الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجَعَ أخسر من صَفْقَة أبي غشبان وليعلن بِقِرَاءَة هَذَا الْأَمر على المنابر ليعلم بِهِ الْحَاضِر البادي وَيَسْتَوِي فِيهِ البادي الْحَاضِر وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل
قلت لَا أَشك أَن هَذَا الْفَصْل من كَلَام القَاضِي الْفَاضِل
وَهَذِه وقائع شَتَّى
من ابْتِدَاء دُخُوله إِلَى مصر قبل أَن يتسلطن وإِلَى أَن اسْتَأْثر الله بِرُوحِهِ الطاهرة مختصرة مُقْتَصرا فِيهَا على عُيُون الْأَخْبَار
فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة كَانَ مسير أَسد الدّين شركوه عَم السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى مصر الْمسير الثَّالِث
وَذَلِكَ أَن الفرنج قصدت الديار المصرية فِي جموع كَثِيرَة وَكَانَ الْملك نور الدّين من جِهَة الشمَال ونواحي الْعرَاق فطلعوا من عسقلان وَأتوا إِلَى بلبيس فحاصروها وملكوها واستباحوها ثمَّ نزلُوا على الْقَاهِرَة فحاصروها فَأحرق شاور مصر خوفًا من الفرنج وَبقيت النَّار فِيهَا أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا فَلَمَّا ضايقوا الْقَاهِرَة وَضعف الْمُسلمُونَ عَنْهُم بعث إِلَى ملكهم يطْلب الصُّلْح على ألف ألف دِينَار يعجل لَهُ بَعْضهَا فَأَجَابَهُ ملك الفرنج واسْمه مري إِلَى ذَلِك وَحلف لَهُ فَحمل إِلَيْهِ شاور مائَة ألف دِينَار وماطله بِالْبَاقِي وَكَاتب فِي ذَلِك الْملك الْعَادِل نور الدّين يستنجد بِهِ وسود كِتَابه وَجعل فِي طيه ذوائب النِّسَاء وواصل كتبه يستحثه وَكَانَ بحلب فساق أَسد الدّين من حمص إِلَى حلب فِي لَيْلَة
قَالَ القَاضِي بهاء الدّين ابْن شَدَّاد قَالَ لي السُّلْطَان صَلَاح الدّين كنت أكره النَّاس لِلْخُرُوجِ إِلَى مصر هَذِه الْمرة وَهَذَا معنى قَوْله {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم}
وَقَالَ ابْن الْأَثِير إِن صَلَاح الدّين قَالَ لما وَردت الْكتب من مصر إِلَى نور الدّين أحضرني وأعلمني الْحَال وَقَالَ تمْضِي إِلَى عمك أَسد الدّين بحمص مَعَ رَسُول إِلَيْهِ تحثونه على الْحُضُور فَفعلت فَلَمَّا سرنا عَن حلب ميلًا لقيناه قادما فَقَالَ لَهُ نور الدّين تجهز فَامْتنعَ للخوف من غدرهم أَولا وَعدم مَا يُنْفِقهُ فِي العساكر آخرا فَأعْطَاهُ نور الدّين الْأَمْوَال وَالرِّجَال وَقَالَ لَهُ إِن تَأَخَّرت عَن مصر سرت أَنا بنفسي فَإِنَّهَا إِن ملكهَا الفرنج لَا يبْقى مَعَهم بِالشَّام مقَام فَالْتَفت إِلَى عمي وَقَالَ تجهز يَا يُوسُف
فَكَأَنَّمَا ضرب قلبِي بسكين فَقلت وَالله لَو أَعْطَيْت ملك مصر مَا سرت إِلَيْهَا فَلَقَد قاسيت بالإسكندرية من المشاق مَالا أنساه
فَقَالَ عمي لنُور الدّين لَا بُد من مسيره معي وارسم لَهُ فَأمرنِي نور الدّين وَأَنا أستقيله
فانفض الْمجْلس
ثمَّ قَالَ نور الدّين لَا بُد من مسيرك مَعَ عمك فشكوت الضائقة فَأَعْطَانِي مَا تجهزت بِهِ وكأنما أساق إِلَى الْمَوْت
وَكَانَ نور الدّين رجلا مهيبا فسرت مَعَ عمي فَلَمَّا توفّي أَعْطَانِي الله من الْملك مَا لَا كنت أتوقعه انْتهى
فَجمع أَسد الدّين الجيوش وَسَار إِلَى دمشق وَعرض بهَا الْجَيْش وَتوجه إِلَى مصر فِي جَيش عَرَمْرَم فَقيل كَانُوا سبعين ألف فَارس وراجل فتقهقر الفرنج لمجيئه وَدخل الْقَاهِرَة فِي سَابِع ربيع الآخر وَجلسَ فِي الدست وخلع عَلَيْهِ العاضد خلع السلطنة وولاه وزارته وَقَامَ شاور بضيافته عسكره وَتردد إِلَى خدمته فَطلب مِنْهُ أَسد الدّين مَالا يُنْفِقهُ على جَيْشه فماطله فَبعث إِلَيْهِ الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد الهكاري يَقُول إِن الْجَيْش طلبُوا نَفَقَتهم وَقد مَا ظلتهم بهَا وَقد تَغَيَّرت قُلُوبهم فَإِذا أتيتني فَكُن على حذر مِنْهُم
فَلم يُؤثر هَذَا عِنْد شاور وَركب على عَادَته وأتى أَسد الدّين مسترسلا وَقيل إِنَّه تمارض فجَاء شاور يعودهُ فاعترضه صَلَاح الدّين وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء النورية فقبضوا عَلَيْهِ فَجَاءَهُمْ رَسُول العاضد يطْلب رَأس شاور فذبح وَحمل إِلَيْهِ فِي سَابِع عشر ربيع الآخر ثمَّ لم يلبث أَسد الدّين أَن حَضرته الْمنية بعد خَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا فقلد العاضد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين بن يُوسُف السلطنة ولقب الْملك النَّاصِر وَكتب بتقليده القَاضِي الْفَاضِل بعد مَا كَانَ وَقع خلف كَبِير عِنْد الْفَرَاغ من عزاء أَسد الدّين فِيمَن يكون سُلْطَانا ثمَّ اتّفقت كلمة الْأُمَرَاء النورية على صَلَاح الدّين قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وألزموا صَاحب الْقصر يَعْنِي العاضد بتوليته
وَقَالَ القَاضِي كَانَت الْوَصِيَّة إِلَى صَلَاح الدّين من عَمه فَلبس خلعة السلطنة بِالْقصرِ بَين يَدي العاضد وَقبل يَده وَجَاء إِلَى دَار الوزارة وَإِن شِئْت قلت دَار السلطنة فَإِن الوزارة عِنْد الفاطميين هِيَ السلطنة اسْما وَمعنى وَجلسَ فِي دست الْملك وَشرع فِي تركيب السلطنة وترتيبها فَأول مَا دهمه أَمر الْخَادِم الْخصي الَّذِي كَانَ يلقب مؤتمن الْخلَافَة فَإِنَّهُ شقّ الْعَصَا بَاطِنا وائتمر وتنمر وانضمت إِلَيْهِ طوائف من أَخبث الروافض وكاتبوا الفرنج خُفْيَة فاتفق أَن تركمانيا عبر بالبئر الْبَيْضَاء فَرَأى نَعْلَيْنِ جديدين مَعَ إِنْسَان فَأَخذهُمَا وَجَاء بهما إِلَى صَلَاح الدّين فَوجدَ فِي البطانة خرقَة مَكْتُوب فِيهَا إِلَى الفرنج من الْقصر فَقَالَ دلوني على كَاتب هَذَا الْخط فَدلَّ على يَهُودِيّ