الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (18)
ومما يجب الإيمان به البعث بعد الموت يوم القيامة، وبكلِّ ما أخبر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم من أهوال ذلك اليوم، وأنه الحق، واختلاف أحوال العباد فيه والخلق مما يرونه ويلقونه هنالك في ذلك الموقف الهائل، من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل، والإجابةِ عن المسائل، وغيرها من الزلازل الموعودة والبلابل، ومن الصراط والميزانِ ونشر الصحف التي فيها مثاقيلُ الذرِّ من الخير والشرِّ.
ويجب الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمذنبي أهل التوحيد.
وبالحوض، والكوثرِ.
وإدخال فريقٍ من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبةِ فريقٍ حساباً يسيراً، وإدخالهم الجنة دون سوءٍ يمسُّهم وعذابٍ يلحقهم، وإدخال فريقٍ النارَ من المؤمنين، ثم إعتاقِهم وإخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إليها.
ونعلم حقّاً يقينا أن مذنبي الموحدين لا يخلّدون في النار (1)، ولا يُتركون فيها أبدا (2)، وأما الكفار فإنهم يبقوْن فيها أبدَ الآبدين: {لَا
(1) قوله هذا فيه رد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة؛ الذين يقولون بأن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب من كبيرته؛ فهو خالد مخلد في نار جهنم، والمذهب الحق الذي عليه سلف هذه الأمة هو ما ذكره المؤلف رحمه الله.
(2)
من بداية الفصل وإلى قوله: (
…
ولا يتركون فيها أبداً)، نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 257 - 263).
يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الجاثية: 35](1)، {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75].
ونعلم ونشهد ونعتقد أن الجنة والنار مخلوقتان قبل الخلق، وأنهما باقيتان لا يفنيان أبداً (2).
ولا يُخرِجُ اللهُ من الجنةِ أحداً، ولا يسلِّط عليهم الموت فيها، ولا يزيل عنهم نعيمها، ويأمر بالموت فيُذبَحُ على سورٍ بين الجنة والنار، وينادي المنادي:"يا أهل الجنةِ خلودٌ ولا موت (3)، ويا أهل النارِ خلودٌ ولا (4) موتَ"، على ما ورد به الخبرُ الصحيح (5) ................
(1) في (ظ) و (ن): (ولا يستعتبون).
(2)
أنكرت المعتزلة والقدرية خلق الجنة والنار، وقالوا: إنما يخلقان يوم القيامة، أما أهل السنة والجماعة فيؤمنون بأن الجنة والنار مخلوقتان لورود الأدلة على ذلك، قال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال سبحانه:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131].
والقول بأبدية الجنة والنار وأنهما باقيتان لا تفنيان، هو قول أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة؛ لثبوت ذلك في الكتاب والسنة، قال تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]، وقال عن أهل الجنة:{لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48]، وقال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب: 64 - 65]، وقال عن أهل النار:{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167].
انظر: حادي الأرواح لابن القيم (ص 11).
(3)
في (ظ) و (ن): (لا موت).
(4)
في (ظ) و (ن): (لا موت).
(5)
أخرجه البخاري في التفسير، باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (8/ 428) رقم (4730)، ومسلم في باب الجنة وصفة نعيمها .... (4/ 2188) رقم (2849) من حديث أبي =
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ويجب الإيمان بملَك الموت الموكَّل بقبض أرواح العالمين، وبعذاب القبر [لمن](2) كان له أهلًا.
وكذلك يجب الإيمان بالملائكة جميعهم، وبالكرام الكاتبين، وأن الله تعالى قد جعلهم علينا حافظين. وبسؤال منكَرٍ ونكير الميت في قبره عن ربّه ودينه ونبيِّه على ما جاءت به الأخبار (3) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
= سعيد الخدري بنحوه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون، وبنظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} "[مريم: 39].
وما أورده المؤلف من لفظ: "فيذبح على سور بين الجنة والنار" ليس في الصحيحين، وإنما هي عند الترمذي في سننه، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار (4/ 596) رقم (2557) من حديث أبي هريرة مطولًا. وصححه الألباني كما في صحيح الترمذى برقم (2072).
(1)
من قوله: (ونعلم ونشهد ونعتقد أن الجنة ....) وإلى قوله: (..... على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 264).
(2)
في (ص): (إنْ)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.
(3)
حديث سؤال منكر ونكير ثابت في الصحيح. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر
…
(3/ 231) رقم (1369)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها
…
(4/ 2201) رقم (2871)، والترمذي في التفسير (5/ 276) رقم (3120)، وابن ماجه في الزهد، باب ذكر القبر والبلى (2/ 1427) رقم (4269) من حديث البراء بن عازب.
ولفظ الترمذي: (عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]، قال: "في القبر إذا قيل له: من =
وعن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين (1).
والقبر روضةٌ من رياض الجنة، أو حفرةٌ من حفر النار (2).
وفي دعاء الأحياء المؤمنين نفعٌ (3) للأموات المؤمنين (4)، والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات، ويملك كلَّ شيء ولا يملكه شيءٌ، ولا غنى عنه طرفة عين، ومن (5) استغنى عنه (6) طرفة عين فقد كفر، وكان من أهل الحَين (7)(8).
= ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ").
(1)
من قوله: (ويجب الإيمان بملك الموت ....) وإلى قوله: (.... وعن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 17).
(2)
في (ظ) و (ن): (النيران).
(3)
في (ظ) و (ن): (منفعة).
(4)
اتفق أهل السنة على أن الأموات ينتفعون بدعاء الأحياء؛ خلافاً لأهل البدع من المتكلمين ونحوهم، قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ} [الحجر: 10] فأثنى الله عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جاربة، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده"[أخرجه مسلم في كتاب الوصية]، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم (1631).
انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 664 - 665).
(5)
في (ظ): (ولمن).
(6)
في (ظ) و (ن): (عن الله).
(7)
الحَيْن: بالفتح الهلاك، والمحنة. وقد حان الرجل: هلك. وأحانه الله تعالى: أهلكه. وكل ما لم يوفق للرشاد فقد حان.
انظر: لسان العرب (13/ 136)، وتاج العروس (18/ 169 - 170).
(8)
من قوله: (وفي دعاء الأحياء
…
) وإلى قوله: (..... وكان من أهل الحين)، نقله المؤلف بتصرف يسير من متن العقيدة الطحاوية (ص 17).