الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (37)
[وقد](1) تقدم الكلام (2) على وجوب حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنزيلهم منازلهم في الرتبة والفضل، وأن أجور الأمة في موازينهم من حيث مقابلة الجملة بالجملة، وأما من حيث الفرد بالفرد من حيث الأجر، فقد يكون أجره أكثر من أجره، لا من حيث ذاته، ولا سبقيته، ولا صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله: (ومن تمسَّك بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل بها، واستقام عليها، ودعا الخَلْق إليها؛ كان أجره وافراً (3)، وأكبر من أجر من جرى على هذه الجملة في أول الإسلام والملة؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في مثله:"له أجر خمسين، قالت الصحابة: منهم؟ قال: بل منكم"(4) وإنما قال صلى الله عليه وسلم في رجل يعمل بسنته عند
(1) في (ظ) وليست في (ص)، وفي (ن):(قد) بدون واو.
(2)
انظر: (ص 340).
(3)
في (ظ) و (ن): (أوفر)، وفي (ص)(وافرٌ) بالرفع والصواب ما أثبته.
(4)
أخرجه أبو داود في الملاحم، باب الأمر والنهي (4/ 512) رقم (4341)، والترمذي في التفسير، سورة المائدة (5/ 240) رقم (358)، عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر؛ حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل رأي برأيه، نعليك بخاصة نفسك، ودع العوام؛ فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن =
فساد أمته (1).
وروى بإسناده إلى ابن شهاب الزهري قال: (تعلم سنتي (2) أفضل من عبادة مائتي سنة) (3)، (4).
وروينا بإسنادنا في كتاب المدخل للبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه
= مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم"، قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة، قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم، قال: "بل أجر خمسين منكم".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
وابن ماجه في الفتن، باب قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} . (2/ 1330) رقم (4014) من حديث أبي ثعلبة الخشني بلفظ مقارب، وصححه الألباني كما في الصحيحة (1/ 812) رقم (494).
(1)
بيّن العلامة محمد شمس الحق العظيم آبادي صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 496) في شرح هذا الحديث، وبيان معناه، حيث قال:(فيه تأويلان: أحدهما: أن يكون أجر كل واحد منهم على تقدير أنه غير مبتلى ولم يضاعف أجره، وثانيهما: أن يراد أجر خمسين منهم أجمعين لم يبتلوا ببلائه).
وفضل الشخص المسلم في جزئية معينة لا يلزم منه الفضل في الكل، قال صاحب عون المعبود (11/ 496):(هذا في الأعمال التي يشقّ فعلها في تلك الأيام لا مطلقاً، وقد جاء: "لو أنفق أحدُكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"، ولأن الصحابي أفضل من غيره مطلقاً).
(2)
في (ظ) و (ن): (تعليم سنة).
(3)
أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 318) من طريق معمر بن راشد، عن الزهري قال:(تعليم سنة أفضل من عبادة مئتي سنة).
ولم أقف عليه عند غيره فيما بحثت فيه، وقد أورد الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث آثاراً قريبة في المعنى من أثر الزهري، منها أثر عن الشافعي (ص 193) رقم (230): قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة)، ومنها أثر عن المعافر بن عمران (ص 193) رقم (228) قال:(كتاب حديث واحد أحب إلي من صلاة ليلة) ويقصد النافلة.
(4)
من قوله: (ومن تمسَّك بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ....) وإلى: (
…
من عبادة مئتي سنة) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 317 - 318).
قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "للقائم (1) بِسُنَّتي عند فساد أمتي أجر (2) مئة شهيدٍ"(3)، ورويناه أيضاً في غيره. وروينا بإسنادنا إلى عمرو بن محمد (4).
قال: كان أبو معاوية الضرير (5) يحدّث هارون الرشيد (6)، فحدثه
(1) في (ظ) و (ن): (القائم).
(2)
في (ظ) و (ن): (له أجر).
(3)
لم أقف عليه عند البيهقي في (المدخل إلى السنن). لكن أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 315) رقم (5414) ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (8/ 200) من حديث أبي هريرة بلفظ: "المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد".
قال الألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 334) رقم (327): (ضعيف). وأخرجه ابن عدي في الكامل، في ترجمة الحسن بن قتيبة (2/ 327)، وابن بشران في الأمالي (ص 218) رقم (503) من حديث ابن عباس بلفظ:"من تمسَّك بسُنَّتي عند فساد أمتي فله أجر مئة شهيد"، قال الألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 333) رقم (326):(هذا سند ضعيف جداً).
(4)
هو عمرو بن محمد بن بكير بن سابور، الناقد، أبو عثمان البغدادي، روى عن هشيم، ومعتمر بن سليمان، ووكيع وغيرهم. وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. قال أبو حاتم الرازي: ثقة أمين صدوق. وقال الحسين بن فهم: ثقة ثبت، وكان من الحفاظ المعدودين، وقال الذهبي: كان من أوعية العلم.
انظر: الجرح والتعديل (3/ 262)، وسير أعلام النبلاء (11/ 147)، وتهذيب التهذيب (6/ 204).
(5)
هو محمد بن خازم الضرير السعدي، أبو معاوية الضرير الكوفي. وثقه العجلي والنسائي، وابن حبان، وابن سعد.
قال أحمد: هو في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظاً جيداً. وقال أبو داود: كان رئيس المرجئة بالكوفة، وخالفه العجلي حيث قال: كان يرى الإرجاء، وكان لين القول فيه.
انظر: ثقات العجلي (2/ 236)، والجرح والتعديل (7/ 248)، وتهذيب التهذيب (9/ 20).
(6)
هو هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن =
بحديث أبي هريرة: "احتج آدم وموسى"(1) فقال عيسى بن جعفر (2): كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ قال: فوثب به هارون، وقال: يحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعارضه بكيف؟ قال: فما زال يقوله حتى سكن عنه (3).
= عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي. روى عن أبيه وجده، ومبارك بن فضالة. روى عنه ابنه المأمون وغيره.
قال الذهبي: كان من أنبل الخلفاء، وأعظم الملوك، ذا حج، وجهاد، وغزو، وشجاعة، ورأي. وأمه أم ولد، واسمها خيزران، كان مولده بالري سنة 148 هـ. وقد فتح مدناً كثيرة من بلاد الروم في عهده، توفي سنة 203 هـ. كان يحب المديح ويجيز الشعراء، ويقول الشعر، وكان يحب العلماء، ولما بلغه موت ابن المبارك حزن عليه، وعزاه الأكابر.
انظر: تاريخ الطبري (8/ 230)، وتاريخ بغداد (14/ 5)، وسير أعلام النبلاء (9/ 286).
(1)
حديث محاجة آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، أخرجه البخاري في القدر، باب تحاج آدم وموسى عند الله (11/ 505) رقم (6614)، ومسلم في القدر أيضاً، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام (4/ 2043) رقم (2652) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثاً".
(2)
هو عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور. كان من وجوه بني هاشم، وولي إمارة البصرة، وخرج من بغداد يقصد هارون الرشيد، وهو إذ ذاك بخراسان، فأدركه أجله بالدسكرة من طريق حلوان، مات في شهر رمضان سنة 172 هـ.
انظر: تاريخ بغداد (11/ 157)، والبداية والنهاية (10/ 210).
(3)
هذه القصة أخرجها الصابوني في عقيدة السلف (ص 319 - 320)، ورواها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (5/ 243) من طريق آخر، وبألفاظ مختلفة عما أورده الصابوني، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء (9/ 289) في ترجمة هارون الرشيد وابن كثير في البداية والنهاية (10/ 215).
فيجب على من لدِينه عنده قدرٌ، ولأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في قلبه قبولٌ، أن يفعل كفعل هارون الرشيد، ويجعل عقله تبعاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يكن كذلك، ولم يعظمه، ولم يوقره، فهو الدنيّ، الحقير، الغويّ، الشقيّ، ومأواه جهنم، وبئس المصير، والله يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويستمسكون في دنياهم مدة محياهم بالكتاب والسُّنة، ويجنبنا الأهواء المضلَّة، والآراء المضمحلة، بفضلٍ منه، ورحمةٍ، ومنةٍ (1).
(1) من قوله: (كان أبو معاوية الضرير
…
) وإلى نهاية هذا الفصل نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 319 - 321).