المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل (1) يجبُ أن نعتقدَ (1) أن الله سبحانه وتعالى كان - الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد

[ابن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره:

- ‌ثانياً: خطة البحث:

- ‌ثالثاً: منهجي في التحقيق والتعليق:

- ‌أولاً: خدمة نصِّ الكتاب:

- ‌ثانياً: منهجي في التعليق:

- ‌ الدَّراسة

- ‌الفصلُ الأول: ترجمة المؤلف

- ‌ تمهيد:

- ‌ عصره:

- ‌أولاً: أهم الملوك:

- ‌ثانياً: أهم الأحداث:

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ أسرته:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته:

- ‌ طلبه للعلم:

- ‌ الرحلة في طلب العلم:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ صفاته وأخلاقه:

- ‌ مكانته العلمية:

- ‌ تدريسه:

- ‌ فتاواه:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌1 - اختصار نصيحة أهل الحديث:

- ‌2 - الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد:

- ‌3 - أدب الخطيب:

- ‌4 - تحفة الطالبين في ترجمة الإِمام محيي الدين:

- ‌5 - ترتيب الفتاوى النووية:

- ‌6 - حكم الاحتكار عند غلاء الأسعار:

- ‌7 - حكم البلوى وابتلاء العباد:

- ‌8 - رسالة في أحكام الموتى وغسلهم:

- ‌9 - رسالة في بيان الفرق الضالة:

- ‌10 - رسالة في السماع:

- ‌11 - سؤال عن قوم من أهل البدع يأكلون الحيات والنيران:

- ‌12 - شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك:

- ‌13 - العدة في شرح العمدة:

- ‌14 - فضل الجهاد:

- ‌15 - الفقه في حكم صيام جميع شعبان ورجب:

- ‌16 - مجلس في زيارة القبور:

- ‌17 - مسألة في حكم المكوس:

- ‌18 - معجم الشيوخ:

- ‌19 - الوثائق المجموعة:

- ‌ وفاته:

- ‌الفصل الثاني: دراسة الكتاب

- ‌المبحث الأول: عنوان الكتاب ونسبته لمؤلفه

- ‌المطلب الأول: عنوان الكتاب

- ‌المطلب الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه

- ‌المبحث الثاني: مصادر المؤلف فى كتابه

- ‌المبحث الثالث: عرض لأهم قضايا الكتاب

- ‌أولاً: النُّزول:

- ‌ثانياً: الرؤية:

- ‌ثالثاً: مسألة خلق القرآن، واللفظ به:

- ‌رابعاً: الفوقية والعلو:

- ‌خامساً: الإيمان:

- ‌سادساً: القضاء والقدر:

- ‌سابعاً: الحب والبغض في الله:

- ‌ثامناً: الكفر:

- ‌المبحث الرابع: منهج المؤلف فى كتابه

- ‌المبحث الخامس: وصف النُّسخ الخطيَّة

- ‌المطلب الأول: وصف النُّسخ الخطية

- ‌النُّسخة الأولى:

- ‌النُّسخة الثانية:

- ‌النُّسخة الثالثة:

- ‌المطلب الثاني: التملكات والتعليقات

- ‌المطلب الثالث: تقويم المطبوع من الرسالة

- ‌المبحث السَّادس: تقويم الكتاب

- ‌المطلب الأول: مزايا الكتاب

- ‌المطلب الثاني: المآخد على الكتاب

- ‌فصل (1)

- ‌فصل (2)

- ‌فصل (3)

- ‌فصل (4)

- ‌فصل (5)

- ‌فصل (6)

- ‌فصل (7)

- ‌فصل (8)

- ‌فصل (9)

- ‌فصل (10)

- ‌فصل (11)

- ‌فصل (12)

- ‌فصل (13)

- ‌فصل (14)

- ‌فصل (15)

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17)

- ‌فصل (18)

- ‌فصل (19)

- ‌فصل (20)

- ‌فصل (21)

- ‌فصل (22)

- ‌فصل (23)

- ‌فصل (24)

- ‌فصل (25)

- ‌فصل (26)

- ‌فصل (27)

- ‌فصل (28)

- ‌فصل (29)

- ‌فصل (30)

- ‌فصل (31)

- ‌فصل (32)

- ‌فصل (33)

- ‌فصل (34)

- ‌فصل (35)

- ‌فصل (36)

- ‌فصل (37)

- ‌فصل (38)

- ‌فصل (39)

- ‌فصل (40)

- ‌فصل (41)

- ‌فصل (42)

- ‌فصل (43)

- ‌فصل (44)

- ‌فصل (45)

- ‌فصل (46)

- ‌فصل (47)

- ‌فصل (48)

- ‌فصل (49)

- ‌فصل (50)

- ‌فصل (51)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌فصل (1) يجبُ أن نعتقدَ (1) أن الله سبحانه وتعالى كان

‌فصل (1)

يجبُ أن نعتقدَ (1) أن الله سبحانه وتعالى كان ولا شيءَ معه (2)، وهو سبحانه وتعالى على ما كان، وأنَّه سبحانه واحدٌ في ذاته، واحدٌ في صفاته، واحدٌ في مخلوقاته (3).

(1) في (ظ) و (ن): (يُعتقد).

(2)

كما في الحديث الذي رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم (4/ 533) برقم (7418) عن عمران بن حصين قال: إني عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قومٌ من بني تميم فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: بشَّرتنا فأعطنا، فدخل ناسٌ من أهل اليمن فقال:"اقبلوا البشرى يا أهل اليمن،. إذ لم يقبلها بنو تميم" قالوا: قبلنا جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن هذا الأمر ما كان؟ قال:"كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كلّ شيء". ورواه أيضاً في كتاب بدء الخلق بلفظ (غيره)(2/ 408 - 409) برقم (3191) باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} .

ورواه مختصراً برقمي (4365) و (4386) في كتاب المغازي (3/ 137 - 146).

وعبارة (ولا شيء معه) لم أجدها بهذه اللفظة فيما بحثت فيه، ولعلها تكون من عبارات المتكلمين؛ التي يقصدون بها نفي الصفات عنه سبحانه، ويتضح الأمر أكثر بعد قراءة التعليق القادم.

(3)

واحد في مخلوقاته، أي: أنه لا خالق للمخلوقات إلا الله سبحانه وتعالى، وتوحيد الربوبية هو: توحيد الله بأفعاله، والخلق من أفعاله تبارك تعالى.

وقوله رحمه الله: (وأنه سبحانه واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في مخلوقاته) هذا حق، ولكن هذه العبارة من عبارات المتكلمين عند تعريفهم للتوحيد، إذ من المعلوم أن التوحيد الذي من أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب هو توحيد الألوهية، فالله =

ص: 103

وأنَّه سبحانه بائنٌ (1) من خلقه، لا (2) يَحُلُّ (3) في شيءٍ ولا يتّحدُ (4) به.

= تعالى كما أنه واحد في ذاته وصفاته وخلقه، هو أيضاً واحد في ألوهيته وعبادته، وهذا الأخير هو المطلوب من المكلفين الإتيان به عملاً، وإرادة، وقصداً.

(1)

لفظة (بائن) وردت عن السلف رحمهم الله، فقد أورد الدارمي في الرد على الجهمية (ص 47) ونقضه على بشر المريسي (1/ 224) أثراً عن عبد الله بن المبارك، قيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش، بائن من خلقه. ورواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 336) برقم (903)، وانظر اجتماع الجيوش الإسلامية (134 - 135).

(2)

في (ظ): (ولا).

(3)

حلول الشيء في الشيء عبارة عن نزوله فيه، وعرّف الحلول: بأنه اختصاص شيء بشيء؛ بحيث يكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر. وقيل كذلك هو: الاختصاص الناعت، أي: التعلّق الخاص الذي يصير به أحد المتعلّقين نعتاً للآخر، والآخر منعوتاً به.

والحلول عندهم نوعان: الحلول السرياني، وهو: عبارة عن اتحاد جسمين؛ بحيث يكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، ويُسمَّى الساري حالًا، والمسري فيه محلًا.

والثاني الحلول الطرياني أو الحلول الجواري، وهو: كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر؛ كحلول الماء في الكوز.

انظر: جامع العلوم الملقب بدستور العلماء (2/ 62 - 63)، وكشاف اصطلاحات الفنون (2/ 105 - 108)، والتعريفات للجرجاني (ص 125)، والمعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية (76).

والحلولية هم الذين يعتقدون أن الله تعالى بذاته حلَّ في مخلوقاته كما يحل الماء في الإناء، وأنه تعالى بذاته في كل مكان، وقد عُرف الحسين بن منصور الحلاج باعتناقه لهذا المذهب.

انظر: مجموع الفتاوى (2/ 294 - 361).

(4)

الاتحاد كما قال الجرجاني في التعريفات (ص 22): هو تصيير الذاتين واحدة، ولا يكون إلا في العدد من الاثنين فصاعداً. وقيل: هو امتزاج الشيئين واختلاطهما =

ص: 104

وأنَّ صفاتهِ سبحانه قديمةٌ بقدم ذاتِهِ (1) لا ينفصل عنها، وأن الموجوداتِ كلَّها حادثةٌ، وأنَّه سبحانه الأوَل ليس قبله شيء، والآخر (2)

= حتى يصيرا شيئاً واحداً؛ لاتصال نهايات الاتحاد.

وهو عند أرباب التصوف: شهود الوجود الحق الواحد المطلق؛ الذي الكل موجود بالحق، فيتحد به الكل من حيث كون كل شيء موجوداً به معدوماً بنفسه، لا من حيث إن له وجوداً خاصاً اتحد به؛ فإنه محال.

وانظر كذلك: جامع العلوم الملقب بدستور العلماء (1/ 38 - 39)، والمعجم الفلسفي لمجمع اللغة (ص 2)، والمعجم الفلسفي لجميل صليباً (1/ 34 - 35)، والموسوعة الفلسفية العربية (1/ 18)، والمبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي (ص 115).

والاتحادية: هم قوم يزعمون أن الخالق اتحد بالمخلوق، وعندهم من الضلال والكفر العظيم ما لا يخفى على من عرف مذهبهم، وحقيقة قولهم تعطيل الصانع بالكلية، والقول بما تقوله الدهرية الطبيعية، ويقولون: إن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره ولا شيء سواه ألبتة، ومن كبارهم ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، والعفيف التلمساني.

انظر: مجموع الفتاوى (2/ 142)، والاستقامة (1/ 113).

(1)

الأولى التعبير بأنه تعالى لا زال متصفاً بصفاته، دون إطلاق لفظ القدم عليها؛ لأن وصفها بذلك يفيد مجرد تقدمها على غيرها لا أزليتها، وهذا غير مراد.

والمصنف رحمه الله وافق بلفظه هذا قول الإمام الطحاوي في عقيدته: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، ولم يزدد لكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً) متن العقيدة الطحاوية (ص 7).

قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (1/ 96) شارحاً عبارة الطحاوي السابقة: (أي: أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفاً بصفات الكمال: صفات الذات، وصفات الفعل، ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها؛ لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص).

أما الصفات الفعلية فهي قديمة باعتبار أصلها ونوعها، وحادثة باعتبار آحادها وأفرادها.

(2)

في (ظ) و (ن): (الآخر ليس بعده شيء).

ص: 105

الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي (1) ليس فوقه شيء، والباطن ليس دونه شيء (2).

وأنَّه سبحانه لم يَبُن عنه شيءٌ من حيث علمُه وقدرتُه وإيجادُه وملكُه، ولم يتَّصل به شيءٌ من حيث ذاتُه (3)، وأنَّ ذاته سبحانه لا تُشبه الذوات، وصفاته لا تُشبه الصفات، والتصرفَ في أدلتها وتأويلها لا يشبه التصرفات، وأنَّه سبحانه محيطٌ بكلِّ شيء، وخالقُ كلِّ شيء، ورازقُ كلِّ شيء، كان خالقاً قبل وجود الخلق، ورزاقاً قبل وجود الرزق (4)، وله الصفاتُ العُلى، والأسماءُ الحُسنى، والمثلُ الأعلى.

(1) ليست في (ظ) و (ن).

(2)

كما قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]. وهي من أسماء الله الحسنى، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكره المؤلف في الحديث الذي رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع رقم (6827)، (9/ 37 - 38) بشرح النووي، قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا جرير عن سهيل، قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام، أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول:"اللهم رب السموات والأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرِّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر"، وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

لعلّ مقصود المؤلف رحمه الله: أنه لم يتصل به سبحانه وتعالى شيء من مخلوقاته، وهذا حق لا مرية فيه.

(4)

قال الطحاوي رحمه الله في متن العقيد الطحاوية (ص 8): (ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري. له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق. وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، وكذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم).

ومعنى ذلك: أن كلّ صفة من صفات الله تعالى ثابتة له أزلاً، من قبل أن يخلق خلقه، =

ص: 106

الموجوداتُ كلُّها مفتقرةٌ إليه، وهو سبحانه غيرُ مفتقرٍ إلى شيء، والعرشُ والكرسيُّ والسمواتُ السبعُ، والأرضون السبعُ، ومن فيهنَّ، وما بينهنّ، وحَمَلةُ ذلك كلَّه محمولون بقدرته (1)، وهو سبحانه وتعالى مُتوجَّه ذلك كلَّه.

وأنَّه سبحانه لا يحيطُ به شيء، ولا يستعينُ بشيء، بل الموجوداتُ كلُّها مُحَاطٌ بها، مستعينةٌ به سبحانه وتعالى.

= وهي كلها صفات كمال، وعدمها نقص ومحال أن يتصف الله بالكمال بعد النقص، ولم يستفد أي صفة بعد خلق العباد، بل كل صفاته ثابتة له قبل خلقهم، فهو الخالق قبل خلق الخلق، والباري قبل إحداث البرية.

قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (1/ 103): (والشيخ رحمه الله أشار بقوله: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه) إلى آخر كلامه - إلى الرد على المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة، فإنهم قالوا: إن الله تعالى صار قادراً على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادراً عليه؛ لكونه صار الفعل والكلام ممكناً بعد أن كان ممتنعاً، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي! وعلى ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما، فإنهم قالوا: إن الفعل صار ممكناً له بعد أن كان ممتنعاً منه).

(1)

هذه العبارة شبيهة بما قاله الإمام الدارمي في نقضه على المريسي (1/ 457): (فيقال لهذا البقباق النفاج: إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق، ولم يحتمله العرش عظماً ولا قوة، ولا حملة العرش احتملوه بقوتهم، ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم، ولكنهم حملوه بقدرته، ومشيئته، وإرادته، وتأييده. لولا ذلك ما أطاقوا حمله).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يقول بالجهة - وذلك بعد تفصيله عم يقصده بها - قال: (وإن كان يعتقد أن الخالق تعالى بائن عن المخلوقات، وأنه فوق سمواته على عرشه بائن من مخلوقاته، وأن الله غني عن العرش وعن كل ما سواه، لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات، بل هو مع استوائه على العرش يحمل العرش وحملة العرش بقدرته، ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين .... فهذا مصيب في اعتقاده، موافق لسلف الأمة وأئمتها). مجموع الفتاوى (5/ 262 - 263)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 567).

ص: 107

وأنَّه سبحانه وتعالى عالمٌ بعلم (1)، قادرٌ بقدرة، حيٌّ بحياة، مريدٌ بإرادة، سميعٌ بسمع (2)، بصيرٌ ببصر (3)، متكلِّمٌ بكلام (4)، لا يُشبِه [في شيءٍ من ذلك](5) شيئاً من مخلوقاته، ولا يُشبَّه به شيءٌ من مخلوقاته.

ولا يَحدُّه سبحانه وتعالى حدٌّ (6)، ولا يُعرَّفُ إلا بتعريفه، ولا يُتصرف إلا

(1) قوله: (عالم بعلم

) فيه رد على المعتزلة الذين ينفون صفات الله تعالى، ويقولون: هو عالم بلا علم، فيثبتون الاسم دون الصفة، وذلك وفق مذهبهم في إثبات الأسماء، وإنكار ما تتضمنه من الصفات؛ بحيث يجعلونها أسماء مترادفة المعنى، أو يجعلونها أعلاماً محضة مجردة عن المعاني.

(2)

في (ظ) و (ن): (يسمع).

(3)

في (ظ) و (ن): (يُبصر).

(4)

إيراد المؤلف رحمه الله الصفات السبع في هذا الموضع لا يعني أنه يوافق الأشاعرة في الاكتفاء بإثبات هذه الصفات السبع، وإنما هو من باب التمثيل، والله أعلم. وكتابه هذا يوضح عقيدته ويبينها أتم الإيضاح والبيان، وخاصة في باب الأسماء والصفات، فهو مثبت لصفات الله العلي.

(5)

في (ص): (لا يشبه شيءٌ في ذلك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.

(6)

لفظ (الحدِّ) من الألفاظ المجملة من جنس لفظ الجهة والجسم والحيز، ومعلومٌ أن الألفاظ نوعان: لفظ ورد به دليل شرعي، فهذا يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف، ولفظ لم يردّ به دليل شرعي بالنفي أو الإثبات، وفي هذا النوع قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(فليس على أحد، بل ولا له أن يوافق أحداً على إثبات لفظ أو نفيه، حتّى يعرف مراده، فإن أراد حقاً قُبل، وإن أراد باطلاً رُدَّ، وإن اشتمل على حق وباطل لم يقبل مطلقاً، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويفسّر المعنى، كما تنازع الناس في الجهة والحيز وغير ذلك) التدمرية (ص 65 - 66). فمن قال بالحدِّ نفياً أو إثباتاً سئل عن مراده، فإن أراد بأن لله حدًّا، أي: أنه منفصل عن الخلق وبائن منهم فهذا حق، وإن أراد بنفي الحد أن الخلق لا يحيطون به علماً، ولا يعلمون له حداً، ولا يحيط به شيء من خلقه، ولا يحدون صفاته، ولا يكيفونها، فهذا أيضاً حق، وإن أراد بنفي الحدِّ أن الله لا يحيط بنفسه علماً، أو أن الله بذاته في كل مكان، فكلاهما باطل.

انظر: رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، بتحقيق محمّد =

ص: 108

بتصريفه، ولا يُكيِّفهُ سبحانه تكييف (1)، ولا يُمثِّله تمثيل (2).

= حامد الفقي (ص 23 - 24) وتحقيق د: رشيد الألمعي (1/ 223)، والأربعين في دلائل التوحيد للهروي (ص 57) وقد بسط القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 436 - 446)، ودرء التعارض (2/ 30)، وما بعدها، ولوامع الأنوار البهية (ص 200 - 205) حاشية رقم (1)، وتنبيه ذوي الألباب السليمة لابن سحمان (ص 40 - 49)، والكواكب الدرية لابن مانع (ص 101 - 107) حاشية رقم (1)، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1216 - 1219).

(1)

التكييف: وهو جعل الشيء على حقيقة معينة دون التقيد بمماثل، وذلك بتفسير كنه الشيء من صفات الله، كأن يقول: استوى على هيئة كذا، أو ينزل إلى السماء بصفة كذا. ونفي التكييف مأثور عن السلف، حيث اتفقوا على أن التكييف غير معلوم لنا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(وتأويل الصفات هو الحقيقة الّتي انفرد الله تعالى بعلمها، وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف كمالك وغيره: الاستواء معلوم والكيف مجهول)، مجموع الفتاوى:(1/ 36).

وانظر: مجموع الفتاوى (3/ 176)، ومعارج القبول (1/ 295).

(2)

التمثيل: هو إثبات حكم واحد في جزء لثبوته في جزء آخر لمعنى مشترك بينهما، والفقهاء يسمونه قياساً، والجزء الأول: فرعاً، والثاني: أصلاً، والمشترك: علة وجمعاً. وهو هنا جعل صفات الله تعالى مماثلة ومساوية لصفات خلقه، ومشابهة لها.

ولفظ التمثيل ورد نفيه في القرآن الكريم، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].

انظر: التعريفات للجرجاني (ص 91)، ومجموع الفتاوى (3/ 166) و (5/ 195)، ومعارج القبول (1/ 295).

أما الفرق بين التكييف والتمثيل فكما يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (بينهما عموم وخصوص مطلق؛ لأن كل ممثل مكيف، وليس كل مكيف ممثلاً؛ لأن التكييف ذكر كيفيته غير مقرونة بمماثل، مثل أن يقول لي: قَلَم كيفيته كذا وكذا، فإن قرنت بمماثل صارت تمثيلاً، مثل أن يقول: هذا القلم مثل هذا القلم؛ لأني ذكرت شيئاً مماثلاً لشيء أو عرفت هذا القلم بذكر مماثله).

انظر: شرح العقيدة الواسطية (1/ 102).

ص: 109

وأنَّه سبحانه استوى على العرشِ كما نطق به الكتاب العزيز في ستِّ (1) آياتٍ كريماتٍ بلا كيف، بل كيفَ شاءَ من غير مُمَاسَّةٍ (2) .....

(1) بل قد جاء ذكر استواء الله على عرشه في القرآن في سبع آيات، والمؤلف رحمه الله تابع الصابوني في ذلك، والآيات هي:

1 -

سورة الأعراف، الآية (54) قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .

2 -

سورة يونس، الآية (3)، قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} .

3 -

سورة الرعد، الآية (2)، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} .

4 -

سورة طه، الآية (5 - 6)، قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} .

5 -

سورة الفرقان، الآية (59)، قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} .

6 -

سورة السجدة، الآية (4)، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} .

7 -

سورة الحديد، الآية (4)، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .

(2)

سئل الشيخ محمّد بن إبراهيم رحمه الله عن قول: بلا مماسة، فأجاب:(هذا الأولى تركه، فإن ما نطق به الكتاب والسنة والقول بأنه على ما يليق أولى). فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمّد بن إبراهيم (1/ 210).

وانظر: بيان تلبيس الجهمية (552 - 556)، الكواكب الدرية لابن مانع (ص 93 - 98) حاشية رقم (1).

ص: 110

أو احتياجٍ (1) إلى العرش، مع تنزيهه سبحانه عن الجلوس أو القعود (2) أو غيرهما من صفات المُحدَثين.

(1) قوله: من غير احتياج، هذا حق، فالله هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو الغني غير محتاج لأحد، والكل محتاج إليه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(فمن قال: إنّه في استوائه على العرش محتاج إلى العرش كاحتياج المحمول إلى حامله فإنّه كافر؛ لأن الله غني عن العالمين، حيٌّ، قيوم، وهو الغني المطلق، وما سواه فقير إليه). مجموع الفتاوى (2/ 188).

(2)

ورد لفظ الجلوس والقعود في بعض الآثار، كما ورد عن كثير من السلف، بخلاف ما ذكره المؤلف رحمه الله وأشهر ما يعتمد عليه في إثبات هذه المسألة أثر عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وآخر عن مجاهد، وتفصيل القول فيهما على النحو الآتي:

أولاً - أثر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: حيث روى سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل (قال سفيان: حجل: مشى على رجل واحدة إعظاماً منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقبَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه، وقال له:"أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها، حدثني بعض عجائب الحبشة"، قال: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله: بينما أنا سائر في بعض طرقاتها، فإذا بعجوز على رأسها مكتل، فأقبل شاب يركض على فرس له، فزاحمها فألقاها بوجهها، وألقى المكتل عن رأسها، فاسترجعت قائمة، وأتبعته النظر وهي تقول له: الويل لك إذا جلس الملك على كرسيه، فاقتص للمظلوم من الظالم، قال جابر: فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن دموعه على لحيته كالجمان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا قدس الله أمة لا يأخذ المظلوم حقه من الظالم غير مُتَعْتِع" الحديث).

أخرجه عن جابر بمعناه: ابن ماجة في السنن في كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2/ 383) رقم (4059) ولكن بلفظ:(سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي .....).

وأخرجه أبو يعلى في المسند (4/ 7 - 8)، والخطيب في تاريخه (7/ 396) مختصراً من غير ذكر لفظ الجلوس، والذهبي في العلو بلفظ ابن ماجة في المختصر (ص 106).

وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 297 - 299) رقم (860)، والدارمي =

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بنحوه في الرد على المريسي (ص 73)، وابن أبي عاصم في السنة (ص 257) رقم (582).

والحديث كذلك له شاهد من حديث علي رضي الله عنه بلفظ مختصر كما في المسند للإمام أحمد (1/ 108)، وله شاهد من حديث خولة وأبي سفيان بن الحارث كما في المستدرك (3/ 256).

وللفظ الجلوس شاهد موقوف عن أسماء بنت عميس عن جعفر بن أبي طالب، وذكر القصة، وهي عند الدارمي في الرد على المريسي (ص 73).

والحديث بغير لفظة الجلوس صححه الألباني في مختصر العلو (ص 106)، وقال الذهبي:(إسناده صالح)، ولعل الحديث بشواهده يرتقي إلى درجة الحسن، والله أعلم.

ثانياً - أثر مجاهد في تفسيره للمقام المحمود:

حيث أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 145) قال: (حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه معه على عرشه).

وأخرجه الخلال من طرق كثيرة في السنة (ص 209 - 265) ومدارها على ليث بن أبي سليم، وأورده الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 252) وعزاه إلى عبد بن حميد، وعزاه الذهبي في مختصر العلو (ص 256) إلى الطبراني في السنة، وأشار الطبري في تفسيره (15/ 147) إلى تصحيحه للخبر.

وقد صححه شيخ الإسلام، فقال في درء التعارض (5/ 237):(رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يرونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول).

ونقل الخلال تصحيح الإمام أحمد، والقاسم بن سلام، وأبي داود صاحب السنن، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم كثير لهذا الأثر كما في السنة للخلال (ص 246) رقم (283)، و (ص 258) رقم (311)، وهذا الأثر مما تلقته الأمة بالقبول، وأجمع عليه أهل السنة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام وغيره.

وللاستزادة انظر: نقض التأسيس (1/ 435)، والتدمرية (ص 82)، وشرح حديث النزول (ص 400)، ونقض الدارمي على بشر المريسي (1/ 419). والكافية الشافية لابن القيم رحمه الله تحقيق ناصر الحنيني، وهي رسالة ماجستير في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين (ص 368 - 376).

ص: 112

وأنَّه سبحانه وتعالى ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدنيا (1)، وكذلك يوم عرفة (2)(3)، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة المرويات عن جماعة من

(1) كما في الحديث الذي رواه البخاري في كتاب التهجد (1/ 347)، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل برقم (1145).

ورواه مسلم (1/ 521) في كتاب صلاة المسافرين، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، بالأرقام:(168 إلى 172)، كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " واللفظ للبخاري، وقد رواه غيرهما، وهو من الأحاديث المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول. وقد ألف الدارقطني رحمه الله كتاب النزول وذكر فيه روايات هذا الحديث، ولابن تيمية رحمه الله سفر عظيم، وهو: شرح حديث النزول، جواب عن سؤال ورد اليه.

(2)

كما في الحديث الذي رواه البغوي في شرح السنة (7/ 159) رقم (1931) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذ كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً، غبراً، ضاحين، من كل فج عميق

" الحديث، ورواه ابن منده في التوحيد برقم (885)، وأبو يعلى في المسند برقم (2090)، وابن خزيمة في صحيحه برقم (2840) ورجاله ثقات وإسناده قوي، وابن حبان في صحيحه برقم (3853)، والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 114)، والبزار في مسنده برقم (1128). ورواه مسلم بلفظ الدنو في صحيحه (2/ 982) في كتاب الحج، باب كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1348)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ".

(3)

نزول الله يوم عرفة هل هو دنو أو نزول أو تجلٍّ؟.

الصحيح من مذهب أهل السنة والجماعة أنه يشمل هذه المعاني كلها، فهو قرب الرب حقيقة من عباده، ونزوله لهم حقيقة، ولا يلزم منه حلول ولا اتحاد واختلاط بالمخلوقين كما زعم غلاة المتصوفة، وهو من الصفات الفعلية التي يجب إثباتها لورود النصوص بذلك. وعند أهل الكلام والفلسفة أنه قرب غير حقيقي بل ظهور =

ص: 113

الصحابة والصحابيات، وأنَّ ذلك كيف شاءَ لا كما نفهمُه (1) من مواجيد ذواتنا، وأنَّه كلما خطر بالبال أو تُصوَّر في الذهن فالله تعالى بخلافه (2).

وقد نفى بعضهم النزولَ، وضعَّف الأحاديثَ، أو تأوَّلَها خوفاً من التحيُّز (3)،

= وتجلٍّ.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث النزول (ص 377): (وأما قرب الرب قرباً يقوم بفعله القائم بنفسه: فهذا تنفيه الكلابية ومن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته، وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك، وكذلك كثير من أهل الكلام.

فنزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا ونزوله عشية عرفة، ونحو ذلك: هو من هذا الباب).

ويقول أيضاً في مجموع الفتاوى (6/ 8): هذا القرب عند المتفلسفة والجهمية هو مجرد ظهوره، وتجليه لقلب العبد فهو قرب المثال .... - إلى أن قال - وأما أهل السنة فعندهم مع التجلي والظهور تقرب ذات العبد إلى ذات الرب، وفي جواز دنو ذات الله القولان .... - إلى أن قال - وعلى مذهب النفاة من المتكلمة لا يكون إتيان الرب ومجيئه ونزوله إلا تجليه وظهوره لعبده. بتصرف واختصار، وانظر مجموع الفتاوى (5/ 466 - 467).

(1)

في (ظ) و (ن): (نفهم).

(2)

انظر: التدمرية (ص 43).

(3)

التحيز: من الحيز، وهو الفراغ مطلقاً، وقيل: هو المكان. وهذا اللفظ يستعمله المعطلة - نفاة الصفات - في نفي الصفات وخاصة صفة العلو. ويقال لهم: لا ينبغي إطلاق نفي الحيز عن الله تعالى؛ لأن لفظ الحيز من الألفاظ المجملة التي يراد بها معان متعددة، ولا تُثبت أو تُنفى عن الله تعالى إلا بعد الاستفصال عن مراد قائلها بها، فإن أراد بها معنى موافقاً للكتاب والسنة قبل منه المعنى دون اللفظ، وإن كان مخالفاً ردَّ اللفظ والمعنى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ التحيز إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر، بل قد وسع كرسيه السموات والأرض .... ، وإن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات، أي: مباين لها، منفصل عنها، ليس حالاً فيها، فهو سبحانه =

ص: 114

أو الحركةِ والانتقال (1) الملازمين للأجسام والمُحدَثين، والمحققون

= كما قال أئمة أهل السنة: فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه) مجموع الفتاوى (3/ 42).

وانظر: مجموع الفتاوى (17/ 343 - 347)، وبيان تلبيس الجهمية (1/ 100) ودرء التعارض (4/ 80)، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 298).

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (5/ 565 - 566): (لفظ "الحركة" هل يوصف الله بها أم يجب نفيه عنه؟ اختلف فيه المسلمون، وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل من أهل الحديث وأهل الكلام، وأهل الفلسفة وغيرهم على ثلاثة أقوال، وهذه الثّلاثة موجودة في أصحاب الأئمة الأربعة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، وقد ذكر القاضي أبو يعلى الأقوال الثّلاثة عن أصحاب الإمام أحمد في (الروايتين والوجهين) وغير ذلك من الكتب). وخلاصة ما ذكره ابن تيمية رحمه الله من مذهب أئمة السلف في إطلاق لفظ الحركة والانتقال - مع اتفاق الجميع على إثبات المعنى؛ الذي دلت عليه هذه النصوص - أنهم على ثلاثة أقوال:

- منهم من يصرح بلفظ الحركة. وممن نقل مذهب الأئمة المتقدمين والمتأخرين حرب الكرماني، والدارمي، وذكر حرب أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور.

- وطائفة أخرى من أئمة السلف كنعيم بن حماد، والبخاري، وأبي بكر ابن خزيمة، وابن عبد البر، وغيرهم، يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلاً، ولكن من هؤلاء من يمنع إطلاق لفظ الحركة لكونه لم يؤثر.

وقد رجح شيخ الإسلام أن المأثور عن الإمام أحمد عدم إطلاقه أو نفيه، وذلك لكونه لفظاً مجملاً، فإنّه لما سمع شخصاً يروي حديث النزول، ويقول: ينزل بغير حركة ولا انتقال، ولا بغير حال، أنكر أحمد ذلك، وقال: قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كان أغير على ربه منك.

والراجح في مثل هذه الألفاظ ما قاله ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (16/ 423 - 424) بعد ذكره لأقوال السلف في هذه المسألة: (والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص، فيثبت ما أثبت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه. وهو أن يثبت النزول، والإتيان، والمجيء؛ وينفي المثل، والسمي، والكفؤ، والند). =

ص: 115

أثبتوها، وأوجبوا الإيمان بها كما يشاء، وقد ذكر البخاريُّ في صحيحه رواية:"أنَّ الله يتنزَّل"(1)، وقال (2) بعضهم: والتنزُّل غير النزول. والله سبحانه وتعالى عالٍ في الدنوِّ دانٍ في العلوِّ.

وجميع الآيات والأحاديث الثابتاتِ من المجيء، والنزول، وإثبات الوجه، وغيرِ ذلك من الصفات أوجب العلماء الإيمانَ بها، وعدمَ الفكر فيها أو تصورِها (3)، ومن تكلم فيها منهم تكلم بتأويلها (4) على ما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى، مع اعتقاد نفي جميع صفات المخلوقين.

وقد رُوِّينا في حديثٍ مرفوعٍ حسنٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "تفكَّروا في آلاء الله، ولا تتفكروا (5) في ذات الله"(6). والكتاب العزيز ناطقٌ

= انظر: شرح حديث النزول (ص 457، 445، 210)، ودرء التعارض (2/ 7 - 8)، والاستقامة (1/ 72 - 73)، ونقض الدارمي (1/ 215).

(1)

أخرجه البخاريّ في الدعوات، باب الدُّعاء نصف اللّيل (11/ 128 - 129) رقم (632) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يتنَزَّل رَبَّنَا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ".

(2)

في (ظ) و (ن): (قال) بدون واو.

(3)

المؤلف رحمه الله يقصد بعدم الفكر في الصفات أو تصورها، هو البحث في كيفية الصفات؛ لأن الإنسان مهما بلغ فإنه لا يستطيع إدراك كنه الصفات، أو الإحاطة بها، أو تصورها، وحظ العبد الإيمان بها، وبما دلت عليه من المعاني، وتفويض الكيفية إلى الله سبحانه وتعالى.

(4)

المؤلِّف رحمه الله لا يقصد بقوله: (بتأويلها) المعنى الباطل للتأويل؛ الذي هو صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح؛ وإنما التأويل بمعنى التفسير؛ ويتضح هذا من خلال منهجه في إثبات الأسماء والصفات، مع نفي التأويل والتمثيل والتعطيل والتكييف في مواضع عدة من كتابه هذا، وسيأتي قريباً - إن شاء الله - تعريف التأويل في (ص 155).

(5)

في (ظ) و (ن): (ولا تفكروا).

(6)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 250) رقم (6319)، واللالكائي في شرح أصول =

ص: 116

[بالتحضيض](1) على التفكُّر في خلقِ السموات والأرض والنظر في آياتهما (2)، ويجب الإيمان بما عدا ذلك، والتسليمُ له، وتفويض (3)

= اعتقاد أهل السنة (3/ 525) رقم (927)، والبيهقي في الشعب (1/ 136) رقم (120)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 390) رقم (671) من حديث ابن عمر بلفظه. قال البيهقي:(هذا إسناد فيه نظر).

وأخرجه أيضاً الهيثمي في المجمع (1/ 81)، وابن عدي في الكامل (7/ 2556)، والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 371).

وقد روي مثل هذا عن أبي هريرة، وعبد الله بن سلام، وغيرهما كما في السلسلة الصحيحة (4/ 395 - 396) رقم (1788)، ولذا قال الألباني في الصحيحة (4/ 397):(وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي، والله أعلم).

(1)

في (ص): (بالتخصيص)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.

(2)

كما جاء في كتاب الله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191]، والآيات حول هذا الأمر كثيرة.

(3)

التفويض: هو رد العلم بنصوص الصفات والمعاد إلى الله: إمّا معنى وكيفية، أو كيفية فقط.

والتفويض المبتدع هو تفويض المعاني والكيفيات معاً، وهو مذهب أهل التجهيل، وحقيقته الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها. أما تفويض الكيفية دون المعنى فهو مذهب السلف؛ إذ التفويض الصّحيح إنّما يكون لكيفية الصفة؛ إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما لا نعقل كيفية الذات، فإننا أيضاً لا نعقل كيفية الصفات. فالسلف أعلم الأمة بنصوص الصفات لفظاً ومعنى في إثبات معانيها اللائقة بالله تعالى، على حسب مراد الله ورسوله؛ إذ يؤمنون بأن معانيها معلومة، ويفوضون علم الكيفية لا علم المعاني.

أما أهل التفويض المبتدع فيقول عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: (فتبين أن قول أهل التفويض - الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف - من شر أقوال أهل البدع والإلحاد)، درء التعارض (1/ 205).

والمصنف رحمه الله أراد بالتفويض هنا تفويض العلم بالكيفية لا المعنى؛ بدلالة ما بعده =

ص: 117

العلم الذاتيِّ إلى الله تعالى، وأمَّا العلمُ بالوجودِ والقدرةِ والتنزيه والتبرِّي من الحولِ والقوةِ إلا به سبحانه وتعالى، فهو المطلوب الذي وقع التكليف به.

وأمَّا التصورُ والإدراكُ والإحاطةُ (1) فذلك خاصٌّ بِه سبحانه وتعالى، وحظُّ العالمِ العلويِّ والسفليِّ الإيمانُ بوجوده لا تصوُّرَ ذاتِه وشهودُه لا سبيلَ لنبيٍّ مرسلٍ ولا ملَكٍ مقرَّبٍ إلى الاطِّلاعِ على ذلك، ولا الإحاطةِ بشيءٍ منه، فالعجزُ عن الإدراكِ (2) إدراكٌ (3).

وقوة الإيمان حاملةٌ على اليقين، واليقين قد يصير في قوته والتمسكِ به ككشفِ الغطاءِ (4)؛ ولهذا قال عليٌّ رضي الله عنه: (لو كُشفَ الغطاءُ

= من إثبات العلم بها، ونفي التصور والإدارك والإحاطة عنها.

وانظر: مجموع الفتاوى (3/ 66)، (4/ 67)، والصواعق المرسلة (2/ 422)، وشرح العقيدة السفارينية لابن مانع (ص 44)، ومذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد القاضي (ص 152 - 158).

(1)

يقصد المؤلف رحمه الله بالتصور هنا معرفة الكيفية لا معرفة المعنى، بدليل أنه قرنها بالإدراك والأحاطة، والله أعلم.

وأما الإدراك فالله سبحانه قد قال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103].

وأما الإحاطة فقال الله سبحانه وتعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].

(2)

في (ظ) و (ن): (عدم الإدراك).

(3)

والمعنى: أن العجز عن إدراك حقيقة ذات الله وأسمائه وصفاته - أي: كيفية ذلك - هو إدراك في حقيقة الأمر.

(4)

اليقين: هو طمانينة القلب واستقرار العلم فيه، وهو من علم وعمل القلب؛ كما بينه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/ 329 - 330) بقوله: (اليقين ينتظم منه أمران: علم القلب، وعمل القلب. فإن العبد قد يعلم علماً جازماً بأمر، ومع هذا فيكون في قلبه حركة واختلاج من العمل الذي يقتضيه ذلك العلم، كعلم العبد أن الله رب كل شيء =

ص: 118

ما ازددتُ يقيناً) (1)، وبهذا المعنى امتاز الصدِّيق رضي الله عنه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم على سائر الأمة، حتىّ كان أحدهم يجعل المُخبَرَ عنه (2) في المستقبل وجودياً في الحال، كإخباره صلى الله عليه وسلم عن الخاتم الذهب أنَّه جمرةٌ من نارٍ، فألقاهُ من يده وذهب، فقيل له: خذ خاتمك انتفع به، فقال: والله، لا آخذه (3). وما ذاك إلا أنَّ (4) المُغيَّبَ عنه صار يقيناً عنده (5)، فبالأثر يُستدلُّ على المؤثِّرِ، فإذا تمكَّن معرفةُ المؤثِّرِ، وهو الله

= ومليكه، ولا خالق غيره، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فهذا قد تصحبه الطمأنينة إلى الله، والتوكل عليه، وقد لا يصحبه العمل بذلك، إمّا لغفلة القلب عن هذا العلم، والغفلة هي ضد العلم التام وإن لم يكن ضداً لأصل العلم، وإما للخواطر التي تسنح في القلب من الالتفات إلى الأسباب، وإما لغير ذلك).

واليقين أحوال ودرجات، ومن درجاته ما عبر عنه المؤلف رحمه الله بقوله:(واليقين قد يصير في قوته والتمسك به ككشف الغطاء) أي: يصير المخبر به لقلوبهم كالمرئي لعيونهم، فنسبة الإيمان بالغيب حينئذ إلى القلب: كنسبة المرئي إلى العين، وهذه الدرجة سماها ابن القيم رحمه الله: يقين المكاشفة.

انظر: مدارج السالكين (2/ 397 - 400).

(1)

لم أقف عليه فيما بحثت فيه. وقد قال ابن القيم في مدارج السالكين (2/ 400): (وليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من قول عليّ

)، وذكر أنه لعامر بن عبد قيس، وعزاه في موضع آخر (ص 398) إلى بعض السلف.

(2)

في (ظ) و (ن): المخبر عنه بشيء وليست في (ص).

(3)

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال (3/ 1655) رقم (2090) من حديث ابن عبّاس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال:"يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"، فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله! لا آخذه أبداً، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

في (ظ) و (ن): (إِلَّا لأنَّ).

(5)

استدلال المؤلف رحمه الله بهذه الأحاديث على أن المغيبات تصير يقيناً بعيدٌ إلى حد ما، فالرجل استجاب وامتثل لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم، ورفض الانتفاع به، وعلل عدم أخذه بأن =

ص: 119

- سبحانه وتعالى، اُستُدِلَّ به على جميع الموجودات، وصار سبحانه وتعالى عند العبد دليلَها، وهاديها، ومعطيها، ومانعَها، ومعلمَها، ومفهمَها، بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلهامِه سبحانه العبدَ على وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فإن خرج العبد عن هذا الطور هلك، وخُذِلَ - فنعوذ با لله من الخذلان، والهلاك، والحرمان -.

فإذا كان حالهم رضي الله عنهم في الشيء التافه هذا الحالَ، وعاملوه بمعاملة (1) عين اليقين بإخباره صلى الله عليه وسلم، فما ظنُّك بهم، فالحقُّ شهدته قلوبُهم، واطمأنت إليه أبشارُهم (2)، وسكنت إليه جوارحهم.

لقد ظَهرْتَ فلا تخفى على أحدٍ

إلا على أَكْمَهٍ (3) لا يعرفُ القمرا (4)

= الرسول صلى الله عليه وسلم طرحه، فكيف يأخذه؟، فهذا المثال استدلالاً إلى الاستجابة والامتثال والسمع والطاعة أقرب منه إلى اليقين.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (14/ 65) معلقاً على هذا الحديث بقوله: (وأما قول صاحب هذا الخاتم حين قالوا له خذه: لا آخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه، وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة).

(1)

في (ظ) و (ن): (معاملة).

(2)

أبشارهم: من بشرت الرَّجل أبشُرُه إذا أفرحته، وبشِر يبشِر إذا فرح، وأبشر الرجل: فرح. وأصل هذا كله أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور، ومن هذا قولهم: فلان يلقاني ببشر، أي: بوجه منبسط. والأبشار: هو ظاهر جلد الإنسان.

انظر: لسان العرب (4/ 62)، والقاموس المحيط (1/ 372 - 373).

(3)

الأكمه: هو الذي يولد أعمى، وفي التنزيل العزيز:{وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ} ، وأصله من الكمه، وهو العمى الذي يولد به الإنسان. وكَمِهَ بصره بالكسر كمهاً، وهو أكمه؛ إذا اعترته ظلمة تطمس عليه. وقيل: الأكمه: الذي يبصر بالنهار ولا يبصر باللّيل. وقيل: هو الأعمى الذي لا يبصر فيتحير، ويتردد.

انظر: لسان العرب (13/ 536 - 537)، والقاموس المحيط (4/ 291 - 292).

(4)

القائل: ذو الرمة، وهو في ديوانه (ص 1163)، والبيت من بحر البسيط التام، المخبون عروضه وضربه، ووزنه:

مفعلن فَعِلن مستفعلن فَعِلن

مستفعلن فاعلن مستفعلن فَعِلن

ص: 120