الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبةُ الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، أَمَرَنا بالتعاونِ على البِرِّ والتقوى، ونهانا عن التعاونِ على الإثمِ والعُدْوان، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أمَرَنا بالاعتصام بحبلِه المتين، ونهانا عن الفُرْقةِ والاختلاف، فذاك نهايةُ الأُمم مِن قبلِنا، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، قال وهو الصادقُ الأمينُ:«إن أَوثَقَ عُرَى الإيمانِ للحبْ في الله والبغضُ في الله» ، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياء والمرسلين.
إخوةَ الإسلام: سؤالٌ مهمٌّ يَجدُر طرحُه والتفكيرُ -مليًّا- في الإجابة عليه، والسؤالُ يقول: ما الهدفُ من هذا التحالفِ الغربيِّ والشرقي، والاستعدادِ العسكريِّ الذي تقودُه أمريكا، ويُصوَّب ظاهرًا إلى أفغانستان؛ أيهدفُ بالفعل إلى ضرب أفغانستان -وحدَها-؟ فهي لا تحتاجُ لمثلِ هذه الحشود، أم إن الهدفَ ضربُ المفاعل النوويِّ الباكستاني؟ بل وشلُّ حركةِ الصناعةِ الحربية النَّشطةِ والمتطوِّرة في باكستانَ المسلمةِ، أم إن الأمرَ يتجاوز ذلك إلى ضربِ كل نشاطٍ إسلاميٍّ وعلى امتدادِ الكُرَة الأرضية كلِّها؟ وقد أعلنتِ الدوائرُ الغربيةُ عن عددٍ من المنظماتِ الإسلاميةِ لتكونَ هدفًا تُضرَبُ باسمِ محاربةِ الإرهاب؟
أم إن الأمرَ أوسعُ من ذلك، إذ يتجاوزُ لمحاصرةِ الإسلام وشنِّ الحرب على المسلمين عبرَ مخطَّطٍ طويلِ المَدى، تلك التي فلتت من لسانِ (بوش) وعَبَّر عنها بـ (الحرب الصليبية) ثم عاد وعادت بعضُ داوئرِه لتعتذرَ عنها كي لا تثيرَ حفيظةَ المسلمين؟ فهل يا تُرَى يتنبَّهُ المسلمون لطبيعةِ المعركةِ؟
إخوةَ الإيمان: إنَّ من حقائقِ القرآن التي لا تَقبَلُ الجدلَ الْتقاءَ اليهودَ والنصارى والمشركين على حربِ المسلمين وعداوتِهم حتى يَدخلوا مِلَّتَهم {وَلَنْ
تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (1){وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} (2).
ومن حقائقِ القرآن كذلك نهيُ المؤمنين عن مُوالاةِ الكافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} (3).
أما مظاهرةُ الكافرين ضدَّ المسلمين فهي خيانةٌ لله تعالى ورسولِه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنينَ كما قال تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (4).
وما فِتِئَ العلماءُ قديمًا وحديثًا يُفْتونَ ويحذِّرون من هذه المُوالاةِ للكافرين ومساعدتِهم على المسلمين، ويعتبرون ذلك نِفاقًا أو كفرًا.
وهنا أَنقلُ لكم اثنين فقط من هذه الفَتاوَى، الأُولى لأحدِ أئمةِ الدعوةِ السلَفيةِ الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله حيث قال -وقد سُئلَ عن النفاقِ وعلاماتِه وإطلاقِه-: «مَن ظَهَرَت منه علاماتُ النفاقِ الدالةُ عليه كارتدادِه عند التحزيبِ على المؤمنين وخِذْلانِهم عند اجتماعِ العدوِّ كالذينَ قالوا: لو نعلمُ قتالًا لاتَّبعناكُم، وكونِه إذا غَلَبَ المشركون التجأَ إليهم، ومدحِه للمشركين بعضَ الأحيانِ وموالاتِهم دون المؤمنين، وأشباهِ هذه
(1) سورة البقرة، الآية:120.
(2)
سورة النساء، الآية:89.
(3)
سورة الممتحنة، الآية:1.
(4)
سورة المائدة، الآيتان: 80، 81. وانظر نواقض الإيمان، العبد اللطيف، ص 382.
العلاماتِ التي ذَكَرَ اللهُ أنها علاماتٌ للنفاقِ وصفاتٌ للمنافقين، فإنه يجوزُ إطلاقُ النفاقِ عليه وتسميتُه منافقًا
…
» (1).
أما الفتوى الثانيةُ فلسماحة المفتي السابقِ لبلاد الحرمينِ الشريفينِ فضيلةِ الشيخ عبدِ العزيز بن بازٍ رحمه الله حيث قال: «وقد أجمعَ علماءُ الإسلامِ على أنَّ مَن ظاهَرَ الكفارَ على المسلمين وساعدهم عليهم بأيِّ نوعٍ من المساعدة فهو كافرٌ مثلُهم كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2).
أيها المسلمونَ: وبإزاءِ هذه الهَجْمةِ النازلةِ بأهلِ الإسلام، واعتمادًا على هذه الآيات والفتاوى، فإنني أذكِّرُ الزعماءَ وقادةَ الدولِ الإسلامية ألا ينخدِعوا ويتورَّطوا في هذا المخطَّط المستهدِف للإسلامِ والمسلمين، حتى وإن أُعلن الإرهابُ قِناعًا له، وسيحفظُ التاريخُ كلَّ موقفٍ، وستَعِي ذاكرةُ الأجيالِ كلَّ ما قيل وسُطِّر، وليس يخفى أن الغربَ يتعاملُ مع الإرهابِ بشكلٍ انتقائي، وإلا فهل أشدُّ من إرهابِ الصهاينة والذين باتوا هذه الأيامَ يستثمرون الحدثَ لصالِحِهم في الأراضي المقدَّسة، وفي حالِ انشغالِ المسلمين عنهم، علمًا بأن أصابعَ الاتهام تُشيرُ إليهم -كما تشيرُ إلى غيرِهم- في تفجيرِ الأحداثِ الأخيرة.
أما العلماءُ فإنني أذكِّرُهم بجهادِ الكلمة وقولِ كلمةِ الحقّ، والخَشْيةِ من الله وحدَه، وشموليةِ الفتوى، والنُّصحِ لأئمة المسلمين وعامَّتِهم.
كما أُذكِّر الدعاةَ وطلبةَ العلمِ والمفكِّرين والإعلاميين وأصحابَ الوَجاهةِ والكلمةِ ببيان الحقِّ للناس، ومَلْءِ قلوبِهم بالثقةِ بالله، وشَحْذِ هِمَمِهم للدعوةِ
(1) الدرر السنية، 7/ 79، 80.
(2)
سورة المائدة، الآية:51. فتاوى ابن باز، 1/ 274.
للإسلامِ الحقّ، والنُّصرةِ للمسلمينَ المستضعَفين، وبيانِ خُطَط ومَكْرِ الكافرين.
أما أغنياءُ المسلمين فيُذكَّرون بالجهادِ بالمالِ في سبيلِ الدعوةِ وسدِّ حاجةِ المحتاجين، ولا سيَّما إذا نَزلَت بأحدٍ من المسلمين نازلةٌ واحتاج إلى مساعدةِ إخوانِه المسلمين، وليس يليقُ أن تُعلِنَ منظَّماتٌ إغاثيةٌ عالميةٌ وغيرُ مسلمةٍ مساعدةَ اللاجئينَ والمهاجرين والمتضرِّرين من الشعوب المسلِمةِ ويظلُّ المسلمون في مَعزِلٍ عن الأحداث.
معاشرَ المسلمين: يا أُمةَ القرآنِ، وبشكلٍ عامٍّ فعلى كل مسلمٍ ومسلمةٍ كِفْلُه من المسؤولية تجاهَ الإسلامِ والمسلمين؛ ومأساةٌ حين يظنُّ نفرٌ من المسلمين أنه يكفيهم أن يتابعوا الأخبارَ ويسألَ بعضُهم بعضًا: هل تمَّت ضربةُ الحلفاءِ للمسلمينَ أم لم تتمَّ بعدُ، ويكفيهم مجردُ استنكارِهم لضرب المسلمين (1) أن بإمكانِ كلِّ مسلمٍ أن يقدِّمَ شيئًا، ويخطئُ من يظنُّ أن سلاحَ الدعاءِ وحدَه هو الذي يملكُه المسلمون لمناصرةِ إخوانِهم المسلمين، وهذا السلاحُ رغمَ أهميتِه وحاجتِنا إليه فنحنُ نملكُ معه أسلحةً أخرى .. فسلاحُ الكلمةِ الصادقةِ سهمٌ، وتعميمُ الوعي بين الناس سلاحٌ، والمساعدةُ بالمال -صدقةً أو زكاةً-، قلَّ أو كَثُرَ سلاحٌ، والنصحُ والمَشُورةُ للمسلمين سهمٌ، والمهمُّ أن نستفرغَ طاقتَنا في سبيلِ نُصْرة إخوانِنا، ونستجيبَ لوصيةِ حبيبِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم حين قال:«انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا» .
أيها المؤمنونَ: ومع كلِّ ما تَبذلُون فاعلموا أن دينَ الله منصورٌ من قِبَلِ الذي أنزلَه، فهو أغيرُ لدينِه وحُرُماتِه منّا .. وإنما ننصرُ أنفسَنا، ونقدِّمُ لأنفسِنا، والله تعالى أَرحمُ بعبادِه منّا .. ولكننا مُمتَحنون في ولائِنا للمؤمنينَ وبراءتِنا من
(1) فغير المسلمين باتوا يستنكرون ويتظاهرون.
الكافرين، ومُمتَحنون في الخوفِ من البشرِ أو من ربِّ البشر، ألا فثِقُوا بالله ونَصْرِه وأَحسِنوا الظنَّ وعلِّقوا الرجاءَ بالله، ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون.
اللهم انصُرْ دينَك وعبادَك الصالحين، اللهم انتقِمْ للمظلومينَ من الظالمين «اللهم قاتِلِ الكفرةَ الذين يصُدُّون عن سبيلِك ويُكذِّبون رسلَك، واجعلْ عليهم رِجزَك وعذابَك، اللهم قاتل الكفرةَ الذين أُوتوا الكتابَ إلهَ الحقِّ» (1)، وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّ الهدى والرحمةِ.
(1) صحيح الأدب المفرد/ للبخاري، ص 260.