الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (5)
رؤية الباري عز وجل في دار السلام واجبةُ الإيمان بها من غير اعتبارٍ بوهمٍ (1)، ولا تأويلٍ (2) بفهمٍ (3)، ولا إحاطةٍ ولا كيفية، إذ تأويلُها وتأويلُ كلَّ معنىً يضافُ إلى الربوبية؛ [تركُه، ولزومُ](4) التسليم، وهو دين المرسلين، إذ التنزيه نفي التشبيه؛ لانفراده سبحانه وتعالى بوصف الوحدانية والفردانية، لا يشاركه فيه أحدٌ من البريَّة؛ لتعاليه سبحانه (5) عن
(1) قال شارح الطحاوية في معنى الوهم: (أي توهم أن الله تعالى يُرى على صفة كذا، فيتوهم تشبيهاً، ثم بعد هذا التوهم إن أثبت ما توهمه من الوصف فهو مشبه، وإن نفى الرؤية من أصلها لأجل ذلك التوهم فهو جاحد معطل، بل الواجب دفعُ ذلك الوهم وحده، ولا يعم بنفيه الحق والباطل، فينفيهما رداً على من أثبت الباطل، بل الواجب رد الباطل، وإثبات الحق). شرح العقيدة الطحاوية (1/ 250).
(2)
في (ظ) و (ن): (أو تأويل).
(3)
قال شارح الطحاوية في معنى (أو تأولها بفهم): (أي: ادعى أنه فهم لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وما يفهمه كل عربي من معناها، فإنه قد صار اصطلاح المتأخرين في معنى التأويل: أنه صرف اللّفظ عن ظاهره، وبهذا تسلط المحرفون على النصوص، وقالوا: نحن نؤول ما يخالف قولنا، فسموا التحريف تأويلاً، تزييناً له، وزخرفة ليقبل). شرح العقيدة الطحاوية (1/ 251).
(4)
في (ص): (وتركة لزوم)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(5)
من بداية هذا الفصل وإلى قوله: (لتعاليه سبحانه) نقله المؤلف بتصرف يسير من متن العقيدة الطحاوية (ص 10).
الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء، والأدوات، ولا تحويه (1) الجهات الست كسائر المبتدعات (2).
والمعراجُ حقٌّ، وقد أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعُرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العُلا، وأكرمه سبحانه (3) بما شاء، وأوحى إليه ما أوحى (4).
(1) في متن العقيدة الطحاوية: (لا تحويه) بدون واو.
(2)
قوله: (لتعاليه عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات)؛ هذه العبارة ألفاظها مجملة، لم يرد فيها نص بالإثبات أو النفي، وبالتالي فإن منهج السلف فيها هو التفصيل من حيث المعنى، فإن كان حقاً قبل، وعبر عنه باللفظ الشرعي وإن كان باطلاً رد.
قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (1/ 261) معلقاً على هذه العبارة: (فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصها من الألفاظ والمعاني.
وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها، لا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحاً، قبل، لكن ينبغي التعبير بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة).
وقال ابن مانع في حاشيته على عقيدة الطحاوي (ص 11) معلقاً على هذه الألفاظ: (ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة، وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة، والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق وأولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب، ففي قوله تعالى: {كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، رد على المشبهة والمعطلة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ، ولا التعويل عليها).
(3)
في متن العقيدة الطحاوية: (وأكرمه الله بما شاء).
(4)
نقله المؤلف بالنص من متن العقيدة الطحاوية (ص 10 - 11).
والعرشُ والكرسيُّ حقٌّ، والله سبحانه وتعالى مستغنٍ عن العرش فما (1) دونه، محيطٌ بكلَّ شيء، وأعجز سبحانه خلقَه عن الإحاطة.
واتخذ الله إبراهيم خليلًا، وكلَّم موسى تكليماً، إيماناً وتصديقاً وتسليماً (2)؛ إذ له سبحانه أن يكرم من يشاء بما يشاء.
ورؤية الباري عز وجل في الدنيا في المنام جائزةٌ للأنبياء وغيرهم، وهي صحيحةٌ (3)، نقل اتفاقَ العلماء عليه القاضي عياض (4)(5) رحمه الله
(1) في (ظ) و (ن): (وما).
(2)
من قوله: (والعرش والكرسي حق) وإلى (إيماناً وتصديقاً وتسليماً) نقله المؤلف بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 13).
(3)
رؤية الله في المنام جائزة في الدنيا للأنبياء وغيرهم من المؤمنين كما ذكرها المؤلف، وهذه الرؤيا تكون بحسب ما يقوم بقلب المؤمن من الإيمان، (ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه، مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلًا، ولكن لا بد أن تكون الصورة الّتي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده بربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقاً أتى من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس) كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 73).
وقال أيضاً في الوصية الكبرى ضمن الفتاوى (3/ 390): (وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه؛ فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه)، وانظر رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها لأحمد آل حمد (ص 175).
(4)
هو العلامة القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي. ولد سنة 476 هـ، وتبحر في جميع العلوم، وجمع وألف وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق ومن تصانيفه: الإكمال في شرح صحيح مسلم، ومشارق الأنوار، وترتيب المدارك، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، توفي سنة 544 هـ. انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (ص 270)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (ص 140)، وسير أعلام النبلاء (20/ 212).
(5)
انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (7/ 220).
قال: ([ولو] (1) رآه (2) الإنسان على صفةٍ [لا تليق](3) بجلاله من صفات الأجسام؛ لأنَّ ذلك المرئيَّ غيرُ ذات الله تعالى (4)؛ إذ لا يجوز عليه سبحانه (5) التجسيم (6) ولا اختلاف الأحوال (7)، بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم (8)(9).
(1) في (ص): (لو) والصواب ما أثبته من (ظ) و (ن).
(2)
لعل جواب لو الشرطية (لو رآه) هو: (لأن ذلك المرئي غير ذات الله).
(3)
في (ص): (لا يليق)، وفي (ظ) و (ن) وإكمال المعلم ما أثبته.
(4)
في إكمال المعلم: (للتحقيق أن ذات المرئي
…
).
(5)
(سبحانه) ليست في إكمال المعلم.
(6)
لفظ الجسم من الألفاظ المجملة الّتي يحتاج في إثباتها أو نفيها عن الله تعالى إلى تفصيل؛ من حيث المعنى، مع التوقف في اللّفظ، فإن كان المعنى حقاً قبل وعبر عنه باللفظ الشرعي، وإن كان باطلًا رد - كما سبق -.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه الرؤيا لا نقص يتعلّق بالله سبحانه وتعالى فيها، وإنما ذلك بحسب حال الرائي، حيث قال في بيان تلبيس الجهمية (1/ 73 - 74):(وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلّق به سبحانه وتعالى، وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه. وقول من يقول ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه، ونحو ذلك إذا حمل على مثل هذا كان محملًا صحيحاً، فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسباً مشابهاً لها؛ فالله تعالى أجل وأعظم).
(7)
في إكمال المعلم: (ولا اختلافٌ في الحالات).
(8)
قال القاضي عياض في الإكمال: (بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فكانت رؤيته تعالى في النوم من أنواع الرؤيا من التمثيل والتخيّل).
(9)
نقله المؤلف بالنص من إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (7/ 220)، وفي نفس الموضع ذكر القاضي عياض اتفاق العلماء على جواز رؤية الله مناماً في الدنيا.
وقال (1) ابن الباقلاني (2): (رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهى دلالاتٌ على أمورٍ ممّا كان أو يكون كسائر المرئيات (3)(4)، والله أعلم.
ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه عز وجل في اليقظة بعينيْ رأسه اختلف السلف فيها: فذهب جماعة من الفقهاء والمحدِّثين والمتكلمين إلى منعها، وهو قول عائشة، والمشهور عن ابن مسعود، وأبي هريرة قالوا: إنَّما رأى جبريل (5).
(1) في (ظ) و (ن): (قال).
(2)
هو القاضي أبو بكر محمّد بن الطيب بن محمّد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، وكان يضرب بفهمه وذكائه المثل، وهو من أعلام المذهب الأشعري، توفي سنة 403 هـ.
انظر: ترتيب المدارك (2/ 585)، والديباج المذهب (ص 363)، وشجرة النور الزكية (ص 92).
(3)
في إكمال المعلم: (قال القاضي أبو بكر: رؤية الله تعالى في النوم أوهام وخواطر في القلب بأمثال لا تليق به بالحقيقة، ويتعالى سبحانه عنها، وهي دلالات الرائي على أمور ممّا كان أو يكون كسائر المرئيات).
(4)
نقله المؤلف من إكمال المعلم للقاضي عياض (7/ 220).
(5)
قول المؤلّف في الرؤية: (وهو قول عائشة، والمشهور عن ابن مسعود، وأبي هريرة قالوا: إنما رأى جبريل)، وتخريجه على النحو الآتي:
أ - أما قول عائشة، فأخرجه مسلم في الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 159) رقم (177) من طريق مسروق عن عائشة قالت: (من زعم أن محمداً رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية) فقال لها مسروق: ألم يقل الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} وقال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، فقالت: أنا أوّل هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنّما هو جبريل".
ب - وأما قول ابن مسعود، فأخرجه مسلم أيضاً في الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى (1/ 158) رقم (174) من طريق زرّ بن حبيش، عن عبد الله قال:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: رأى جبريل.
وعن ابن عبّاس: رأى ربَّه بعينيه (1)، وهو محكيٌّ عن جماعة من الصّحابة والتابعين.
وقال عطاء (2): رآه بقلبه (3). وقال أبو العالية (4): رآه بفؤاده مرتين (5). وروي عن ابن عبّاس من طرق قال: (إنَّ الله تعالى اختصَّ
= وأصرح من ذلك ما رواه النسائي كما في الفتح (8/ 609) من طريق عبد الرّحمن بن يزيد، عن ابن مسعود قال:(أبصر جبريل، ولم يبصر ربّه).
ج - وأما قول أبي هريرة، فأخرجه مسلم أيضاً في الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (175) قال: (رأى جبريل).
(1)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 318): (ومن روى عنه - أي ابن عبَّاس - أنه رآه بالبصر فقد أغرب، فإنّه لا يصح في ذلك شيء عن الصّحابة رضي الله عنهم).
والصّحيح عن ابن عبّاس - كما سيأتي - أنه قال: (رآه بقلبه).
(2)
هو أبو محمّد عطاء بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم، المكي الأسود، مفتي أهل مكة ومحدثهم، ولد في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة عمر. وكان أسود مفلفلاً فصيحاً كثير العلم، قال أبو حنيفة: ما رأيت أحداً أفضل من عطاء. وقال ابن عبّاس: يا أهل مكّة تجتمعون علي وعندكم عطاء؟. مات في رمضان سنة 114 هـ على الأصح، وقيل: سنة 115 هـ بمكة.
انظر: الطبقات الكبرى (6/ 20)، وتهذيب الكمال للمزي (20/ 69)، وطبقات علماء الحديث (1/ 171).
(3)
قول المؤلّف: (وقال عطاء: رآه بقلبه)، نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (1/ 258) حيث قال:(وروى عطاء عنه - أي: ابن عبّاس - أنه رآه بقلبه). وهذا الأثر أخرجه مسلم في الإيمان، باب قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (176) من طريق عطاء، عن ابن عباس بلفظه.
(4)
هو رفيع بن مهران البصري، أبو العالية الرياحي، الفقيه المقرئ، مولى امرأة من بني رياح - بطن من تميم - قال أبو بكر بن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، ثم سعيد بن جبير. مات سنة 93 هـ على الصّحيح، وقيل سنة 90 هـ. انظر: طبقات علماء الحديث (1/ 124)، وتهذيب الكمال للمزي (9/ 214)، والطبقات الكبرى (7/ 79).
(5)
قوله: (وقال أبو العالية: رآه بفؤاده مرتين)، نقله المؤلّف عن القاضي عياض في =
موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمداً بالرؤية) (1)، وحجته قوله تعالى:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 11 - 13].
[قال](2) الماورديُّ (3): (قيل: إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد، فرآه محمّد مرتين، وكلَّم (4) موسى مرتين) (5).
وهذا الاختلاف عند أئمة الشّرع، قال القاضي عياض رحمه الله:
= الشفا (1/ 285) بتصرّف، حيث قال:(وعن أبي العالية، عنه - أي: ابن عبَّاس -: رآه بفؤاده مرتين).
وهذا الأثر أخرجه مسلم في الإيمان، باب قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (176)، (285) من طريق أبي العالية، عن ابن عبّاس قال:(رآه بفؤاده مرتين).
(1)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 189) رقم (436)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 298) رقم (577) وابن خزيمة في التوحيد (ص 199)، والآجري في الشّريعة (3/ 1114) رقم (686)، والحاكم في المستدرك (2/ 575) من حديث ابن عبّاس بلفظه مع تقديم وتأخير، ولم يذكر الحاكم في حديثه الرؤية، قال الحاكم:(صحيح على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي.
وقال الألباني في ظلال الجنة (1/ 189): (إسناده صحيح موقوفاً).
(2)
في (ص)(وقال)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(3)
هو أبو الحسن علي بن محمّد بن حبيب البصري الشّافعيّ مصنف (الحاوي) و (الإقناع) و (أدب الدنيا والدين) وكان إماماً في الفقه والأصول والتفسير، بصيراً بالعربيّة، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستاً وثمانين سنة، ولد سنة 364 هـ، وتوفي سنة 450 هـ.
انظر: طبقات فقهاء الشافعية (2/ 636)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (5/ 267)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 206).
(4)
في (ظ) و (ن): (وكلَّمه).
(5)
من قوله: (ورؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في اليقظة) وإلى نهاية قول الماوردي: (وكلم موسى مرتين)، نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (1/ 257 - 258).
(والحق الذي لا امتراء [فيه] (1) أنَّ رؤيته تعالى في الدنيا جائزةٌ عقلاً، وليس في العقل ما يُحيلها. والدّليل على جوازها في الدنيا سؤال موسى عليه السلام لها، ومحالٌ أن يجهل نبيٌّ على الله ما يجوز وما لا يجوز عليه (2)، بل لم يسل إِلَّا جائزاً غير مستحيل، ولكنَّ وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا مَنْ [علَّمه](3) الله، فقال له [الله] (4):{لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، أي: لن تطيق ولا تحتمل رؤيتي، ثم ضرب له مثلًا ممَّا هو أقوى من بنية موسى عليه السلام وأثبت وهو الجبل، وكلّ هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته في الدنيا، بل فيه جوازها على الجملة، وليس في الشّرع دليل قاطعٌ على استحالتها ولا امتناعها؛ إذ كلُّ موجودٍ فرؤيته جائزة غير مستحيلة (5). ولا حجة لمن استدلَّ على منعها بقوله تعالى: {لَا
(1) في (ظ) و (ن) والشفا، وليست في (ص).
(2)
في الشفا: (ومحالٌ أن يجهل نبي ما يجوز على الله وما لا يجوز عليه).
(3)
في (ص): (علَّم)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(4)
في (ظ) و (ن) والشفا، وليست في (ص).
(5)
قوله: (إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة) هو دليل عقلي ضعيف على جواز الرؤية، ويلزمه لوازم فاسدة؛ لاتباعه طريقة الوجود المجرد المحض، فمثلًا الهواء موجود لكنه لا يرى، وكذلك الأصوات والروائح موجودة ولكن لا ترى، وبالتالي فلا يصلح أن يكون الوجود المجرد مصححاً للرؤية، إذ المصحح للرؤية أمور وجودية، لا أن لكل موجود تصح رؤيته، وهو قول السلف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 357): (ومعلوم أن الرؤية تتعلق بالموجود دون المعدوم، ومعلوم أما أمر وجودي محض لا يسيطر فيها أمر عدمي، كالذوق الذي يتضمن استحالة شيء من المذوق، وكالأكل والشرب الذي يتضمن استحالة المأكول والمشروب، ودخوله في مواضع من الآكل والشارب، وذلك لا يكون إلا عن استحالة وخلق. وإذا كانت أمراً وجودياً محضاً ولا تتعلّق إِلَّا بموجود، فالمصحح لها الفارق بين ما يمكن رؤيته وما لا يمكن رؤيته: إمّا أن يكون وجوداً محضاً، أو متضمناً أمراً عدمياً، والثّاني باطل؛ لأن العدم لا يكون له تأثير في الوجود المحض، =
تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]؛ لاختلاف التأويلات في الآية، وإذ ليس يقتضي قولُ من قال في الدنيا الاستحالة. وقد استدلَّ بعضهم عليه (1) بهذه الآية نفسها على جواز الرؤية، وعدم استحالتها على الجملة (2) وقد قيل: لا تدركه (3) أبصارُ الكفار، وقيل:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (4) أي (5): لا تحيط به، وهو قول ابن عبّاس، وقيل (6):
= فلا يكون سبباً له، ولا يكون أيضاً شرطاً أو جزءاً من السبب إِلَّا أن يتضمن وجوداً، فيكون ذلك الوجود هو المؤثر في الوجود، ويكون ذلك العدم دليلًا عليه ومستلزماً له ونحو ذلك. وهذا من الأمور البينة عند التأمل)، وقال أيضاً رحمه الله في الرسالة الأكملية ضمن الفتاوى (6/ 136):(وأكثر مثبتي الرؤية لم يجعلوا مجرد الوجود هو المصحح للرؤية، بل قالوا: إن المقتضي أمور وجودية، لا أن كل موجود تصح رؤيته، وبين الأمرين فرق؛ فإن الثّاني يستلزم رؤية كل موجود؛ بخلاف الأول، وإذا كان المصحح للرؤية هي أمور وجودية لا يشترط فيها أمور عدمية، فما كان أحق بالوجود وأبعد عن العدم كان أحق بأن تجوز رؤيته).
وانظر: التدمرية (ص 150)، ومنهاج السنة النبوية (2/ 330)، ودرء التعارض (1/ 247)، ورؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها لأحمد آل حمد (ص 122).
(1)
(عليه) ليست في (ظ) و (ن) والشفا.
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية (ص 59): (وكذلك قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، إنّما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة، كما قاله أكثر العلماء. ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يُرى، وليس في كونه لا يُرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحاً، وإنما المدح في كونه لا يُحاط به وإن رُئي، كما أنه لا يحاط به وإن عُلم، فكما أنه إذا عُلم لا يحاط به علماً، فكذلك إذا رُئي لا يحاط به رؤية. فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحاً وصفة كمال، وكان ذلك دليلًا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة، وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها).
(3)
في (ظ) و (ن): (لا تدركه الأبصار أبصار الكفار).
(4)
في (ظ) و (ن): (لا يدركه).
(5)
(أي) ليست في (ظ) و (ن) والشفا.
(6)
في الشفا: (وقد قيل
…
).
لا تدركه الأبصار، وإنّما يدركه المبصرون (1). وكلّ هذه التأويلات [لا تقتضي](2) منعَ الرؤية ولا استحالتها) (3).
ومنع بعضهم الرؤية في الدنيا، وقال: من نظر إليه سبحانه مات، وعلَّل بعضهم امتناعها لضعف تركيب أهل الدنيا وقواهم، وكونها متغيرةً غرضاً (4) للآفات والفناء، فلم يكن لهم قوةٌ على الرؤية، وفي الآخرة ليسوا كذلك، فإنَّ قواهم ثابتةٌ باقيةٌ، [ولذلك](5) أنوار قلوبهم وأبصارهم قويةٌ على الرؤية.
وقد نُقلَ نَحوُ هذا عن الإمام مالك بن أنس (6) رحمه الله قال: (لم يُرَ في الدنيا لأنَّه باقٍ، ولا يُرَى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة، رُزقوا أبصاراً باقيةً، فرُئيَ الباقي بالباقي (7)(8)(9).
(1) انظر: تفسير ابن جرير الطّبريّ (7/ 299 - 304)، وفتح القدير للشوكاني (2/ 148).
(2)
في (ص): (لا يقتضي)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.
(3)
نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (1/ 261 - 262).
(4)
وفي (ظ) و (ن): (عرضاً).
(5)
في (ص): (وكذلك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(6)
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث، الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، وفقيه الأمة أبو عبد الله الأصبحي المدني، إمام دار الهجرة، قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أثبت أصحاب الزهري؟، قال: مالك أثبت في كل شيء. عاش مالك ستاً وثمانين سنة، ولد سنة 93 هـ، ومات سنة 179 هـ. انظر: طبقات علماء الحديث (1/ 312)، وتهذيب الكمال للمزي (27/ 91)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (1/ 107).
(7)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 502)، وذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك (2/ 42)، والشفا (1/ 263)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 102).
(8)
من قوله: (ومنع بعضهم الرؤية
…
) إلى: (
…
فرئي الباقي بالباقي) نقله المؤلف من الشفا للقاضي عياض (1/ 263) بتصرف.
(9)
قال الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية (ص 125): (قال: (لن تراني) في الدنيا؛ =
وقال القاضي عياض رحمه الله: (وهذا كلام حسن مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة إلا من حيث ضعفُ القدرة، فإذا قوَّى الله من يشاء (1) من عباده وأقدره على حمل أعباء الرؤية لم يمتنع (2) في حقه. وقد عُرف (3) من قوة بصر موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ونفوذ (4) إدراكهما بقوةٍ إلهيةِ مُنحاها لإدراكِ (5) ما أدركاه، ورؤية ما رأياه، والله أعلم) (6).
وبالجملة: ليست في الآيات نصٌّ بالمنع، وقول مَنْ قال: رآه بعينيه (7) إنَّما بناه على اعتقاده باجتهاده (8)، ولم يسنده إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم. والأحاديث مضطربةٌ في المعنى؛ لتعارضها، وفي الإسناد؛ لضعفها، والتأويل ليس قاطعاً بشيء، وحديث أبي ذر رضي الله عنه في صحيح مسلم لمَّا سأله عنها، قال (9):"رأيت نوراً"، ورُوي:"نورٌ أَنَّى أراه"(10)، فقد
= لأن بصر موسى من الأبصار التي كتب الله عليها الفناء في الدنيا، فلا تحمل النظر إلى نور البقاء، فإذا كان يوم القيامة رُكَّبت الأبصار والأسماع للبقاء، فاحتملت النظر إلى الله عز وجل بما طوقها الله).
(1)
في (ظ) والشفا: (من شاء).
(2)
في الشفا: (لم تمتنع).
(3)
في الشفا: (وقد تقدّم ما ذكر في قوة بصر موسى ومحمد
…
).
(4)
في (ظ) و (ن): (ونفود).
(5)
في (ن): (الإدراك).
(6)
نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (1/ 263).
(7)
في (ظ) و (ن): (بعينه).
(8)
مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة والجماعة.
(9)
في (ظ) و (ن): (فقال)
(10)
أخرج اللفظين مسلم في الإيمان، باب في قوله عليه السلام نور أنى أراه، وفي قوله: رأيت نوراً (1/ 161) رقم (178) من حديث أبي ذر - رضى الله عنه -.
أما الأوّل فعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، =
أخبر أنَّه لم يره، وإنّما رأى نوراً، أو كيف أراه مع حجاب النور المغشي للبصر؟. وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:"حجابه النور"(1)، وفي الحديث الآخر:"لم أره بعيني ولكن رأيتُه بقلبي مرتين"(2) وتلا {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8](3).
= فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت، فقال:"رأيت نوراً". وأما الثّاني فعن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: "نور أنى أراه".
(1)
أخرجه مسلم في الإيمان، باب في قوله عليه السلام:"إن الله لا ينام"، وفي قوله:"حجابه النور"(1/ 161 - 162) رقم (179) من حديث أبي موسى بلفظه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور"، وفي رواية أبي بكر:"النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
(2)
أخرجه مسلم في الإيمان، باب معنى قوله تعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (176)، من حديث ابن عبّاس في قوله تعالى:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: رآه بفؤاده مرتين.
(3)
اختلفت أقوال السلف من الصّحابة والتابعين وأتباعهم في رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، وهي في مجملها على ثلاثة أضرب:
الأوّل: أقوال تثبت الرؤية مطلقاً.
الثّاني: أقوال تنفي الرؤية مطلقاً.
الثّالث: أقوال تقيد الرؤية بالرؤية القلبية لا البصرية.
ومن ثم اختلف أهل العلم بعدهم في تحرير أقوالهم على مذهبين:
المذهب الأوّل: من يرى أن الاختلاف بين أقوالهم اختلاف تضاد لا تنوع يوجب الترجيح بينها لا الجمع، واختلف القائلون بذلك في القول الراجح منها ووجهه.
والمذهب الثّاني: من يرى أن الاختلاف بين أقوالهم اختلاف تنوع لا تضاد يوجب الجمع لا الترجيح.
والمذهب الثّاني هو الصّحيح - والله أعلم - واختاره جمع من المحققين منهم شيخ =
والله قادرٌ على خلق الإدراكِ الذي في البصر [في القلب](1) كيف
= الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن كثير، وابن أبي العز، والسفاريني، والشنقيطي، وغيرهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/ 509 - 510): "وأما الرؤية فالذي ثبت في الصّحيح عن ابن عبّاس أنه قال: "رأى محمّد ربه بفؤاده مرتين" وعائشة أنكرت الرؤية.
فمن النَّاس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عبّاس أثبت رؤية الفؤاد، والألفاظ الثابتة عن ابن عبّاس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول:"رأى محمّد ربه"، وتارة يقول:"رآه محمد" ولم يثبت عن ابن عبّاس لفظ صريح أنه رآه بعينه.
وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصّحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل:
كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه"
…
وهذه رؤيا الآيات؛ لأنه أخبر النَّاس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه". انظر: كتاب التّوحيد لابن خزيمة (2/ 477 - 563)، الرؤية للدارقطني (ص 308 - 361)، شرح اعتقاد أهل السنة (2/ 513 - 523)، الحجة في بيان المحجة (2/ 252)، شرح السنة للبغوي (12/ 228)، مجموع الفتاوى (2/ 335، 3/ 386، 6/ 509)، زاد المعاد (3/ 37)، تفسير ابن كثير (4/ 263)، العلّو للذهبي (1/ 765 - 774)، شرح الطحاوية (1/ 222 - 225)، فتح الباري (8/ 608)، ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة (ص 180)، أقاويل الثقات للكرمي (ص 196 - 197)، لوامع الأنوار البهية (2/ 250 - 256)، أضواء البيان (3/ 363)، وللاستزادة: الغنية في مسألة الرؤية لابن حجر، رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه للتميمي، رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها للحمد (ص 138).
(1)
في (ظ) و (ن) وليس في (ص).
شاء لا إله غيره. فإن ورد حديثٌ بنصٍّ [بيِّنٍ](1) في الباب اُعتقد، ووجب المصير إليه؛ إذ لا استحالةَ فيه، ولا مانعَ قطعيَّ يردُّه، والله الموفق (2).
ورؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة بأبصارهم، وينظرون إليه كما يرون القمرَ ليلة البدر، لا يضارُون (3) في رؤيته ولا يضامُون (4): حقٌّ، على ما ثبت في الحديث الصّحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5). والتشبيه وقع
(1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(2)
من قوله: (ليس في الآيات نصّ بالمنع ....) وإلى: (.... والله الموفق) نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (1/ 265 - 266).
(3)
يضارون: يروى بتشديد الراء وبالتخفيف.
فالتشديد (يضارّون) بمعنى: لا تتخالفون ولا تتجادلون في صحة النظر إليه؛ لوضوحه، ويقال: أضرَّني فلانٌ إذا دنا مني دنواً شديداً. وأما التخفيف (يضارُون) فهو من الضير، لغة في الضُّر، والمعنى فيه كالأول، أي: لا يأتيكم الضُّر من رؤيته. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/ 82)، وكتاب الإيمان من إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 772 - 773).
(4)
يضامون: يروى بتشديد الميم وبالتخفيف.
فالتشديد (يضامُّون) معناه: لا ينضم بعضكم إلى بعض، وتزدحمون وقت النظر إليه. وأما التخفيف (يضامُون) معناه: لا ينالكم ضيم في رؤيته، فيراه بعضكم دون بعض، والضيم: الظلم.
انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/ 101)، وكتاب الإيمان من إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 772 - 773).
(5)
أخرجه البخاريّ في التّوحيد، باب قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (13/ 419) رقم (7434)، ومسلم في المساجد ومواضع الصّلاة، باب فضل صلاتي الصُّبح والعصر والمحافظة عليهما (1/ 439) رقم (633) من حديث جرير بن عبد الله بلفظ: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته
…
".
وأما لفظ (تضارون)، فأخرجه البخاريّ في كتاب الرقاق، باب الصراط جسر جهنم (11/ 444 - 445) رقم (6573)، ومسلم في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (1/ =
في هذا الحديث للرؤية بالرؤية لا للمرئي (1) بالمرئي (2)؛ إذ الله لا يشبهه شيءٌ.
والكفار عن رؤيته سبحانه وتعالى محجوبون، فإن قيل: فقد ثبت في الصّحيح عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحدٍ إِلَّا سيُكلِّمُه ربه ليس بينه وبينه ترجمان"(3)، وهذا (4) عام في الكفار والمسلمين، إذ الظّاهر منه رؤيتُهم له سبحانه مع الغضب عليهم. قلنا: لا يلزم من الكلام الرؤية، وغضبه سبحانه عليهم حجابه عنهم، والله أعلم (5).
= 163) رقم (182) بلفظ: "هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ " قالوا: لا. قال: "فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك
…
"، وزاد مسلم: "هل تضارون في الشّمس ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا، يا رسول الله".
(1)
في (ظ) و (ن): (لا المرئي).
(2)
من قوله (ورؤية المؤمنين ربهم ..) إلى: (
…
لا للمرئي بالمرئي) نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني بتصرف (ص 263 - 264).
(3)
أخرجه البخاريّ في التّوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (13/ 474) رقم (7512)، ومسلم في الزَّكاة، باب الحث على الصَّدقة
…
(2/ 703) رقم (1016)(67) من حديث عدي بن حاتم بلفظه مطولًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إِلَّا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إِلَّا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إِلَّا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إِلَّا النّار تلقاء وجهه، فاتقوا النّار ولو بشق تمرة".
(4)
من قوله: (وهذا عام في الكفار
…
) يبدأ النقص في (ظ).
(5)
تنازع النَّاس في الكفار، هل يرون الله عز وجل يوم القيامة، ثم يحتجب عنهم؟ أم أنهم لا يرونه بالكلية على ثلاثة أقوال، والراجح عدم ذلك - كما هو ظاهر اختيار المؤلف - لأن الرؤية أعظم نعيم الجنة، ولعموم قوله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، وقيل: يراه المؤمنون والمنافقون فقط، دون بقية الكفار، ثم يحتجب عن المنافقين.
وهذه المسألة - رؤية الكفار لله تعالى يوم القيامة - ليست من الأمور التي تجب فيها المهاجرة والمقاطعة، فإن الذين قالوا بما سبق عامتهم من أهل السنة والجماعة، =