الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفّي الْبَغَوِيّ فِي شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة بمرو الروذ وَبهَا كَانَت إِقَامَته وَدفن عِنْد شَيْخه القَاضِي الْحُسَيْن
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَلم يحجّ قَالَ وَأَظنهُ جَاوز الثَّمَانِينَ
قلت هما إمامان من تلامذة القَاضِي صَاحب التَّتِمَّة لم يتَجَاوَز اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة وَصَاحب التَّهْذِيب أَظُنهُ أشرف على التسعين
وَمن غرائب الْفَرْع عَن الْبَغَوِيّ
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي مسائلة الَّتِي خرجها فِي صَلَاة الْجِنَازَة لَو لم يكن إِلَّا النِّسَاء لم تجب عَلَيْهِنَّ
وَذهب فِي فَتَاوِيهِ إِلَى أَن من لَا جُمُعَة عَلَيْهِ أَو أَرَادَ أَن يُصَلِّي الظّهْر خلف من يُصَلِّي الْجُمُعَة فَإِن كَانَ صَبيا جَازَ وَإِن كَانَ بَالغا لم يجز قَالَ لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْجمعَةِ
وَذهب كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي التَّهْذِيب إِلَى وجوب مسح قدر الناصية من الرَّأْس فِي الْوضُوء وَنَقله فَخر الدّين عَنهُ فِي المناقب ظَانّا أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة وَلَا شكّ أَن ذَلِك مُتَوَقف على أَن الْبَغَوِيّ يُصَرح بِتَقْدِير الناصية بِالربعِ كَمَا فعلت الْحَنَفِيَّة وَإِلَّا فاختياره خَارج عَن الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَهُوَ أقرب من مَذْهَب أبي حنيفَة
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب فِي بَاب الْأَوَانِي وتطهير النَّجَاسَات فِي أثْنَاء فصل فِي بَيَان النَّجَاسَات وَفِي البلغم وَجْهَان أَحدهمَا طَاهِر كالنخامة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّانِي نجس كالمرة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف انْتهى
وَقَالَ شَيْخه القَاضِي الْحُسَيْن فِي الْفَتَاوَى النخامة النَّازِلَة من الرَّأْس أَو من الْحلق طَاهِرَة وَإِن خرجت من الْمعدة نَجِسَة
قَالَ وَلَا تخرج من الْمعدة إِلَّا بالاستقاءة والتكلف واما مَا يخرج على الْعَادة فَهُوَ طَاهِر ذكره فِي مسَائِل الصَّلَاة
وَذكر الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ مَسْأَلَة غَرِيبَة من بَاب الْخلْع وَهِي أَنَّهَا إِذا قَالَت لوكيلها اختلعني بِمَا استصوبت لم يكن لَهُ أَن يخالع على عين من أَعْيَان مَالهَا لِأَن كل مَا يُفَوض إِلَى الرَّأْي ينْصَرف إِلَى الذِّمَّة عَادَة وَهُوَ فرع غَرِيب وَفقه جيد
وَذكر فِي فَتَاوِيهِ أَيْضا مَسْأَلَة تعم البلوي بهَا من كتاب النِّكَاح وَهِي امْرَأَة تحضر إِلَى القَاضِي تستدعي تَزْوِيجهَا وَقَالَت كنت زوجا لفُلَان الْغَائِب فطلقني وَانْقَضَت عدتي أَو مَاتَ قَالَ القَاضِي حُسَيْن لَا يُزَوّجهَا حَتَّى تقيم الْحجَّة على الطَّلَاق أَو الْمَوْت لِأَنَّهَا أقرب بِالنِّكَاحِ لفُلَان
قلت وَفِي كتاب أدب الْقَضَاء لأبي الْحسن الدبيلي من أَصْحَابنَا مانصه مَسْأَلَة إِذا جَاءَت غَرِيبَة إِلَى القَاضِي فَقَالَت كَانَ لي زوج بِبَلَد آخر فطلقني ثَلَاثًا أَو مَاتَ فاعتددت فَزَوجنِي من هَذَا الرجل فَإِنَّهُ يقبل قَوْلهَا وَلَا يَمِين عَلَيْهَا وَلَا بَيِّنَة لِأَنَّهَا مالكة لأمرها بَالِغَة عَاقِلَة فَلَا تمنع التَّصَرُّف فِي نَفسهَا بِعقد التَّزْوِيج فَإِن كَانَت صَادِقَة فَذَاك وَإِن ورد زَوجهَا وَصحح التَّزْوِيج وَحلف أَنه لم يُطلق فسخنا النِّكَاح ورددناها عَلَيْهِ بعد الْعدة إِن كَانَ دخل بهَا وَقُلْنَا يصحح النِّكَاح لِأَن إِقْرَار الْمَرْأَة بعد عقد الثَّانِي لَا يسمع وكل امْرَأَة قَالَت لَا ولي لي يجب أَن يقبل قَوْلهَا وَإِن كُنَّا نعلم أَنه لَا تَخْلُو امْرَأَة من أَب وجد فِي غَالب الْأَحْوَال فَلم يلْزمنَا مطالبتها بِمَوْت أَبِيهَا أَو جدها وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الْأَوْلِيَاء
وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا قَالَ اشْتريت هَذِه الْجَارِيَة من فلَان جَازَ أَن يَشْتَرِي مِنْهُ وَلم يجز أَن يُقَال قد اعْترفت أَن الْجَارِيَة كَانَت لفُلَان فصحح شراءك مِنْهُ فَكَذَلِك لَا يُقَال للْمَرْأَة صححي طَلَاقك من زَوجك أَو مَوته بل يعْقد لَهَا على مَا ذَكرْنَاهُ
فَأَما إِذا كَانَ الزَّوْج فِي الْبَلَد وَلَيْسَت بغريبة تَدعِي الطَّلَاق أَو الْمَوْت فَلَا يعْقد الْحَاكِم حَتَّى تصحح ذَلِك انْتهى
نقلته من أَوَائِل الْكتاب بعد نَحْو سبع وَرَقَات من أَوله وَقد حَكَاهُ ابْن الرّفْعَة عَنهُ مُقْتَصرا عَلَيْهِ وَلم يحك كَلَام الْبَغَوِيّ
وَالَّذِي يظْهر لي أَنه لَا مُخَالفَة بَينهمَا بل كَلَام الْبَغَوِيّ الَّذِي قدمْنَاهُ فِيمَا إِذا ذكرت زوجا معينا وَكَلَام الدبيلي فِيمَا إِذا ذكرت مَجْهُولا وَفرق بَين الْمعِين والمجهول غير أَن قَول الدبيلي آخرا فَأَما إِذا كَانَ الزَّوْج فِي الْبَلَد
…
إِلَى آخِره قد يفهم أَنه لَا فرق فِيمَا ذكره بَين الْمَجْهُول والمعين فَإِن لم يكن كَذَلِك فَكَلَام القَاضِي الَّذِي نَقله الْبَغَوِيّ يُخَالِفهُ وَالْوَجْه مَا قَالَه القَاضِي الْحُسَيْن
ثمَّ رَأَيْت الْوَالِد رحمه الله قد ذكر فِي شرح الْمِنْهَاج كلا من كَلَام الدبيلي وَالْقَاضِي وَقَالَ كَلَام القَاضِي أولى ثمَّ قَالَ إِن كَلَام القَاضِي فِي الْمعِين وَكَلَام الدبيلي فِي الْمَجْهُول كَمَا قلته سَوَاء ثمَّ قَالَ وتفرقته بَين الْغَائِب الْحَاضِر فِي الْبَلَد لَا وَجه لَهُ بل إِن كَانَ غير معِين قبل قَوْلهَا مُطلقًا وَإِن كَانَ معينا لم يقبل مُطلقًا إِلَّا بنيه انْتهى
فرع من بَاب صَلَاة الْمُسَافِر قَالَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي آخر هَذَا الْبَاب لَو نوى الْكَافِر وَالصَّبِيّ السّفر إِلَى مَسَافَة الْقصر ثمَّ أسلم وَبلغ فِي أثْنَاء الطَّرِيق فَلهُ الْقصر فِي بَقِيَّته
انْتهى
وَهُوَ فِي الصَّبِي مُشكل فَإِنَّهُ كَانَ من أهل الْقصر قبل الْبلُوغ وَقد غلط من فهم عَن الْبَيَان أَنه لَا يَصح من الصَّبِي الْقصر وَالصَّوَاب أَنه من أهل
ثمَّ قَالَ فِي التَّعْزِير بِالْحَبْسِ إِن من النَّاس من يحبس يَوْمًا وَمِنْهُم من يحبس إِلَى غَايَة لَا تقدر لَكِن بِحَسب تأدية الِاجْتِهَاد وَيُرَاد بهَا الْمصلحَة
وَقَالَ الزبيرِي من أَصْحَابنَا تقدر غَايَته بشهور الِاسْتِبْرَاء والكشف وبستة أشهر للتأديب والتقويم
والمرتبة الثَّالِثَة النَّفْي اخْتلف فِي غَايَته ظَاهر الْمَذْهَب أَن أَكْثَره مَا دون السّنة انْتهى
وَهَذَا مِنْهُ وَمن الشَّاشِي قبله تَصْرِيح بِجَوَاز التَّعْزِير بِالنَّفْيِ والإخراج عَن الْبَلَد وَقد صنعه عمر رضي الله عنه وَلَا شكّ فِي جَوَازه وَأَشَارَ إِلَى جَوَازه أَيْضا القَاضِي الْحُسَيْن غير أَنه وَقع فِي عبارَة الرَّافِعِيّ أما جنسه يَعْنِي التَّعْزِير من الْحَبْس أَو الضَّرْب جلدا أَو صفعا فَهُوَ إِلَى رَأْي الإِمَام وَلم يُصَرح بِالنَّفْيِ فَصَارَ كثير من الطّلبَة يستغرب مَسْأَلَة النَّفْي وَلَا غرابة فِيهَا وَالْحق أَن ولي الْأَمر إِذا رَآهُ مصلحَة جَازَ لَهُ التَّعْزِير بِهِ وَقد صرح بِهِ الشَّاشِي ومجلي وَهُوَ وَاضح ثمَّ رَأَيْته مُصَرحًا بِهِ أَيْضا فِي الْحَاوِي للماوردي وَالْبَحْر للروياني وَكلهمْ صَرَّحُوا بِأَن ظَاهر الْمَذْهَب أَن النَّفْي ينقص عَن سنة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي حَتَّى لَا يصير مُسَاوِيا للتغريب فِي الزِّنَا
قَالَ فِي الذَّخَائِر بعد أَن ذكر قبُول رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي المَال فِي كتاب الشَّهَادَات مَا نَصه وَيقبل الرجل والمرأتان مَعَ وجود الرجلَيْن وَمَعَ عدمهما وَحكى فِي الْحَاوِي أَنه لَا يقبل الرجل والمرأتان إِلَّا مَعَ عدم الرجلَيْن وَالْمذهب الأول انْتهى
والواقف على هَذَا يتَوَهَّم أَن صَاحب الْحَاوِي حَكَاهُ عَن مَذْهَبنَا لقَوْله وَالْمذهب الأول وَذَلِكَ غير مَعْرُوف فِي مَذْهَبنَا وَلَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنهُ إِنَّمَا حَكَاهُ عَن مَالك