المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخطبةُ الثانية: الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، حَكَم في مُحكَم تنزيله بأخوّة - شعاع من المحراب - جـ ٩

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء التاسع

- ‌مظاهر وملاحظات في الإجازة الصيفية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الإسلام والمسلمون في مقدونيا

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الغلام الأمريكي المسلم والميلاد الجديد

- ‌الخطبةُ الأُولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌كنتُ في البلقان(1)المسلمون في ألبانيا

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌كُنتُ في البلقان(2)المسلمون في البوسنة والهرسك

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌لغة القوة ماذا تعني وماذا تنتج

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌أيسر العبادات وأزكاها

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌من معالم القرآن وقصصه

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌تداعي الأمم «انصر أخاك»

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الرمادةُ بين الماضي والحاضر

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌مفهومُ النصر وتوظيفُ الحدث

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الشدائد محن ومنح ومحاذير ومبشرات

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌المسلمون بين فكَّيِ الكمّاشة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مشاريع رمضانية

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌حالُنا وأسلافُنا مع القرآن

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌معالم ووقفات في الأزمة المعاصرة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الجنائز والقبور مشاهد صامتة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌فقه الجنائز

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌معالم ووقفات في نهاية العام وعلى أثر الحج

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌الوصايا والوقف الناجز

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌على هامش الحدث (مقارنات ومفارقات)

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌النفاق والمنافقون

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌مَن يخرق السفينة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌على أسوار القسطنطينية

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌الإجازة بينَ فئتينِملاحظاتٌ ومقترحاتٌ

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌من مشاهد القيامة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌الدين والتدين عشر معالم

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

الفصل: ‌ ‌الخطبةُ الثانية: الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، حَكَم في مُحكَم تنزيله بأخوّة

‌الخطبةُ الثانية:

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، حَكَم في مُحكَم تنزيله بأخوّة المؤمنين مهما تباعدتْ ديارُهم أو اختلفتْ ألسنتُهم وألوانُهم فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (1)، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أمرَ بالولاءِ للمؤمنين وحذَّرَ من الفتنةِ والفسادِ إذا لم يُفعَل هذا الولاءُ والبراءةُ من الكافرين ولو كانوا أقربَ قريبٍ، فقال:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (2).

وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أخبرَ عن ترابُطِ المؤمنين بقوله: «المؤمنونَ كرجلٍ واحدٍ إن اشتكَى رأسُه اشتكَى كلُّه، وإن اشتكَى عينُه اشتكى كلُّه» رواه أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير (3).

اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياء والمرسلين.

إخوةَ الإيمان: ولعلَّ أحدَكم يسألُ ويقول: وكيف انتهتِ الحربُ في البوسنة والهرسك، وماذا عن اتفاقيةِ (دايتن) وما الدَّورُ المطلوبُ من المسلمين، وما الفرقُ بين وجودِ المؤسَّساتِ التنصيريةِ والمؤسساتِ الإسلاميةِ في البوسنةِ والهرسك بعد نهايةِ الحربِ إلى هذا اليوم؟ وللإجابةِ أقولُ: من المعلومِ أنَّ المسلمين في أُخرَياتِ أيامِ الحرب بدؤوا يتقدَّمون وتَسقُط بأيديهم المدينةُ تِلوَ الأخرى .. وكلما تقدموا تأخَّرَ النصارى .. ولكنَّ هذا الوضعَ أقلقَ الدولَ

(1) سورة الحجرات، الآية:1.

(2)

سورة المجادلة، الآية:22.

(3)

صحيح الجامع ح 6544.

ص: 44

النصرانيةَ الكبرى، فبدأ التدخلُ سافرًا، بل بدأ الضغطُ على حكومةِ البوسنة بقُوَّة لإيقافِ الحربِ وإبرامِ وثيقةِ صلحٍ، وما كان للمجاهدينَ رغبةٌ في إيقافِ الحربِ .. ولكن أمامَ ضغطِ الحكومة والتي بدورِها واجهتْ ضغوطًا من الغربِ وفي مقدمتِه أمريكا، امتثلوا للأمرِ الواقع، وفوَّتوا على الغربِ خُطةً خبيثةً ماكرةً بإشعالِ الفتنةِ بين المسلمين حين يوافق بعضُهم على إيقافِ الحرب ويرفضُ آخرون إيقافَها.

وبعدَ إيقافِ الحرب أشرفَ الغربُ كلُّه وفي طليعتِه أمريكا على اتفاقيةِ (دايتن) في فرنسا، والتي جاءتْ بنودُها وشروطُها مُجحِفةً بحقِّ المسلمين ومائلةً كلَّ الميلِ مع النصارى .. وهل يُتوقَّعُ من الأعداءِ غيرُ هذا؟ ومهما تبجَّحَ الغربُ برعايةِ السلام والعدلِ فذاك النفاقُ الذي سوَّد وجوهَ القوم .. ولكنهم حين يُجحِفون بحقِّ شعوبٍ أوروبية لكنها مسلمةٌ .. فذاك الذي يؤكِّد تزعُّمَهم لحربِ العقائد ويبعثُ في النفوس حميَّةَ الولاءِ للعقيدة لا للعِرقِ والجنسية!

أجلْ لقد جاءتِ اتفاقيةُ (دايتن) لتضمنَ دولةً للصِّرب في البوسنة، أما المسلمون فبلا دولةٍ، بل يُحكَمون هم والكروات حكمًا فِدْراليًا، ويتولَّى الحكمَ بالتناوب مندوبٌ من الغرب.

ليس ذلك فحسبُ، بل هذه الاتفاقيةُ الظالمة استهدفتْ ضربَ المؤسسةِ العسكريةِ للجيش البُوسني، وبدلَ أن يكون في الجيشِ مائتا ألفِ جنديٍّ مسلم متحمِّسٍ للقضاءِ على آخر صِربيٍّ في البلاد، قلَّصتْ الاتفاقيةُ هذا العددَ إلى ثلاثين ألفَ جنديٍّ فقط .. وهؤلاء كذلك منزوعو السلاحِ؟ !

واستهدفت الاتفاقيةُ الظالمةُ - فيما استهدفتْ - كتائبَ المجاهدين والذين أسمَتْهم الاتفاقيةُ (بالمقاتلين الأجانب) واشترطتْ حلَّ الكتيبة - وإن كان معظم أفرادها من الشبابِ البوسنيِّ، فالمجاهدون مهما كان نوعُهم وعددُهم يُرهِبون

ص: 45

القوى الكبرى، ولذا يسعَوْن لمحاصرتِهم والتضييقِ عليهم.

عبادَ الله: وكلمةُ حقٍّ تقال لهؤلاءِ المجاهدين - سواءٌ من داخلِ البوسنة أو خارجِها- إنهم بحقٍّ صمَامُ أمان، وصيحةُ الحقِّ والانتصارِ للمظلوم والغضبِ لله، ونداءُ تكبيرِهم دوَّت له الجبالُ .. باعوا أنفُسَهم لله، وحملوا أرواحَهم على أكُفِّهم جهادًا في سبيل الله ورغبةً في الشهادة. وكم تشهدُ أرضُ البوسنة أو سواها من مواقعِ الجهاد على شجاعتِهم وبَذْلِهم، وحُقَّ للجبال أن تبكيَ لوداعهم، وحين تُحدِّث الأرضُ أخبارهَا فستشهدُ على صلاتِهم بالليل والناسُ نِيَام، وبكائِهم من خَشْيةِ الله في الأسحار، وعلى طول سهرِهم مرابطينَ في سبيل الله، في وقتٍ كان فيه فِئامٌ من المسلمين يغطُّون في نومٍ عميق .. كذلك نحسبُهم والله حسبُنا وإياهم -اللهم اقبَلْ شهداءَهم، وثبِّتْ على الحقِّ أحياءَهم، واهدِهم صراطَك المستقيم.

إخوةَ الإسلام في كلِّ مكان: أَتدرونَ ماذا يحتاجُه إخوانُكم المسلمون في البوسنة والهرسك منكم في ظروفِهم الحاضرة؟

1 -

إنهم محتاجون ألَّا تنسَوْا قضيتَهم في وقتٍ كثَّفَ النصارى وجودَهم وجهودَهم، نعم إنَّ من أخطائنا أننا نتعاطفُ مع إخواننا في وقتِ ذُروةِ الأَزْمة، ثم فجأةً ننسحبُ وننساهم وقضيتَهم، على حينِ تتركَّزُ جهودُ النصارى في وقتٍ يغيبُ فيه المسلمون فيُفسِدون ويهدِمون ما بناه المسلمون .. فهل يليقُ الانسحابُ حين تُقطَفُ الثمار .. ليس ذلك في البوسنة فقط، بل وفي كثيرٍ من مواقعِ الجهاد التي دعمناها .. ثم بسرعةٍ وفجأةً نسيناها، ولعلَّ مما يُثير دهشتَكم وحماسَكم أن تعلموا أن بأرض البوسنة والهرسك اليومَ أَكثرَ من ثلاثمائة مؤسسةٍ تنصيريةٍ حسبَ تقرير المجلس التنسيقي للمؤسساتِ غيرِ الحكوميةِ في البوسنة، وكما يعترفُ بذلك البوسنيون .. إنَّ من حقِّ البوسنيين أن يتحسَّروا على انسحابِ

ص: 46

المؤسسات الإسلامية بعد الحربِ، ونحن معهم نتحسَّرُ على هذا الإخلاءِ في وقتٍ تكاثرَ فيه الدخلاءُ والنصارى.

ولقد كانت تجربتُكم في ربطِ الدعوةِ مع الجهاد -في أرض البوسنة- تجربةً رائدة .. آتَتْ أُكُلَها في حينِها، ولا تزالُ أرضُ البوسنة تتروَّى من مَعِينها، والأملُ -بعدَ الله- كبيرٌ في شبابِ البوسنة الذين تربَّوْا في محاضنِ الجهاد .. واستفادوا من دعوةِ المجاهدين.

2 -

ولا تزال الحاجةُ قائمةً لبناءِ المساجد أو إكمالِ ما بُدئ به ولم يُكمَل، وقد رأيتُ ما بُدئ به ولم يُنجَزْ، علمًا بأن هذه المساجدَ على مستوى القريةِ والمدنِ هي الوحيدةُ.

3 -

والدعاةُ إلى اللهِ من البوسنيين أو غيرِهم يحتاجونَ إلى دعمٍ ماديٍّ يسدُّ حاجتَهم ويُفرِّغهم للدعوة بين أهلِيهم وبني قومِهم، كما يحتاجون إلى الدعمِ المعنويِّ وهو أهمُّ، وذلك بزيارةِ المشايخ والدُّعاةِ وطلبةِ العلم لهم، وإقامةِ الدورات الشرعيةِ والبرامجِ النافعة، والدروسِ والمحاضراتِ العامَّة لهم ولعمومِ المسلمين هناك، وكلُّ ذلك يُسهِم في تثبيتِهم -بإذن الله- أمامَ المدّ النصرانيِّ والصليبيِّ وموجاتِ العَلْمنة والتغريب .. وإذا كان حاكمُ الصِّرب المجرمِ وُكِّلَت إليه مهمةُ التصفية الجسدية لمسلمي البوسنة والهرسك -وقد اعترفَ العالَمُ الغربيُّ بأن حاكمَ الصرب مجرمُ حربٍ- فحاكمُ الكروات النصرانيُّ وُكِّل إليه أَوْربةُ البوسنيين (يعني جعلَ البوسنة أُوروبية الطابع والشخصية) فقد صرَّح الرئيس الكرواتي بأن الغربَ كلّفه بهذه المسؤولية .. فهل يهبُّ المسلمون لنجدةِ وحمايةِ إخوانهم من كيدِ النصارى.

4 -

وهناك عددٌ من اليتامى والأيامى والأراملِ والمعاقين من المسلمين خلَّفتها آثارُ الحرب، وهؤلاء إن لم يسبقِ المسلمون لمساعدتِهم وإيوائِهم وسدِّ

ص: 47

حاجتهم فستخطفُهم المؤسساتُ التنصيرية وستقدِّمُ لهم الطعامَ والكساءَ والتعليم بيدٍ وبالأخر تقدِّمُ لهم الإنجيلَ المحرَّفَ وتسلخُهم من إسلامِهم الحق، أو يقعون فريسةً للفسادِ الشيوعيِّ والانحلالِ الخُلُقي ويصبحون عالةً على المسلمين فيما بعدُ.

5 -

وحين تُعنَى المؤسساتُ الكافرةُ هناك بالإعلامِ وتركِّز على التعليم، فهل يُولِي المسلمون هذه الجوانبَ المهمة عنايتَهم بفَتْحِ المدارسِ واستقدامِ طلاب المِنَح، والعنايةِ بالجوانب الإعلامية بكافة صُورِها وقنواتِها لصالحِ المسلمين في البوسنة وقضيتِهم المشروعة؟

6 -

وأخيرًا فإنني أهمسُ في أذنِ عددٍ من التجارِ والسيّاحِ أن يتجهوا بتجارتِهم وسياحتِهم إلى بلادِ المسلمين هنا وسيجدونَ فيها من جمالِ الطبيعة وحسنِ الأجواء ما يدعوهم للسياحةِ، وستكون فرصةً لاطِّلاعهم على أحوال إخوانِهم المسلمين ودعمِهم، فليس مَنْ رأَى كمن سمعَ، بدل أن يتجهوا لسياحتِهم وتجارتِهم واستثماراتِهم إلى بلادِ الكفر والعهرِ، فتذهبُ أموالُنا إلى صناديقِ أعدائنا، فندعمُهم من حيثُ لا نشعر -وهم ليسوا بحاجةٍ إلى دعمِنا- وننسى دعمَ إخواننا وهم في أشدِّ الحاجةِ لدعمنا.

تِلكُم معاشرَ المسلمين خلاصةُ رؤىً ومشاهدَ ومشاعرَ عشتُها مع إخوانِنا في ألبانيا والبوسنة والهرسك .. رأيتُ أن أُشرِكَكم فيها، وأن أحمِّلَكم مع نفسي مسؤوليةَ الدعمِ والمناصرةِ لهؤلاء المسلمين.

اللهم انصرْ دينَك وعبادَك الصالحين، اللهم اكفِنا شرورَ الأعداء. اللهم هل بلَّغتُ.

ص: 48