الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (41)
في حقيقة المبتدع بالسنة إلى الاصطلاح
اعلم أن كلَّ مبتدعٍ فاسقٌ (1)، وليس كلُّ فاسقٍ مبتدعاً، فالمبتدع على ضربين:
أحدهما: من أخرجته بدعته عن الإسلام، وهي الفسادُ في العقيدة في أصل من أصول الدِّين.
والثاني: لا تخرجه (2) عن الإسلام بل يفسق بها، وهي فسادٌ في العمل مع سلامة العقيدة، فيسمَّى: مبتدعاً مقيداً لا مطلقاً، كالكفر المطلق لا يطلق إلا على من خرج عن الإسلام، ويسمَّى به الفاسق مقيداً، وهذا معنى قول العلماء رحمهم الله تعالى: كفرٌ دون كفرٍ، شركٌ دون شركٍ، نفاقٌ دون نفاقٍ، فالكفر والشرك والنفاق عند الإطلاق لا يُحمل إلا على الخروج من الإسلام، ويستعمل في المعاصي من الكبائر وغيرها مقيداً، ويطلق عليها؛ لقصد الزجر والتنفير منها، لا للحكم بحقيقته، والله أعلم.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن تحقيق القول في ذلك (وكشف اللبس فيه مورده الشرع، ولا مجال للعقل فيه، والفصل البين في هذا: أن كلَّ
(1) في (ص) و (ظ) و (ن): (فاسقاً)، والصحيح ما أثبته.
(2)
في (ظ) و (ن): (يخرجه).
مقالةٍ صرحت بنفي الربوبية، والوحدانية (1)، أو عبادة أحد غير الله، أو مع الله فهي (2) كفرٌ، كمقالة الدهرية (3)، وسائر فرق الاثنين (4)، (5) من الديصانية (6)، والمانوية (7)، (8) ...........................
(1) في الشفا: (أو الوحدانية).
(2)
في الشفا: (فهو).
(3)
الدهرية: هم فرقة خالفت الإسلام، وادعت قدم الدهر والعالم، وأسندت الحوادث والنوازل إليه، وقالت: إن العالم لم يزل وأنه غير محدث، وهم الذين ينفون الربوبية، ويحيلون الأمر والنهي والرسالة من الله تعالى، ويقولون: يستحيل هذا في العقول. ويسمون أيضاً بالملاحدة، ويمكن رد أصل مذهبهم إلى مدارس الفلسفة الإغريقية.
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 47 - 48)، (1/ 71 - 72)، والملل والنحل (2/ 3).
(4)
في الشفا: (أصحاب الاثنين).
(5)
فرق الاثنين: هم أصحاب الاثنين الأزليين، إذ يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وذكروا سبب حدوثه. ومن فرق الاثنين: المانوية، والمزدكية، والديصانية، والمرقونية، وغيرها.
انظر: مقالات الإسلاميين (ص 308 - 349)، والملل والنحل (1/ 244 - 253).
(6)
الديصانية: هم أصحاب رجل يسمى (ديصان)، سمي باسم نهر ولد عليه، وهؤلاء أثبتوا أصلين: نوراً، وظلاماً. فالنور يفعل الخير قصداً واختياراً، والظلام يفعل الشر طبعاً واضطراراً.
واختلفوا في المزاج والخلاص، فبعضهم يدعي احتيال الظلام وتشبثه بالنور، وقيل: إن النور إنما دخل أجزاء الظلام اختياراً، وهم من أصحاب الاثنين الأزليين.
انظر: مقالات الإسلاميين (ص 249)، والملل والنحل (1/ 251).
(7)
في الشفا: (أو المانوية).
(8)
المانوية: هم أصحاب ماني بن فاتك الحكيم؛ الذي ظهر في زمان شابور بن أردشير، وقتله بهران بن هرمز بن سابور، وذلك بعد عيسى عليه السلام، أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام، ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام، ويزعم أن صانع العالم اثنان: أحدهما فاعل الخير وهو النور، وثانيهما فاعل الشر =
وأشباههم من الصابئين (1)، والنصارى، والمجوس (2)، والذين أشركوا بعبادة الأوثان، أو الملائكة والشياطين (3) أو الشمس أو النجوم أو النار، أو أحدٍ غير الله من مشركي العرب، وأهل الهند، والصين، والسودان، وغيرهم ممن لا يرجع إلى كتاب.
وكذلك القرامطة، وأصحاب الحلول (4)، ...............
= وهو الظلمة، وهما قديمان أزليان لم يزالا، ولن يزالا، وهما مختلفان في النفس والصورة، متضادان في الفعل والتدبير.
انظر: الفرق بين الفرق (ص 271)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 91)، والملل والنحل (1/ 244).
(1)
الصابئون: جمع صابئ، وهو في اللغة: الخارج من دين الله إلى دين آخر.
والصابئة: هم الذين بعث فيهم إبراهيم الخليل عليه السلام وكانوا يسكنون حران، وكانوا يعظمون الكواكب السبع، ويقولون: إنها مدبرة هذا العالم، وهذا هو أرجح الأقوال منهم. وبعضهم يقول بأنهم قسمان: مشركون وهم عبدة الكواكب والنجوم، وحنفاء: وهم الذين جاء ذكرهم في القرآن، وهم قوم إبراهيم عليه السلام.
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 88)، والملل والنحل (2/ 54).
(2)
المجوس: وهم عبدة النار التي يعظمونها؛ لأنها عندهم جوهر شريف؛ ولأنها لم تحرق إبراهيم عليه السلام، وهؤلاء يعبدون الكواكب، وقيل: بأن لهم شبهة كتاب. ثم إنهم أثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين، يقتسمان الخير والشر، يسمون أحدهما النور والآخر الظلام، إلا أن المجوس زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي، والظلمة محدثة.
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 87)، والملل والنحل (1/ 229 - 255).
(3)
في الشفا: (أو الشياطين).
(4)
أصحاب الحلول: هم الذين يدّعون حلول روح الله في ذوات المخلوقين، وغرضهم جميعاً القصد إلى إفساد القول بتوحيد الخالق. والحلولية في الجملة فرق كثيرة، وأغلبها يرجع إلى غلاة الرافضة، ومنهم:
السبئية، والبيانية، والجناحية، والخطابية، والنميرية، والمقنعية، والرزامية، =
والتناسخ (1) من الباطنية، والطيارة (2) من الروافض (3).
وكذلك من اعترف بإلهية (4) الله ووحدانيته، ولكنه (5) اعتقد أنه غير حيّ، أو غير قديم، أو أنه محدثٌ أو مصوَّر، أو ادَّعى له ولداً، أو صاحبةً، أو والداً، أو أنه متولد من شيء، أو كائن عنه، أو أن معه في الأزل شيئاً قديماً غيره، أو أن ثمَّ صانعاً للعالم سواه، أو مدبراً غيره؛
= والبركوكية، والحلمانية، والحلاجية، والعذافرة، وبعض الخرمية.
انظر: مقالات الإسلاميين (ص 9 - 15)، (ص 288)، والفرق بين الفرق (ص 254 - 255).
(1)
أصحاب التناسخ: هم القائلون بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى من الراحة والتعب، والنصب والدعة؛ فمرتب على ما أسلفه من قبل، وهو في بدن آخر، جزاء على ذلك. وقيل أن أصل التناسخ نشأ من الصابئة الحرانية، وما من ملة من الملل إلا وللتناسخ قدم راسخ، وإنما تختلف طرقهم في تقرير ذلك.
انظر: مقالات الإسلاميين (ص 16)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 165)، والملل والنحل (2/ 252 - 255).
(2)
الطيارة من الروافض: هم أتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، وكان يقال له: الطيار، وهذه الفرقة من غلاة الرافضة، ويزعم أتباعه أنه كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما تنبت الكمأة والعشب، وأن الأرواح تناسخت، وأن روح الله كانت في آدم، ثم تناسخت حتى صارت فيه، ويكفرون بالقيامة، ويستحلون كل شيء.
انظر: مقالات الإسلاميين (ص 5 - 6)، والفرق بين الفرق (ص 245 - 255).
(3)
في الشفا: (والطيارة من الرافضة، والجناحية، والبيانية، والغرابية).
والجناحية: هم الطيارة من الرافضة الذين سبق ذكرهم، وليسوا فرقة أخرى، نسبة إلى عبد الله بن معاوية ذي الجناحين، وممن ذكر ذلك ملا علي قاري في شرح الشفا للقاضي عياض (2/ 513).
(4)
في الشفا: (بالإلهية).
(5)
في (ظ) و (ن): (ولكن).
فذلك كله كفرٌ بإجماع المسلمين؛ كقول الإلهيين من الفلاسفة (1) ، والمنجمين (2)، والطبائعيين (3).
(1) الإلهيون من الفلاسفة: أو الفلاسفة الإلهيون، وهم الذين ترقوا عن المحسوس الذي أوقع الطبيعيين الدهريين، وأثبتوا المعقول، لكن لا يقولون بحدود وأحكام، وشريعة وإسلام، ويظنون أنهم إذا حصلوا المعقول، وأثبتوا للعالم مبدأ ومعاداً وصلوا إلى الكمال المطلوب من جنسه، فتكون سعادتهم على قدر إحاطتهم وعلمهم، وشقاوتهم بقدر سفاهتهم وجهلهم، وعقولهم هي المستبدة بتحصيل هذه السعادة، ووضعهم هو المستعد لقبول تلك الشقاوة. وقالوا: الشرائع وأصحابها أمور مصلحية عامية، والحدود والأحكام، والحلال والحرام، أمور وضعية، وأصحاب الشرائع رجال لهم حِكم عملية.
انظر: الملل والنحل (2/ 43)، ونسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للخفاجي (4/ 536)، وشرح الشفا للقاضي عياض لملا علي قاري (2/ 514).
(2)
المنجمون: جمع منجّم، وهو الباحث عن النجوم وأحكامها، القائل بأنها مؤثرة في الكون. والزاعم أن الفلك والنجوم تعقل، وأنها ترى وتسمع، وأنهما تدبران الكون كله.
والتنجيم: هو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، والتمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الأرضية، فيستدل المنجم مثلاً باقتران النجم الفلاني بالنجم الفلاني على أنه سيحدث كذا وكذا، ويستدل بولادة إنسان في هذا النجم أنه سيكون سعيداً، وفي هذا سيكون شقياً، وهذا محرم أصلاً.
وأما ما يستدل بالنجوم على الجهات والأوقات والحساب فهذا جائز شرعاً، والنجوم إنما خلقها الله زينة للسماء الدنيا، ورجوماً للشياطين، وهداية في البر والبحر.
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 147)، ونسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للخفاجي (4/ 536)، وشرح الشفا للقاضي عياض لملا علي قاري (2/ 514).
(3)
الطبائعيون: نسبة إلى الطبائع، وهم القائلون بأن الجواهر أربعة أجناس متضادة من: حرارة، وبرودة، ورطوبة، ويبوسة، ولم يثبتوا في الدنيا شيئاً إلا الطبائع الأربعة. ويزعمون أن العالم كان ساكناً متحركاً، وأن الحركة معنى وأن السكون ليس بمعنى. =
وكذلك من ادَّعى مجالسة الله، أو العروج (1) إليه، أو مكالمته (2)، أو حلوله في أحدٍ من (3) الأشخاص؛ كقول بعض المتصوفة، والباطنية، والنصارى، والقرامطة.
وكذلك نقطع على كفر من قال: بقدم العالم، أو بقائه، أو شكَّ على (4) مذهب بعض الفلاسفة والدهرية، أو قال بتناسخ الأرواح، وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص، وتعذيبها أو تنعمها (5) فيها بحسب [زكائها](6) وخبثها (7)(8).
= وهم القائلون بتأثير الطبيعة في الإيجاد والتدبير في أمر البدن؛ على ما عليه بعض الأطباء التابعين للحكماء المعتقدين بإلهية الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، وقيل: هم الذين يقولون: إن النار بطبعها محرقة، وإن الماء بطبعه مغرق.
انظر: مقالات الإسلاميين (ص 335)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 115 - 118)، وشرح الشفا للقاضي عياض لملا علي قاري (2/ 514).
(1)
في (ظ) و (ن): (والعروج).
(2)
في (ظ) و (ن) والشفا: (ومكالمته).
(3)
(من) ليست في (ظ) و (ن).
(4)
في الشفا: (أو شك في ذلك على مذهب).
(5)
في (ظ) و (ن) والشفا: (تنعيمها).
(6)
في (ص): (زكاتها)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(7)
في (ظ): (وحبثها).
(8)
من قوله: (وكشف اللبس فيه مورده الشرع
…
) وإلى نهاية هذا الفصل، نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1065 - 1068).