الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (7)
والقرآن (1) كلام الله، وكتابُه، وخطابُه، ووحيُه، وتنزيلُه، غيرُ مخلوقٍ، من (2) قال بخلقه فقد كفر (3)، إذ هو صفة من صفاته، وهي قديمة (4)، وهو الذي نزل به جبريل صلى الله عليه وسلم قرآناً عربياً لقومٍ يعلمون بشيراً ونذيراً، كما قال عز وجل:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195]، وهو الذي بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته كما أُمِرَ به في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] فكان الذي بلَّغهم كلام الله، وفيه قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"أتمنعونني أن أُبلِّغ كلام ربي"(5)(6).
(1) في (ن): (القرآن).
(2)
في (ن): (ومن).
(3)
في (ن): (فهو كافر).
(4)
لعل مقصوده رحمه الله قديمة باعتبار نوعها، وأما أفرادها وآحادها فحادثة.
(5)
أخرجه أبو داود في السنة، باب في القرآن (5/ 103) رقم (4734)، والترمذي في فضائل القرآن، باب حرص النّبيّ صلى الله عليه وسلم على تبليغ القرآن (5/ 168) رقم (2925)، وابن ماجة في مقدمة سننه (1/ 73) رقم (201) من حديث جابر بلفظ:"ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي"
قال الترمذي: (هذا حديث غريب صحيح).
وقال الألباني في الصحيحة (4/ 592) رقم (1947): (هو على شرط البخاري).
(6)
من بداية هذا الفصل وإلى قوله: (أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف للصابوني (ص 165 - 166).
وهو الذي توعد الله سبحانه مَنْ قال: بأنه قول البشر (1) أن يصليه سقر في قوله تعالى - إخباراً عن قول الوليد بن المغيرة - (2): {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر: 24 - 27] الآيات (3). وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسن، ويُكتب في المصاحف، كيفما تصرَّف [بقراءته](4) قارئ، ولفظ لافظ،
(1) في (ن): (بأن).
(2)
هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو عبد شمس، من زعماء قريش، ومن زنادقتها، وأدرك الإسلام وهو شيخ هرم، فعاداه وقاوم دعوته، ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه (ساحر)، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر، ودفن بالحجون، وهو والد سيف الله خالد بن الوليد.
انظر: الكامل لابن الأثير (1/ 592)، والأعلام للزركلي (8/ 122).
(3)
سبب نزول قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 24، 25]: أخرج الحاكم في المستدرك (2/ 506 - 507)، ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 198 - 199) من طريق عكرمة، عن ابن عبَّاس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوه لك، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر، أو أنك كاره له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني، ولا بشاعر الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتّى تقول فيه. قال: فدعني حتّى أفكر. ففكر. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11].
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري، ولم يخرجاه)، وأقرّه الذهبي.
وأخرجه ابن جرير وأبو نعيم في الحلية وعبد الرزاق وابن المنذر عن عكرمة مرسلًا، كما في الدرّ المنثور للسيوطي (8/ 330).
(4)
في (ن): (بقراءة).
وحفظ حافظ، وحيث تُلي، وفي أي موضعٍ [قُرئ](1)، أو كُتب في مصاحف الإسلام، وألواح صبيانهم، وغيرها، [كله](2) كلام الله، وهو القرآن (3)، الذي نقول: إنَّه غير مخلوقٍ، فمن زعم أنه مخلوقٌ فهو كافر بالله العظيم (4).
ويجب أن نعتقد جميع ذلك، وأنه كلام الله، منه بدأ (5) بلا كيفيَّةٍ قولًا (6)، وأنزله على نبيه وحياً، وصدَّقه المؤمنون على ذلك حقاً،
(1) في (ص): (تُلي)، وفي (ن) ما أثبته.
(2)
في (ن) وليست في (ص).
(3)
قوله: (وهو الذي تحفظه الصدور .... كله كلام الله وهو القرآن) فيه رد على الأشاعرة القائلين بأن القرآن العربي ليس كلام الله، وإنما خلقه في الهواء، أو في اللوح المحفوظ، أو أحدثه جبريل عليه السلام أو محمّد صلى الله عليه وسلم، والقائلين أيضاً بأن القرآن المنزل إلى الأرض ليس هو كلام الله، فما نزل به جبريل عليه السلام من المعنى واللفظ، وما بلغه محمّد صلى الله عليه وسلم لأمته من المعنى واللفظ ليس هو كلام الله، لا حروفه ولا معانيه، بل هو مخلوق عندهم، وإنما يقولون هو عبارة عن كلام الله القائم بالنفس. انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرّحمن المحمود (3/ 1300).
(4)
من قوله: (وهو الذي تحفظه الصدور
…
)، وإلى:(.... فهو كافر بالله العظيم) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف للصابوني (ص 166).
وأقول: لعلّ الصابوني رحمه الله اقتبسه من الإسماعيلي رحمه الله في كتابه: اعتقاد أهل السنة، حيث قال الإسماعيلي:(ويقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه كيفما تصرّف؛ بقراءة القاريء له، وبلفظه، ومحفوظاً في الصدور، متلواً بالألسن، مكتوباً في المصاحف؛ غير مخلوق ....).
انظر: كتاب اعتقاد أهل السنة لأبي بكر الإسماعيلي (ص 36).
(5)
قول السلف: إن القرآن بدأ من الله، يعنون به أنه خرج وظهر من الله، وتكلم به، ونقل هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية في التسعينية (1/ 364 - 369) وساق كلام السلف في ذلك.
(6)
أي: بلا كيفية نعلمها قولًا.
وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة (1)، وليس بمخلوقٍ ككلام البريَّة، فمن سمعه فزعم أنَّه كلامُ البشر فقد كفر، وقد ذمَّه الله تعالى وعابه وأوعده، حيث قال:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26]، وعد الله سقر لمن قال:{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25]، فعلمنا أنَّه قول خالق البشر، ولا يشبهه قول البشر. ومن وصف الله بمعنًى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعَلِم أن الله تعالى في صفاته (2) ليس كالبشر (3) قلتُ: ونبغتْ (4) طائفةٌ فتكلمت في كيفية كلام الله، وهل هو بحرفٍ وصوتٍ كما نتكلم به؟، وكل هذا بدعةٌ (5) محدَثةٌ (6) يلزم منه الحكم في صفات الله تعالى بالقياس، وقياس الغائب على الشّاهد، وهما باطلان، والله أعلم.
(1) الحقيقة هنا تشمل اللفظ والمعنى.
(2)
في (ن): (بصفاته).
(3)
من قوله: (منه بدأ ..) وإلى: (.. ليس كالبشر) نقله المؤلف بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 9).
(4)
في (ن): (ونبعت).
(5)
لعلّ المؤلف يقصد بذلك: أن إطلاق الكلام في هذه المسألةُ من حيث النَّفْي والإثبات بدعة محدثة، لم تكن معروفة في القرون المفضلة، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن كلام الله: هل هو حرف وصوت أم لا؟. فأجاب: (بأن إطلاق الجواب في هذه المسألة نفياً وإثباتاً خطأ، وهي من البدع المولدة، الحادثة بعد المئة الثّالثة، ثم قال: والصواب الذي عليه سلف الأمة - كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصّحيح، في كتاب خلق أفعال العباد وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم - اتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلاماً لغيره، ولكن أنزله على رسوله
…
وأن الله تعالى يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره
…
). انظر: مجموع الفتاوى (12/ 243 - 244).
(6)
في (ن): (محرمة).
قال الإمام أبو بكرٍ محمّد بن إسحاق بن خزيمة (1): (نقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوقٍ، فمن قال: إنَّه مخلوقٌ (2)، فهو كافر بالله العظيم، لا تُقبل شهادته، ولا يُعاد إن مرض، ولا يُصلّى عليه إن مات، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، يُستتاب، فإن تاب وإلا ضُربت عُنقُه) (3).
وأمَّا اللّفظ بالقرآن فقال الإمام أبو بكرٍ الإسماعيلي (4) رحمه الله:
(1) هو محمّد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر أبو بكر السلمي النيسابوري، الشّافعيّ، الحافظ الحجة، إمام الأئمة، ولد سنة 223 هـ، كان صاحب سنة واتباع، وهو صاحب الصّحيح، وكتاب التّوحيد الذي قرر فيه منهج السلف رحمه الله، توفي سنة 311 هـ.
انظر: طبقات الشافعية للسبكي (3/ 109)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 221)، والعقد المذهب في طبقات حملة المذهب لابن الملقن (ص 37)، ومرآة الجنان (2/ 312) وسير أعلام النُّبَلاء (14/ 365)، وديوان الإسلام لابن الغزي (2/ 240).
(2)
في عقيدة السلف: (فمن قال إن القرآن
…
).
(3)
أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (167 - 168) قال: (سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا الوليد حسان بن محمّد يقول: سمعت الإمام أبا بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة يقول: القرآن كلام الله
…
).
وذكره الذهبي مختصراً في سير أعلام النُّبَلاء (14/ 374) من طريق أبي الوليد حسان بن محمّد الفقيه عن محمّد بن إسحاق بن خزيمة.
وبمثل قول ابن خزيمة قال يحيى بن أكثم: (القرآن كلام الله، فمن قال: مخلوق؛ يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه). انظر: تاريخ بغداد (14/ 198)، وطبقات الحنابلة (1/ 412).
(4)
هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشّافعيّ، شيخ الشافعية، ولد 277 هـ، صنف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث، ولا خلاف بين العلماء على إمامته وعلمه، توفي سنة 371 هـ.
انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/ 7)، والعقد المذهب لابن الملقن (ص 57) والبداية والنهاية (6/ 317)، والوافي بالوفيات (6/ 213)، وسير أعلام النُّبَلاء (16/ 292).
(ومن (1) زعم أن لفظه بالقرآن مخلوقٌ - يريد به القرآن - فقد قال بخلق القرآن) (2).
وقال ابن مهدي الطّبريّ (3): ([ومن] (4) قال: إنَّ القرآن بلفظي مخلوق، أو لفظي به مخلوق، فهو جاهلٌ ضالٌّ كافرٌ بالله العظيم) (5).
وقال إسحاق بن راهويه (6) لما سُئل عن اللّفظ بالقرآن؟ قال: (لا ينبغي أن يُناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوقٍ)(7).
(1) في عقيدة السلف: (من) بدون واو.
(2)
عقيدة السلف للصابوني (ص 168 - 169)، أما نص كلام الإسماعيلي فهو:(ومن قال بخلق اللّفظ بالقرآن يريد به القرآن فقد قال بخلق القرآن).
انظر: كتاب اعتقاد أهل السنة لأبي بكر الإسماعيلي (ص 36).
(3)
هو أبو الحسن علي بن محمّد المهدي الطّبريّ، كان من المبرزين في علم الكلام، والقائمين على تحقيقه، وكان متفنناً في أصناف العلوم، وكان من أخص تلاميذ أبي الحسن الأشعري صحبه بالبصرة، وأخذ عنه، توفي في حدود سنة 380 هـ.
انظر: تبيين كذب المفتري لابن عساكر (ص 195)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي (3/ 466)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوي (2/ 212) والوافي بالوفيات للصفدي (22/ 143)، وطبقات المفسرين للداودي (1/ 436).
(4)
في (ص): (من)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته.
(5)
عقيدة السلف للصابوني (ص 169).
(6)
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم التَّميميُّ ثم الحنظلي، المروزي، المعروف بـ:(ابن راهويه)، شيخ المشرق وسيد الحفاظ، قال عنه الإمام أحمد:(لا أعرف لإسحاق في الدنيا نظيراً)، وقال عنه سعيد بن ذؤيب:(ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق)، مات سنة 238 هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (1/ 379)، والفهرست لابن النديم (ص 379)، وطبقات الحنابلة (1/ 109)، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (4/ 271)، وطبقات علماء الحديث (2/ 85)، والكاشف للذهبي (59/ 1).
(7)
عقيدة السلف للصابوني (ص 170 - 171).
وقال أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ (1) رحمه الله:
(أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي ولا تابعي (2) إلا عمَّن في قوله الغَناءُ (3) والشفاءُ (4)، وفي اتِّباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله (5) مقامَ [قولِ] (6) الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن حنبل (7) رحمه الله .............................
(1) هو محمّد بن جرير بن كثير الطّبريّ، أبو جعفر، الإمام الحافظ، المؤرخ، شيخ المفسرين على الإطلاق، ولد سنة 224 هـ، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي، له مصنفات كثيرة منها التفسير، والتاريخ، وتهذيب الآثار، توفي سنة 310 هـ.
انظر: تاريخ بغداد (2/ 162)، ووفيات الأعيان (4/ 191)، ومختصر تاريخ دمشق (22/ 59)، والوافي بالوفيات (2/ 284)، وطبقات القراء للذهبي (1/ 328)، وطبقات المفسرين للداودي (2/ 110)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 95).
(2)
في صريح السنة: (عن صحابي مضى ولا تابعي قضى، إلا
…
).
(3)
الغَنَاءُ: بفتح الغين مع المد: الكفاية، يقال: لا يُغني فلان غَنَاءَ فلانٍ، أي: لا يكفي كفايته.
انظر: معجم مقاييس اللُّغة (4/ 397).
(4)
في صريح السنة: (
…
والشفاء، رحمة الله عليه ورضوانه، وفي اتباعه
…
).
(5)
في صريح السنة: (قوله لدينا).
(6)
ليست في (ص) ولا في عقيدة السلف، وفي (ن) وصريح السنة ما أثبته.
(7)
هو أحمد بن محمّد بن حنبل بن هلال الشيباني، إمام أهل السنة، صاحب المذهب المعروف، وإليه تنسب الحنابلة، ولد سنة 164 هـ، كان إماماً في الحديث والفقه والزهد، امتحن في زمن المأمون والمعتصم والواثق بسبب امتناعه عن القول بخلق القرآن، توفي سنة 241 هـ.
انظر: تاريخ بغداد (4/ 412)، وتهذيب الكمال للمزي (1/ 437)، والفهرست لابن النديم (ص 378)، ووفيات الأعيان (1/ 63)، والمنتظم لابن الجوزي (11/ 286)، ومختصر تاريخ دمشق (3/ 240)، والعبر للذهبي (1/ 342)، وشذرات الذهب (2/ 96)، والنجوم الزاهرة (2/ 365)، ومرآة الجنان (2/ 99)، وسير أعلام النُّبَلاء (11/ 177).
فإن أبا إسماعيل التّرمذيّ (1) حدَّثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: اللفظية (2) جهمية (3)، يقول الله تعالى:{فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، ممَّن يسمع (4) (5)؟. قال: ثم سمعت جماعةً
(1) هو محمّد بن إسماعيل بن يوسف السلمي التّرمذيّ، ثم البغدادي، أبو إسماعيل، الإمام الحافظ الثقة، ولد بعد سنة 190 هـ، سمع منه خلق، وجمع وصنف، وطال عمره، ورحل النَّاس إليه، قال الخطيب البغدادي: كان فهماً، متقناً، مشهوراً بمذهب السنة، توفي في رمضان سنة 280 هـ.
انظر: سير أعلام النُّبَلاء (13/ 242)، وتاريخ بغداد (2/ 42)، وتهذيب الكمال (24/ 489)، وتهذيب التهذيب (9/ 62)، وطبقات الحنابلة (1/ 279).
(2)
اللفظية نوعان: لفظية نافية، وهم الجهمية، الذين يقولون: إن ألفاظنا وتلاوتنا للقرآن مخلوقة، وأن التلاوة غير المتلوِّ، والقراءة غير المقروء، وقد بين الإمام أحمد أن قولهم هذا يفضي إلى القول بخلق القرآن، وأول من قال بأن التلاوة مخلوقة حسين الكرابيسي، وداود الأصفهاني - وهم المقصودون هنا -.
لفظية مثبتة: وهم قوم من أهل السنة والحديث قابلوا النفاة فقالوا: تلاوتنا بالقرآن غير مخلوقة، وألفاظنا غير مخلوقة، وإن التلاوة هي المتلوّ، والقراءة هي المقروء، فردوا الباطل بباطل آخر.
انظر: الرسالة الكيلانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن الفتاوى (12/ 372) وقد بحث شيخ الإسلام هذه المسألة في المجلد الثّاني عشر بحثاً وافياً، وانظر: البدء والتاريخ للمقدسي (5/ 149).
(3)
ذكره عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة (1/ 65) رقم (182 - 185)، قال: سئل أبي رحمه الله وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة؟ فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي. وقال مرّة أخرى: هم شر من الجهمية. وهو قول جهم، ثم قال: لا تجالسوهم. قال الذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (11/ 289): قال أحمد بن زنجويه: سمعت أحمد يقول: اللفظية شر من الجهمية.
(4)
في صريح السنة: (فممن).
(5)
قال ابن تيمية في الفتاوى (12/ 259): (قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} فيه دلالة على أنه يسمع كلام الله من التالي المبلغ، وأن ما يقرؤه المسلمون هو كلام الله).
من أصحابنا - لا أحفظ أسماءهم - يذكرون عنه أنَّه كان يقول: مَنْ قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فهو جهمي، ومَنْ قال: غير (1) مخلوقٍ، فهو مبتدعٌ (2).
قال محمّد بن جرير: ولا قولَ في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله (3)؛ إذ لم يكن لنا فيه إمامٌ نأتمُّ به سواه، وفيه الكفاية والمَقْنَع (4)، وهو الإمام المتبع، رحمه الله برضوانه عليه) (5).
(1) في صريح السنة: (هو غير).
(2)
قال الذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (11/ 288): (الذي استقر الحال عليه، أن أبا عبد الله كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، وأن من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. فكان رحمه الله لا يقول هذا ولا هذا. وربما أوضح ذلك، فقال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن فهو جهمي).
أما بيان معنى قول الإمام أحمد فقد ذكره ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة (2/ 426) قائلًا: (وقال إبراهيم الحربيّ: كنت جالساً عند أحمد بن حنبل إذ جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله إن عندنا قوماً يقولون: إن ألفاظهم بالقرآن مخلوقة. قال أبو عبد الله: يتوجه العبد لله بالقرآن بخمسة أوجه وهو فيها غير مخلوق: حفظ بقلب، وتلاوة بلسان، وسمع بأذن، ونظرة ببصر، وخط بيد، فالقلب مخلوق والمحفوظ غير مخلوق، والتلاوة مخلوقة والمتلو غير مخلوق، والسمع مخلوق والمسموع غير مخلوق، والنظر مخلوق والمنظور إليه غير مخلوق، والكتابة مخلوقة والمكتوب غير مخلوق
…
ففرق أحمد بين فعل العبد وكسبه وما قام به فهو المخلوق، وبين ما تعلّق به كسبه وهو غير مخلوق، ومن لم يفرق هذا التفريق لم يستقر له قدم في الحق).
وانظر: مجموع الفتاوى (12/ 210، 282).
(3)
(غير قوله) ليست في صريح السنة.
(4)
في صريح السنة: (والمنع).
(5)
نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني (ص 171 - 172) بالنص، ونقله الصابوني بالنص من صريح السنة لمحمد بن جرير الطبري (ص 25 - 26). وأورده اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 392) رقم (602) بلفظه، وذكر =
وقال (1) الإمام أبو عثمان الصابوني (2) رحمه الله: (والذي حكاه ابن جرير عن أحمد بن حنبل: أنَّ اللفظية جهميةٌ، صحيحٌ عنه، وإنَّما قال ذلك؛ لأنَّ جهماً (3) وأصحابه صرحوا بخلق القرآن، والذين قالوا باللفظ تدرَّجوا (4) به إلى القول بخلق القرآن، وأدرجوه في هذا القول ذي اللبس؛ لئلا يُعدُّوا في زمرة جهم (5) الذين هم شياطين الإنس يوحي
= عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه نحواً من هذا الكلام مفرقاً في السنة (1/ 164 - 165) بأرقام (180 أ - 180 ب - 181 - 182).
(1)
في (ن): (قال).
(2)
هو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن بن أحمد بن إسماعيل الصابوني النيسابوري، الحافظ المفسر المحدث الفقيه الواعظ، الملقب بشيخ الإسلام، ولد سنة 373 هـ، كان إمام المسلمين حقًّا، وشيخ الإسلام صدقاً، وأهل عصره مذعنون لعلّو شأنه في الدين، وحسن الاعتقاد، وكثرة العلم، ولزوم طريقة السلف، توفي سنة 449 هـ.
انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي (4/ 271)، وطبقات الشّافعيّة لابن قاضي شهبة (1/ 223)، ومعجم الأدباء (7/ 16)، ومختصر تاريخ دمشق (4/ 360)، والعقد المذهب لابن الملقن (ص 88)، وطبقات المفسرين للداودي (1/ 109)، والوافي بالوفيات (9/ 143)، وسير أعلام النُّبَلاء (18/ 40).
(3)
هو جهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي، مولاهم السمرقندي، رأس الضلالة والبدعة، وإليه تنسب الجهمية، قال بخلق القرآن، وإنكار الصفات، وأن الله في الأمكنة كلها، قتله سلم بن أحوز أمير خراسان سنة 128 هـ.
وانظر: الفرق بين الفرق (ص 211)، وسير أعلام النُّبَلاء (6/ 26)، والوافي بالوفيات (11/ 207).
(4)
في (ن): (يدرجوا)، وفي (ص) وعقيدة السلف ما أثبته.
(5)
قوله: (وأدرجوه في هذا القول ذي اللبس؛ لئلا يعدوا في زمرة جهم) هذه العبارة ذكرها محقق عقيدة السلف الدكتور ناصر الجديع في الحاشية على أنها زيادة من نسخة مخطوطة مصورة عن دار الكتب الأهلية الظاهرية بدمشق ورمز لها ب (ظ).
بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وقصدوا (1) وأرادوا (2) به أنَّ القرآن بلفظنا مخلوق، [فلذلك](3) سماهم أحمد جهميَّةً.
وأما ما حكاه (4) عن أحمد رحمه الله أنَّ مَنْ قال: لفظي بالقرآن غير مخلوقٍ، فهو مبتدع، فإنّما أراد به: أن السلف الصالحين من الصّحابة والتابعين وأتباع التابعين لم يتكلموا في باب اللّفظ، ولم يحُوجْهم الحال إليه، وإنَّما حدث هذا من أهل التعمق وذوي الحمق الذين أتوا بالمحدَثات، وعتوا (5) عمَّا نُهُوا عنه من الضلالات (6)، وخاضوا في مثل هذا الكلام؛ الذي (7) لم يخض فيه السلف من علماء الإسلام، فقال أحمد (8): هذا القول في نفسه بدعةٌ، ومن حقَّ المتسنِّن أن يدعه وكُلَّ بدعةِ مبتدعةٍ (9)، ويقتصرَ (10) على ما قاله السلف من الأئمة المتَّبعة: بأن القرآن كلام الله غير مخلوقٍ) (11).
(1) قوله: (الذين هم شياطين الإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وقصدوا ....). هذه العبارة ليست موجودة في عقيدة السلف.
(2)
في عقيدة السلف: (
…
تدرجوا به إلى القول بخلق القرآن، وخافوا أهل السنة - في ذلك الزّمان - من التصريح بخلق القرآن، فذكروا هذا اللّفظ، وأرادوا به
…
).
(3)
في (ص): (ولذلك)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته.
(4)
في عقيدة السلف: (وحكي عنه أيضاً أنه قال: (اللفظية شرٌّ من الجهمية). وأما ما حكاه محمّد بن جرير عن أحمد).
(5)
عتوا: أي استكبروا. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (4/ 225): العين والتاء والحرف المعتل أصل صحيح يدلُّ على استكبار.
وانظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب (ص 546).
(6)
في عقيد السلف: (.... من الضلالات، وذميم المقالات).
(7)
في عقيدة السلف: (وخاضوا فيما لم يخض فيه السلف
…
).
(8)
في عقيدة السلف: (فقال الإمام هذا القول
…
).
(9)
في عقيدة السلف: (
…
أن يدعه، ولا يتفوه به، ولا بمثله من البدع المبتدعة).
(10)
في (ن): (ونقتصر).
(11)
نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني (ص 172 - 173).
وقد حكى البيهقي (1) عن أحمد بن حنبل نحوَ هذا الكلام بإسناده إليه، وأنَّه ترك الكلام فيه ورعاً (2)، قال: وللسلف والخلف من أهل الحديث طريقان:
(1) هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي، الخراساني، البيهقي، الحافظ العلّامة، الثبت الفقيه، المحدث صاحب التصانيف، كان مقبلًا على التأليف والجمع، ولد سنة 384 هـ، وكان من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك. توفي سنة 458 هـ.
انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي (4/ 8)، وطبقات الشّافعيّة لابن قاضي شهبة (1/ 220)، والعقد المذهب لابن الملقن (ص 93)، ووفيات الأعيان (1/ 75)، والنجوم الزاهرة (5/ 79)، والوافي بالوفيات (6/ 354)، سير أعلام النُّبَلاء (18/ 163).
(2)
ذكر البيهقي للإمام أحمد قصتين تبين موقفه من مسألة (لفظي بالقرآن غير مخلوق) وبعدها علّق البيهقي بقوله: (فهاتان الحكايتان تصرحان بأن أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه بريء ممّا خالف مذهب المحققين من أصحابنا، إلا أنه كان يستحب قلة الكلام في ذلك، وترك الخوض فيه، مع إنكار ما خالف مذهب الجماعة)، انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (ص 338 - 339)، وذكر البيهقي قول الإمام أحمد:(من قال: لفظي بالقرآن مخلوق - يريد به القرآن - فهو كافر)، وعلق على هذا القول بقوله:(فإنما أنكر قول من تذرع بهذا إلى القول بخلق القرآن، وكان يستحب ترك الكلام فيه لهذا المعنى، والله أعلم).
انظر: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي (ص 67 - 68).
وما ذكره البيهقي بأن الإمام أحمد ترك الكلام في هذه المسألةُ ورعاً واستحباباً، غير مسلم له على الإطلاق، فقد أورد الخلال في السنة (5/ 134) رقم (1797) ما يثبت أن الإمام أحمد لم يترك الكلام في هذه المسألةُ كما ذكر البيهقي، حيث قال: (أخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم، قال: قلت لأبي عبد الله أن يعقوب بن شيبة وزكريا الشركي ابن عمارة أنهما إنّما أخذا عنك هذا الأمر الوقف.
فقال أبو عبد الله: كنا نأمر بالسكوت ونترك الخوض في الكلام في القرآن، فلما دعينا إلى أمر ما كان بُدٌّ لنا من أن ندفع ذاك ونبين من أمره ما ينبغي. قلت لأبي عبد الله: فمن وقف، فقال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق؟ فقال: كلام سوء، هو ذا =
أحدهما: التَّفصيلُ بين التلاوة والمتلوِّ.
ومنهم من أحبَّ ترك الكلام فيه مع إنكارهِ (1) قولَ من زعمَ: أنَّ لفظي بالقرآن غير مخلوقٍ (2).
قال البيهقي: (لا أقول: القرآن خالقٌ ولا مخلوقٌ (3)، ولكنَّه كلام الله عز وجل، ليس منه ببائنٍ (4).
= موضع السوء وقوفه كيف لا يعلم إمّا حلال وإما حرام، وإما هكذا وإما هكذا، قد نزه الله عز وجل القرآن عن أن يكون مخلوقاً، وإنّما يرجعون هؤلاء إلى أن يقول إنّه مخلوق، فاستحسنوا لأنفسهم فاظهروا الوقف، القرآن كلام الله غير مخلوق بكل جهة وعلى كل تصريف، قلت: رضي الله عنك، لقد بينت من هذا الأمر ما قد كان تلبس على النَّاس، قال: لا تجالسوا ولا تكلموا أحداً منهم).
(1)
في (ن): (إنكار).
(2)
نقله المؤلف بتصرف عن البيهقي في الأسماء والصفات (ص 337 - 338) طبعة دار الكتب العلمية، وفي الطبعة التي حققها عبد الله الحاشدي (2/ 17) رقم:(586) نشر مكتبة السوادي.
(3)
البيهقي رحمه الله وقف من رأي الجهمية والمعتزلة القائلين بأن القرآن مخلوق، موقف السلف الرافض لهذه المقالة، حيث قرر أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
ولكنه يختلف مع السلف في حقيقة كلام الله، حيث يرى أن كلام الله إنّما هو معنى قائم بذاته، يُسمع وتفهم معانيه، وأن الحروف تكون أدلة عليه، كما تكون الكتابة أمارات الكلام، ودلالات عليه، على معنى أن هذا الكلام الذي نقرؤه ونكتبه في المصاحف ليس هو كلام الله حقيقة، وإنما هو عبارة عنه.
انظر: الاعتقاد والهداية للبيهقي (ص 95)، والبيهقي وموقفه من الإلهيات لأحمد الغامدي (ص 214).
(4)
قوله: (لا أقول: القرآن خالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عز وجل، ليس ببائن منه)، هذه العبارة عزاها المؤلف رحمه الله إلى البيهقي بما يفهم منه أنها من مقوله، وليس الأمر كذلك، وإنّما نقلها البيهقي عن عبد الله بن المبارك رحمه الله.
انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (ص 337)، السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 155 - 156) برقم (144)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (2/ 255) رقم:(426).
هذا (1) هو مذهب السلف والخلف من أصحاب الحديث: أنَّ القرآن كلام الله عز وجل، وهو صفةٌ من صفات ذاته (2) ليست ببائنةٍ منه.
قال (3): وإذا كان هذا أصل مذهبهم في القرآن، فكيف يُتوهم عليهم (4) خلاف ما ذكرنا في تلاوتنا وكتابتنا وحفظنا، إلا أنَّهم في ذلك على طريقين (5)(6)، وذكرهما كما [حكينا](7).
(1) في الأسماء والصفات: (قلت: هذا هو
…
).
(2)
يرى البيهقي أن صفة الكلام صفة ذات، وهي ملازمة للذات أزلاً وأبداً، قديمة قدم الذات، انظر: الاعتقاد (ص 56)، والأسماء والصفات (ص 237)، وقد وافق البيهقي بذلك الأشاعرة حيث يقول بقدم الصفات، وعدم جواز حدوث شيء منها، انظر: البيهقي وموقفه من الإلهيات لأحمد الغامدي (ص 180 - 208).
ورأي البيهقي هذا يخالف ما عليه سلف الأمة من: أن كلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد، وأن الله متكلم متى شاء كيف شاء، لا ابتداء لاتصافه بها ولا انتهاء، يتكلم بها بمشيئته واختياره، فهي صفة ذاتية فعلية، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية، لأن الكلام يتعلّق بالمشيئة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التسعينية ضمن مجموعة فتاوى ابن تيمية الكبرى (5/ 143):(إن أحداً من السلف والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وإنه لا يتعلّق بمشيئته وقدرته).
انظر: لشيخ الإسلام الفتاوى (6/ 177 - 179)، (12/ 588 - 592)، وشرح حديث النزول (ص 154 - 155)، ورسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل (2/ 4)، والأصبهانية تحقيق: د/ محمّد السعوي (ص 202 - 205)، والعقيدة السلفية في كلام رب البرية لعبد الله الجديع (ص 157 - 165).
(3)
في (ص) تكاد تكون مطموسة، ولكن اتضحت بعد مقابلتها بـ:(ن).
(4)
في الأسماء والصفات طبعة دار الكتب العلمية: (عليه)، وفي الطبعة التي حققها عبد الله الحاشدي نشر مكتبة السوادي الطبعة الأولى 1413 هـ:(عليهم) توافق الأصل و (ن).
(5)
في الأسماء والصفات: (طريقتين).
(6)
نقله المؤلف بالنص من الأسماء والصفات للبيهقي (ص 337 - 338).
(7)
في (ص): (حكياه)، وفي (ن) ما أثبته.
صُور الكفر بالقرآن:
قال عبد الله بن المبارك (1) رحمه الله: (من كفر بحرفٍ من القرآن فقد كَفَرَ - يعني - (2) بالقرآن، ومن قال: لا أومن بهذه اللام فقد كفر) (3). وهذا متفقٌ مجمعٌ عليه لا خلافَ عند أحدٍ من المسلمين فيه. قال القاضي عياض رحمه الله: (واعلم (4) أنَّ من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيءٍ منه، أو سبَّهما، أو جحده، أو شيئاً (5) منه، أو آيةً، أو كذَّب به، أو نفى ما أثبته على علم منه، [أو كذَّب بشيءٍ منه](6)، أو كذَّب بشيءٍ
(1) هو أبو عبد الرّحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم التركي، ثم المروزي، شيخ الإسلام، ولد سنة 118 هـ، هو عالم زمانه، ثقة ثبت، فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير. قال عنه إسماعيل بن عياش:(ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك). توفي سنة 181 هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (5/ 212)، وتاريخ بغداد (10/ 152)، وطبقات خليفة بن خياط (ص 323)، وسير أعلام النُّبَلاء (8/ 378)، وتهذيب التهذيب (5/ 382)، وتقريب التهذيب (ص 320)، والتاج المكلل (ص 46).
(2)
(يعني) ليست موجودة في عقيدة السلف.
(3)
أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 175). وذكر ابن تيمية قول ابن المبارك هذا بنصه في نقض المنطق (ص 149) نقلاً عن أبي الحسن الكرجي، ومجموع الفتاوى (4/ 182)، وقال ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 137) رقم:(30100): حدثنا الثقفي عن شعيب قال: كان أبو العالية يقرئ النَّاس القرآن، فإذا أراد أن يغير لم يقل: ليس كذا وكذا، ولكنه يقول: اقرأ آية كذا، فذكرته لإبراهيم - يعني النخعي - فقال: أظن صاحبكم قد سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.
وأخرجه اللالكائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (2/ 258) رقم (379)، وذكره ابن تيمية عنه في التسعينية (1/ 289).
(4)
في الشفا: (واعلم).
(5)
في (ن) والشفا: (أو حرفاً).
(6)
في (ن) وليست في (ص)، وفي الشفا:(أو بشيء منه).
ممَّا صُرح به فيه من حكمٍ أو خبرٍ، أو شك في شيءٍ من ذلك، فهو كافرٌ عند أهل العلم بإجماع (1)) (2)، وقد قال (3) صلى الله عليه وسلم:"المراء في القرآن كفر"(4)، والمراء يكون بمعنى الشكِّ، ويكون بمعنى الجدال بالباطل. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"من جحد آية من القرآن من المسلمين، فقد حلَّ ضرب عنقه"(5).
وكذلك من (6) جحد التوراة والإنجيل وكتب الله المنزلة، أو كفر بها، أو لعنها، أو سبها، أو استخف (7) فهو كافر.
(1) هذه العبارة من قوله (
…
أو كذب به، أو نفى ما أثبته على علم منه
…
- إلى -
…
فهو كافر
…
) فيها زيادة وتقديم وتأخير في الشفا، حيث قال القاضي عياض: (
…
أو كذب به أو بشيء منه، أو كذب بشيء ممّا صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر
…
).
(2)
نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1101).
(3)
في الشفا: (عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال
…
).
(4)
أخرجه أبو داود في السنة، باب النّهي عن الجدال في القرآن (5/ 9) رقم (4603)، وأحمد في مسنده (2/ 286 - 424)، و (503 - 528)، وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 529)، وابن حبّان في صحيحه (4/ 324) رقم (1464)، والحاكم في المستدرك (2/ 223) من حديث أبي هريرة بلفظه، وفي رواية:(الجدال).
قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي.
وقال الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (3/ 870) رقم (4603): (حسن صحيح). وصححه أيضاً في مشكاة المصابيح رقم (236).
(5)
أخرجه ابن ماجة في الحدود، باب إقامة الحدود (2/ 848) رقم (2539)، وابن عدي في الكامل، ترجمة حفص بن عمر بن ميمون (2/ 386) من حديث ابن عبّاس بلفظه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جحد آية من القرآن فقد حل ضرب عنقه، ومن قال: لا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فلا سبيل لأحد عليه؛ إِلَّا أن يصيب حدًّا فيقام عليه".
وضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة (3/ 610) رقم (1416) وقال: (منكر).
(6)
في (ن) والشفا: (وكذلك إن جحد).
(7)
في (ن) والشفا: (أو استخف بها).
وقد أجمع المسلمون على (1) أنَّ (2) المتلو في جميع الأقطار، المكتوبَ في المصحف بأيدي المسلمين ممَّا جمعه الدفتان من أول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، إلى آخر:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] أنَّه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمّد صلى الله عليه وسلم، وأنَّ جميع ما فيه حقٌّ، وأنَّ مَنْ نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدَّله بحرفٍ آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً ممّا لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع، وأجمع على أنَّه ليس من القرآن، عامداً لكلِّ هذا، أنَّه كافرٌ.
ولهذا رأى مالكٌ رحمه الله (3) قتل من سبَّ عائشة رضي الله عنها بالفرية؛ لأنه خالف القرآن (4)، ومن خالفه قُتل، أي: لأنه كذَّب بما فيه (5).
(1)(على) ليست في (ن) ولا في الشفا.
(2)
في (ن) والشفا: (أن القرآن المتلو
…
).
(3)
في (ص): (ولهذا رأى مالك رحمه الله أنه قتل ..)، فحذفت (أنه) ليستقيم المعنى، وهي ليست موجودة في (ن).
(4)
أنزل الله في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الإفك المفترى، قرآناً يتلى إلى قيام الساعة، فأظهر الله براءتها من فوق سبع سموات فهي البريئة من كل فرية، والعفيفة من كل قذف، والطاهرة من كل إفك، ثم إن الله قد أبان حقيقة هذه الحادثة - حادثة الإفك - حيث قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] وقال بعدها: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 15 - 17]، وقد انعقد الإجماع على كفر من قذف عائشة رضي الله عنها؛ وذلك لمخالفته القرآن أولاً، ولأنه ثانياً سبٌّ وأذى للنبي صلى الله عليه وسلم بسبِّ زوجته، وحليلته.
انظر: الشفا للقاضي عياض (2/ 1103)، (2/ 1109 - 1110)، ومجموع الفتاوى (15/ 322 - 323)، (32/ 145)، (35/ 123).
(5)
نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1102 - 1103).
قال القاضي عياض رحمه الله: (ووقع (1) الإجماعُ على تكفير [كل](2) مَنْ دافع نصَّ الكتاب، أو خصّ حديثاً مجمعاً على نقله، مقطوعاً به، مجمعاً على حمله على ظاهره) (3).
وقال ابن القاسم (4): من قال: إن الله لم يكلِّم موسى تكليماً؛ يُقتل.
[وقاله](5) عبد الرّحمن بن مهديٍّ (6).
وقال محمّد بن سحنون (7) فيمن قال: المعوذتان ليستا من كتاب
(1) في الشفا: (وكذلك وقع).
(2)
في (ن) والشفا، وليست في (ص).
(3)
انظر الشفا للقاضي عياض (2/ 1071).
(4)
هو أبو عبد الله عبد الرّحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة، العتقي مولاهم المصري، عالم الديار المصرية ومفتيها، صاحب الإمام مالك بن أنس، وكان ذا مال ودنيا، فأنفقها في العلم، وله قدم في الورع والتأله، ولد سنة 132 هـ، وتوفي سنة 191 هـ. انظر: ترتيب المدارك (3/ 244)، والديباج المذهب (ص 239)، وشجرة النور الزكية (ص 58)، وتهذيب الكمال (17/ 644)، وحسن المحاضرة (1/ 263)، والكاشف (2/ 160)، وسير أعلام النُّبَلاء (9/ 120).
(5)
في (ص): (وقال)، وفي (ن) والشفا ما أثبته.
(6)
هو عبد الرّحمن بن مهدي بن حسان العنبري، البصري، ولد سنة 135 هـ، وكان من كبار أئمة السلف، ومن أئمة الحديث الثقات المتقنين، ومن أهل الورع والصلاح، قال فيه الشّافعيّ:(لا أعرف له نظيراً في الدنيا)، توفي بالبصرة سنة 198 هـ.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 218)، وطبقات خليفة بن خياط (ص 227)، وتاريخ خليفة بن خياط (ص 468)، والتاريخ الكبير للبخاري (5/ 354)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 3)، وسير أعلام النُّبَلاء (9/ 192).
(7)
هو أبو عبد الله محمّد بن عبد السّلام الملقب بسحنون بن سيد التَّنُوخيُّ، فقيه المغرب وابن فقيه المغرب، القيرواني، شيخ المالكية، وكان محدثاً بصيراً بالآثار، واسع العلم، متحرياً متقناً، علامة كبير القدر، تفقه على أبيه، توفي سنة 265 هـ. =
الله، يضرب (1) عنقُه، إلا أن يتوب. وكذلك كلّ من كذَّب بحرفٍ منه. قال: وكذلك إن شهد شاهدٌ على من قال: إن الله لم يُكلم موسى تكليماً، وشهد آخرُ عليه أنَّه قال: ما اتَّخذ (2) اللهُ إبراهيمَ خليلًا؛ لأنَّهما اجتمعا على أنَّه كذّب النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عثمان (3) بنُ الحداد (4): جميع من ينتحلُ التوحيدَ متَّفقون على (5) أنّ الجحد لحرفٍ من التنزيل كفرٌ (6).
قُلتُ: ومن كفر بحرفٍ منه كفر به كلّه، وبه قال ابن مسعودٍ (7)، وأصبغُ بن الفرجِ (8). ومن كفر به أو ببعضه فقد كفر بالله، وليس هذا
= انظر: ترتيب المدارك (4/ 204)، والديباج المذهب (ص 333)، وشجرة النور الزكية (ص 70)، والوافي بالوفيات (3/ 86)، وسير أعلام النُّبَلاء (13/ 60)، والعبر للذهبي (1/ 381).
(1)
في (ن): (تضرب)، وفي الأصل والشفا ما أثبته.
(2)
في الشفا: (
…
قال: إن الله ما اتخذ إبراهيم خليلًا
…
).
(3)
هو أبو عثمان سعد بن محمّد بن الصبيح بن الحداد المغربي، الإمام، شيخ المالكية، صاحب سحنون، وهو أحد المجتهدين، كان بحراً في الفروع، ورأساً في لسان العرب، وبصيراً بالسنن، ويقال: لم ير أغزر دمعة من سعيد بن الحداد، وكان كريماً حليماً. توفي سنة 302 هـ.
انظر: ترتيب المدارك (5/ 78)، وإنباه الرواة (2/ 53)، ومرآة الجنان (2/ 180)، والعبر للذهبي (1/ 443)، وسير أعلام النُّبَلاء (14/ 205)، والوافي بالوفيات (15/ 256).
(4)
في (ن): (الجداد).
(5)
(على) ليست في (ن) ولا في الشفا.
(6)
نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1103 - 1104).
(7)
قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 258) رقم (379) حيث قال: (قال عبد الله: من حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع).
(8)
هو أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، مولى عبد العزيز بن مروان، الشّيخ الإمام =
مختصاً بالقرآن، بل كلُّ من كفر بشيءٍ ممّا يجبُ الإيمان به فقد كفر بالله (1)؛ لأنَّ الكفر بالله (2) لا يتجزأ بالإجماع (3)، بخلاف الفسق بالمعاصي فإنّه يتجزأ عند أهل السنة؛ ولهذا من تاب من ذنبٍ قبلت توبتهُ عندهم، وليست التوبة من جميع الذنوب شرطاً في صحة التوبة من الذنب الواحد خلافاً للمعتزلة (4)، بخلاف الكفر؛ فإن التوبة من كلِّ كفرٍ شرطٌ في صحة التوبة منه بالإسلام إجماعاً، والله أعلم.
= الكبير مفتي الديار المصرية وعالمها، أبو عبد الله مولاهم المصري المالكي، ولد بعد سنة 150 هـ، قال ابن معين: كان من أعلم خلق الله برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة، متى قالها مالك؟، ومن خالفه فيها؟. وكان ثقة صاحب سنة، توفي سنة 225 هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (2/ 36)، وترتيب المدارك (4/ 17)، والديباج المذهب (ص 158)، وشجرة النور الزكية (ص 66)، وحسن المحاضرة (1/ 267)، وتهذيب الكمال (3/ 304)، وسير أعلام النُّبَلاء (10/ 656)، والكاشف (1/ 84).
(1)
انظر الشفا للقاضي عياض (2/ 1104).
(2)
(بالله) ليست في (ن).
(3)
قوله: (لأن الكفر بالله لا يتجزأ بالإجماع): لعلّ مقصوده بذلك يتضح بما قبله بأن من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله، وكذلك من كذب رسولًا فقد كذب سائر المرسلين، ومع ذلك فإن الكفر يقابل الإيمان، والإيمان شعب وكذا الكفر شعب أيضاً.
(4)
هل التوبة من جميع الذنوب شرط في صحة التوبة من الذنب الواحد؟ أو هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟. هذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين، وأصلها وسرها هو: هل التوبة تتبعض مثل المعاصي والذنوب، فيكون التائب تائباً من وجه دون وجه؟ كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/ 273 - 276) حيث بين أن الراجح هو تبعض التوبة بقوله (1/ 274): (والراجح تبعضها، فإنها كما تتفاضل في كيفيتها كذلك تتفاضل في كميتها. ولو أتى العبد بفرض وترك فرضاً آخر، لاستحق العقوبة على ما تركه دون ما فعله. فهكذا إذا تاب من ذنب وأصر على آخر؛ لأن التوبة فرض من الذنبين، فقد أدى أحد الفرضين وترك =
قال (1) القابسيُّ (2) حين سُئل عمَّن خاصم يهودياً، فحلف له بالتوراة، فقال الآخر: لعن الله التوراةَ، وشهد عليه بذلك شاهدٌ، ثم شهد آخر أنَّه سأله عن القصة (3)؟ فقال: إنّما لعنتُ توراة اليهود؛ فقال أبو الحسن القابسيُّ (4): الشّاهد الواحد لا يوجب القتل، والثّاني علَّق
= الآخر، فلا يكون ما ترك موجباً لبطلان ما فعل، كمن ترك الحجِّ وأتى بالصلاة والصيام والزكاة).
وقال أيضاً (1/ 275): (والذي عندي في هذه المسألة: أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه، وأما التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلّق له به، ولا هو من نوعه فتصح، كما إذا تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر مثلًا، فإن توبته من الربا صحيحة. وأما إذا تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النسيئة وأصر عليه، أو بالعكس، أو تاب من تناول الحشيشة، وأصر على شرب الخمر، أو بالعكس، فهذا لا تصح توبته. وهو كمن يتوب عن الزنى بامرأة وهو مصر على الزنى بغيرها غير تائب منها، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر وهو مصر على شرب غيره من الأشربة المسكرة، فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر).
(1)
في الشفا: (وقد سئل القابسيُّ عمن خاصم يهودياً فحلف له بالتوراة، فقال الآخر ....).
(2)
هو أبو الحسن علي بن محمّد بن خلف المعافري، القروي، القابسي، المالكي، الإمام الحافظ الفقيه، العلامة عالم المغرب، كان عارفاً بالعلل والرجال، والفقه والأصول والكلام، مصنفاً يقظاً ديناً، وكان ضريراً، ولد سنة 324 هـ، توفي بالقيروان سنة 403 هـ.
انظر: ترتيب المدارك (7/ 92)، والديباج المذهب (ص 296)، وشجرة النور الزكية (ص 97)، ووفيات الأعيان (3/ 320)، والوافي بالوفيات (21/ 457)، وسير أعلام النُّبَلاء (17/ 158).
(3)
في الشفا: (القضية).
(4)
(القابسيُّ) ليست في الشفا.
القتل (1) بصفةٍ [تحتمل](2) التأويل؛ إذ لعلّه لا يرى اليهود متمسكين بشيءٍ من عند الله؛ لتبديلهم وتحريفهم، ولو اتفق الشّاهدان على لعن التوراة مجرّداً لضاق التأويل (3).
قال القاضي عياض رحمه الله: (وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذٍ (4) المُقرئ - أحد أئمة المقرئين المتصدِّرين بها مع ابن مجاهدٍ (5) -؛ لقراءته وإقرائِه بشواذّ من الحروف ممَّا ليس في المصحف، وعقدوا عليه بالرجوع عنه والتوبة منه (6) سجلًّا أشهد فيه (7) على نفسه في مجلس الوزير أبي علي ابن مقلة (8) .........................
(1) في الشفا: (الأمر).
(2)
في (ص): (يحتمل)، وفي (ن) والشفا ما أثبته.
(3)
نقله المؤلف من الشفا للقاضي عياض بالنص (2/ 1104 - 1105).
(4)
هو أبو الحسن محمّد بن أحمد بن أَيّوب بن الصلت بن شنبوذ، المُقرئ، أكثر الترحال في الطلب، ووثق به الكبار بنقله وإتقانه، وكان له رأي في القراءة بالشواذ الّتي تخالف رسم الإمام، فنقموا عليه لذلك وعزروه، توفي سنة 328 هـ.
انظر: طبقات القراء (1/ 343)، والفهرست لابن النديم (ص 49)، والكامل لابن الأثير (7/ 150)، وسير أعلام النُّبَلاء (15/ 264)، والعبر للذهبي (2/ 30).
(5)
هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، وكان واحد عصره غير مدافع، وكان من فضله وعلمه وديانته ومعرفته بالقراءات وعلوم القرآن، حسن الأدب، رقيق الخلق، كثير المداعبة، ثابت الفطنة، جواداً، انتهت إليه الرئاسة بمدينة السّلام في عصره، ولد سنة 245 هـ، وتوفي سنة 324 هـ.
انظر: طبقات القراء (1/ 333)، والفهرست لابن النديم (ص 49)، والكامل لابن الأثير (7/ 126)، والعبر للذهبي (2/ 22)، وسير أعلام النُّبَلاء (15/ 272).
(6)
في الشفا: (عنه).
(7)
في الشفا: (أشهد فيه بذلك على
…
).
(8)
هو أبو علي محمّد بن علي بن الحسين بن عبد الله، المعروف بابن فضلة، الوزير الكبير، ولد سنة 272 هـ، قربه الوزير ابن الفرات، ثم أشير به على المقتدر بالله فوزّره، ثم صار وزيراً للقاهر بعد مقتل المقتدر، ووزّر بعدها للراضي الذي قطع يده =
سنة ثلاثٍ وعشرين وثلاثمئةٍ) (1).
قال: (وأفتى أبو محمّد ابن أبي زيد (2) بالأدب فيمن قال لصبيٍّ: لعن الله معلّمك وما علّمك، وقال: أردتُ سوء الأدب ولم أُرد القرآن، قال أبو محمّد: وأمَّا من لعن المصحفَ فإنَّه يُقتل) (3). هذا آخر كلامه.
وعند الإمام أبي حنيفة (4) رحمه الله: أنّ كلّ من قال قولًا لزم منه استنقاصٌ بالدين، أو استهانةٌ (5) به، أو بما هو مضافٌ إليه ممّا هو مضافٌ إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنّه يكفُر؛ حتّى لو قال للمسجد: مُسَيجِدٌ (6)، وللفقيه فقيِّهٌ، أو استهانَ بالعلّم أو بأهله، أو بالصالحين،
= ولسانه، وتوفي سنة 328 هـ.
انظر: المنتظم لابن الجوزي (13/ 393)، والكامل لابن الأثير (7/ 150)، والعبر لابن خلدون (3/ 495)، وسير أعلام النُّبَلاء (15/ 224)، والعبر للذهبي (2/ 29).
(1)
نقله المؤلف من الشفا للقاضي عياض بالنص (2/ 1105).
(2)
هو أبو محمّد عبد الله بن عبد الرّحمن (أبي زيد) القيرواني، كان إمام المالكية في وقته، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله. كان واسع العلم، كثير الحفظ والرواية، وجمع إلى ذلك صلاحاً وورعاً وعفة، توفي سنة 386 هـ.
انظر: ترتيب المدارك (6/ 215)، والديباج المذهب (ص 222)، وشجرة النور الزكية (ص 96)، والفهرست لابن النديم (ص 341)، والوافي بالوفيات (17/ 249)، وسير أعلام النُّبَلاء (17/ 10).
(3)
نقلها المؤلف من الشفا للقاضي عياض بالنص (2/ 1105).
(4)
هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي مولاهم الكُوفيُّ، فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب، وهو أقدمهم وفاة؛ لأنه أدرك عصر الصّحابة، ورأى أنس بن مالك وغيره، ثقة عالم زاهد ورع، ولد سنة 80 هـ، وتوفي سنة 150 هـ. انظر: الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية (1/ 49)، والتاريخ الكبير للبخارى (8/ 81)، والطبقات الكبري لابن سعد (6/ 368).
(5)
في (ن): (أو استهانته أو بما
…
)، و (به) ليست في (ن).
(6)
في (ن): (مسيجيد).
أو استهزأ بالصلاة أو بأهلها، فإنَّه يكفر في جميع ذلك، ولم يخالفه أحدٌ في جميع ذلك (1).
وينبغي استنقاصُ المحرِّفين من العلماء، والمغيِّرين العلمَ (2)، والمذلِّين له، والبائعين له بثمنٍ بخسٍ من عرض الدنيا وشهواتها. ومقتضى الكتاب العزيز والسنة النبوية تكفيرهم سواء إن (3) كانوا متأوِّلين أو متعمِّدين (4)، ولا يُكفَّر منتقصُهم ولا يُفسَّق، بل هو مثابٌ عليه،
(1) من استهزأ بآيات الله، مستهيناً بالدين، ومستنقصاً له ولأهله فقد كفر بالله، وقد دل على كفره قوله تعالى:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه) مجموع الفتاوى (7/ 273).
ومن الاستهزاء بالدين الاستهزاء بالعلماء والصالحين؛ فإن كان على سبيل الاستهزاء بأشخاصهم من الاستهزاء بأوصافهم الخُلقية والخَلقية فهذا محرم، وإن كان الاستهزاء بهم لكونهم علماء، أو لما قام بهم من العلم والفقه والصلاح فهذا كفر ينقل عن الملة؛ لأنه استهزاء بدين الله.
وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 256 - 257)، الاستهزاء بالدين وأهله لمحمد بن سعيد القحطاني (ص 44 - 45)، نواقض الإيمان القولية والعملية (ص 436 - 449).
(2)
في (ن): (للعلم).
(3)
(إن) ليست في (ن).
(4)
ما ذكره المؤلف رحمه الله من تكفير العلماء المغيرين للعلم، سواء كانوا متأولين أو متعمدين، هذا ليس على إطلاقه، فالعالم إذا اجتهد فأخطأ، وكان اجتهاده مبنيًّا على تأويل سائغ؛ فإنّه لا يكفر بقوله واجتهاده وتأويله؛ إذ من موانع تكفير المسلم أن يكون ذلك الكفر صدر عن خطأ، ومن أنواع الخطأ: الخطأ في التأويل، قال شيخ =
خصوصاً إذا قصد التنفير عمّا هم عليه، وإظهارَ الدين، والقيامَ به، والله تعالى أعلم.
= الإسلام بن تيمية رحمه الله: (لكن ليس كل مخطئ يكفر، لا سيما إذا قاله متأولًا باجتهاد أو تقليد)، الرد على البكري (ص 329)، وقال أيضاً رحمه الله:(وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحض، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كل من يترك بعض كلامه لخطأ أخطأه يكفر ولا يفسق، بل ولا يأثم) مجموع الفتاوى (35/ 100).
قاعدة
يجب أن نعتقد (1) أن القديم قديمٌ، وأن الحادث حادثٌ. وأن تعلّق الحادثِ بالقديمِ لا يُكسبه القدمَ، ولا يخرجه عن حدوثه، وأن القديم إذا ظهر على مظهر الحادث لا يُخرجه عن القدم (2)، بل يُكسبه شرفاً وإعظاماً، ويطلق عليه اسمه وحكمه شرعاً، وليس حكمٌ إلا للشرع، والله أعلم.
فإذا تعلّق المحدَثُ بالقديم تعلُّقاً افتقاريًّا حصل له الإدناءُ (3) فمن قُرِّب وأُدني ينبغي له أن لا يخرج عن وصفه، فإن خيَّل (4) له الهوى أنّه مُفتقَرٌ إليه أو مُستعانٌ به،
أو له شركةٌ ما بحلولٍ، أو اتحادٍ، أو اتصافٍ بوصف القدم في شيءٍ ما من [وجود غيره](5)، أو حدوثِه من حيث علمُ الله عز وجل به ضلَّ وخرج عن الإسلام. والله يعلمُ المفسد من المصلح، والجاهل من العالمِ، والله أعلم.
(1) في (ن): (يعتقد).
(2)
قد يقصد المؤلف رحمه الله بالحادث هنا صفات الله الاختيارية التي يفعلها متى شاء، وقد يقصد به القرآن الكريم الذي هو من كلامه سبحانه، فإنه متى ظهر على مظهر الحادث كتلاوة التالي، وكتابة الكاتب أكسبه شرفاً وإعظاماً، وحينئذ يطلق عليه اسمه، ولا يخرجه ذلك عن وصفه.
(3)
قوله: (فإذا تعلّق المحدث بالقديم تعلّقاً افتقارياً حصل له الإدناء):
لعلّ مقصوده رحمه الله أن المخلوق إذا تذلل، وأظهر عجزه وفقره بين يدي ربه؛ حصل له القرب من الله عز وجل.
(4)
في (ن): (خُيِّلَ) مبني للمجهول.
(5)
في (ص): (وجوده وغيره)، وفي (ن) ما أثبته.