الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ أَبُو نصر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الخطيبي سَمِعت مَحْمُود بن أبي تَوْبَة الْوَزير يَقُول مضيت إِلَى بَاب بَيت أبي الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فَإِذا بِالْبَابِ مَرْدُود وَهُوَ يتحدث مَعَ وَاحِد فوقفت سَاعَة وَفتحت الْبَاب فَمَا كَانَ فِي الدَّار غَيره فَقلت مَعَ من كنت تَتَحَدَّث فَقَالَ كَانَ هُنَا وَاحِد من الْجِنّ كنت ُأكَلِّمهُ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أجَاز لي مروياته وَسمعت مُحَمَّد بن أَحْمد النوقاني يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ يَقُول كنت فِي الْبَادِيَة فأنشدت
(سرى يخبط الظلماء وَاللَّيْل عاسف
…
حبيب بأوقات الزِّيَارَة عَارِف)
(فَمَا راعني إِلَّا سَلام عَلَيْكُم
…
أَأدْخل قلت ادخل وَلم أَنْت وَاقِف)
فجَاء بدوي وَجعل يطرب ويستعيدني
قلت وَهَذَانِ البيتان مذكوران فِي تَرْجَمَة الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ
مَاتَ هَذَا الشَّيْخ سنة إِحْدَى عشرَة أَو اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
حكى فِي شرح الْإِرْشَاد إِجْمَاع الْمُسلمين على أَنه تجب التَّوْبَة من الصَّغَائِر كَمَا تجب من الْكَبَائِر وَلَعَلَّه اتبع فِي هَذَا النَّقْل إِمَامه
وَمَسْأَلَة التَّوْبَة من الصَّغَائِر مَعْرُوفَة بِالْخِلَافِ بَين شَيخنَا أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأبي هَاشم بن الجبائي
كَانَ شَيخنَا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول تجب التَّوْبَة
من كل ذَنْب وَخَالفهُ أَبُو هَاشم وَرُبمَا ادّعى بعض أَئِمَّتنَا أَن أَبَا هَاشم خرق فِي ذَلِك إِجْمَاعًا سَابِقًا عَلَيْهِ وَلَعَلَّ أَبَا الْقَاسِم جرى على هَذَا
وَفِي هَذَا الْموضع فضل نظر قد كَانَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمه الله يتَرَدَّد فِي وجوب التَّوْبَة عينا من الصَّغَائِر وَيَقُول لَعَلَّ وُقُوعهَا يكفر بِالصَّلَاةِ وباجتناب الْكَبَائِر فَيَقْتَضِي أَن الْوَاجِب فِيهَا أحد الْأَمريْنِ من التَّوْبَة أَو فعل مَا يكفرهَا وَبِتَقْدِير الْوُجُوب فَيحْتَمل أَن لَا تجب على الْفَوْر بل حَتَّى يمْضِي مُدَّة لَا يكفرهَا ويجتمع لَهُ فِي الْمَسْأَلَة احتمالات وجوب التَّوْبَة مِنْهَا عينا على الْفَوْر كالكبيرة وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ ووجوبها عينا لَكِن لَا على الْفَوْر بِخِلَاف الْكَبِيرَة وَوُجُوب أحد الْأَمريْنِ من التَّوْبَة أَو فعل الْمُكَفّر لَهَا
ثمَّ الشَّيْخ الإِمَام رحمه الله فِيمَا أَحسب لَا يسلم أَنه خَارج عَن مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فِي هَذَا بل يرد الْخلاف بَينه وَبَين أبي هَاشم إِلَى هَذَا وَيَقُول لَيْسَ مُرَاد الْأَشْعَرِيّ تعين التَّوْبَة بل محو الذَّنب إِمَّا بِالتَّوْبَةِ النصوح أَو فعل المكفرات لَهُ وَهَذَا على حَسَنَة غير مُسلم عِنْدِي بل الَّذِي أرَاهُ وجوب التَّوْبَة عينا على الْفَوْر وَعَن كل ذَنْب نعم إِن فرض عدم التَّوْبَة عَن الصَّغِيرَة ثمَّ جَاءَت المكفرات كفرت الصغيرتين وهما تِلْكَ الصَّغِيرَة وَعدم التَّوْبَة مِنْهَا وَهَذَا مَا أرَاهُ قَاطعا بِهِ
كَانَ أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ يَقُول سَمِعت شَيخنَا الإِمَام يَعْنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول التَّكْفِير إِنَّمَا هُوَ السّتْر فَمَعْنَى كَون الصَّلَوَات وَاجْتنَاب الْكَبَائِر مكفرات أَنَّهَا تستر عُقُوبَة الذَّنب فتغمرها وتغلبها كَثْرَة لَا أَنَّهَا تسقطها فَإِن ذَلِك إِلَى مَشِيئَة الله قَالَ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ إِجْمَاع الْأمة على وجوب التَّوْبَة من الصَّغَائِر كالكبائر
قلت الإِمَام اقْتصر على لفظ التَّكْفِير فَإِن مدلولة لُغَة لَا يزِيد على السّتْر لَكنا نقُول إِذا سترت غفرت وطوى أَثَرهَا بِالْكُلِّيَّةِ وإجماعهم على وجوب التَّوْبَة مِنْهَا لَا يُنَافِي ذَلِك