المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌على هامش الحدث (مقارنات ومفارقات) (1) ‌ ‌الخطبةُ الأولى: إن الحمدُ للهِ نحمدُه - شعاع من المحراب - جـ ٩

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء التاسع

- ‌مظاهر وملاحظات في الإجازة الصيفية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الإسلام والمسلمون في مقدونيا

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الغلام الأمريكي المسلم والميلاد الجديد

- ‌الخطبةُ الأُولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌كنتُ في البلقان(1)المسلمون في ألبانيا

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌كُنتُ في البلقان(2)المسلمون في البوسنة والهرسك

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌لغة القوة ماذا تعني وماذا تنتج

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌أيسر العبادات وأزكاها

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌من معالم القرآن وقصصه

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌تداعي الأمم «انصر أخاك»

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الرمادةُ بين الماضي والحاضر

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌مفهومُ النصر وتوظيفُ الحدث

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الشدائد محن ومنح ومحاذير ومبشرات

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌المسلمون بين فكَّيِ الكمّاشة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مشاريع رمضانية

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌حالُنا وأسلافُنا مع القرآن

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌معالم ووقفات في الأزمة المعاصرة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌الجنائز والقبور مشاهد صامتة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌فقه الجنائز

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌معالم ووقفات في نهاية العام وعلى أثر الحج

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌الوصايا والوقف الناجز

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانية:

- ‌على هامش الحدث (مقارنات ومفارقات)

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌النفاق والمنافقون

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌مَن يخرق السفينة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌على أسوار القسطنطينية

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌الإجازة بينَ فئتينِملاحظاتٌ ومقترحاتٌ

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌من مشاهد القيامة

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

- ‌الدين والتدين عشر معالم

- ‌الخطبةُ الأولى:

- ‌الخطبةُ الثانيةُ:

الفصل: ‌ ‌على هامش الحدث (مقارنات ومفارقات) (1) ‌ ‌الخطبةُ الأولى: إن الحمدُ للهِ نحمدُه

‌على هامش الحدث (مقارنات ومفارقات)

(1)

‌الخطبةُ الأولى:

إن الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.

إخوةَ الإسلام: وعلى هامشِ أحداثِ الدَّمْج الأخير، دَعُونا نقفْ على مقارناتٍ مُعِّبرة، ومفارقاتٍ غريبةٍ، فالشيءُ بضدِّه يُعرَفُ، والحقُ يَكشفُ الباطلَ ويُزهِقُه.

أولًا: المرأةُ بين قَتْلينِ:

نعم لقد قَتَلت الجاهليةُ الأولى المرأةَ خشيةَ الفقرِ أو العار، وبلغ من جَفاءِ أهلِ الجاهلية الأولى أن يقتلَ الرجلُ ابنتَه وهي حيّة، وربما نَفَضَت التُرابَ العالقَ بلحيتِه وهو يدفنُها، ومهما حُمِدَ لهؤلاء الجاهليّين غَيْرتهُم على محارمِهم وتخوّفُهم من العارِ الذي يَصِمُهم، فلا شكَّ بمسلكِهم الخاطئ، فلقد أنكر القرآنُ صنيعَهم، وأنزل اللُه ذمَّ تصرُّفاتِهم في قرآنٍ يُتلَى إلى يومِ القيامة {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} (2).

(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 22/ 1/ 1423 هـ.

(2)

سورة التكوير، الآيتان: 8 - 9.

ص: 201

ولكنَّ هذا القتلَ يتكررُ للمرأةِ في الجاهليةِ المعاصرة، وبصورةٍ أخرى، إنها تُقتَلُ في حيائِها وعفَّتِها، وتُوأَد في صَونِها وكرامتِها، وهل أعظمُ من وأدِ القيمِ والأخلاق؟

ومن تأمَّلَ واقعَ المرأة في كثيرٍ من البلدان أبصرَ كيف قُتِلَت المرأةُ وإن جاءت بلهجةِ التحرير، أو تحتَ عباءَةِ المطالبةِ لها بالحقوقِ، أو نحوِ ذلك من عباراتٍ فَضْفاضةٍ تخدعُ الدهماءَ والبسطاءَ، ويعلمُ زيفَها الراشدون من الرجالِ والنساء.

ولئن كان هناك تشابهٌ بين الوأْدَينِ، فهناك اختلافٌ بين الموءودةِ في الجاهليتينِ، إذِ المرأةُ في الأولى لم ترضَ بل ولم تُستشَرْ، وإلا لكان لها رأيُها وموقفُها .. ولكنَّ المصيبةَ حين تُدخَلُ المرأةُ المعاصرةُ في نفقٍ مظلمٍ تُبصِر أولَه، ولا تدري ما نهايتُه، وربما خُوِّفت النهايةَ، فخدعها بريقُ البدايةِ، أو دُفعت بالقوةِ لدخولِ النفق .. ألا فانتبهي أُختي المسلمةَ إلى الوأدِ الجديد، واحذري لصوصَه الماكرين.

ثانيًا: بينَ التصريحاتِ المسكِّنة والمواقفِ المحفوظة .. !

فالناسُ وإن فَرِحوا بكل تصريح يُهدِّئ ويسكِّن، ويَعِدُ بالمحافظةِ على هُويةِ المرأةِ في تعليمها، وعدم تسلُّق الحصون سعيًا إلى اختلاطِها .. فهم كذلك يحتفظون بمواقفَ منكَرة، وحواراتٍ وتصريحاتٍ قديمةٍ وحديثةٍ مقلقةٍ، تطرحُ الاختلاطَ في الصفوفِ الأولى، وتقترحُ الأنديةَ للنساء، وترى إدخالَ التربيةِ البدنية في مدارسِ البنات .. أو نحوِ ذلك من طروحاتٍ حُفظت عن أشخاصٍ نافحوا عنها، فهل التصريحاتُ الأخيرةُ نسخًا للأفكارِ القديمة، فذلك حسنٌ، أم هي تهدئةٌ مؤقَّتة، وانحناءٌ للعاصفةِ، فذلك الذي لا يُقبَل، وإحسانُ الظنِّ مطلَب، واليقظةُ وعدمُ التغفيلِ مطلبٌ آخرُ.

ص: 202

ثالثًا: بين إعلامِنا وإعلامِ الغرب؟

كم هو مؤسفٌ حين يكونُ الإرجاف في إعلامِنا، وتضخيمُ الأحداثِ، وتشويهُ الحقائقِ سبيلًا لتهجُّم الإعلامِ الغربيِّ على بلادِنا، وفرصةً لغيرِ المسلمين لتشويهِ إسلامِنا وأخلاقِنا .. فقد نشرت مجلةُ (الماريان) الأسبوعيةُ الفرنسيةُ مقالًا في عددِها الأسبوعي (25 - 31 مارس 2002) تحت عنوان:

[خمسَ عشرةَ طالبةً أُحرقنَ أحياءً لأنهن لم يرتدينَ الحجابَ! ] وكتبتْ تحتَ المقالِ تقول: في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ حريقٌ في مدرسةٍ نجتْ منه المبادئُ الأخلاقيةُ فماتتِ الطالباتُ، ثم تقول: عندما شبَّ حريقٌ في مدرسةٍ للبناتِ في مدينةِ مكة استعدَّ رجالُ الإنقاذِ والدفاعِ المدنيِّ للتدخل، ولكن بالنسبة لممثِّلي الشرطةِ الدينية المكلَّفين بالمحافظةِ على احترام نظامِ الأخلاقِ في المملكةِ كان فصلُ الرجالِ عن النساء يأتي في المقامِ الأولِ وقبلَ كلِّ شيء، مهما كانت الظروفُ، حتى لو كلَّفَ الأمر حياةَ الأبرياء! ثم تقولُ المجلَّة: وفي مواجهةِ أّلْسنةِ اللهبِ مَنَعَت هذه الشرطةُ المشؤومةُ (الهيئةُ) المتيقِّظةُ جدًا حولَ هذا الموضوعِ، منعت الطالباتِ من الخروجِ من المدرسة التي تحترقُ، لأنهنَّ نَسِينَ -في خِضَمِّ المعمعةِ- أن يرتدين الحجابَ، مع أنه لباسٌ إسلاميٌّ إجباريٌ في المملكة- وبنفسِ التفكيرِ منعَ هؤلاءِ الغيورون وحُماُة الأخلاقِ الحميدةِ أفرادَ الدفاعِ المدنيِّ من الذكورِ من دخولِ هذه المدرسةِ لإنقاذِ الطالبات خوفًا من أن يَحدُثَ اختلاطٌ بين الرجالِ والنساء؟ إلى أن تقولَ المجلةُ: الحصيلة: وفاةُ خمسَ عشرةَ طالبةً، وجرحُ خمسين .. إلخ.

أيها الإخوةُ: نحن وإنْ رأَيْنا هذا الهجومَ من إعلامٍ في بُلدانٍ تدَّعي العدالةَ وخدمةَ الحقيقةِ، فلا غرابةَ أن يقعَ ذلك من غيرِ إعلامِنا، ومن قومٍ أعداءٍ لنا، ودينُهم غيرُ دينِنا، وأخلاقُهم غيرُ أخلاقِنا .. ولكن المستغربَ حقًا أن يصدرَ مثلُ

ص: 203

ذلك في إعلامِنا ومن بعضِ كتَّابنا، ألم يقل بعضُهم في وصفِه للهيئات (هيئةُ الأمرِ بالموتِ والنهيِ عن الحياة) ألم يُشنِّع آخرون -من هؤلاء الكَتَبةِ- في رجالاتِ الرئاسة وقالوا: إنها رئاسةُ (قتل البنات) وقالوا كذلك: إن الرئاستين معًا تعاونتا على تقليصِ الكائناتِ التي تُشكِّلُ عارًا على الفحولةِ، وذلك بتطبيق المثل الصعيديِّ القائل:(النارُ ولا العارُ)(1).

أوليسَ من الخللِ أن يكونَ صحفِنا مادةٌ سيئةٌ يتكئ عليها الإعلامُ الغربيُّ في تشويهِ صورةِ إسلامِنا وسمعةِ بلادنا؟

أوليسَ من العيبِ أن نتهجَّمَ على أنفسِنا ومؤسساتِنا، وندعَ الفرصةَ للآخرين ليشمَتُوا بنا؟

إن تضخيمَ الحدَثِ، وتهويلَ الخطأ -في حدِّ ذاته- ليس مقبولًا شرعًا ولا عقلًا، فكيف إذا انتهتِ التحقيقاتُ إلى براءةِ المُتَّهمِ، والتجنِّي على الأشخاصِ والهيئات؟

أيُّ فرقٍ في التعبيرِ والسُّخريةِ بين صحفيٍّ كافر، وآخرَ مسلمٍ، وبين مجلةٍ غربيةٍ وصحيفةٍ تصدرُ بجِوارِ مكة؟ إننا بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى إعادةِ النظرِ في تطبيقاتِ سياستنا الإعلاميةِ بما يَخُدم البلادَ والعبادَ، ووَفْقَ اللوائحِ والبنودِ المنظَّمة، حتى لا نُخترَقَ ولا نغرقَ.

رابعًا: بين مصداقيةِ الخبرِ، وشهود الواقع:

نحن في زمنِ الوَعْي، ولا يَسُوغُ بحالٍ أن تتدخَّلَ صحيفةٌ أو مطبوعةٌ ما في صميمِ الخبر، لتعبِّر -وباسمِ المواطنين- عن انفعالاتِها وتوجُّهاتِها الخاصةِ، وذلك حين يصدرُ قرارٌ (ما) مسًاء ثم يأتي التعبيرُ في الصباح الباكرِ عن ارتياحِ

(1) عكاظ 1/ 1/ 1423 هـ.

ص: 204

عمومِ المواطنين لهذا القرارِ، والذي ربَّما لم يعلمْ به طائفةٌ منهم أصلًا، ولم يرضَهُ طوائفُ وإن علموا، وهنا يَرِدُ السؤال: ومتى تسنَّى لهذه الجريدةِ هذا الاستفتاءُ النزيهُ الذي قاربتْ نسبتُه تسعةً وتسعين وتسعةً بالعشرة بالمائة؟

إننا مُؤتمَنون على الكلمةِ وعلى نقلِ مشاعرِ المجتمع للمسؤولين، ومن هذا المنطلقِ نقول، وفيما يخصُّ قرارَ الدمجِ الأخير: إنَّ من قُدِّرَ له أن يزورَ (الرياض) هذه الأيامَ يرى مشاهدَ حيةً، وتجمُّعاتٍ حاشدةً هنا وهناك، فهذه جموعٌ تحتشدُ عند أهلِ العلمِ والفتوى تبلِّغها الاستنكارَ، وجموعٌ أخرى تَطرُق أَبوابَ المسؤولين راجيةً إعادةَ الأمور، وإلغاءَ القرارِ، وجموعٌ ثالثة تكتبُ أو تُبرِقُ أو تهاتفُ مستغرِبةً ما حدثَ، ورابعةٌ لا تزال في حَيْرةٍ من هولِ الصدمة وعِظَم المُصَاب، وخامسةٌ من العامَّة والخاصَّة لم ترضَ عن القرار ولكنها لم تُعبِّرْ علانيةً إما لاكتفائها بمن عبّرَ، وكأَنَّ لسانَ حالها يقول: المشايخُ والدُّعاةُ ما قصَّروا في التعبيرِ عنَّا وعنهم، وهذا وإن كان تقصيرًا منهم في البلاغِ، إذِ الكلُّ مطاَلبٌ بالإفصاح وإيصالِ رأيهِ للمسؤولين، إلا أنَّ هؤلاءِ بكلِّ حالٍ يُعَدُّون في إحصائيةِ المستنكِرين، والصنفُ الآخرُ الذين لم تظهرْ منهم مواقفُ معلَنة -وإن كانوا غيرَ راضين- فهؤلاء يرونَ التعبيرَ بطرقٍ مشروعةٍ أخرى بحُكْم مواقعِهم الإداريةِ وصِلَاتِهم الشخصية، وبكلِّ حالٍ فيكفيكَ أن تسمعَ من عالمٍ له وزنُه في تقييمِ الحَدَث يقول:(إنها زلَّة)، وآخرُ لا يقلُّ شأنًا عنه يقول:(إنها مصيبة)، ثم تسمع من خبيرٍ ممارسٍ قوله:(إنَّ ما وقعَ نتيجةُ تخطيطٍ مُسبَق، ما فَتِئَ العِلمانيون ومنذ زمنٍ بعيدٍ يسعَوْنَ ويخطِّطون له). إذًا الوعيُ شائعٌ، والاستنكارُ عامٌ وذائع -وفي صفوفِ الرجال والنساءِ، فأين ذلك من التقوُّلِ بارتياحِ الجميع، أهذه مِصداقيةٌ تليقُ بصحافتِنا؟

ص: 205

خامسًا: بين نوعينِ من المطالب:

عجبٌ وأيُّ عجبٍ، ففي مرحلةِ تطويرِ أجهزةِ الدولةِ والاتِّجاه نحوَ (الخصخصة) فَرِحَ أهلُ العلمنةِ بدَمْج الرئاسةِ للوزارةِ، وفي مقابلِ دعواهم للمطالَبةِ بحقوقِ المرأة وإنصافِها تنتهي طموحاتُهم إلى أن يكونَ تعليمُ المرأةِ تابعًا وجزءًا من تعليمِ الرجل، هذا في ظاهرِ الأمر، وما يتمنَّونَهُ ويُطالِبون به من خطواتِ ما بعدَ الدمجِ أشدُّ سوءًا، وأتعسُ حظًا للمرأة، بل وللمجتمعِ بأَسرِه؟

أمّا سواهم من أهل العلمِ والمعرفةِ والرُّشد والحكمةِ والنُّصح للدولة، فيتساءلون: أتُدمَجُ الرئاسةُ مع الوزارة، وتُفصَل المياهُ عن الزراعةِ؟ ويُضَمُّ تعليمُ المرأةِ بنجاحاتِه وتفوُّقاته إلى تعليمٍ آخر له نجاحاتُه وتفوُّقاتُه .. لكنه كذلك مُثقَلٌ بالمشاكل، مُثخَنٌ بالتبِعاتِ، على حين يُفصَلُ الحجُّ عن الشؤون الإسلاميةِ والأوقاف.

وما من عاقلٍ مطَّلِع على أحوالِ الدول والأُمم إلا ويُبصِرُ التعليمَ في طليعةِ الاهتمامات، أما الحديثُ عن الظروفِ المادية والمخصَّصاتِ المالية، فما يَسُوغُ الحديثُ عنه في بلدٍ أنعمَ اللهُ عليه بالرخاءِ، والمسؤولون فيه يُنفِقون على العِلمِ والعلماءِ بسخاءٍ! !

لقد باتتْ دولٌ متحضِّرةٌ تُنفِق على التعليم بسخاءٍ حتى استغنتْ به عن وزاراتٍ بكاملِها؛ لأن الفردَ المتعلِّم الواعيَ ربما أعاضَها عن كثيرٍ من الجهاتِ والجنود، وإذا كنَّا -أو بعضُنا- طالما تحدَّثَ عن تجربةِ بلدٍ كاليابان في التعليم .. أفتكون المادةُ معوِّقًا لنا، حتى نضطرَّ إلى الدمج؟

إننا على صعيدِ الواقعِ نُدرِكُ نجاحَ تجربتِنا في التعليمِ عمومًا، وتميُّزَنا عن العالَمِ تميُّزًا ناجحًا في تعليمِ المرأة خصوصًا .. والُمخرَجاتُ لا تُقارَن

ص: 206

بالمُدخَلات .. أفننسى ذلك جميعًا؟

على أنَّ مطالبَ هؤلاء الراشدين لا تنتهي عند إلغاءِ الإلغاء، وبقاءِ الرئاسةِ في مركزِ الرئاسة، بل يزيدون في طلبِ الدعم لجهازِ تعليم البنينَ والبناتِ، ويطالبون بإصلاحِ الإعلام وَفْقَ السياسةِ الإعلاميةِ للمملكة، ويروْنَ ضرورةَ فَضْحِ أو معاقبةِ من شوَّهوا سمعةَ البلدِ ومؤسَّساتِه وتمتدُّ مطالبُهم في التحوُّط لأيِّ جهةٍ أو هيئةٍ مستهدفةٍ كالهيئات والجامعات الإسلاميةِ، إنهم يُطالبون بكلِّ ما فيه مصلحةٌ حقيقيةٌ للبلادِ والعباد، ويُلِحُّون عن كلِّ خطوةٍ تجمعُ ولا تفرِّق، وتؤلِّف ولا تُنفِّر، وتهدِي للتي هي أحسنُ، وملفُّ المرأةِ في بلادِ الحرمين واحدٌ من القضايا الملحَّةِ التي بات الغيورون يطالبون بإعادةِ النظرِ فيه وَفْقَ ثوابتِ الدولة ومسلَّماتِ العقيدة، لا وفقَ طروحاتِ العلمانيين وصيحاتِ المُغرِضين؟

سادسًا: جِراحات ومُعوِّقون:

نشكو إلى اللهِ ما حلَّ بإخوانِنا المسلمين من محنٍ وبلايا نازلةٍ، في معاركَ يُصفِّي فيها الصهاينةُ الحاقدون حساباتِهم مع إخوانِنا في فلسطين، وفي غَطْرسةٍ وكبرياءٍ يتعاملُ بها النصارى والمُلحِدين مع إخوانٍ لنا في عددٍ من المواقعِ والبلدان.

إنها معاركُ ملتهِبةٌ، تَقطُرُ الأرضُ فيها دمًا، ويُرسَّخ الظلمُ والعدوان ترسيخًا بَشِعًا، كيف لا، وتَرسانةُ الأسلحةِ المتطوِّرة تجرَّبُ على صدور إخوانِنا .. قبورٌ جماعيةٌ للقتلى، واعتداءاتٌ غيرُ إنسانيةٍ على العزَّلِ والأطفال والشيوخ والنساء، حصارٌ للمخيَّمات، واقتحامٌ للبيوت، وهدمٌ للمساجدِ، واستخدامٌ أرعنُ لسياراتِ الإسعافِ لأغراضٍ قتالية، مما يُعَدُّ سابقةً خطيرةً، وجريمةً كبرى

وحدِّث ما شئتَ .. وما لم يخطُرْ لك ببالٍ -في قاموس مُجرِمِي الحرب، صانعِيها والساكتينَ عنها.

ص: 207

ومما يزيدُ الجرحَ أَلمًا .. أن الأُمةَ وسطَ هذه المِحَن والبلايا تُشغَلُ بقضايا داخلية أُخرى، تَشُلُّ تفكيرَها، وتجتزئُ قدرًا كبيرًا من طاقتِها، ثم تظلُّ ترقِّعُ في خروقِ أبنائها، وتُرمِّم التصدعَ الحاصلَ في جدرانِ بيوتها ..

ولا كثَّر اللهُ من نفرٍ يُعوِّقون الأمةَ، ويَشغَلُونها عن القضايا الكبرى، حقًا إنك لتعجَبُ حين تقرأُ أو تسمعُ عن تظاهراتٍ في (بروكسل) و (لاهاي) و (برلين) ونحوها، تُندِّد بالممارساتِ اليهودية ضدَّ شعبِ فلسطينَ، ثم ترى أو تقرأُ ذهولًا عن القضيةِ برمَّتِها في عددٍ من البلادِ الإسلامية، وانشغالًا عند المسلمين بقضايا أو فِتَنٍ داخلية شَغَلَهم بها المعوِّقون والمُرِجفون، وكلما خَبَتْ فتنةٌ أشعلوا أخرى، وهكذا ..

ولكنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم حين شُغِل فَزِعَ إلى ربِّه بالدعاء قائلًا: «شَغَلُونا عن صلاةِ العصرِ ملأ اللهُ قبورَهم وبيوتَهم نارًا» متفق عليه.

أفلا يتذكَّرُ هؤلاء وأولئك كم يُعوِّقون الأُمةَ، وكم يَصرِفُون من طاقتِها .. فأين هم من دعاوَى: وَعْيِ الأُمة، والتقدُّم بها، خابُوا وخَسِروا، وأفلحَ وأنجحَ من جاهدَ الكافرين والمنافقين جميعًا، ذلك مقتضى توجيهِ كتابِ ربِّنا:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (1).

(1) سورة التوبة، الآية:73.

ص: 208