الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَفِيفا على قلبه وَلما افْتتح مَعَ عَمه مصر ثمَّ اسْتَقل بالوزارة عظمت سطوته واتفقت لَهُ وقْعَة مَعَ السودَان سنة بضع وَسِتِّينَ وَكَانُوا نَحْو مئتي ألف فنصر عَلَيْهِم وَقتل أَكْثَرهم وهرب الْبَاقُونَ وابنتي سور مصر والقاهرة على يَد قراقوش واستفحل أمره جدا إِلَى أَن أباد بَيت الفاطميين وأهان الرَّفْض وَغَيرهم من بدع المبتدعين
ذكر يسير من أخباره بعد استقلاله بالسلطنة وَمَوْت العاضد
وَقد كَانَ لما قبض على الفاطميين أَخذ فِي نصْرَة السّنة وإشاعة الْحق وإهانة المبتدعة وَالْقَبْض على الفاطمية والانتقام من الروافض وَكَانُوا بِمصْر كثيرين ثمَّ تجردت همته إِلَى الفرنج وغزوهم وَكَانَ من أمره مَعَهم مَا ضَاقَتْ بِهِ التواريخ وَكَانَ من أول فتوحاته برقة ونفوسة افتتحها على يَد أَخِيه شمس الدولة فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ثمَّ فِي سنة تسع افْتتح الْيمن وَقبض على المتغلب عَلَيْهَا عبد النَّبِي بن مهْدي ثمَّ فِي سنة سبعين سَار من مصر إِلَى دمشق بعد وَفَاة نور الدّين مظْهرا أَنه يُقيم نَفسه أتابكا لولد نور الدّين لكَونه صَبيا فَدَخلَهَا يلاطفه وَنزل بِالْبَلَدِ بدار أَبِيه الْمَعْرُوفَة بدار العقيقي الَّتِي هِيَ الْيَوْم الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة ثمَّ تسلم القلعة وَصعد إِلَيْهَا وَأخرج الصَّبِي من الْملك وَصَارَ هُوَ سُلْطَان مصر وَالشَّام واليمن والحجاز ثمَّ سَار قَاصِدا حماة وحمص وَلم يشْتَغل بِأخذ قلعتها
ثمَّ نَازل حلب وَهِي الْوَقْعَة الأولى وفيهَا سير السُّلْطَان غَازِي بن مودود أَخَاهُ عز الدّين مسعودا فِي جَيش كَبِير لحربه وَكَانَ بهَا ولد نور الدّين فترحل عَن حلب وَنزل على قلعة حمص فَأَخذهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يظْهر حسن الْمَقَاصِد وَأَنه قَاصد إعزاز الدّين وإنقاد الْبِلَاد من الفرنج وتسهيل أُمُور الْمُسلمين
وَجَاء عز الدّين مَسْعُود فَأخذ مَعَه عَسْكَر حلب وَصَارَ إِلَى قُرُون حماة وَأخذ صَلَاح الدّين يراسلهم دواما للصلح كَيْلا يَقع سيف بَين الْمُسلمين وهم يراسلونه وَهُوَ يظنون أَنه يطْلب الصُّلْح لضَعْفه عَنْهُم وهم لَا يعْرفُونَ مَا عَلَيْهِ الرجل من حسن النِّيَّة وحقق عِنْدهم مَا ظنوه كَثْرَة عساكرهم وَقلة من كَانَ مَعَ صَلَاح الدّين من الْعَسْكَر فِي ذَلِك الْوَقْت فَلَمَّا أَبَوا إِلَّا المشاجرة معتقدين أَن المصاف مَعَهم يحصل غرضهم وأعجبتهم كثرتهم لاقاهم صَلَاح الدّين فَكَانَت الْهَزِيمَة عَلَيْهِم وَأسر صَلَاح الدّين مِنْهُم خلقا ثمَّ سَاق وَرَاءَهُمْ وَنزل على حلب ثَانِيًا فَصَالَحُوهُ وَأَعْطوهُ المعرة وَكفر طَابَ وبارين
وَجَاء صَاحب الْموصل غَازِي فحاصر أَخَاهُ عماد الدّين زنكي صَاحب سنجار لكَونه انْتَمَى إِلَى صَلَاح الدّين ثمَّ صَالحه لما بلغ غَازِي كسر أَخِيه مَسْعُود وَنزل بنصيبين وَجمع العساكر وَأنْفق الْأَمْوَال وَعبر الْفُرَات وَقدم حلب فَخرج إِلَى تلقيه ابْن عَمه الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين وَأقَام على حلب مُدَّة
ثمَّ كَانَت وقْعَة تل السُّلْطَان وَهِي منزلَة بَين حلب وحماة جرت بَين صَلَاح الدّين وَصَاحب الْموصل فِي سنة إِحْدَى وَسبعين فنصر صَلَاح الدّين وَرجع غَازِي وعدي الْفُرَات بَعْدَمَا استأصل صَلَاح الدّين كثيرا من خيامه وأمواله وفرقها فِي جماعته ثمَّ سَار
(وَإِن نثر
…
خلت الحبر)
(نهى أَمر
…
صم الْبشر)
(كف الْغَيْر
…
فكم أسر)
(علجا كفر
…
فَلَا مقرّ)
(إِلَّا سقر
…
ذَات الشرر)
(ملك بهر
…
إِذا اعتكر)
(ليل الْغرَر
…
أَو انهمر)
(دم همر
…
سَاءَ وسر)
(نفعا وضر
…
خيرا وَشر)
(كم اعْتبر
…
مِنْهُ النّظر)
(فضل السّير
…
إِذا ظهر)
(قَالَ الْبشر
…
كم لعمر)
(يَوْم
…
أغر)
وَقد قيل أول من أبدع هَذَا الْمَعْنى فنظم قصيدة على حرف وَاحِد أَبُو النَّجْم حَيْثُ يَقُول
صَلَاح الدّين فتسلم منبح وحاصر قلعة أعزاز ثمَّ نَازل حلب ثَالِثا وَأقَام عَلَيْهَا مُدَّة فأخرجوا ابْنة صَغِيرَة لنُور الدّين إِلَى صَلَاح الدّين فَسَأَلته أعزاز فَوَهَبَهَا لَهَا ثمَّ عَاد إِلَى الديار المصرية واستناب بِدِمَشْق أَخَاهُ شمس الدولة تورانشاه وَكَانَ قد عَاد من الْيمن وَكَانَت هَذِه السفرة مِنْهُ إِلَى الشَّام مِمَّا نقم عَلَيْهِ ظَاهرا للإساءة فِيهَا إِلَى ولد نور الدّين وَهُوَ ابْن مخدومه الَّذِي انشأه وَأحسن إِلَيْهِ وقيامه على بَيت الْملك والعز قبله وهما صَاحب الْموصل وَأَخُوهُ غير أَن الْحَال بِالآخِرَة تبين أَن الله تَعَالَى قد أَرَادَ إعزاز دينه على يَد هَذَا الرجل وَأَنه لَا يتم للْمُسلمين أَمر بِدُونِ سُلْطَان قاهر قَادر على استئصال شأفة الفرنج فِي ذَلِك الْوَقْت يجْتَمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا تتفرق عَنهُ كلمتهم وَيكون هُوَ فِي نَفسه جَدِيرًا بذلك وأبى الله أَن يكون فِي ذَلِك الْعَصْر إِلَّا صَلَاح الدّين
فَلَمَّا وصل إِلَى الْقَاهِرَة عَائِدًا من الشَّام بعد مَا فعل مَا رَأَيْت مجمله دون مفصله وَفِي تفاصيله شرح كَبِير أحلناك على كتبه خرج إِلَى الفرنج فِي سنة ثَلَاث والتقاهم على الرملة فانكسر الْمُسلمُونَ يَوْمئِذٍ وَثَبت صَلَاح الدّين وتحيز بِمن مَعَه ثمَّ دخل إِلَى مصر وَلم شعث الْعَسْكَر ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام وَملك حلب وَغَيرهَا من الْبِلَاد وعظمت الشَّوْكَة ثمَّ توجه لمحاصرة الفرنج بالكرك وَجَاء أَخُوهُ الْعَادِل من مصر وَكَانَ قد استنابه عَلَيْهَا فسير صَلَاح الدّين تَقِيّ الدّين عمر ابْن أَخِيه ليحفظ مصر وَأعْطى أَخَاهُ الْعَادِل حلب بعد أَن كَانَ بهَا وَلَده الظَّاهِر بن صَلَاح الدّين وَقدم الظَّاهِر من حلب ثمَّ أعَاد الْعَادِل إِلَى مصر وَالظَّاهِر إِلَى حلب ثمَّ نزل على الْموصل وترددت الرُّسُل بَينه وَبَين صَاحبهَا عز الدّين ثمَّ مرض صَلَاح الدّين فَرجع إِلَى حران وَاشْتَدَّ مَرضه بِحَيْثُ أيسوا مِنْهُ وحلفوا لأولاده
بإمرة وَالله يُرِيد حَيَاته ليتم إعزاز دينه فَعُوفِيَ وَمر بحمص وَقد مَاتَ بهَا ابْن عَمه مُحَمَّد بن شيركوه فأقطعها لوَلَده شيركوه ثمَّ استعرض التَّرِكَة فَأخذ أَكْثَرهَا وَكَانَ عمر شيركوه اثْنَتَيْ عشرَة سنة ثمَّ إِن شيركوه هَذَا الشَّاب حضر بعد سنة عِنْد صَلَاح الدّين فَقَالَ لَهُ أَيْن بلغت فِي الْقُرْآن فَقَالَ إِلَى قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا} فَعجب الْحَاضِرُونَ من ذكائه وَقيل إِن صَلَاح الدّين إِنَّمَا أَخذ الْأَمْوَال ليحفظها لهَذَا الشَّاب
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ افْتتح صَلَاح الدّين بِلَاد الفرنج وَأسر مُلُوكهمْ وكسرهم على حطين وتوالت عَلَيْهِ الفتوحات وأنقذ الْبَيْت الْمُقَدّس مِنْهُم وافتتحه وأعز الدّين
وَمِمَّا اقتلعه من يَد الفرنج طبرية وَقتل وَأسر فِي ذَلِك الْيَوْم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا وتسلم قلعتها وأحضر إِلَيْهِ صَلِيب الصلبوب وَضرب بَين يَدَيْهِ فِي مخيمه أَعْنَاق مِائَتي فَارس من عُظَمَاء الفرنج
ثمَّ افْتتح مَدِينَة عكا وَكَانَت من أعظم حصونهم وَأكْثر مدنهم وَأقَام بهَا الْخطْبَة الإسلامية ثمَّ افْتتح الْبَيْت الْمُقَدّس وَغَيره وأخلى مَا بَين الشَّام ومصر من الفرنج وَهَذَا عداد مَا يحضرنا من فتوحاته من أَيدي الفرنج قلعة أَيْلَة
طبرية
عكا
الْقُدس
الْخَلِيل
الكرك
الشوبك
نابلس
عسقلان
بيروت
صيدا
غَزَّة
لد
حيفا
صفورية
الفولة
معليا
الطّور
إسكندرونة
قلنسوة
يافا
أرسوف
قيسارية
جبلة
يَبْنِي
صرفند
عفربلاد
اللجون
نجدقاقون
مجدل
يابا
تل الصافية
بَيت نوبا
النطرون
الجيب
البيرة
بَيت لحم
ديخاوزاوا
حصن الدَّيْر
دمرا
قلقيلية
هريث
الزيب
الوعيرة
الهرمز
بعلب
العازرية
نقوع
الكرمل
مجدل
الطار
الْمعبر فِي جبل عاملة
والشقيف
سبسطية
وَيُقَال بهَا قبر زَكَرِيَّا
وجبيل
وكوكب
وأنطرطوس
واللاذقية
وبكسرائيل
وصهيون
وحبلة
وقلعة الْعِيد
وقلعة الجماهرية
وبلاطنس
والشغر
وبكاس
وسرمانية
وبرزية
ودربساك
وبغراس
وَكَانَا كالجناحين لأنطاكية ومدينة صفد
وكل هَذِه مَدَائِن منيعة وأكثرها الْيَوْم قرى كبار وَمِنْهَا مَدَائِن كَثِيرَة بَاقِيَة إِلَى الْآن
ونازل صور مُدَّة وَلم يقدر لَهُ فتحهَا وَله مصافات يطول شرحها وافتتح كثيرا من بِلَاد النّوبَة من يَد النَّصَارَى
وَمن تَأمل الرسائل الْفَاضِلِيَّةِ رأى الْعجب من تأثيرات هَذِه الرجل فِي الْإِسْلَام وَمن شدَّة بأسه وشجاعته
وَكَانَت مَمْلَكَته من الغرب إِلَى تخوم الْعرَاق وَمَعَهَا الْيمن والحجاز فَملك ديار مصر بأسرها مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهَا من بِلَاد الْمغرب وَالشَّام بأسرها مَعَ حلب وَمَا والاها وَأكْثر ديار ربيعَة وَبكر والحجاز بأسره واليمن بأسره وَنشر الْعدْل فِي الرّعية وَحكم بِالْقِسْطِ بَين الْبَريَّة مَعَ الدّين المتين والورع والزهد وَالْعلم كَانَ يحفظ الْقُرْآن والتنبيه والحماسة
قَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف رَأَيْت السُّلْطَان صَلَاح الدّين على الْقُدس فَرَأَيْت ملكا عَظِيما يمْلَأ الْقُلُوب روعة والعيون محبَّة قَرِيبا وبعيدا سهلا محببا وَأَصْحَابه يتشبهون بِهِ يتسابقون إِلَى الْمَعْرُوف كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} وَأول لَيْلَة
حَضرته وجدت مَجْلِسا حفلا بِأَهْل الْعلم يتذاكرون فِي أَصْنَاف الْعُلُوم وَهُوَ يحسن الِاسْتِمَاع والمشاركة وَيَأْخُذ فِي كَيْفيَّة بِنَاء الأسوار وحفر الْخَنَادِق ويتفقه فِي ذَلِك وَكَانَ مهتما فِي بِنَاء سور الْقُدس وحفر خندقه يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ وينقل الْحِجَارَة على عَاتِقه ويتأسى بِهِ جَمِيع الْأَغْنِيَاء والفقراء فيركب لذَلِك قبل طُلُوع الشَّمْس إِلَى وَقت الظّهْر وَيَأْتِي دَاره فيمد السماط ثمَّ يستريح ويركب الْعَصْر وَيرجع فِي ضوء المشاعل وَيصرف أَكثر اللَّيْل فِي تَدْبِير مَا يعمله نَهَارا وَكَانَ يحفظ الحماسة ويظن أَن كل فَقِيه يحفظها انْتهى مُخْتَصرا
وَقد وَثَبت عَلَيْهِ الإسماعيلية مرّة فجرحوه وَسلمهُ الله وَهُوَ الَّذِي ابتنى قلعة الْقَاهِرَة على جبل المقطم
وَفتح من بِلَاد الْمُسلمين حران وسروج والرها والرقة والبيرة وسنجار ونصيبين وآمد وَملك حلب والبوازيج وشهرزور وحاصر الْموصل إِلَى أَن هادنه صَاحبهَا عز الدّين مَسْعُود وَدخل فِي طَاعَته وَكَانَت هَذِه عَادَته إِذا دخل أحد فِي طَاعَته لَا يُقَابله إِلَّا بِالْإِحْسَانِ
وَفتح أَيْضا من بِلَاد الشرق خلاط على يَد ابْن عَمه تَقِيّ الدّين فَهَذَا مَا افتتحه من بِلَاد الشرق
وَاسْتولى أَيْضا على طَائِفَة وَفتح عسكره مَدِينَة طرابلس الغرب وَكسر عَسْكَر تونس وخطب بهَا لبني الْعَبَّاس وافتتح بِلَاد الْيمن قيل وَلَو لم يَقع الْخلف بَين عسكره الَّذين جهزهم إِلَى الغرب لملك الغرب بأسره
وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ مَعَ طول مدَّته أحد عسكره على كثرتهم
وَكَانَ النَّاس يأمنون ظلمه لعدله ويرجون رفده لكثرته
وَلم يكن لمبطل وَلَا لصَاحب هزل عِنْده نصيب
وَكَانَ إِذا قَالَ صدق وإِذا وعد وفى وَإِذا عَاهَدَ لم يخن وَإِذا نَازل بَلَدا وأشرف على أَخذه ثمَّ يطْلب أَهله الْأمان يؤمنهم وَكَانَ جَيْشه يتألمون لذَلِك لفَوَات حظهم وَلَا يسعهم إِلَّا وفاقه وامتثال أمره
وَكَانَ رَقِيق الْقلب جدا وَرُبمَا حلق على مَدِينَة وأحاط بهَا فَسمع بكاء الْحَرِيم فَتَركهَا وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك مَعَ الْمُسلمين
فَمن كتاب فاضلي فِي فتوح حمص لما أحدقت العساكر المنصورة بالسور العاصم إحداق السوار بالمعاصم وطارت السِّهَام إِلَى أوكارها من الضلوع وَبَرقَتْ الأسنة وَكَأَنَّهَا زبد بحار الدُّمُوع حصحص الْحق واتسع الْخرق وَعلم أَن مَا أَرَادَهُ الْخَالِق لَا يردهُ الْخلق فارتفع الضجيج وَعلا تَحت العجاج العجيج وأدركتنا رقة رفضت من أَيْدِينَا الرقَاق وخشية عنت لنا أَعِنَّة الْفُسَّاق فرفعنا على الأسوار أعلاما منشورة بالكف والإمساك مأمورة وَوضعت الْحَرْب أَوزَارهَا وحلت الأمنة أزرارها وشفعنا الْوُجُوه المستورة بالخفر من نسوانها فِي الْوُجُوه المكشوفة بالمعصية من فرسانها
وَرُبمَا حاصر قوما وَلم يمْنَع الْميرَة عَنْهُم وَجرى مَعَهم على كذبهمْ ليأخذهم بالسهولة ثمَّ يتَبَيَّن لَهُ غدرهم وكذبهم وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحلم عَنْهُم ويراعي مصلحَة الدّين كَمَا اتّفق لَهُ فِي حمص وَقد افْتتح الْمَدِينَة وعصت عَلَيْهِ القلعة وَلم يمْنَع الْميرَة عَن أَهلهَا ثمَّ لما تبين لَهُ حَالهم لم يُبَادر إِلَى الْهدم مَعَ مَا فِيهِ من سرعَة نصرته خشيَة على القلعة لكَونهَا من حصون الْمُسلمين وطاول بهم الْأَمر إِلَى أَن تيَسّر لَهُ فتحهَا
فَمن كتاب فاضلي عَن السُّلْطَان وَهُوَ محاصر قلعة حمص وَقد بلغه أَن أَهلهَا استنجدوا عَلَيْهِ بالفرنج وأمرنا فِي القلعة بِأَن لَا يضيق لَهَا خناق وَلَا يضعف لأَهْلهَا أرماق وَلَا يمْنَع البيع وَالشِّرَاء والانتقال وَيفتح لَهَا مَا لَا يفسح فِيهِ من يُرِيد تثقيل وَطْأَة الْحصار وَكَانَ من استدعائهم الفرنج مَا كَانَ وَهَان بِفضل الله تَعَالَى من أَمرهم ماهان
ثمَّ أَخذ يصف القلعة الْمشَار إِلَيْهَا بِكَوْنِهَا نجما فِي سَحَاب وعقابا فِي عِقَاب
وَهَامة لَهَا الغمامة عِمَامَة وأنملة إِذا خضبها الْأَصِيل كَانَ الْهلَال مِنْهَا قلامة عاقدة حبوة صالحها الدَّهْر على أَن لَا يحلهَا بفزعه عاقدة عصمَة صافحها الزَّمن على أَن لَا يروعها بخلعة فاكتنفت بهَا عقارب لَا تطبع طبع حمص فِي العقارب وضربتها بِالْحِجَارَةِ فأظهرت الْعَدَاوَة الْمَعْلُومَة بَين الْأَقَارِب وَلم تكن غير ثالثه من الْجد إِلَّا وَقد أثرت فِيهَا جدريا بضربها وَلم نصل إِلَى السَّابِع إِلَّا وَالْبَحْر أَتَى ينذر بنقبها واتسع الْخرق على الراقع وَسقط سعدها عَن الطالع إِلَى مولد من هُوَ إِلَيْهَا طالع وَفتحت الأبراج فَكَانَت أبوابا