الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون بين فكَّيِ الكمّاشة
(1)
الخطبةُ الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالمين شرَّفنَا بالإسلامِ وهَدَانا بالقرآن، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له جعلَنا خيرَ الأمم، وجعلَ كتابَنا مصدِّقًا للكتبِ السماوية السابقةِ ومُهَيمِنًا عليها، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه خاتَمُ المرسلين وأفضلُهم، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى سائرِ الأنبياء والمرسَلين.
إخوةَ الإسلام: المتأمِّلُ في كتابِ الله يجِدُ فيه شعورًا كاذبًا عند اليهودِ والنصارى بالتميُّزِ على غيرِهم، وفضلًا مزيَّفًا لا يتَّسعُ لغيرِهم من الشعوب والأمم، وقد كذَّب اللهُ هذه الدعاوَى كما في قوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (4).
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 24/ 8/ 1422 هـ.
(2)
سورة آل عمران، الآية:102.
(3)
سورة لقمان، الآية:33.
(4)
سورة المائدة، الآية:18.
وإذا وَقَعَ هذا الشعورُ الخاطئُ في زمنِ النبوة، وتطاوَلَ اليهودُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم حينما كلَّمَ نفرًا من اليهود ودعاهم إلى اللهِ عز وجل وحذَّرهم نقمتَه، فقالوا: ما تُخوِّفنا يا محمدُ؟ نحنُ أبناءُ اللهِ وأحبَّاؤُه!
فكذلك النصارى نَكَصُوا عن الحقّ واستكبروا عن إتِّباعِ المرسلين وإن أيقنوا بصِدْقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومعرفتِهم بمبعثِه، بل قال هِرقلُ - عظيمُ الروم -: وقد كنتُ أعلمُ أنه - يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم خارجٌ، لم أكن أظنُّ أنه منكم، فلو أني أعلمُ أني أَخلُصُ إليه لتجشَّمتُ لقاءَه، ولو كنتُ عنده لغَسَلْتُ عن قدمِه .. بل قال هرقلُ - وقد جمع الرومَ في دَسْكَرَةٍ له بحمصَ -: يا معشرَ الروم: هل لكم في الفلاحِ والرُّشدِ وأن يَثبُتَ مُلْكُكُم؟ فتبايعوا هذا النبيَّ (1).
ومع ذلك استكبرَ الخبيثُ وضنَّ بمُلكِه، وقاتلَ المسلمين في معركةِ مُؤْتة (2).
أيها المسلمون: إذا وقعَ هذا الشعورُ الخاطئُ والاستكبارُ عن الحقِّ من اليهود والنصارى في زمنِ البعثةِ؛ والرسولُ صلى الله عليه وسلم هو الداعي، والمسلمون حينها أعزّةٌ - فمِن بابِ أَوْلى أن تتكررَ هذه المشاعرُ في زمنِ ضعفِ المسلمين وبُعدِهم عن زمنِ النبوة، وتكاثُرِ اليهود والنصارى وغلبتِهم.
بل نجدُ في تقاريرِ اليهود اليومَ أكبرَ من هذا، ويقولون في أحدِ هذه التقارير:((حينما نمكِّنُ لأنفسِنا فنكون سادةَ الأرض لن نُبيحَ قيامَ أيِّ دينٍ غيرِ دينِنا .. )) (3).
وجاء في تلمودِهم: ((إن الإسرائيليَّ معتبَرٌ عندَ الله أكثرَ من الملائكة، فإذا ضرب أُمِّيٌّ إسرائيليًا فكأنه ضربَ العزّةَ الإلهية، وإن اليهوديَّ جزءٌ من الله، كما
(1) صحيح البخاري، بدء الوحي، الفتح 1/ 32، 33.
(2)
الفتح 1/ 37.
(3)
العنصرية اليهودية؛ الزغيبي 1/ 130.
أن الابنَ جزءٌ من أبيه)) (1). تعالى اللهُ عما يقولُ الظالمون علوًا كبيرًا)).
وهذا كلُّه لا يعني إغفالَ دعوتِهم لكنه بيانٌ لحقيقةٍ كامنةٍ عندهم، وتوجيهٌ لأسلوبِ التعامل معهم.
أيها المؤمنون: إن القرآن مَورِدٌ لا يَنضَب، وقد كشفَ اللهُ للمؤمنين بالوحي خصائصَ وطبائعَ الأجدادِ ليُعلِّمَ المسلمين كيف يتعاملون مع الأحفادِ من اليهود، وهنا يمكنُ القولُ بأنَّ القرآنَ خاطبَ يهودَ البعثةِ بجرائمِ آبائِهم وأجدادِهم، وعَرَضَ لممارساتِهم مع النبوةِ، ونكولِهم عن العهدِ، وتحريفِهم للكَلِم، وكَنزِهم للذهبِ والفضة، وإشاعتِهم للربا، والإيمانِ ببعضِ الكتاب والكفرِ ببعضِه، وادِّعائِهم بأنهم أبناءُ اللهِ وأحبّاؤُه - إلى آخر صفاتِهم - مع أنَّ المسؤوليةَ في الإسلامِ فرديةٌ، فلا يُحمَّلُ الأبناءُ تَبِعَةَ وأوزارَ الآباء {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2) ولكنَّ الحكمَ - والله أعلم - في إيراد هذه النماذجِ والانحرافاتِ السابقةِ لليهود .. للتأكيدِ على أنَّ هذه الصفاتِ والخصائصَ متأصِّلةٌ ومتوارثةٌ من الآباءِ إلى الأبناء، إلى درجةٍ أصبحتْ وكأنها جِبلَّةٌ لا ينفكُّ عنها يهودُ، وستَصدقُ على الأحفادِ كما مارسها الأجدادُ، بل سوف تستمرُّ وتبقى هذه الخصائصُ منحدرةً في نسلِ اليهود، خالدةً مع الزمن، متجدِّدةً عبرَ الأحداثِ والصراعات .. ما بقي اليهودُ. ونحن اليومَ نشهدُ على استمرارِ هذه الخصائصِ عند يهودَ (3).
عبادَ الله: وإذا كان أهلُ القرآنِ لا يشكُّون في عداوةِ اليهودِ والنصارى
(1) السابق 1/ 138.
(2)
سورة فاطر، الآية:18.
(3)
اليهود والتحالف مع الأقوياء/ نعمان السامرائي ص 17.
للمسلمين، والله يقولُ في مُحكَم التنزيل:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (1).
فينبغي أن لا نشكَّ في تقارُبِ الديانتينِ والجنسينِ - رَغْمَ ما بينَهم من خلافٍ - وتعاونِهما في ضربِ المسلمين.
وتقولُ الدراساتُ والبحوثُ: إن اليهود ساهموا في صياغةِ عقائدِ النصارى عبرَ القرون، وإنَّ عددًا من قادةِ النصارى يَرجِعون إلى أصولٍ يهودية، أو أصدقاءُ لليهود، من أمثالِ (كالفين) و (مارتن لوثر) وهما من زعماءِ حركاتِ الإصلاحِ الدِّيني في أوروبا - كما يزعمون - (2).
بل يقال: إذا كان ستون بالمائةِ من الأمريكيين 60% هم بروتستانت فإن خمسةَ عشرَ بالمائة - تقريبًا - من قُسُسِ البروتستانت الذين يُمارِسون الوعظَ يومَ الأحدِ في الكنائسِ النصرانية من اليهود! وأن البروتستانت يستعملون في صلواتِهم التوراةَ (العهد القديم) وأنهم - يعني النصارى - يؤمِنون بفكرةِ أرضِ الميعاد، وإعادةِ بناءِ الهيكل والوعدِ الإلهي لإسرائيل (3).
أيها المسلمون: ونحنُ على أرض الواقع اليومَ نشهدُ التحالفَ والتآزُرَ بينَ اليهودِ والنصارى .. بل نشهدُ ما هو أسوأُ من ذلك في حصارِ المسلمين من قِبَلِ اليهودِ والنصارى .. ففي الأراضي المقدَّسةِ وعلى مَرْأى العالمِ كلِّه يُمارس اليهودُ الصَّلف والانتقامَ بأبشع صُوَرِهِ، مستغلِّين الأوضاعَ العالمية الراهنةَ، وتَدخُل الجرافاتُ المدنَ الفلسطينية لتهدمَ البيوتَ على مَن فيها مِن النساءِ
(1) سورة البقرة، الآية:120.
(2)
اليهود والتحالف مع الأقوياء، د. السامرائي/ المقدمة ص 19، 20.
(3)
اليهود والتخالف مع الأقوياء/ 19، 20.
والصِّبْية .. وتُصوِّبُ الأعيرةُ الناريةُ إلى صدورِ الرجالِ والشباب .. وفي كل يومٍ مذبحةٌ، وهناك يشاعُ الرعبُ عبرَ الطائراتِ والقنابلِ والمدفعيات، ولا تسألْ عن الإفسادِ في المقدَّسات وممارسةِ الحفرياتِ لبناء الهيكلِ المزعومِ.
وعلى أرضِ أفغانستانَ يتنادى النصارى من كلِّ صَوْبٍ إلى هذا البلدِ الفقيرِ والشعبِ المسكين .. وعلى مدى ما يزيدُ على شهرٍ والطائراتُ تقصفُ تُشِيعُ الرعبَ وتقتلُ الآمنين، وتتقصَّدُ البُنَى لتجعلَها أنقاضًا حتى لا يُستفادَ منها مستقبلًا .. بل تجاوزتْ إلى المساجدِ المعمورة بالمصلِّين فهدَّمتْها وربما قتلتْ مَن فيها من المصلِّين - وإلى المساكنِ الآمنةِ حيث لم تَسلَم من قصفِ المجرمين .. وفي كل مرةٍ يقعُ مثلُ هذه الاعتداءاتِ الصارخة يُعتذَرُ بالخطأ، وعدمِ تحديد الهدفِ بدقَّةٍ أو تُضرَبُ الفنادقُ بحجةِ أن فيها مُحتمِين .. وهدفُ التدمير واضحٌ والظلمُ وإفسادُ الحرثِ والنسلِ قديمٌ يتجدَّد؟
تُرى أيهنَأُ للمسلمين عيشٌ وإخوانُهم المسلمون يتساقطون ضحايا بينَ فكَّيْ كمّاشةِ اليهودِ والنصارى؟ !
أيُّ قلبٍ يعتصرُه الأسى؟ وأيُّ عينٍ تبخلُ بالبكاء، وأيُّ يدٍ تَتردَّدُ في البذلِ والعطاء؟ أيُّ مشاعرَ لا تتحرَّكُ وسطَ بِرَكِ الدماء، وعلى أشْلاءِ القتلى والجرحى؟ ! والعالَمُ كلُّه يشهدُ أنّ البيِّنةَ غائبةٌ والتهمةَ كافيةٌ!
يا أبناءَ فلسطينَ وشعبَ الأفغان في سبيلِ أن تحيا المشاعرُ الإسلاميةُ لأمةِ المِلْيار! !
ولتستمرَّ قنابلُ الغربِ التي بلغ وزنُ الواحدةِ منها مؤخَّرًا رقمًا خياليًا وهذه القنبلةُ (82) تستخدمُ اليومَ في حربِ أفغانستان، وقد اعترضتْ جماعةُ حقوقِ الإنسان على استخدامها، فالاتفاقياتُ الدوليةُ تَحظُر استخدامَها في المناطقِ
المأهولةِ بالسكان (1)، ومن المضحِكِ المُبْكي أن إحدى شعاراتِ هذه الحربِ في أفغانستان (العدالةُ)! ولكن مَن يضعُ هذه القوانينَ ومن يحميها؟ ومَن له حقُّ الاعتراضِ أو المناقشةِ فيها.
تتفجر في أرضِ الأفغان ليتفجَّر معها كُرْهُ الشعوبِ المسلمة لرائدةِ السلامِ المزعوم، وينكشفَ القناعُ والخداع عن المصطلحاتِ الكاذبة من الحريةِ والعدل وحقوقِ الإنسان، ويعودَ المسلمون إلى هَدْيِ القرآن في معرفةِ الأصدقاء من الأعداء.
إن من الخطأ أن يعتقد مسلمٌ أو غيرُ مسلمٍ أن جذورَ الإسلام تُجتَثُّ بهذه الممارساتِ البَشِعة .. بل إن هذا العدوانَ من اليهودِ والنصارى على المسلمين يُمثِّلُ أرضيةً تُنبِتُ العزةَ والكرامةَ للمسلمين، تُوقِظُ النائمين وتنبِّه الغافلين وتردُّ الشاردين، وتُحسِّس المسلمين أجمعَ بقيمةِ إسلامهم الذي أضحى خطرًا يهدِّد الآخرين، ويتحالفون من أجلِه لضربِ المسلمين، وصدقَ الله:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (2).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (3).
(1) جريدة الوطن 24/ 8.
(2)
سورة الصف، الآية:8.
(3)
سورة الأنفال، الآية:36.