الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر كَانَ عَالما بِالْمذهبِ وَالْأُصُول وعلوم الْقُرْآن قتل بيعلبك فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
869 - عبد الرَّحِيم بن عبد القاهر بن عبد الله بن عموية السهروردي أَبُو الرِّضَا بن أبي النجيب الْوَاعِظ الصُّوفِي مَاتَ بعد السِّتين والخمسمائة
870 -
عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم بن هوزان الْأُسْتَاذ أَبُو نصر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي
الإِمَام الْعلم بَحر مغدق زخار وَحبر هُوَ فِي زَمَانه رَأس الْأَحْبَار إِذا قيل كَعْب لأحبار وَهَمَّام مقدم وَإِمَام تقتدي بِهِ الهداة وتأتم نما من تِلْكَ الْأُصُول الطاهرة غصنه المورق عَليّ الأنجم الزاهرة بدره الْمشرق ورع يأنف أَن يعد غير دَار السَّلَام دَارا ويستقل الجوزاء إِذا هُوَ جاوزها أَن يتَّخذ فِيهَا قرارا مجل مَا ادلهم ليل المشكلات وأمسي ومصل يسمع النَّاس لكَلَامه فَلَا تسمع لَهُم إِلَّا همسا تلْتَقط الدُّرَر من كلمة ويتناثر الْجَوْهَر من حكمه ويؤوب المذنب عِنْد وعظه وَيَتُوب العَاصِي بِمُجَرَّد سَماع لَفظه ينطبع فِي الْقلب من كَلِمَاته صُورَة وَيحدث للأنفس الزكية مِنْهُ
عظات إِذا مدها لم تكن على أهل الطَّاعَة مَقْصُورَة كم من فَاسق تَابَ فِي مَجْلِسه وَدخل فِي الطَّاعَة وَكم من كَافِر آب إِلَى الْحق سَاعَة وعظه وآمن فِي السَّاعَة بِمن بعث بَين يَدي السَّاعَة صلى الله عليه وسلم لَو اسْتمع لَهُ الصخر لانفلق وَلَو فهم كَلَامه الْوَحْش لاستحسنه وَقَالَ صدق يصدع الْقلب القاسي خطابه ويكاد يجمع عِظَام ذَوي الْغَفْلَة النخرة عتابه ويشتت شَمل الشَّيَاطِين مَا يَقُول ويفتت الأكباد مَا يجمعه من الْحق المقبول
هُوَ الرَّابِع من أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم وَأَكْثَرهم علما وأشهرهم اسْما وَالْكل من السيدة الجليلة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق
تحرج بوالده ثمَّ على إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَسمع أَبَاهُ وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا الْحُسَيْن الْفَارِسِي وَأَبا حَفْص بن مسرور وَأَبا سعد الكنجروذي وَأَبا بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبا الْحُسَيْن بن النقور وَأَبا الْقَاسِم الزنجاني وَغَيرهم بخراسان وَالْعراق والحجاز وَحدث بالكثير
روى عَنهُ سبطه أَبُو سعد عبد الله بن عمر الصفار وَأَبُو الْفتُوح الطَّائِي وخطيب الْموصل أَبُو الْفضل الطوسي وَغَيرهم وَأَبُو سعد الصفار آخر من حدث عَنهُ
وَمن الْغَرِيب أَنه سمع مِنْهُ وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وَكتب الطَّبَقَة بِخَطِّهِ وَبَقِي إِلَى سنة سِتّمائَة
ذكر صَاحب السِّيَاق وأفصح المؤرخين على الْإِطْلَاق عبد الغافر الْفَارِسِي الْأُسْتَاذ أَبَا نصر فَقَالَ إِمَام الْأَئِمَّة وَحبر الْأمة وبحر الْعُلُوم وَصدر القروم قَالَ وَهُوَ أشبه أَوْلَاد أَبِيه بِهِ خلقا حَتَّى كَأَنَّهُ شقّ مِنْهُ شقا رباه وَالِده أحسن تربية وزقه الْعَرَبيَّة فِي صباه زقا حَتَّى برع فِيهَا وكمل فِي النّظم والنثر فحاز فيهمَا قصب السَّبق
وَكَانَ ينفث بِالسحرِ أقلامه على الرّقّ استوفى الْحَظ الأوفى من علم الْأُصُول وَالتَّفْسِير تلقنا من وَالِده ورزق السرعة فِي الْكِتَابَة بِحَيْثُ كَانَ يكْتب كل يَوْم طاقات على الاعتياد لَا يلْحقهُ فِيهِ كَبِير مشقة وَحصل أنواعا من الْعُلُوم الدقيقة والحساب
وَلما توفّي أَبوهُ انْتقل إِلَى مجْلِس إِمَام الْحَرَمَيْنِ وواظب على درسه وصحبته لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَزِمَه عشيا وإبكارا حَتَّى حصل طَرِيقَته فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وجدد عَلَيْهِ الْأُصُول وَكَانَ الإِمَام يعْتد بِهِ ويستفرغ أَكثر أَيَّامه مَعَه مستفيدا مِنْهُ بعض مسَائِل الْحساب فِي الْفَرَائِض والدور والوصاية
فَلَمَّا فرغ من تَحْصِيل الْفِقْه تأهب لِلْخُرُوجِ لِلْحَجِّ وَحين وصل إِلَى بَغْدَاد وَعقد لَهُ الْمجْلس وَرَأى أهل بَغْدَاد فَضله وكماله وعانيوا خصاله بداله من الْقبُول عِنْدهم مَا لم يعْهَد مثله لأحد قبله وَحضر مَجْلِسه الْخَواص وَلزِمَ الْأَئِمَّة مثل أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الَّذِي هُوَ فَقِيه الْعرَاق فِي وقته عتبَة منبره
وأطبقوا على أَنهم لم يرَوا مثله فِي تبحره وَخرج إِلَى الْحَج وَلما عَاد كَانَ الْقبُول عَظِيما وزائدا على مَا كَانَ من قبل وَبلغ الْأَمر فِي التعصب لَهُ مبلغا يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة وقلما كَانَ يَخْلُو مَجْلِسه عَن إِسْلَام جمَاعَة من أهل الذِّمَّة
وَخرج بعد من قَابل رَاجعا إِلَى الْحَج فِي أكمل حرمه وترفه فِي خدمَة من أَمِير الْحَاج وَأَصْحَابه وَعَاد إِلَى بَغْدَاد وَأمر الْقبُول بِحَالهِ والفتنة مشرئبة تكَاد تضطرم فَبعث إِلَيْهِ نظام الْملك يستحضره من بَغْدَاد إِلَى أَصْبَهَان فَأكْرم مورده وَبَقِي أهل بَغْدَاد عطاشا إِلَيْهِ وَإِلَى كَلَامه مِنْهُم من لم يفْطر عَن الصَّوْم سِنِين بعده وَمِنْهُم من لم يحضر من بعده مجْلِس
تذكير قطّ وَأَشَارَ الصاحب عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى خُرَاسَان وَوَصله بصلات سنية وَدخل قزوين وَلَقي بهَا قبولا تَاما وَلما عَاد استقبله الْأَئِمَّة والصدور وَكَانَ يواظب بعد مَا لَقِي من الْقبُول على درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ ويشتغل بِزِيَادَة التَّحْصِيل وَكَانَ أَكثر صغوة فِي أَوَاخِر أَيَّامه إِلَى الرِّوَايَة قَلما يَخْلُو يَوْم من أَيَّامه عَن مجْلِس للْحَدِيث أَو مجلسين وَتُوفِّي عديم النظير فريد الْوَقْت بَقِيَّة أكَابِر الدُّنْيَا انْتهى
قلت وَأعظم مَا عظم بِهِ أَبُو نصر أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نقل عَنهُ فِي كتاب الْوَصِيَّة من النِّهَايَة وَهَذِه مرتبَة رفيعة
والفتنة الْمشَار إِلَيْهَا فِي كَلَام عبد الغافر فتْنَة الْحَنَابِلَة فَإِن الْأُسْتَاذ أَبَا نصر قَامَ فِي نصْرَة مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وباح بأشد النكير على مخالفيه وغبر فِي وُجُوه المجسمة فِي كائنه لَا يَخْلُو هَذَا الْكتاب عَن شرحها
وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو نصر قد اعتقل لِسَانه فِي آخر عمره إِلَّا عَن الذّكر فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بآي الْقُرْآن وَكَانَ يحفظ من الْأَشْعَار والحكايات مَالا يُحْصى كَثْرَة وَقيل إِنَّه كَانَ يحفظ خمسين ألف نصف بَيت قيل وَكَانَ يحب الْعُزْلَة والانزواء فَلَمَّا انقرضت الجوينية وَصَارَ مقدما احْتَاجَ إِلَى الْخُرُوج وَحُضُور المحافل إِذْ كَانَ قد بَقِي عين أهل مَدِينَة نيسابور والمشار إِلَيْهِ فِي صُدُور محافل العزاء والهناء بَعْدَمَا انقرض بَيت الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَولده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ رجلا معظماحتى عِنْد مشايخه فَلَقَد أطنب شَيْخه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَدخل الْأُسْتَاذ أَبُو نصر مرّة على الإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ فَأَنْشَأَ الإِمَام ارتجالا
(يميس كغصن إِذا مَا بدا
…
ويبدو كشمس ويرنو كريم)
(مَعَاني النجابة مَجْمُوعَة
…
لعبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم)
وَمن شعر الْأُسْتَاذ أبي نصر
(ليَالِي وصال قد مضين كَأَنَّهَا
…
لآلي عُقُود فِي نحور الكواعب)
(وَأَيَّام هجر أعقبتها كَأَنَّهَا
…
بَيَاض مشيب فِي سَواد الذوائب)
وَقَالَ
(تَقْبِيل خدك أشتهى
…
أمل إِلَيْهِ أنْتَهى)
(لَو نلْت ذَلِك لم أبل
…
بِالروحِ منى أَن تهي)
(دنياي لَذَّة سَاعَة
…
وعَلى الْحَقِيقَة أَنْت هِيَ)
وَقَالَ أَيْضا
(شَيْئَانِ من يعذلني فيهمَا
…
فَهُوَ على التَّحْقِيق مني بَرى)
(حب أبي بكر إِمَام التقى
…
ثمَّ اعتقادي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ)
وَقَالَ فِي وَلَده فضل الله
(كم حسرة لي فِي الحشا
…
من وَلَدي وَقد نشا)
(كُنَّا نشَاء رشده
…
فَمَا نشا كَمَا نشا)
وَقَالَ
(رَمَضَان أرمضني بصادات على
…
عدد الطبائع والفصول الْأَرْبَعَة)
(صَوْم وَصوب مَا يغيب سَحَابَة
…
وصبابة وصدود من قلبِي مَعَه)
وَوَقعت إِلَيْهِ رقْعَة استفتاء فِيهَا
(مَا على عاشق رأى الْحبّ مختا
…
لَا كغصن الْأَرَاك يحمل بَدْرًا)
(فَدَنَا نَحوه يقبل خديه
…
غراما بِهِ ويلثم ثغرا)
(وَعَلِيهِ من العفاف رَقِيب
…
لَا يداني فِي سنة الْحبّ غدرا)
(أعليه جِنَايَة توجب الْحَد م
…
أجبنا لقِيت رشدا وَبرا)
فَأجَاب من أَبْيَات
(مَا على من يقبل الْحبّ حد
…
غير أَنِّي أرَاهُ حاول نكرا)