو أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي، الفقيه الشّافعيّ، الإمام العلّامة، القدوة المحدث، مفيد الشّام، شيخ الإسلام صاحب التصانيف والأمالي، ولد قبل سنة 410 هـ، وتوفي سنة 490 هـ.
انظر: مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي (1/ 302)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (5/ 351)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوي (2/ 207)، وطبقات الشّافعيّة لابن قاضي شهبة (1/ 274).
(2)
2/ 272 - 296.
في كتاب الله تعالى، ولا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل العلم من الصّحابة التابعين لهم بإحسان. وأنَّ الله تعالى مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، كما قال في كتابه:{أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
ثم نقل ذلك عن أبي حاتم (1) وأبي زرعة (2) الرازيين المتفق على إمامتهما، وجلالتهما، وورعهما عن مذاهب أئمة الأمصار والعلماءِ في جميع الأقطار، قالا:(أدركنا العلماء: حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً يقولون ذلك)(3).
(1) هو أبو حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي، الإمام الحافظ، الناقد، شيخ المحدثين، الحنظلي، الغطفاني، كان من بحور العلم، طوف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل. ولد سنة 195 هـ، وتوفي سنة 277 هـ.
انظر: الفهرست لابن النديم (ص 327)، وتهذيب الكمال (24/ 381)، وطبقات علماء الحديث (2/ 260)، والعبر للذهبي (1/ 398)، وسير أعلام النُّبَلاء (13/ 247)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 326).
(2)
هو أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ، الإمام، سيد الحفاظ، محدث الري، كان آية في الحفظ والإتقان، قال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. وقال ابن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة فليس له أصل. توفي سنة 264 هـ.
انظر: تهذيب الكمال (19/ 89)، وطبقات علماء الحديث (2/ 246)، وسير أعلام النُّبَلاء (13/ 65)، والعبر للذهبي (1/ 379)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 251)، والوافي بالوفيات (2/ 183).
(3)
هذا الأثر أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 176 - 177) برقم (321)، والذهبي في العلو (ص 188)، برقمي (502 - 503)، وصححه الألباني في المختصر (ص 204)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص 182 - 183) =
وقال الإمام أبو عثمان الصابونيُّ رحمه الله فيما رواه عن الحاكم (1) أبي عبد الله الحافظ سماعاً منه بإسناده إلى [أبي](2) عبد الله الرباطيِّ (3)، قال:(حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر (4) ذات يوم، وحضر
= رقم (94)، وذكره ابن القيم في الصواعق المرسلة (4/ 1290 - 1291)، واجتماع الجيوش الإسلامية (ص 233) من طريق عبد الرّحمن بن أبي حاتم:(سألت أبي وأبا زرعة رضي الله عنهما عن مذهب أهل السنة، وما أدرك عليه العلماء في الأمصار، وما يعتقدان ذلك؟ فقال: أدركنا العلماء في جميع الأمصار: حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً، فكان من مذهبهم: ...... وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه - كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ....).
(1)
هو أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حمدويه الضبي النيسابوري، الحاكم الحانظ الكبير، ويعرف أيضاً بابن البيّع، ولد سنة 321 هـ، اعتنى به أبوه، وكتب عن نحو ألفي شيخ، قرأ القراءات، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنف التصانيف، وهو ثقة حجة، توفي سنة 405 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء الشّافعيّة لابن الصلاح (1/ 198)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (4/ 155)، والعقد المذهب (ص 70)، وطبقات علماء الحديث (3/ 237)، وسير أعلام النُّبَلاء (17/ 162)، والعبر للذهبي (2/ 210).
(2)
في (ص) و (ن): (إلى عبد الله الرباطي)، وهذا الخطأ لعلّه من النساخ، فأضفت (أبي) ليوافق ما في عقيدة السلف، وهو الذي تؤيده كتب التراجم، على ما سيأتي من ترجمته - إن شاء الله -.
(3)
هو أبو عبد الله أحمد بن سعيد بن إبراهيم المروزي الرباطي الأشقر، نزيل نيسابور، الإمام الحافظ الحجة، أمير الرباط، سمع وكيعاً وعبد الرزاق وطبقتهم، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، توفي سنة 243 هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (2/ 6)، وتهذيب الكمال (1/ 310)، وطبقات علماء الحديث (2/ 220)، وسير أعلام النُّبَلاء (12/ 207)، والعبر للذهبي (1/ 345).
(4)
هو عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن أسعد، أبو العباس الخزاعي، الأمير، ولاه المأمون دمشق والشام، وكان حاكماً عادلاً، جواداً، شاعراً، بارع الأدب، تنقل في الأعمال شرقاً وغرباً، قلده المأمون مصر والمغرب، ثم نقله إلى خراسان، توفي سنة 230 هـ. =
إسحاق (1) - يعني: ابن راهويه - فسُئل عن حديث النزول، أصحيحٌ هو؟ قال: نعم، فقال له بعض قُوّاد عبد الله: يا أبا يعقوب، [أتزعم] (2) أن الله ينزل كلّ ليلةٍ؟ قال: نعم، قال: كيف ينزل؟ قال: أثبته (3) فوق؛ حتّى أصف لك النزول، فقال له الرجل: أثبته فوق. فقال له إسحاق: قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]، قال (4) الأمير عبد الله (5): يا أبا يعقوبَ هذا يوم القيامة، قال إسحاق: أعز الله الأمير! ومن يجيء يوم القيامة؛ من يمنعه اليوم؟) (6).
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة رحمه الله: (من لم يقرَّ بأن الله عز وجل على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته فهو كافرٌ به (7)، حلالُ الدم (8)، يُستتاب فإن تاب وإلا ضرب (9) عنقه، وأُلقيَ على بعض المزابل؛
= انظر: كتاب بغداد لابن طيفور (ص 25)، وتاريخ بغداد (9/ 483)، وتحفة ذوي الألباب للصفدي (1/ 269)، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي (1/ 214)، وسير أعلام النُّبَلاء (10/ 684).
(1)
في عقيدة السلف: (وحضر إسحاق بن إبراهيم).
(2)
في (ص): (تزعم)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته.
(3)
أي: أثبت واعتقد أن الله مستو على عرشه فوق سمواته.
(4)
في (ن) وعقيدة السلف: (فقال).
(5)
في (ن): (عبد الله بن طاهر)، وفي (ص) وعقيدة السلف ما أثبته.
(6)
أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 197 - 198)، والذهبي في العلو (ص 179) رقم (486)، وقال الألباني معلقاً عليه في مختصر العلو (ص 193):(هذا إسناد صحيح)، وذكر هذا الأثر ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 391 - 392) وعزاه إلى الصابوني، وذكره أيضاً في شرح حديث النزول (ص 148 - 149).
(7)
في عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث: (بربه).
(8)
قوله: (حلال الدم) ليست في معرفة علوم الحديث.
(9)
في عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث: (ضُربت).
حتى (1) لا يتأذى به (2) المسلمون ولا [المعاهدون](3) بنتن رائحة جثته (4)، وكان ماله فيئاً (5)، لا يرثه أحد من المسلمين؛ إذ المسلم لا يرث الكافر، [كما] (6) قال (7) صلى الله عليه وسلم:"لا يرث الكافرُ المسلم، ولا المسلمُ الكافر"(8)(9)(10).
وإمامنا أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعيُّ (11) - رضى الله عنه - احتجَّ في
(1) في معرفة علوم الحديث: (حيث).
(2)
(به) ليست في عقيد السلف ولا معرفة علوم الحديث.
(3)
في (ص) و (ن): (المعاندون)، وفي عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث ما أثبته، وفي معرفة علوم الحديث: (.. لا يتأذى المسلمون والمعاهدون
…
).
(4)
في عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث: (جيفته)، وعبارة معرفة علوم الحديث:(بنتن ريح جيفته).
(5)
الفيء: غنائم تؤخذ من المشركين أفاءها الله على المسلمين، أي: ترجع عليهم.
انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 435)، والمصباح المنير للفيومي (2/ 143).
(6)
في (ن) وعقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث، وليست في (ص).
(7)
في عقيدة السلف: (قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم).
(8)
من قوله: (لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر) ليس موجوداً في معرفة علوم الحديث، وفي عقيدة السلف:(لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم).
(9)
أخرجه البخاريّ في الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (12/ 50) رقم (6764)، ومسلم في الفرائض أيضاً (3/ 1233) رقم (1614) من حديث أسامة بن زيد بلفظه، مع تقديم وتأخير.
(10)
قول الإمام ابن خزيمة أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 84)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 187)، والذهبي في العلّو بنحوه (ص 207) رقم (528)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص 185) رقم (96)، وذكره ابن تيمية في الفتوى الحموية (ص 339 - 340) من رواية الحاكم وصحح إسناده.
(11)
هو أبو عبد الله محمّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، القرشي ثم المطلبي، الشّافعيّ، المكي، صاحب المذهب المعروف، إمام أهل زمانه في الفقه، =
كتابه المبسوط (1) في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفّارة: وأن الرقبة الكافرة (2) لا يصح التكفيرُ بها؛ لخبر (3) معاوية بن الحكم: وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء في (4) الكفارة، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إيَّاها، فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعرف أنها مؤمنةٌ أو لا، فقال:"أين ربك؟ " فأشارت إلى السماء؛ إذ كانت أعجمية (5)، فقال لها صلى الله عليه وسلم:"من أنا؟ " فأشارت إليه وإلى السماء - يعني: أنك رسول الله الذي في السماء - فقال النّبيّ (6) صلى الله عليه وسلم: "أعتقها، فإنها مؤمنة"(7). فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
= روى عن مالك بن أنس ومحمد بن الحسن واسماعيل بن عليّة وغيرهم كثير، وروى عنه الحميدي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلّام وغيرهم، ألف (الرسالة)، و (الأم)، توفي سنة 204 هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (1/ 42)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 63)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (1/ 192)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوي (1/ 18)، وطبقات المفسرين للداودي (2/ 102)، وبرنامج التجيبي (ص 119).
وانظر كذلك: آداب الشّافعيّ ومناقبه لابن أبي حكم، والانتقاء في فضائل الثّلاثة الأئمة الفقهاء (ص 65)، ومناقب الإمام الشّافعيّ للرازي، ومناقب الإمام الشّافعيّ للمناوي.
(1)
هو كتاب الأم، وذكر هذه المسألةُ في كتاب الظهار، باب: عقد المؤمنة في الظهار (11/ 486 - 487) برقمي (20417)، (20419)، حيث قال:(فإذا وجبت كفارة الظهار على الرَّجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها، لم يجزه فيها إِلَّا تحرير رقبة، ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام، لأن الله عز وجل يقول في القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]).
(2)
في (ن): (الكفارة)، وفي عقيدة السلف (وأن غير المؤمنة لا يصح
…
).
(3)
في عقيدة السلف: (بخبر).
(4)
في (ن): (عن)، وفي عقيدة السلف:(السوداء لكفارة).
(5)
قوله: (ليعرف أنها مؤمنة أو لا، فقال: أين ربك؟ فأشارت إلى السماء؛ إذ كانت أعجمية) هذه العبارة ليست في عقيدة السلف.
(6)
في (ن): وعقيدة السلف: (فقال صلى الله عليه وسلم).
(7)
أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصّلاة، باب تحريم الكلام في الصّلاة .... =
بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأنَّ ربها في السماء، وعرفت ربَّها بصفة العلوِّ والفوقية.
وإنّما احتجَّ الشّافعيّ رحمه الله على المخالفين في قولهم: يجوز (1) إعتاق الرقبة الكافرة [في الكفارة](2) بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله تعالى فوق خلقه (3) وفوق سبع سمواته على عرشه، كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم، إذ كان رحمه الله لا يروي خبراً صحيحاً، ثم لا يقول به (4).
واعلم أن الظرفية (5) ليست مرادةً في هذا الحديث بإجماع العلماء، وإنّما معناها العلّو بإجماع.
= (1/ 381 - 382) رقم (537)، من حديث معاوية بن الحكم مطولًا، وفيه:" .... فقال لها: "أين الله؟ "، قالت: في السماء، قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة"".
(1)
في عقيدة السلف: (بجواز).
(2)
ليست في (ص)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته.
(3)
إلى قوله: (لاعتقاده أن الله تعالى فوق خلقه) ينتهي السقط في (ظ).
(4)
نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني (ص 187 - 188).
(5)
من المعلوم أن المراد بأن الله في السماء، أي: في العلّو سبحانه وتعالى، لا بمعنى أن السَّماء تحويه وتحيط به، وهذا ضلال وكذب وافتراء، فالله سبحانه وتعالى لا يحيط به أي شيء. وقد ناقش شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله شبهة من يقول بأن السَّماء تحويه، وبيّن زيفها، فقال في الفتاوى (5/ 106):(من توهم أن كون الله في السَّماء بمعنى أن السَّماء تحيط به وتحويه فهو كاذب - إن نقله عن غيره -، ضال - إن اعتقده في ربه -، وما سمعنا أحداً يفهم هذا من اللّفظ، ولا رأينا أحداً نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قول الله ورسوله: (إن الله في السَّماء) أن السَّماء تحويه؟ لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول: هذا شيء لعلّه لم يخطر ببالنا.
وإذا كان الأمر هكذا، فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللّفظ شيئاً محالًا لا يفهمه النَّاس منه، ثم يريد أن يتأوله، بل عند النَّاس (أن الله في السَّماء)، (وهو على العرش) =
وقال إمام الحرمين (1) في نهايته (2) في مسألة إذا قال لزوجته: إن [طرت](3) أو صعدت إلى (4) السَّماء، فأنت طالقٌ، في أثناء بحثٍ له:(ومن قال إن الله سبحانه وتعالى في السَّماء على سبيل التحيّز فهو كافرٌ بإجماع المسلمين)، والله أعلم.
وقال الرّبيع بن سليمان (5): سمعت الشّافعيّ رحمه الله يقول: (إذا
= واحد؛ إذ السَّماء إنّما يراد به العلّو، فالمعنى أن الله تعالى في العلّو، لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وتعالى وسع السموات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقاً يحصره ويحويه؟ وقد قال سبحانه:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)} ، وقال:{فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} بمعنى (على)، ونحو ذلك، وهو كلام عربي حقيقة لا مجازاً، وهذا يعلمه من عرف حقائق معاني الحروف، وأنها متواطئة في الغالب لا مشتركة).
(1)
هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني، إمام الحرمين، الفقيه الشّافعيّ، ضياء الدين، أحد الأئمة الأعلام، تفقه على والده، وجاور بمكة في شبابه أربعة أعوام، ومن ثم قيل له إمام الحرمين، كان من أذكياء العالم، وأحد أوعية العلم، ولد سنة 419 هـ، وتوفي سنة 478 هـ.
انظر: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار (15/ 85)، وتبيين كذب المفتري (ص 278)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (5/ 165)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوى (1/ 197)، والعقد المذهب (ص 101)، والعبر للذهبي (2/ 339).
(2)
هو: (نهاية المطلب في دراية المذهب)، وهو من أفضل كتبه في الفقه، وهو من مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية. وانظر كلام صاحب المطلب في النهاية (14/ 81).
(3)
في (ص): (ظهرت)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(4)
في (ص) وليست في (ظ) و (ن).
(5)
هو أبو محمّد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، مولاهم المصري المؤذن، الإمام المحدث الفقيه الكبير، بقية الأعلام، صاحب الإمام الشّافعيّ، وناقل علمه، وشيخ المؤذنين بجامع الفسطاط، ومستملي مشائخ وقته، ولد سنة 174 هـ، توفي سنة 270 هـ. =
رأيتموني أقول قولًا، وقد صحَّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خلافه، فاعلموا أن عقلي قد ذهب) (1).
وقال الزعفرانيُّ (2): (روى الشّافعيّ رحمه الله يوماً (3) حديثاً، فقال السائل: يا أبا عبد الله تقول به؟ قال: تراني في بيعةٍ أو كنيسةٍ ترى عليَّ [زيَّ](4) الكفار! هو ذا تراني في مسجد المسلمين علي زيُّ المسلمين
= انظر: تهذيب الكمال (9/ 87)، وطبقات علماء الحديث (2/ 284)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 115)، وسير أعلام النُّبَلاء (12/ 587)، والعبر للذهبي (1/ 390)، وتهذيب التهذيب (3/ 245).
(1)
أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 189)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (9/ 106).
وأخرجه ابن أبي حاتم في (آداب الشّافعيّ ومناقبه)(ص 67 - 93) عن الربيع قال: سمعت الشّافعيّ يقول: (متى سمعتني: حدثت بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح؛ فلم آخذ به، فانا أشهدكم أن عقلي قد ذهب).
وذكره السبكي في طبقات الشّافعيّة في ترجمة الربيع بن سليمان (2/ 138)، والهروي في (ذم الكلام وأهله)(2/ 302) برقم (398)، وابن حجر في توالي التأسيس (ص 107)، والمناوي في مناقب الإمام الشّافعيّ (ص 96)، والفلاني في إيقاظ همم أولي الأبصار (ص 161).
وانظر: منهج الإمام الشّافعيّ في إثبات العقيدة لمحمد العقيل (1/ 97).
(2)
هو أبو علي الحسن بن محمّد بن الصبّاح، البغدادي الزعفراني، يسكن محلة الزعفراني قرب بغداد، الإمام العلّامة، شيخ الفقهاء والمحدثين، كان مقدماً في الفقه والحديث، ثقة جليلاً، عالي الرواية، كبير المحملة، قرأ على الشّافعيّ كتابه القديم، توفي سنة 260 هـ.
انظر: تهذيب الكمال (6/ 310)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 80)، وسير أعلام النُّبَلاء (12/ 262)، والعبر للذهبي (1/ 373)، وطبقات علماء الحديث (2/ 202)، وتهذيب التهذيب (2/ 318).
(3)
في عقيدة السلف: (أن الشّافعيّ رحمه الله روى يوماً حديثاً).
(4)
في (ص): (ثياب)، وفي (ظ) و (ن) وعقيدة السلف ما أثبته.
مستقبل قبلتهم، أروي حديثاً عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم لا أقول به!) (1).
وقال الشّافعيّ رحمة الله عليه: (إذا رأيتم قولي مخالفاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط، وخذوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)(2). وقال رضي الله عنه: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)(3).
وقد أجمع المسلمون ونصوص الكتاب والسنة على وجوب الرجوع إليهما عند الاختلاف، وأنه لا يجوز العمل بالقياس في صفات الباري عز وجل، ولا الرجوع إليه فيها، وكذلك حكم أسمائه سبحانه وتعالى، بل كلُّ ذلك توقيفيٌّ يجب الرجوع فيه إلى وجود النصّ في الكتاب العزيز، والسُّنة الصحيحة. فأمَّا السُّنة الضعيفة [السند](4) فقد رجحها أحمد رحمه الله وجماعةٌ على القياس الجليَّ، وأوجبوا العمل بها (5)، وأما السُّنة
(1) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 189)، وذكره بهذا اللفظ السبكي في طبقات الشّافعيّة الكبرى في ترجمة الربيع بن سليمان عن الزعفراني (2/ 138)، وذكر نحوه أبو نعيم في حلية الأولياء عن الحميدي (9/ 106)، وذكره الهروي في (ذم الكلام وأهله) عن الحميدي (2/ 300) رقم (392)، وابن حجر في توالي التأسيس (ص 108)، والمناوي في مناقب الإمام الشّافعيّ (ص 97)، والفلاني في إيقاظ الهمم (ص 263). وانظر: منهج الإمام الشّافعيّ في إثبات العقيدة (1/ 97).
(2)
ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 250) وحكم عليه بالتواتر، والذهبي في السير (10/ 35).
(3)
ذكره النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 104)، وابن حجر في توالي التأسيس (ص 109)، وقد ألف السبكي رسالة بعنوان:(معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي) طبعت ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (3/ 98)، وذكره الذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (10/ 35).
انظر: صفة صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم للألباني (ص 26)، وإيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني (ص 267).
(4)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(5)
يقصد الإمام أحمد رحمه الله بالحديث الضعيف: هو ما ارتفع إلى درجة الحسن أو =
الصَّحيحة [الثابتة](1) بخبر الواحد فقد رجَّح أبو حنيفة رحمه الله[العمل بـ](2) القياس الجليّ عليها، وإذا تعارض عنده حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ بخبرٍ واحدٍ وقياسٌ جليٌّ يخالفه، قدّم العمل به على الحديث الصّحيح الثابت بخبر الواحد (3)، وخالفه جمهور أصحابه في ذلك، واعتذروا عنه بأنَّه لم يبلغهُ الحديث، والله أعلم. وأما المتواترُ فلا يقدِّم عليه أحدٌ من المسلمين شيئاً.
وقال (4) مالكٌ رحمه الله: (كل أحدٍ مأخوذٌ من قوله ومتروكٌ إلا
= الحسن لغيره، قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (1/ 65) - في ذكره لأصول مذهب الإمام أحمد -:(الأصل الرّابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصّحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس).
وانظر: أصول مذهب الإمام أحمد للتركي (ص 303 - 312).
(1)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(2)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(3)
حقيقة مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله هو الأخذ بالحديث الصّحيح وتقديمه على القياس، كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم، وأن ما اشتهر عنه من تقديم القياس على خبر الآحاد الصّحيح لا يصح عنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/ 304):(من ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصّحيح لقياس أو غيره، فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن وإما بهوى)، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 77):(وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة: أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي، وعلى ذلك بنى مذهبه) ثم ساق الأمثلة على ذلك.
(4)
في (ظ) و (ن): (قال) بدون واو.
صاحب هذا القبر - يعني: النّبيّ صلى الله عليه وسلم) (1). ونُقِل عنه ترجيح عمل أهل المدينة على الحديث الثابت بخبر الواحد (2) كحديث: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا"(3) ولم يقل به مع ما صحَّ (4) وثبت بروايته.
والشّافعيُّ رضي الله عنه لم يعرّج على شيءٍ من ذلك كلِّه، وإنّما رجع إلى الحديث الصّحيح مطلقاً ما لم يكن منسوخاً، أو مخصوصاً، أو ورد على سببٍ مخصوصٍ، أو في واقعة عينٍ، ونحو ذلك. فرضي الله عنه وعنهم، فكل مقاصدهم صالحةٌ، وإنما (5) قصدوا الوصول إلى المطلوب على ما يرضي الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما أدَّى إليه اجتهادهم من
(1) أخرجه بمعناه ابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله (1/ 775)، ورواه قريباً من لفظه عن مجاهد والحكم بن عتيبة في الجامع أيضاً (2/ 925 - 926)، وذكره الفلاني في إيقاظ الهمم (ص 77).
(2)
اشترط الإمام مالك رحمه الله للعمل بالخبر الواحد أن لا يخالف عمل أهل المدينة؛ لأن هذا العمل بمنزلة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواية جماعة عن جماعة أحق أن يعمل بها من رواية فرد عن فرد، ومن ثم يعد عمل أهل المدينة في حكم المتواتر، والمتواتر مقدم على الآحاد، أضف إلى هذا أن أهل المدينة أدرى بآخر الأمرين من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان مستند أهل المدينة رأياً اجتهاديًّا ففيه خلاف في المذهب، فيقدم البعض عمل أهل المدينة، ويقدم البعض الآخر - كالبغداديين - خبر الواحد.
انظر: إحكام الفصول للباجي (ص 480)، وأصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي لمحمد رياض (ص 373).
(3)
أخرجه البخاريّ في البيوع، باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (4/ 328) رقم (2110) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، وأخرجه مسلم في البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين (3/ 1163) رقم (1531) من حديث عبد الله بن عمر بنحوه.
(4)
في (ظ) و (ن): (مع أنه ثبت بروايته).
(5)
في (ظ) و (ن): (إنما).
غير قصد مخالفةٍ، فهم مثابون على ذلك، مكتوبٌ به (1) لهم الحسنات، مرفوعٌ لهم به الدرجات، والله أعلم.
قال الأستاذ أبو عثمان الصابونيُّ رحمه الله: (والفرق بين أهل السنة وبين أهل البدع: أنهم إذا سمعوا حديثاً (2) في صفات الربِّ سبحانه وتعالى ردُّوه أصلًا ولم يقبلوه، أو قبلوه (3) في الظّاهر (4)، ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفعَ الخبر من أصله وإبطالَ معناه (5)، وأهل السنة يقبلونه ويصدقون به، ولا (6) يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال (7) منه، بل يتهمون عقولهم وآراءهم فيه، ويعلمون حقاً يقيناً أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى ما قاله؛ إذ هو كان أعرف بالربِّ سبحانه وتعالى من غيره، ولم يقل فيه إِلَّا حقًّا وصدقاً ووحياً، قال الله عز وجل:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
وقال (8) الزهري (9)(10) التابعي ......................
(1)(به) ليست في (ظ) و (ن).
(2)
في عقيدة السلف: (خبراً).
(3)
(قبلوه) هذه الكلمة قال محقق عقيدة السلف: كلمة غير واضحة، ولم يثبتها في الكتاب.
(4)
في عقيدة السلف: (للظاهر).
(5)
جملة: (
…
معناه، وأهل السنة يقبلونه ويصدقون به، ولا يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال منه بل يتهمون
…
) غير موجودة في عقيدة السلف؛ وذلك لوجود بياض مقداره سطر، كما ذكر ذلك المحقق.
(6)
في (ظ) و (ن): (فلا).
(7)
في (ظ) و (ن): (قاله).
(8)
في عقيدة السلف: (قال).
(9)
في (ظ) و (ن): (الزبيري).
(10)
هو أبو بكر محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، التابعي، حافظ زمانه، القرشي المدني، نزيل الشام. =
الجليل (1) إمام الأئمة وغيره من علماء الأمة رضي الله عنه وعنهم وعن (2) الجملة: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم (3)(4).
وقال العلماء: يجب التسليم في أحاديث (5) الصفات وآياتها، بإقرارها وإمرارها من غير تصورٍ لمعانيها (6)، أو فكرٍ في كيفيتها، فإن
= ولد سنة 50 هـ، وقيل 51 هـ، سمع من سهل بن سعد وأنس بن مالك رضي الله عنهما.
وعنه عطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز وغيرهم كثير، توفي سنة 124 هـ.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 348)، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 186 - 189)، والأنساب للسمعاني (3/ 180)، وتهذيب الكمال (26/ 419)، وطبقات الحفاظ للسيوطي (ص 53).
(1)
(التابعي الجليل) ليست موجودة في عقيدة السلف.
(2)
في (ظ) و (ن): (وعلى)، وقوله:(وعنهم وعن الجملة) ليست موجودة في عقيدة السلف.
(3)
قول الزهري: (على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم).
أخرجه البخاري في التّوحيد، باب قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (13/ 503) تعليقاً جازماً عن الزهري بلفظ: (من الله عز وجل الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم).
ووصله الحميدي في النوادر كما في الفتح (13/ 504)، ومن طريقه الحافظ في تغليق التعليق (5/ 365 - 366) عن سفيان قال: قال رجل للزهري: يا أبا بكر! قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا من شقّ الجيوب" ما معناه؟، فقال الزهري:(من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم).
قال الحافظ: (هذا الرَّجل هو الأوزاعي) يعني: الذي سأل الزّهري. ثم ذكره الحافظ من طريق ابن أبي عاصم في ذكر الدنيا له، بتسمية الرجل الذي سأل الزهري، وهو الأوزاعي.
وأخرجه أيضاً الخلال في السنة (3/ 579) رقم (1001).
(4)
نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف (ص 189 - 190).
(5)
هكذا في جميع النسخ، ولعلّ الصواب:(بأحاديث).
(6)
لعل مقصوده رحمه الله بنفي تصور معاني الصفات، أي: نفي تصور كيفيتها، كما مر سابقاً =
التصور والفكر فيها يؤدي إلى محظوراتٍ، وما أدّى إلى المحظور محظورٌ.
(وروى يونس بنُ عبد الصمد بن معقلٍ (1) عن أبيه (2): أن الجعد بن درهم (3) قدم على وهب بن منبهٍ (4) يسأله عن صفات الله
= من عباراته التي صرحت بنفي الإحاطة والكيفية والتصور، والتي قصد بها أن العبد لا يمكنه معرفة كيفية صفات الله سبحانه وتعالى.
ثم إن السلف رحمهم الله قد وردت عنهم عبارات تصرح بنفي معاني الصفات، ولكنهم لا يقصدون بذلك أن الصفات لا معاني لها، بل يريدون من ذلك نفي التأويلات الفاسدة.
(1)
هو يونس بن عبد الصمد بن معقل بن منبه بن كامل اليماني، روى عن أبيه. ولم أجد له في ترجمته غير هذا القدر، وغالبا يذكر مع أبيه.
انظر: تهذيب الكمال (18/ 104)، وتهذيب التهذيب (6/ 328).
(2)
هو عبد الصمد بن معقل بن منبه بن كامل اليماني، ابن أخي وهب بن منبه وهمام بن منبه، وأخوه عقيل بن معقل، روى عن عكرمة مولى ابن عبّاس، وعمه وهب، روى عنه عبد الرزّاق بن همام وأخوه عبد الوهّاب بن همام، وابناه: يحيى ويونس، وقال عنه يحيى بن معين: ثقة، مات سنة 183 هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (6/ 104)، والطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 73)، وتهذيب الكمال (18/ 104)، وتهذيب التهذيب (6/ 328).
(3)
هو الجعد بن درهم، من الموالي أصله من خراسان، مؤدب أمير المؤمنين مروان الأموي، متبوع ضال، وأول من قال بخلق القرآن، وأن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليماً، وقد قتله على ذلك خالد القسري في الكوفة كما روى ذلك الأئمة، منهم: البخاري، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وغيرهم. كان هلاكه سنة 124 هـ.
انظر: لسان الميزان لابن حجر (2/ 105)، وسير أعلام النُّبَلاء (5/ 433)، والأنساب للسمعاني (2/ 66).
(4)
هو وهب بن منبه بن كامل، العلّامة القصصي، أبو عبد الله الأبناوي، اليماني، الذماري، الصنعاني، أخو همام بن منبه. مولده في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين. أخذ عن ابن عبّاس، وأبي سعيد الخدري، حدث عنه ولداه عبد الله، وعبد الرّحمن، =
تعالى، فقال: ويلك يا جعدُ!! [تعضُّ](1)(2) المسألة؟ إني لأظنك من الهالكين، يا جعد، لو لم يخبر (3) الله تعالى في كتابه أن له عيناً ويداً (4) ووجهاً لما قلنا ذلك، فاتق الله. ثم لم يلبث جعدٌ أن قُتِلَ وصُلِب (5).
وخطب خالد بن عبد الله القسريُّ (6) يوم الأضحى بالبصرة، فقال في آخر خطبته: انصرفوا إلى منازلكم وضحُّوا بارك الله لكم في ضحاياكم، فإنِّي مضحٍّ اليوم بالجعد بن درهم، فإنَّه يقول: (لم يتخذ الله
= وعمرو بن دينار. روايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب. وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والعجلي، وغيرهم. توفي على الأرجح سنة 110 هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (8/ 164)، وسير أعلام النُّبَلاء (4/ 544)، وتهذيب التهذيب (11/ 166).
(1)
في (ص) و (ن) وعقيدة السلف: (بعض)، وفي (ظ) ما أثبته.
(2)
تعضُّ: العين والضاد أصل واحد صحيح، وهو الإمساك على الشيء بالأسنان. ثم يقاس منه كل ما أشبهه؛ حتّى يسمى الشيء الشديد والصلب والداهي بذلك.
انظر: معجم مقاييس اللغة (4/ 48)، ولسان العرب (7/ 188).
(3)
في عقيدة السلف: (يخبرنا).
(4)
في (ظ) و (ن) وعقيدة السلف: (يداً وعيناً ووجهاً).
(5)
روى هذه القصة الصابوني في عقيدة السلف (ص 190 - 191)، وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية (9/ 350) وعزاه إلى ابن عساكر في تاريخه، والذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (5/ 433).
(6)
هو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري من بجيلة، أبو الهيثم. ولد سنة 66 هـ، يماني الأصل من أهل دمشق، وهو الذي قتل الجعد بن درهم، وكان فيه مروءة وكرم وشدة على أهل البدع، قتل في أيام الوليد بن يزيد سنة 126 هـ.
انظر: الجرح والتعديل (3/ 340)، وسير أعلام النُّبَلاء (5/ 425)، وتهذيب التهذيب (2/ 520).
إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً)، سبحانه وتعالى عمَّا يقول الجعدُ علواً كبيراً، ونزل عن المنبر فذبحه بيده، وأمر بصلبه (1)(2).
واعلم أنه (3) من كذب على الله تعالى في خبره، أو ضادَّه في فعله، أو عانده في أمره ونهيه، فهو كافرٌ مرتدٌّ يُسْتَتَابُ عند جمهور العلماء، فإن تاب وإلا قتل.
وقالت طائفةٌ: لا يُقبل له توبةٌ، فإن (4) قُبلت يجب قتله حدًّا، وخصَّ مالكٌ وأصحابه وقول السلف وجمهور العلماء وبعض أصحاب الشافعيِّ، عدمَ قبول توبته [وقتلَه](5) حتماً [بسبِّ](6) النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقط،
(1) هذه القصة أخرجها البخاري في التاريخ الكبير (1/ 64)، وفي خلق أفعال العباد (ص 8)، والدارمي في الرد على الجهمية (ص 21) رقم (13)، و (ص 209) رقم (388)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 191)، وذكرها الذهبي في العلّو (ص 131) رقم (360) وعزاه في رقم (361) لعبد الرّحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه (الرد على الجهمية)، وذكر الألباني في مختصر العلو (ص 133 - 134) بعد ما ساق طريقين لهذه القصة: أن الإسنادين يشد أحدهما الآخر، ويقويه، قال ابن قيم في نونيته:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ
…
ـقسريُّ يوم ذبائح القربانِ
إذ قال إبراهيم ليس خليله
…
كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحيَّة كلُّ صاحب سنة
…
لله درك من أخي قربانِ
شرح القصيدة النونية للهراس (1/ 25)، وذكرها ابن القيم أيضاً في الصواعق المرسلة (3/ 1071).
(2)
نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف للصابوني (ص 190 - 191).
(3)
في (ظ) و (ن): (أن من كذّب الله تعالى
…
).
(4)
في (ظ) و (ن): (وإن).
(5)
في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(6)
في (ص): (بسب)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
وغير ذلك يجري فيه [على](1) أحكام المرتدين. وهو الذي أعتقده، وأدين الله تعالى به، فقد ثبت [فيه] (2) حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"من سبَّ نبيًّا فاقتلوه"(3)، وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دم من سبَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب فيه قوداً (4) ولا ديةً، رواه أبو داود (5) في سننه،
(1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(2)
في (ص): (في)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(3)
أخرجه الطَّبرانيُّ في المعجم الأوسط (5/ 37 - 38) رقم (4609)، وفي الصغير (1/ 393) رقم (659) من حديث علي بلفظ:"من سب الأنبياء قتل، ومن سب الصّحابة جلد".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 260): (رواه الطَّبرانيُّ في الصغير والأوسط عن شيخه عبيد الله بن محمّد العمري، رماه النَّسائيُّ بالكذب).
وقال الألباني في الضعيفة (1/ 244) رقم (206): (موضوع).
وقال ابن تيمية عن هذا الحديث في الصارم المسلول (2/ 191): (وفي القلب منه حزازة، فإن هذا الإسناد الشريف قد ركب عليه متون منكرة).
(4)
القود: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادةً، واستقدت الحاكم: سألته أن يقيدني، واقتدت منه، أقتاد. والقود نقيض السوق، وهو من أمام وذاك من الخلف كالقيادة والمقادة.
انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/ 119)، والقاموس المحيط (1/ 330).
(5)
هو سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، أبو داود. ولد سنة اثنتين ومئتين، صاحب السنن، روى عن أبي الوليد الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وغيرهما كثير. وعنه التّرمذيّ، والخلال، وغيرهما كثير.
قال عنه الذهبي: (الإمام شيخ السنة مقدم الحفاظ). وقال أيضاً: (وكان على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها، وترك الخوض في مضائق الكلام). وقال عنه ابن حبان: (أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونسكاً، وورعاً، وإتقاناً، جمع وصنف، وذبّ عن السنن). توفي سنة 275 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 203)، والبداية والنهاية (11/ 58)، وطبقات الحنابلة (1/ 159).
وبوَّب عليه (1)، ولا أعلم له ناسخاً ولا مخصِّصاً ولا معارضاً، والله أعلم.
وعمَّم بعض المالكية المسألةَ في سبِّ الله عز وجل وسبَّ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو تكذيبهما، أو ما يلزم منه استنقاصٌ ونحو ذلك، في أنَّه يُقتل حتماً، وأنا أعتقده، والله أعلم.
(1) أخرجه أبو داود في الحدود، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 529 - 530) رقم (4362) من حديث علي:"أن يهودية كانت تشتم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها".
ومن طريق أبي داود رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 200).
قال الألباني في إرواء الغليل (5/ 91) رقم (1251): (إسناد صحيح على شرح الشيخين).