الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، شَرَعَ لنا أكملَ الدِّينِ، وخصَّنا ببعثةِ خاتمِ المرسَلين، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا يُعبَدُ إلا بما شَرَعَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، قال وهو الصادقُ المصدوق:«مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ» صلى اللهُ وسلَّمَ عليه وعلى سائرِ الأنبياء والمرسلين.
إخوةَ الإسلام.
المَعْلَم الخامسُ: وإذا تفاخرتِ الأُممُ بأديانِها وتشبَّثت الشعوبُ بمعبوداتِها -من دونِ الله- فحُقَّ للأُمةِ الإسلامية أن تفَخَرَ بدينِها الحقِّ، وأن تتمسَّك بعبادتِها الصحيحة، وتَثبُتَ على هَدْي السماء، شعارُها:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (1).
المَعلُم السادس: ولا ينبغي للأُمةِ المسلمة وللفَرْدِ المسلم أن يصدَّه عن اتِّباعِ
(1) سورة الأنعام، الآيات: 161 - 164.
(2)
سورة الأنعام، الآية:70.
الدِّين الحقِّ والدعوةِ إليه ما يَجِدُه من هَجَماتِ الأعداء ومَكْرِهِم، فتلك هجماتٌ وفتنٌ قديمةٌ تتجدَّد، ووعدُ اللهِ حقٌّ {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (1)، {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (2).
المَعلَم السابع: وثمةَ مصطلحاتٌ خادعةٌ وأفكارٌ مرفوضةٌ تُطلَقُ بين الفَيْنة والأخرى باسمِ (وَحْدةِ الأديان) أو (التقريبِ بين الأديان) أو نحوها من مصطلحاتٍ وآراءٍ تُلبِسُ الحقَّ بالباطل، وتَنْأى عن منهجِ القرآن في محاورةِ أَهلِ الكتاب على أساسِ قولهِ تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (3)، هذا حكمُ القرآن ومَن أحسنُ من الله حُكمًا لقومٍ يُوقِنون، أما الواقعُ التاريخيُّ فقد اتَّسمَ تاريخُ العَلاقاتِ بين المسلمين وأهلِ الكتاب بالعَداءِ والجهادِ المستمرِّ، وكان فتحًا مُبِينًا في القرونِ الفاضلة الأولى، وسِجالًا في العصورِ الوسيطة، وانحسارًا في العصورِ الحديثة، وكان النصرُ والتمكينُ متناسبًا تناسبًا طرديًّا مع التزامِ المسلمين بدينِهم وأَخْذِهم بأسبابِ القوة المعنويّةِ والماديةِ عبرَ مراحلَ تاريخيةٍ متمايزةٍ، دون أن تشهدَ على الإطلاق أيَّ لونٍ من (الوِفاق الدِّيني) أو (التقاربِ العَقَدي) وستظلُّ هذه السِّمَةُ باقيةً وملازمةً للطائفةِ المنصورةِ حتى قيامِ الساعة، لا يضرُّهم من خَذَلَهم ولا من خالفهم -كما قال رسولُ الهدى (4).
(1) سورة البقرة، الآية:217.
(2)
سورة، الآية:120.
(3)
سورة آل عمران، الآية:64.
(4)
د. أحمد القاضي: دعوة التقريب بين الأديان 4/ 1630 بتصرف.
المَعلَم الثامن: إنَّ هذه الأفكارَ المرفوضةَ في الدعوةِ (لتوحيد الأديانِ) أو (تقارِبها) لا تُلغِي أهميةَ الحوارِ بين المسلمين وأتباعِ الأديانِ الأُخرى من قِبَلِ علماءَ متخصِّصين راسخين في العلمِ والدين، ويجيدون لغةَ الحوار مع الآخرين مع الشعورِ بعزَّةِ الإسلام، وذلك لدعوةِ الآخرين للحقِّ، والبلاغِ المبين، وتوضيحِ الإسلام بصورتِه الساطعة، وكشفِ الباطلِ والوصولِ بالإسلام إلى شعوبٍ طالما حُجِبَت عن نوره الوضَّاءِ، وذلك باستخدامِ وسائلِ الإعلام بمختلفِ قَنَواتِها، والتقنياتِ الحديثة ووسائِلها المختلفةِ .. فتلك من واجباتِ المسلمين في الدعوةِ والبلاغ.
المَعلَم التاسع: ويبقى بعدَ ذلك التديُّنُ بالإسلامِ الحقِّ أمانٌ من الفتنِ بإذنِ الله، وطريقٌ للسعادةِ في الدنيا والنعيمِ المقيمِ في الآخرة ..
إنه -أعني التديُّنَ المشروعَ- طريقُ الجنة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (1).
وهو السبيلُ لمحبةِ الناسِ وتقديرِهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (2).
وبه يحصلُ الأمنُ في الأوطان {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (3).
ويتوفَّرُ رَغَدُ العيشِ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} (4)، بل إنَ بَنِي الإنسانِ كلَّهم خاسرون إذا لم يتديَّنوا ويعملوا
(1) سورة الكهف، الآيتان: 107، 108.
(2)
سورة مريم، الآية:96.
(3)
سورة الأنعام، الآية:82.
(4)
سورة الأعراف، الآية:96.
وَفْقَ ما شَرَعَ الله {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (1)، يطمئنُّ الناسُ لأهلِ الدين، ويَثِقُون بالمتديِّنين، ويَغبِطون الملتزمين، فماذا يمنعُك أخا الإسلام أن تكون في طليعةِ المتديّنين الصادقين؟
المَعلَم العاشر: ولا يَسُوغُ بحالٍ أن يتديَّنَ اليهوديُّ وهو يستمدُّ ديانتَه من (توراة عزِرا) و (تُلموذِ الحاخامات)، ويتديَّنُ النصرانيُّ وهو يستندُ في ديانتِه إلى (الإنجيل المحرَّفة) و (رسائل بولس) وهي خليطٌ من التثليثِ وتأليهِ المسيح وسائرِ البِدَعِ العَقَديَّةِ، ويتديَّن الشيوعيُّ وعقيدتُه تقومُ على الإلحادِ وإنكارِ خالقِ الوجود، ويتديَّنُ الهنادكةُ وهم يعبدونَ البقرَ، ويتديَّنُ غيرُهم وهم يعبدون الشياطينَ أو يعبدون الفروجَ أو نحوَها من ضلالاتٍ ما كان للعقلِ البشريِّ أن ينحطَّ إليها في عصرِ العلمِ والمعرفةِ، ثم لا يَسُوغُ بحالٍ أن تَرُوجَ هذه الدياناتُ الباطلةُ ويتوارى المسلمُ بديانتِه الحقَّة أو يَضعُفُ في الالتزامِ بديِنه، أو يقعدُ عن الدعوةِ وإنقاذِ الحَرْقَى والغرقَى والجُذامَى ومَن بِهِم صرعٌ أو جنون، لقد أظلمَ الكونُ بمعبوداتٍ ضالَّةٍ، فهل يُنقِذُ المسلمون أنفسَهم أولًا من الضعفِ والوهنِ - ثم ينتقلوا لإنقاذِ الآخرين .. ؟
(1) سورة العصر، الآية: 1، 2.