الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (2)
يجب أن نعتقد (1) أنَّ ما أثبته الله سبحانه في كتبه على لسان رسله - صلواتُ الله عليهم وسلامه - حقٌّ، وأنَّ جميع ما فيها من [الوجود](2) والإيجاد الثابتين للإلهيَّة والتنزيه عن الحدثِ والمحدَثِ وصفاتِهما حقٌّ. وأنَّ الكتاب العزيز المُنزَّلَ على لسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم أتى بجميع ما فيها من ذلك وأبين، وأنَّه لا اختلاف بين الكتب، في ذلك، وأنَّه ناسخٌ لجميع الكتب. وأنَّ شريعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ناسخةٌ لجميع الشرائعِ.
وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميعَ النبيين حقٌّ. ويجب أن نعتقدَ (3) أنَّه يحرم التفرقة بين رسل الله وأنبيائه في التوحيد (4). وما أقرّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاله، وعمل به، أو فُعِلَ بحضرته وسكت عليه فهو حقٌّ.
وأنَّ العقل [مذكَّرٌ](5) لذلك لا أمر له ولا نهيَ، ولا تحريم ولا تحليل، بل تصرُّفُه الموافق لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في
(1) في (ظ) و (ن): (يُعتقد).
(2)
في (ص) و (ن): (الموجود)، وفي (ظ) ما أثبته.
(3)
في (ظ) و (ن): (يُعتقد).
(4)
كما في قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة: 285]، وقوله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء: 150].
(5)
في (ص): (مركن)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
الفروعِ [جائزٌ](1)، وأمَّا في الأصول فلا مدخل له أصلاً ألبتة سوى الوقوفِ عنده (2).
(1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).
(2)
كلام المؤلف رحمه الله هنا موافق لمذهب أهل السنة والجماعة؛ إذ هو متجه إلى ثبوت الأمر والنهي والتحليل والتحريم بالشرع لا بالعقل، وليس متجهاً لثبوت الحسن والقبح في الأفعال.
وأما مسألة التحسين والتقبيح العقليين فقد تنازع الناس فيها على أقوال: ما بين مثبت ونافٍ لها، وذكر النزاع فيها شيخ الإسلام ابن تيمية في: منهاج السنة (1/ 448 - 450)، والرد على المنطقيين (ص 420 - 421) والفتاوى (8/ 431 - 434)، ودرء التعارض (9/ 49 - 50)، وذكرها ابن النجار الحنبلي في شرح الكوكب المنير (1/ 301 - 302)، وبدر الدين الزركشي في البحر المحيط (1/ 146).
وهم في الجملة على ثلاثة آراء:
(أ) - القول بأنهما عقليان، وأنهما يدركان عن طريق العقل، هو قول المعتزلة ومن تابعها، قالوا بإثبات الحسن والقبح العقليين في أفعال الله وأفعال العباد، وأنهما ذاتيان، على خلاف بينهم في جهتهما، وأن الثواب والعقاب يعرف ويدرك بالعقل قبل الشرع، وبالتالي قالوا بالوجوب العقلي على الله، وأن ما حسن وقبح من العباد حسن وقبح من الله.
انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص 564 - 565)، والمحيط بالتكليف (ص 243)، والمختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار (1/ 234) ضمن كتاب: رسائل في العدل والتوحيد، والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري (1/ 336 - 342)، مناهج الأدلة لابن رشد (ص 90 - 91)، والمعتزلة لزهدي جار الله (ص 108)، والمعتزلة وأصولهم الخمسة للمعتق (ص 163).
(ب) - القول بأنهما شرعيان لا عقليان، وأن الحسن والقبح يثبتان بالشرع لا بالعقل، هو قول النفاة من الأشاعرة ومن تبعهم كابن حزم، فالحسن والقبح بمعنى كون الفعل يتعلق به المدح أو الذم عاجلاً، والثواب والعقاب آجلاً، نفوا أن يكون بهذا المعنى عقلياً.
قال الباقلاني في الأنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به (ص 49 - 50): وجميع قواعد الشّرع تدل على أن الحسن: ما حسنه الشّرع وجوّزه وسوّغه، =
فما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه وعلى (1) لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أثبتناه، وما نفاه نفيناه، وما سكت عنه سكتنا عنه، وما ذكره سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز وعلى لسان نبيه (2) محمدٍ صلى الله عليه وسلم مُفرقاً ذكرناه مفرقاً، وما ذكره مجموعاً ذكرناه مجموعاً. فإن نفى نافٍ جميعَ ذلك نفياً أدَّى إلى تعطيلها (3)، ونفي الحقائق الشرعية الثابتة عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
= والقبيح: ما قبحه الشّرع وحرمه، ومنع منه، لا من حيث الصورة.
وانظر: اللمع لأبي الحسن الأشعري (ص 115 - 116)، والإرشاد للجويني (ص 228)، والاقتصاد للغزالي (ص 105)، والأربعين للرازي (1/ 346)، والمواقف للإيجي (ص 323)، وشرح المقاصد للتفتازاني (4/ 282 - 283)، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي (ص 202)، والفصل لابن حزم (3/ 137)، وابن حزم وموقفه من الإلهيات للحمد (ص 438).
(ج) - أما أهل السنة والجماعة فقالوا بالتحسين والتقبيح العقليين خلافاً للنفاة، وأن بعض الأشياء حسنة في نفسها، وبعض الأشياء قبيحة في نفسها، ولكن لا يوجبون شيئاً على المكلَّف قبل ورود الشّرع، والثواب والعقاب عندهم متوقف على بعثة الرسل خلافاً للمعتزلة، كما قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم (ص 346)، وكذلك مدارج السالكين (1/ 227 - 244)، والفتاوى (8/ 434 - 436)، والرد على المنطقيين (ص 422 - 430)، والحكمة والتعليل للمدخلي (ص 89 - 91).
(1)
في (ظ): (على) بدون واو.
(2)
(نبيه) ليست في (ظ) و (ن).
(3)
التعطيل: لغة: الخلو والفراغ والترك، قال تعالى:{وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج: 45]، أي: فارغة ومتروكة وخالية، والمرأة العطلى: الخالية من الحلي، كما في لسان العرب (11/ 453)، والصحاح (ص 1767). قال الراغب:(ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغاً عن صانع أتقنه وزينه معطل) المفردات (ص 572).
والمراد بالتعطيل هنا: نفي وإنكار الأسماء والصفات عن الله سبحانه وتعالى، سواء كان ذلك كلياً أو جزئياً، ولذلك فقد سمى السلف نفاة ذلك معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله. =
وجب ذكرها وبيانها (1) مجموعةً ومبينةً، للردِّ عليه، وعدم الكتمان المتوعد عليه بالنار الملعون متعاطيه، وما أرسل الله الرسلَ، وجعل العلماءَ ورثتهم؛ إلا لهذا، والله يعلم المفسد من المصلح.
= انظر: مجموع الفتاوى (5/ 326)، (13/ 177)، ودرء التعارض (5/ 4) وما بعدها.
(1)
في (ظ) و (ن): (وإبيانها).