الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغلام الأمريكي المسلم والميلاد الجديد
(1)
الخطبةُ الأُولى:
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ، ومنْ يضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعينَ والتابعينَ وتابعيهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.
عبادَ الله: فضلُ الله يؤتيهِ مَنْ يشاءُ، ومِنْ أعظمِ الفضائل وأكبرِ النِّعَمِ الهدايةُ للدِّينِ الحقِّ دينِ الإسلامِ، إنها الفطرةُ يولَدُ عليها كلُّ مولودٍ .. ولكنَّ عواملَ التأثير بفعلِ الوالدَيْن أو غيرِهم تَحرِفُ عنِ الفطرةِ .. ولكنْ قدْ يعودُ المنحرفُ، بلُ وقد يُسلمُ الكافرُ استجابةً لنداءِ الفطرةِ التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها.
وسأحكي لكمْ هنا قصةً حديثةً معاصرةً وواقعيةً، قرأتُها في إحدى الصحفِ (2) وحدثني بها شهودٌ عيانٌ.
القصةُ وقعتْ في إحدى ولاياتِ أمريكا .. ولشابٍّ يبلغُ منَ العمرِ قُرابةَ عشرِ سنواتٍ، وُلدَ الغلامُ (ألكساندرُ) لأبوينِ نصرانيَّينِ عامَ تسعينَ وتسعَ مئةٍ وألفٍ للميلادِ، وقرَّرتْ أمُّه منذُ البدايةِ أنْ تتركَه ليختارَ الدِّينَ الذي يرغبُ بعيدًا عنْ أيِّ مؤثِّراتٍ عائليةٍ أو اجتماعيةٍ، وما أنْ تعلَّمَ الغلامُ القراءةَ والكتابةَ حتى أحضرتْ له أمُّه كُتبًا عنْ كلِّ الأديانِ السماويةِ وغيرِ السماويةِ، وبعدَ قراءةٍ متفحِّصةٍ قرَّرَ
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 23/ 3/ 1422 هـ.
(2)
جريدة الوطن، السبت 16/ 11/ 1421 هـ.
(ألكساندرُ) أنْ يكونَ مسلمًا! بل شُغفَ حُبًا بهذا الدِّينِ حتى أنه تعلَّمَ الصلاةَ وحفِظَ بعضَ سُوَرِ القرآنِ، وتعلَّمَ الأذانَ، وقرأَ شيئًا عنِ التاريخِ الإسلاميِّ، وتعلَّمَ بعضَ الكلماتِ العربيةِ.
كلُّ هذا -كما يقولُ الخبرُ- دونَ أن يلتقيَ بمسلمٍ واحدٍ، ثمَّ قرَّر أنْ يكونَ اسمُه الجديدُ (محمدَ بنَ عبدِ الله) تيمُّنًا بالرسولِ صلى الله عليه وسلم الذي أحبَّه منذُ نعومةِ أظفارهِ.
إنها الفطرةُ هُديَ لها هذا الغلامُ الأمريكيُّ .. وفَضلُ اللهِ أدركَهُ فتخلَّصَ منْ ظلماتِ الكفرِ، وانحرافاتِ النصرانيةِ أو اليهوديةِ وسواهما .. ونسألُ اللهَ لهُ ولغيرهِ منَ المسلمينَ الثباتَ على الحقِّ.
إخوةَ الإسلامِ! ولا يزالُ العجبُ يُحيطُ بقصةِ هذا الغلامِ، ولا يدري المطّلعُ على قصتِهِ أيعجبُ منْ عصاميَّةِ هذا الشابِّ وقوةِ إرادتهِ وقدرتهِ على اتخاذِ هذا القرارِ بالإسلامِ في وسطٍ اجتماعيٍّ لا يعترفُ بالإسلامِ وإنْ أعطتْهُ أمُّه حريّةَ الاختيارِ، أمْ يعجبُ المطّلِعُ كذلكَ منْ فهمِ الغلامِ لهذا الدِّينِ الجديدِ وحبِّه لهُ واعتناقِه لهُ رغمَ الصعوباتِ التي تواجههُ .. وفي إجاباتِ هذا الغلامِ ما يكشفُ الحقيقةَ أكثرَ .. فعندَ سؤالِه منْ أحدِ المسلمينَ المقابلينَ لهُ: ما هيَ الصعوباتُ التي تعاني منها لكونِكَ مُسلمًا في جوٍّ غيرِ إسلاميٍّ؟ أجابَ الغلامُ بكلِّ أسفٍ وحسرةٍ: تفوتُني بعضُ الصلواتِ في بعضِ الأحيانِ بسببِ عدمِ معرفتي بالأوقات!
يا سبحانَ الله! غلامٌ حديثُ العهدِ بالإسلامِ، وفي بيئةٍ غيرِ مسلمةٍ يتحسَّرُ على فواتِ وقتِ الصلاةِ -أحيانًا- وعذرُهُ عدمُ معرفةِ الوقتِ، وليسَ تهاونًا أو كسلًا! فبماذا يا تُرى يُجيبُ من يتأخَّرونَ عنِ الصلاةِ، وربما فاتتْهمْ في عددٍ منَ الأوقاتِ .. وهمْ يسمعونَ الأذانَ ويرَوْنَ المسلمينَ وهمْ يصلُّونَ، بلْ وهمْ كبارٌ
وفي بيئةٍ إسلاميةٍ تأمرُنا بالصلاةِ وتدعو إليها؟ ! إنَّه الكسلُ وضعفُ الهممِ وغلبةُ الهوى ونزغُ الشيطانِ .. إلا مَنْ كانَ معذورًا بسفرٍ أو مرضٍ.
وهمَّةٌ أخرى .. بل صبرٌ على تكاليفِ الإسلامِ، وتحدٍّ لغيرِ المسلمينَ يبرزُ في قصةِ هذا الغلامِ وهو يُسأَلُ: هلْ صمتَ رمضانَ؟ فيبتسمُ ويقولُ: نعمْ لقد صمتُ رمضانَ الماضيَ كاملًا والحمدُ للهِ، وهيَ المرةُ الأُولى التي أصومُ فيها .. ثمَّ يواصلُ حديثَهُ قائلًا: لقدْ كانَ الصيامُ صعبًا عليَّ خاصةً في الأيامِ الأُولى، ولقدْ تحدَّاني والدي أنني لنْ أستطيعَ الصيامَ، ولكني صُمتُ، ولم يُصدقْ ذلكَ.
وحين سُئلَ الغلامُ المسلمُ عن أُمنيتهِ في الحياةِ أجابَ: عندي العديدُ منَ الأمنياتِ ومنها حفظُ القرآنِ! وتعلُّم لغةِ القرآنِ، وقالَ: أتمنَّى أنْ أذهبَ إلى مكةَ وأقبِّلَ الحَجَرَ الأسودَ! هنا تدخلتْ أمُّه قائلةً: إنْ غُرفةَ ابنِها مملوءةٌ بصُوَر الكعبةِ، وأضافتْ: إنَّ إيمانَ ابنِها بأمورِ الإسلامِ عميقٌ إلى درجةٍ قدْ لا يُحسُّ بها أو يتصوَّرُها الآخرونَ!
ثمَّ استطردَ الغلامُ قائلًا: إنني أحاولُ جمعَ ما تبقَّى منْ مصروفيَ الأسبوعيِّ لكيْ أتمكَّنَ منَ الذهابِ إلى مكةَ المكرَّمةِ يومًا ما .. لقد سمعتُ أنَّ الرحلةَ إلى هناك تكلِّفُ أربعةَ آلافِ دولارٍ تقريبًا، ولديَّ الآنَ منها ثلاثُ مئةِ دولارٍ .. ثمَّ علَّقتْ أمُّهُ والعاطفةُ تغالبُها لتحقيقِ أمنيةِ ابنها، تقولُ: ليسَ عندي أيُّ مانعٍ منْ ذهابهِ إلى مكَة، ولكنْ ليسَ لدينا المالُ الكافي لإرسالهِ في الوقتِ الحالي.
ومرةً أخرى: فرْقٌ بينَ هذا الغلامِ حديثِ الإسلامِ في تطلُّعِه وشوقِه إلى زيارةِ البيتِ الحرامِ وأداءِ مناسكِ الحجِّ والعمرةِ .. وبينَ نفرٍ من المسلمينَ قدْ يكبرونهُ سنًّا، وقدْ يتوفَّرُ لهمْ ما يَحجُّونَ بهِ ويَعتمرونَ، ولكنهمْ مَعَ الأسفِ عنْ كلِّ ذلكَ غافلونَ!
أخي المسلم! أيُّها المتهاونُ في الصلاةِ! وهلْ تدري عنْ قصةِ هذا الغلامِ مَعَ الصلاةِ في وقتِ الدراسةِ وفي مجتمعٍ لا يُقيمُ للصلاةِ وزنًا، بلْ يستنكرُها ويستنكرُ مَنْ يؤدِّيها؟ ! لقد سُئلَ هذا الشابُّ المسلمُ: هلْ تُصلي في المدرسةِ؟ فأجابَ: نعم، وقد اكتشفتُ مكانًا سريًّا في المكتبةِ أصلِّي فيهِ كلَّ يومٍ!
وتابعَ المتحدِّثُ مَعَ هذا الشابِّ يقولُ: وحانَ وقتُ صلاةِ المغربِ وأنا أتحدَّثُ معهُ، فنظرَ إليَّ قائلًا: هلْ تسمحُ لي بالأذانِ؟ ثمَّ قامَ وأذَّنَ، في الوقتِ الذي اغرورقت وقتْ فيهِ عينايَ بالدموعِ!
إنها العزّةُ بالإسلامِ، والفرحُ بذكْرِ اللهِ يُرفَعُ، والاستعدادُ للصلاةِ والتفرغُ لها مهما كانَ نوعُ الارتباطِ دونَ مجاملةٍ أو استحياءٍ في دينِ اللهِ!
إخوةَ الإسلامِ: وأختمُ الحديثَ عنْ واحدةٍ من أُمنياتِ هذا الغلامِ الأمريكيِّ المسلمِ، تنمُّ عنْ وَعْيِه بحقوقِ المسلمينَ ومقدَّساتِهمْ، ووعيِه كذلكَ باعتداءِ اليهودِ واغتصابِهمْ، فقدْ ذَكَرَ منْ أمانيهِ أن تعودَ فلسطينُ للمسلمينَ، فهيَ أرضُهمْ وقد اغتصبَها اليهودُ منهمْ .. ولمْ يَثنِه عنْ هذا الرأيِ خلافُ والدتهِ لهُ .. بلْ قالَ: أمِّي لمْ تقرإِ التاريخَ، ولوْ قرأتْه كما قرأتُ لعرفتْ كما عرفتُ!
إنها عقليةٌ مسلمةٌ شابةٌ يُرجى لها مستقبلٌ زاهرٌ عسى اللهُ أنْ ينفعَ بهِ الإسلامَ والمسلمينَ، وأنْ يهديَ مَنْ ضلَّ إلى الصراطِ المستقيمِ، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (1).
(1) سورة الأنعام، الآية:25.