الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (22)
خلافة أبي بكر رضي الله عنه (1) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة باختيار الصحابة، واتفاقهم عليه، وقولهم:(رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضيناه لدنيانا)(2) يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس
(1) خلافة الصديق رضي الله عنه هل ثبتت باختيار المسلمين، أم بالنص من النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك النص خفيًّا أم جليًّا؟. على أقوال:
أ - أنها ثبتت بالاختيار، وهو قول جمهور العلماء، والفقهاء، وأهل الحديث، والمتكلمين وغيرهم.
ب - أنها ثبتت بالنص الخفي، وهو قول طوائف من أهل الحديث، والمتكلمين، كما يروى ذلك عن الحسن البصري، وبعض أهل هذا القول يقولون بالنص الجلي.
انظر: مجموع الفتاوى (35/ 47 - 49)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 486).
(2)
قول المؤلّف: (وقولهم: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فرضيناه لدنيانا).
رُوي هذا من قول عليّ رضي الله عنه، رواه عنه جماعة من التابعين منهم:
أ - النزّال بن سبرة قال لعلي بن أبي طالب: أخبرنا عن أبي بكر بن أبي قحافة، قال عليّ: (
…
كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه لديننا، فرضيناه لدنيانا).
أخرجه الخلعي، وابن السّمان في الموافقة، كما في الرياض النّضرة لمحب الدين الطبري (1/ 70) رقم (152).
ب - وعن الحسن قال: قال لي عليّ: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا ما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا.
ج - وعن قيس بن عبادة قال: قال لي عليّ:
…
فذكر نحو الكلام السابق بأطول منه. =
أيام مرضه - وهي الدين -، فرضيناه خليفةً للرسول صلى الله عليه وسلم في أمور دنيانا، وقولهم:(قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك)(1).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما
= أخرج ذلك أبو عمر ابن عبد البرّ، وابن السّمان في الموافقة، وابن خيرون كما في الرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري (1/ 189) رقم (498 - 499).
وانظر الاستيعاب لابن عبد البرّ (3/ 97)، والتمهيد (23/ 126 - 129).
وخبر قيس بن عبادة عن عليّ، أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد (23/ 129).
(1)
قول المؤلّف: (وقولهم: قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا الذي يؤخّرك؟).
رُوي هذا عن عليّ رضي الله عنه، رواه عنه غير واحد، منهم سويد بن غفلة قال: (لما بايع النّاس أبا بكر قام خطيباً
…
فقام إليه علي بن أبي طالب ومعه السيف، فدنا منه، وقال: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا الذي يؤخّرك؟).
أخرجه ابن السّمان في الموافقة كما في الرياض النضرة (1/ 216) رقم (538) وقال: (هو أسند حديث رُوي في هذا المعنى، وسويد بن غفلة أدرك الجاهلية، وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم).
وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدّثين (3/ 576) رقم (726) عن داود بن أبي عوف بنحوه.
وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 178 - 179)، وأحمد في المسند (1/ 396) والنسائي في المجتبى (2/ 74)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 539) رقم (1159)، والحاكم في المستدرك (3/ 67) من طريق زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال:(لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالنّاس، فأيّكم تطيب نفسه أن يتقدّم أبا بكر؟، فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدّم أبا بكر)، واللفظ لأحمد.
قال الحاكم: (صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي.
وقال الألباني في ظلال الجنّة (2/ 539): (إسناده حسن).
تبين [للصحابة](1) أنه أحقُّ الناس بالخلافة بعد وفاته، فلذلك أجمعوا على خلافته، وانتفعوا، وارتفقوا (2)، وارتفعوا به، وعزّوا، وعلوا بسببه؛ حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه:(والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله، فقيل له: مَهْ يا أبا هريرة ما تقول؟)(3)، فأقام الحجة، وأوضح المحجة حتى صدقوه فيه، وشهدوا له بما ذكره فيه (4).
ومما استدل به أبو بكر رضي الله عنه على الأنصار في تقديم المهاجرين عليهم ما قاله في خطبته التي خطبها عندهم: (نحن الصادقون وأنتم المفلحون، والله جعل المفلحين مع الصادقين)(5)، أما وصف (6)
(1) في (ص): (الصحابة)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(2)
ارتفقوا: جمع ارتفق، والرفق هو: اللطف وحسن الصنيع، وأرفقه: رفق به ونفعه، يقال: رفقت أرفق، وارتفق الرجل: إذا اتكأ على مرفقه؛ لأنه يستريح في الاتكاء عليه، والرفق بالكسر ما استعين به، واللطف: رَفَقَ به.
انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 418)، ولسان العرب (10/ 118 - 121).
(3)
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (2/ 60) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة بلفظه مطولاً جدًّا.
وذكره الصابوني في عقيدة السلف (ص 291)، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 73).
(4)
من بداية الفصل وإلى قوله: (.... وشهدوا له بما ذكره فيه) نقله المؤلف بتصرف يسير من عقيدة السلف (ص 290 - 291).
(5)
أخرجه الواقدي في كتاب الردة (ص 36) ولفظه: (فلما فرغ ثابت بن قيس من كلامه أقبل عليه أبو بكر فقال: يا ثابت أنتم لعمري كما وصفت به قومك، لا يدفعهم عن ذلك دافع، ونحن الذين أنزل الله فينا:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]، في كتاب الله عز وجل، وقد أكرمكم الله أن تكونوا الصادقين لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
والنص الذي نقله المصنف مأخوذ عن ابن العربي المالكي كما في العواصم من القواصم (ص 44 - 45) ولم يعزه ابن العربي لمصدر.
(6)
في (ظ): (وصفهم).
المهاجرين (1) بالصادقين؛ ففي قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] الآية ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8](2).
وأمّا وصف الأنصار بالمفلحين ففي الآية التي بعدها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9](3).
وأمّا كون المفلحين مع الصادقين ففي قوله تعالى للأنصار في براءة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
ثم خلافة عمر رضي الله عنه باستخلاف أبي بكرٍ إياه، واتفاق الصحابة بعده عليه، وإنجاز وعد الله سبحانه مكانه (4) في إعلاء الإسلام، وإعظام شأنه (5).
ثم خلافة عثمان بن عفان (6) رضي الله عنه بإجماع (7) أهل الشورى،
(1)(المهاجرين) ليست في (ظ).
(2)
والآية بتمامها هي قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} .
(3)
والآية بتمامها هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
(4)
أي: بمكانته أو لمكانته، وفي عقيدة السلف (ص 291):(بمكانه).
(5)
في عقيدة السلف: (وانجاز الله سبحانه - بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه - وعده) وهذه الجملة أوضح، وأكثر استقامة.
(6)
(بن عفان) ليست في (ظ) و (ن).
(7)
في (ظ) و (ن): (باجتماع).
وجملة الصحابة عليه، وسكون قلوبهم به حين جعل الأمر إليه.
ثم خلافة عليّ رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، حين عرفه ورآه كلٌّ منهم رضي الله عنهم أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه.
فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين؛ الذين [نصر](1) الله بهم الدين، وقصر الإلحاد، وقسر وقهر الملحدين، وقوَّى بمكانهم الإسلام، ورفع له بنهيهم الأعلام، ونوَّر بضيائهم وبهائهم الظلام، وفيهم أنزل قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55]، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} إلى قوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29](2)، فمن أحبهم، وتولاهم، ودعا لهم؛ فاز في الفائزين، ومن أبغضهم، وسبّهم، ونسبهم إلى ما نسبهم إليه الروافض والخوارج - لعنهم الله -؛ فقد هلك في الهالكين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا
(1) في (ص)(نضّر)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(2)
قال الإمام مالك رحمه الله مستدلًا بهذه الآية: (من غاظه أصحاب محمد فهو كافر؛ قال تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]) كما ذكر ذلك القاضي عياض في الشفا (2/ 616)، وقال الخفاجي في نسيم الرياض (3/ 472) موضحاً ما ذكره القاضي عياض:(وهذا رواه الخطيب البغدادي عن عروة الزبيري قال: كنا عند مالك بن أنس فذكر عنده رجل انتقص الصحابة، فتلا قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] إلى آخره، وقال: من أصبح في قلبه غيظ على أصحاب محمد فقد أصابته هذه الآية).
أصحابي؛ فمن سبّهم فعليه لعنة الله" (1)(2).
(1) أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 52) رقم (8)، والخطيب البغدادي في تاريخه (14/ 241) من حديث أنس بلفظ:"من يسب أصحابي فعليه لعنة من الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً".
وضعفه الخطيب، وكذا الألباني كما في الصحيحة (5/ 448).
وروي من حديث ابن عباس.
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 142) رقم (12709)، وابن عدي في الكامل (3/ 239) في ترجمة أبي يحيى القتات من حديث ابن عباس.
وضعفه الألباني كما في الصحيحة أيضاً (5/ 446). والحديث حسنه الألباني كما في الصحيحة (5/ 448) بمجموع طرقه وشواهده.
(2)
من قوله: (ثم خلافة عمر رضي الله عنه
…
) وإلى نهاية الفصل، نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 291 - 293).