الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبةُ الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، يحكُمُ ما يشاءُ ويفعل ما يريدُ، لا رادَّ لفضلِه ولا يكشفُ السوءَ إلا هو، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه وخِيرتُه من خلقِه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى سائر الأنبياءِ والمرسلين.
إخوةَ الإسلام: ويلزمُنا في ظلِّ هذه الأحداثِ والمتغيِّرات:
3 -
أن نُحسِنَ الظنَّ بالله تعالى، وأنه لا يقع شيءٌ إلا بإذنِه وتقديره وقضائِه؛ وقضاؤُه خيرٌ، {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (1)، وألا نضخِّمَ دَوْرَ الأعداءِ ونُرجِفَ بأنفسِنا ومَن حولَنا، بل نتفاءَلُ، وقد مرَّتْ بالمسلمين في الماضي أزَماتٌ وتكالُباتٌ للأعداء فما زادهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، وفَرْقٌ كبيرٌ بين من قالوا:{هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (2) وبين من قالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (3)، وأولئك قيلَ لهم:{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (4).
أما المؤمنونَ الصادقون الذين قيلَ لهم: إنَّ الناسَ قد جمعوا لكم فاخشَوْهم فزادَهم إيمانًا وقالوا: حسبُنا اللهُ ونعمَ الوكيل .. فكانت عاقبتُهم {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ
(1) سورة النساء، الآية:19.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:22.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:12.
(4)
سورة الأحزاب، الآيات: 16، 17.
مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (1).
4 -
إخوةَ الإيمان: ومع حُسنِ الظنِّ لابدَّ من العملِ ولابدَّ من تحقيقِ الإيمانِ في واقع الحياة، ومن لطائفِ القرآنِ - لمن تأملَ - أن الوعدَ بالنصرِ والعزةِ والنجاةِ لم تُعلَّقْ بمن اتَّصفَ بالإسلام فقط، بل خُصَّ ذلك بأهل الإيمان - والإيمانُ درجةٌ فوقَ الإسلام - وتَجِدُون مِصداقَ ذلك في مثلِ قوله تعالى:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2){وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3){وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (4){وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (5).
أيها المسلمون: إن أمةً تعيشُ حالةَ الحربِ الشاملةِ يجب أن تكونَ أبعدَ الناسِ عن اللهوِ واللعب .. وأنَّى لأمةٍ أن تواجهَ أعداءَها وهي بعدُ لم تنتصرْ على أنفُسِها ولم تتغلَّبْ على شهواتِها، هل يتحقَّقُ النصرُ لمن لا يأتون الصلاةَ إلا وهم كُسَالى، أو يَزعُمون أنهم يؤمنون بالكتابِ والسُّنة .. وإذا قيل لهم: تعالَوْا إلى ما أَنزلَ اللهُ وإلى الرسولِ رأيتَ الصدودَ والإعراض؟
هل يتحققُ النصرُ لمن يَدَّعي الإسلامَ وهو يُضمِرُ العداوةَ للمسلمين أو يَسخَرُ بشيءٍ من أوامرِ الدين؟ وهل يتحققُ النصرُ لمن لا يهتمُّ بأمرِ المسلمين ولا يُقدِّمُ النُّصرةَ والمَشُورةَ والدعوةَ والدعاءَ للمسلمين؟ وباختصارٍ فإذا تأخَّر النصرُ؛ فلأنَّ الأُمةَ بعدُ لم تصلْ إلى مستوى النصرِ ..
(1) سورة آل عمران، الآية:174.
(2)
سورة الروم، الآية:47.
(3)
سورة فصلت، الآية:18.
(4)
سورة المنافقون، الآية:8.
(5)
سورة آل عمران، الآية:139.
5 -
ومن توظيفِ الأحداثِ الواقعة تعميقُ الوعي في نفوسِ المسلمين وذلك بتحديدِ طبيعةِ المعركةِ وهويَّتِها، وطبيعةِ الأعداءِ وَمكْرِهم وأهدافهم والشعورِ بمُصابِ المسلمين ومآسيهم ومواساتِهم ونُصْرتهم، والموازنةِ بين المكاسبِ والخسائر، وتَجْليةِ حقيقة النصر ومفهومِ الهزيمة، إنَّ من الموازناتِ التي ينبغي أن لا تغيبَ عن المسلمين أنَّ مسلمًا يُقتَلُ بغير حقٍّ بل ظلمًا وعدوانًا - رجلًا كان أو امرأةً، طفلًا أو كبيرًا. شيءٌ عظيمٌ وخسارةٌ فادحةٌ في حقِّ المسلمين، كيف لا وحُرْمةُ المسلم عندَ الله أعظمُ من حُرمةِ الكعبة، ولكنَّ فردًا من المسلمين يُقتَلُ لتَحيا به أُمةٌ من الناس نصرٌ عظيم، ومكسبٌ للإسلام والمسلمين، وفي صحيح مسلم: أن الغلامَ المؤمنَ قُتِلَ باسمِ الله ربِّ الغلام فآمن الناسُ قائلين: آمنَّا بربِّ الغلام، آمنَّا بربِّ الغلام، آمنَّا بربِّ الغلام .. وإن خُدَّت لهم الأخاديدُ وأُحرِقوا (1).
وإن قطرةَ دمٍ تنزفُ من جريحٍ مسلم أمرٌ مزعجٌ لنا معشرَ المسلمين، وهي خسارةٌ ونقصٌ في مخزونِ الدماءِ المسلِمة .. ولكنْ سَرَيانُ دمِ العِزّة والكرامةِ والرحمةِ والنُّصرة في عروقِ آخرين من المسلمين وربما غيرَ المسلمين فذاك نصرٌ كبير، وتعويضٌ عظيم.
6 -
عبادَ اللهِ والأحداثُ الواقعةُ فرصةٌ لتوحيدِ الصفِّ الإسلاميِّ العربيِّ والأعجميِّ، الأسودِ والأبيض .. ذلكم أنَّ الهجمةَ على الإسلام والمسلمين مستنكَرةً من قِبَلِ الجميع .. وإنِ اختلفوا في أساليبِ التعبير أو أسرَّ بعضُهم وجهرَ آخرون .. وهذا الاستنكارُ فرصةٌ لمزيدِ جمعِ الكلمة وتوحيدِ القُوى - وهي الأمرُ المهمُّ الذي يَغيبُ في واقعِ المسلمين - حيث الفُرْقةُ والخصومةُ
(1) مسلم/ كتاب الزهد.
والشَّتاتُ واختلافُ الأفهامِ والاهتماماتِ، وحين يُفلحُ المسلمون في توظيفِ هذه الأحداثِ للتقارُبِ والأُلفةِ وتحقيقِ الأخوَّة الإسلامية والتعاونِ على البرِّ والتقوى فذاك مكسبٌ عظيمٌ للأمة .. إنه ليس من حقِّ الإسلام ولا من حقِّ المعركة أن ينشغلَ المسلمون بعضُهم ببعضٍ باللسان ولا بالسِّنان، وأخطرُ من ذلك أن يتأوَّل أحدٌ في قتلِ أخيه المسلمِ بتأويلِ أو غيرِه، وفي الحديث:«إذا الْتقَى المسلمانِ بسَيفَيهِما فالقاتلُ والمقتولُ في النار» ، «لا تَرجِعوا بعدي كفارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ» .
7 -
إخوةَ الإيمان: أيها العلماءُ والدعاةُ والخيِّرون والعقلاءُ، إن عليكم كِفْلًا كبيرًا في تطمينِ الناس وتهدأتِهم في أزمانِ الفتنِ والشدائدِ وفَتْحِ مجالاتِ العمل النافعةِ لهم ولأمَّتِهم، ونقلِهم من العواطفِ والطيش غيرَ المثمرِ إلى سلوكياتٍ نافعةٍ في العبادةِ والدعوةِ والعلمِ والعمل والتخطيطِ والابتكارِ والتربيةِ وتحمُّلِ المسؤولية .. فهذه وتلك طريقُ أمَّتِنا للنهوض .. وهي التي قادتْ أسلافَنا إلى التفوُّقِ والتميُّزِ على الآخرين.
8 -
عبادَ الله: ومع اهتمامِنا بكلِّ قضيةٍ للإسلامِ والمسلمين فلا ينبغي أن تُنسِينَا الأحداثُ الواقعةُ قضيتَنا الكبرى في فلسطين، لاسيما والصهاينةُ المعتدون حاولوا استثمارَ الأحداثِ لصالحهم فباتوا يقتلون ويخرِّبون ويُفسِدون .. وحين يكون حديثُ العالَم عن الإرهاب فينبغي أن يرتفعَ صوتُنا بإرهابِ اليهود والنصارى والوقوفِ مع إخوانِنا الفلسطينيين المظلومين، وحين تَذكُر إحدى المجلاتُ الأمريكيةُ أن (58%) من الأمريكانِ يعتبرون تعاملَ أمريكا مع اليهودِ هو السبب فيما جرى لهم، فتلك فرصةٌ على المسلمين أن يستثمروها لصالحِهم لمزيدِ فَضْح اللُّوبي الصهيوني.