الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَقِيَّة الطَّبَقَة الْخَامِسَة فِيمَن توفّي بَين الْخَمْسمِائَةِ والستمائة
708 - مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد ابْن عبد الْجَبَّار بن الْفضل بن الرّبيع بن مُسلم بن عبد الله بن عبد الْمجِيد الإِمَام الْكَبِير أَبُو بكر بن الإِمَام أبي المظفر بن الإِمَام أبي مَنْصُور بن السَّمْعَانِيّ الْفَقِيه الأديب الْمُحدث الْحَافِظ الْوَاعِظ الْخَطِيب المبرز فِي علم الحَدِيث رجَالًا وأسانيد ومتونا وَغير ذَلِك جَامع لأشتات الْعُلُوم
وَهُوَ أَبُو الْحَافِظ الْكَبِير تَاج الْإِسْلَام أبي سعد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد وَكَانَ هُوَ أَيْضا يلقب تَاج الْإِسْلَام
مولده فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
سمع وَالِده أَبَا المظفر وَعبد الْوَاحِد بن أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَنصر الله بن أَحْمد الخشنامي وأسعد بن مَسْعُود الْعُتْبِي وَأَبا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد العلاف وَمُحَمّد بن عبد الْكَرِيم بن خشيش الْحَافِظ وَأَبا الْغَنَائِم النَّرْسِي الْحَافِظ وَغَيرهم بمرو ونيسابور والرّيّ وهمذان وبغداد والكوفة وأصبهان وَمَكَّة وَغَيرهَا
روى عَنهُ السلَفِي وَأَبُو الْفتُوح الطَّائِي وَغَيرهمَا
ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق وَقَالَ فِيهِ الإِمَام ابْن الإِمَام ابْن الإِمَام شَاب نَشأ فِي عبَادَة الله وَفِي التَّحْصِيل من صباه إِلَى أَن أرْضى أَبَاهُ حظي من الْعَرَبيَّة وَالْأَدب والنحو وثمرتها نظما ونثرا بِأَعْلَى الْمَرَاتِب
ينفث إِذا خطّ بأقلامه عقد السحر وينظم من مَعَاني كَلَامه عُقُود الدّرّ متصرفا فِي الْفُنُون بِمَا يَشَاء كَيفَ يَشَاء مُطيعًا لَهُ على البديهة الْإِنْشَاء ثمَّ برع فِي الْفِقْه مستدرا أخلافه من أَبِيه بَالغا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف أقْصَى مراميه وَزَاد على أقرانه وَأهل عصره بالتبحر فِي علم الحَدِيث وَمَعْرِفَة الرِّجَال والأسانيد وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْجرْح وَالتَّعْدِيل والتحريف والتبديل وَضبط الْمُتُون والمشكلات من الْمعَانِي مَعَ الْإِحَاطَة بالتواريخ والأنساب
وطرز أكمام بمجالس تذكيره الَّذِي تتصدع صم الصخور عِنْد تحذيره وتتجمع أشتات الْعِظَام النخرة عِنْد تبشيره وتصغي آذان الْحفظَة لمجاري نُكْتَة وتختطف الْمَلَائِكَة لفاظه إشاراته من شفته ويخترق حجب الشداد السَّبع صواعد دعواته ويطفئ أطباق الْجَحِيم سوابق عبراته وَهُوَ مَعَ ذَلِك متخلق بِأَحْسَن الْأَخْلَاق مُتَمَكن بتواضعه وتودده من الأحداق رافل فِي جلابيب أهل الصَّفَا مراع لعهود الأسلاف بِحسن الوفا مَجْمُوع لَهُ الْأَخْلَاق الحميده ثَابت لَهُ الْحُقُوق الأكيدة
خلف أَبَاهُ ببلدته فِي مجَالِس التدريس وَالنَّظَر والتذكير وَزَاد عَلَيْهِ فِي الخطابة وَالْقَبُول التَّام بَين الْخَاص وَالْعَام وصبر على مكابدة الْخُصُوم اللد ومقاومة المعاندين
والمخالفين ونفق سوق تقواه وورعه عِنْد الْمُلُوك والأكابر حَتَّى عظموا خدمته وتبركوا بِهِ وبنصحه وَكَلَامه وَصَارَ قطب قطره حشمة وَحرمه وجاها ومنزلة مستغنيا بكافة وَمَا آتَاهُ الله من غير منَّة مَخْلُوق عَن التَّعَرُّض لمنال شَيْء من الحطام قاصرا همه وأيامه على الإفادة وَنشر الْعلم مد الله فِي عَزِيز أنفاسه وأبقاه حجَّة على الْعلمَاء
هَذَا كَلَام عبد الغافر
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد رحمه الله أمْلى وَالِدي مائَة وَأَرْبَعين مَجْلِسا فِي غَايَة الْحسن والفوائد بِجَامِع مرو واعترف بِأَنَّهُ لم يسْبق إِلَى مثلهَا وصنف تصانيف فِي الحَدِيث
قلت ووقفت على كثير من إمْلَائِهِ وَهُوَ دَال على علو شَأْنه فِي الْفِقْه والْحَدِيث واللغة
قَالَ وَلَده وَكَانَ يملي فِي مجْلِس وعظه الْأَحَادِيث بأسانيدها فَاعْترضَ عَلَيْهِ بعض المنازعين وَقَالَ مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ يصعد الْمِنْبَر ويعد الْأَسَامِي وَنحن لَا نَعْرِف وَلَعَلَّه يَضَعهَا فِي الْحَال وَكتب هَذَا الْكَلَام فِي رقْعَة وَأعْطيت لَهُ بعد أَن صعد الْمِنْبَر فَنظر فِيهَا وروى حَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار بنيف وَتِسْعين طَرِيقا ثمَّ قَالَ إِن لم يكن فِي هَذَا الْبَلَد أحد يعرف الحَدِيث فنعوذ بِاللَّه من الْمقَام بِبَلَد مَا فِيهَا من يعرف الحَدِيث وَإِن كَانَ فليكتب عشرَة أَحَادِيث بأسانيدها وَيتْرك اسْما أَو اسْمَيْنِ من كل إِسْنَاد ويخلط الْأَسَانِيد بَعْضهَا بِبَعْض فَإِن لم أميز بَينهَا وأضع كل اسْم مِنْهَا مَكَانَهُ فَهُوَ كَمَا يَدعِيهِ
وفعلوا ذَلِك امتحانا فَرد كل اسْم إِلَى مَوْضِعه وَطلب الْقُرَّاء الَّذين يقرءُون فِي مَجْلِسه فِي ذَلِك الْيَوْم شَيْئا فَأَعْطَاهُمْ الْحَاضِرُونَ ألف دِينَار
قَالَ أَبُو سعد هَذَا كُله من مُحَمَّد بن أبي بكر السنجي
قَالَ وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم عيدا لأهل السّنة
وَكَانَ وَالِده الإِمَام أَبُو المظفر إِذا جرى شَيْء يتَعَلَّق بالأدب أَو اللُّغَة أَو سُئِلَ عَن شَيْء من ذَلِك يَقُول سلو ابْني مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ أعرف باللغة مني
قَالَ صَاحب الْكَافِي سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن المرداخواني وَكَانَ من تلامذة الْأَمَام أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ يَقُول كنت شريك ابْنه أبي بكر مُحَمَّد ومعيدنا أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي فَتَأَخر حُضُور مُحَمَّد يَوْمًا ثمَّ جَاءَ وَقد احْمَرَّتْ عَيناهُ من الْبكاء فَقَالَ لَهُ أَبُو عبد الله مَا الَّذِي خَلفك وَمَا شَأْنك
فَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام فناولني قدحا مملوءا مَاء وَقَالَ لي اشرب فَأَخَذته وشربته كُله وانتبهت وَقد أثر ذَلِك فِي عروقي وَسَائِر جَسَدِي
فَنَهَضَ الإِمَام أَبُو عبد الله مسرعا إِلَى الصّفة الَّتِي فِيهَا الإِمَام أَبُو المظفر وَهُوَ يَقُول الْبشَارَة الْبشَارَة وَأخْبرهُ بالمنام فَقَالَ الإِمَام أَبُو المظفر الْحَمد لله
وَقَالَ إِنِّي رَأَيْت مثل هَذَا الْمَنَام وَلَكِنِّي مَا شربت جَمِيع المَاء بل بعضه وَهُوَ شرب جَمِيعه فيجتمع عِنْده جَمِيع أَحَادِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَللْإِمَام أبي بكر شعر كثير ويحكى أَنه غسل قبل مَوته جَمِيع المسودات الَّتِي فِيهَا شعره فَلم يُوجد لَهُ إِلَّا مَا كَانَ على ظُهُور الدفاتر من الْأَجْزَاء
ويحكى أَن شخصا كتب إِلَيْهِ رقْعَة وفيهَا أَبْيَات شعر وَأَرَادَ جوابها فَقَالَ أما الأبيات فقد أسلم شَيْطَان شعري فَلَا جَوَاب لَهَا
وَمن مليح شعره
(أقلى النَّهَار إِذا أَضَاء صباحه
…
وأظل أنْتَظر الظلام الدامسا)
(فالصبح يشمت بِي فَيقبل ضَاحِكا
…
وَاللَّيْل يرثي لي فيدبر عَابِسا)
وَله أَيْضا
(وظبي فَوق طرف ظلّ يَرْمِي
…
بِسَهْم اللحظ قلب الصب طرفه)
(يُؤثر طرفه فِي الْقلب مَا لَا
…
يُؤثر فِي الْحَصَى والترب طرفه)
وَله مَا أورد أَبُو سعد فِي كتاب التحبير فِي تَرْجَمَة أبي حَامِد أَحْمد بن عبد الله الفازي الصُّوفِي الْمَعْرُوف بالأوحد وَذكر أَنه قَالَ فِي قَرْيَة فَازَ إِحْدَى قرى طوس
(نزلنَا بقْعَة تدعى بفاز
…
فَكَانَ ألذ من نيل المفاز)
(وقست إِلَى ثراها كل أَرض
…
فَكَانَت كالحقيقة فِي الْمجَاز)
وَفِي أبي بكر السَّمْعَانِيّ يَقُول الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي
(هُوَ الْمُزنِيّ إبان الْفَتَاوَى
…
وَفِي علم الحَدِيث التِّرْمِذِيّ)
(وجاحظ عصره فِي النثر صدقا
…
وَفِي وَقت التشاعر بحتري)
(وَفِي النَّحْو الْخَلِيل بِلَا خلاف
…
وَفِي حفظ اللُّغَات الْأَصْمَعِي)
قلت وددت لَو قَالَ
وَفِي الشّعْر الأديب البحتري
وَسلم من لفظ التشاعر وَمن تنكر البحتري
وَقَالَ آخر فِيمَا ذكر السلَفِي
(يَا سائلي عَن علم الزَّمَان
…
وعالم الْعَصْر لَدَى الْأَعْيَان)
(لست ترى فِي عَالم العيان
…
كَابْن أبي المظفر السَّمْعَانِيّ)
وَقدم القَاضِي يحيى بن صاعد الْهَرَوِيّ نيسابور وَكَانَ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ بهَا فَدخل عَلَيْهِ زَائِرًا فَأَطْرَقَ يحيى بن صاعد رَأسه سَاعَة ثمَّ رَفعه وَأنْشد يَقُول
(قل للْإِمَام بن الإِمَام مُحَمَّد بن
…
مظفر بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ)