الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لسَيِّد الأَرْض)، أَي: مَالِكهَا، جعل الأَرْض كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوك وَأطلق السَّيِّد عَلَيْهِ. قَوْله:(قَالَ)، أَي: رَافع بن خديج. قَوْله: (فمما يصاب ذَلِك)، أَي: فكثيراً مَا يصاب ذَلِك الْبَعْض، أَي: يَقع لَهُ مُصِيبَة وَيصير مؤوفاً فيتلف ذَلِك وَيسلم بَاقِي الأَرْض، وَبِالْعَكْسِ تَارَة، وَهُوَ معنى قَوْله: وَمِمَّا يصاب الأَرْض وَيسلم ذَلِك أَي: الْبَعْض، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فمهما، فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَرِوَايَة الْأَكْثَرين أولى لِأَن: مهما، يسْتَعْمل لأحد معَان ثَلَاثَة: أَحدهَا: يتَضَمَّن معنى الشَّرْط فِيمَا لَا يعقل غير الزَّمَان. وَالثَّانِي: الزَّمَان وَالشّرط، والزمخشري يُنكر ذَلِك. وَالثَّالِث: الِاسْتِفْهَام، وَلَا يُنَاسب مهما هُنَا إلَاّ بالتعسف، يعلم ذَلِك من يتَأَمَّل فِيهِ، وَأما من لَا عَرَبِيَّة لَهُ فَلَا يفهم من ذَلِك شَيْئا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون: مهما، بِمَعْنى: رُبمَا، لِأَن حُرُوف الْجَرّ يُقَام بَعْضهَا مقَام الْبَعْض، سِيمَا، وَمن، التبعضية تناسب: رب، التقليلية، وعَلى هَذَا الِاحْتِمَال لَا يحْتَاج أَن يُقَال: إِن لفظ ذَلِك من بَاب وضع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر. قَوْله: (فنهينا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: نهينَا عَن هَذَا الإكراء على هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ مُوجب لحرمان أحد الطَّرفَيْنِ، فَيُؤَدِّي إِلَى الْأكل بِالْبَاطِلِ. قَوْله:(وَالْوَرق) ، بِكَسْر الرَّاء هُوَ الْفضة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الْفضة عوض الورث. قَوْله: (فَلم يكن يَوْمئِذٍ)، يَعْنِي: فَلم يكن الذَّهَب وَالْفِضَّة يكرى بهما، لَا أَن مَعْنَاهُ فَلَيْسَ الذَّهَب وَالْفِضَّة موجودين.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن إكراء الأَرْض بِجُزْء مِنْهَا، أَي: بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا مَنْهِيّ عَنهُ، وَهُوَ مَذْهَب عَطاء وَمُجاهد ومسروق وَالشعْبِيّ وطاووس وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَزفر، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث رَافع ابْن خديج الْمَذْكُور. وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا أخرجه الطَّحَاوِيّ. حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي جرير بن حَازِم عَن يعلى بن حَكِيم عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن رَافع بن خديج، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو ليزرعها أَخَاهُ وَلَا يكريها بِالثُّلثِ وَلَا بِالربعِ وَلَا بِطَعَام مُسَمّى) . وَأخرجه مُسلم أَيْضا، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل إِلَى آخِره، وَسَيَأْتِي بعد عشرَة أَبْوَاب، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبد الله بن السَّائِب، قَالَ: سَأَلت عبد الله ابْن مُغفل عَن الْمُزَارعَة، فَقَالَ: أَخْبرنِي ثَابت بن الضَّحَّاك أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن الْمُزَارعَة، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا من حَدِيث جَابر بن عبد الله، وَسَيَأْتِي أَيْضا هَذَا بعد أَبْوَاب، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث سَالم: أَن عبد الله ابْن عمر، قَالَ: كنت أعلم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن الأَرْض تكرى
…
الحَدِيث، وَسَيَأْتِي هَذَا أَيْضا بعد أَبْوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَلما كَانَت أَحَادِيث هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة مُخْتَلفَة الْأَلْفَاظ ومتباينة الْمعَانِي كثرت فِيهِ مَذَاهِب النَّاس وأقوال الْعلمَاء. قَالَ أَبُو عمر: لَا يجوز كِرَاء الأَرْض بِشَيْء من الطَّعَام مَأْكُولا كَانَ أَو مشروباً على حَال، لِأَن ذَلِك فِي معنى بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة، وَكَذَلِكَ: لَا يجوز كِرَاء الأَرْض بِشَيْء مِمَّا يخرج مِنْهَا وَإِن لم يكن طَعَاما وَلَا مشروباً سوى الْخشب والقصب والحطب، لِأَنَّهُ فِي معنى المراقبة، هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ عَن مَالك وَأَصْحَابه. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: اخْتلف النَّاس فِي منع كِرَاء الأَرْض على الْإِطْلَاق، فَقَالَ بِهِ طَاوُوس وَالْحسن أخذا بِظَاهِر النَّهْي عَن المحاقلة، وفسرها الرَّاوِي بكرَاء الأَرْض، فَأطلق. وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء: إِنَّمَا يمْنَع على التَّقْيِيد دون الْإِطْلَاق، وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك، فعندهما أَن كراءها بالجزء لَا يجوز من غير خلاف، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ بعض الصَّحَابَة وَبَعض الْفُقَهَاء بِجَوَازِهِ تَشْبِيها بالقراض، وَأما إكراءها بِالطَّعَامِ مَضْمُونا فِي الذِّمَّة فَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ ابْن حزم: وَمِمَّنْ أجَاز إِعْطَاء الأَرْض بِجُزْء مُسَمّى مِمَّا يخرج مِنْهَا: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن عمر وَسعد وَابْن مَسْعُود وخباب وَحُذَيْفَة ومعاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن مُوسَى وَابْن أبي ليلى وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَابْن الْمُنْذر، وَاخْتلف فِيهَا عَن اللَّيْث، وأجازها أَحْمد وَإِسْحَاق، إلَاّ أَنَّهُمَا قَالَا إِن الْبذر يكون من عِنْد صَاحب الأَرْض، وَإِنَّمَا على الْعَامِل الْبَقر والآلة وَالْعَمَل، وَأَجَازَهُ بعض أَصْحَاب الحَدِيث، وَلم يبال مِمَّن جعل الْبذر مِنْهُمَا.
8 -
(بابُ المُزَارَعَةِ بالشَّطْرِ ونَحْوِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْمُزَارعَة بالشطر، أَي: بِالنِّصْفِ، قَالَ بَعضهم: رَاعى المُصَنّف لفظ: الشّطْر، لوروده فِي الحَدِيث،
وَألْحق غَيره لتساويهما فِي الْمَعْنى، وَلَوْلَا مُرَاعَاة لفظ الحَدِيث لَكَانَ قَوْله: الْمُزَارعَة بالجزء أخصر. قلت: قد يُطلق الشّطْر وَيُرَاد بِهِ الْبَعْض، فَاخْتَارَ لفظ الشّطْر لمراعاة لفظ الحَدِيث، ولكونه يُطلق على الْبَعْض وَالْبَعْض هُوَ الْجُزْء. فَإِن قلت: فعلى هَذَا لَا حَاجَة إِلَى قَوْله: وَنَحْوه؟ قلت: إِذا أُرِيد بِلَفْظ الشّطْر الْبَعْض يكون المُرَاد بِنَحْوِهِ الْجُزْء، فَلَا يحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى التعسف بالإلحاق. فَافْهَم.
وَقل قيْسُ بنُ مُسْلِمً عَن أبِي جَعْفَرٍ قَالَ مَا بالمَدِينَةِ أهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إلَاّ يَزْرَعُونَ علَى الثُّلْثِ والرُّبْعِ
قيس بن مُسلم الجدلي أَبُو عَمْرو الْكُوفِي، مر فِي بَاب زِيَادَة الْإِيمَان، وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الباقر، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ، قَالَ: أَخْبرنِي قيس بن مُسلم عَن أبي جَعْفَر بِهِ. قَوْله: (أهل بَيت هِجْرَة)، أَرَادَ بِهِ الْمُهَاجِرين. قَوْله:(وَالرّبع) ، الْوَاو فِيهِ بِمَعْنى أَو، وَقَالَ بَعضهم: الْوَاو عاطفة على الْفِعْل لَا على الْمَجْرُور، أَي: يزرعون على الثُّلُث ويزرعون على الرّبع. قلت: لَا يُقَال الْحَرْف يعْطف على الْفِعْل، وَإِنَّمَا الْوَاو هُنَا بِمَعْنى: أَو، كَمَا قُلْنَا، فَإِذا خليناها على أَصْلهَا يكون فِيهِ حذف تَقْدِيره: وإلَاّ يزرعون على الرّبع، وَنقل ابْن التِّين عَن الْقَابِسِيّ شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه أنكر رِوَايَة قيس بن مُسلم عَن أبي جَعْفَر، وَعلل بِأَن قيسا كُوفِي وَأَبا جَعْفَر مدنِي، وَلم يروه عَن قيس أحد من الْمَدَنِيين، ورد هَذَا بِأَن انْفِرَاد الثِّقَة الْحَافِظ لَا يضر. وَالْآخر: ذكر أَن البُخَارِيّ ذكر هَذِه الْآثَار فِي هَذَا الْبَاب ليعلم أَنه لم يَصح فِي الْمُزَارعَة على الْجُزْء حَدِيث مُسْند، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ذهل عَن حَدِيث ابْن عمر الَّذِي فِي آخر الْبَاب، وَهُوَ الَّذِي احْتج بِهِ من قَالَ بِالْجَوَازِ.
وَزَارَعَ عَلِيٌّ وسَعْد بنُ مَالِكٍ وعَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ وعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ والْقَاسِمُ وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ وآلُ أبِي بَكْرٍ وآلِ عُمَرَ وآلُ عَلِيٍّ وابنُ سِيرينَ
وصل تَعْلِيق عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عَمْرو بن صليعٍ عَنهُ أَنه: لم ير بَأْسا بالمزارعة على النّصْف. وَوصل تَعْلِيق سعد بن مَالك، وَهُوَ سعد بن أبي وَقاص، وَتَعْلِيق عبد الله بن مَسْعُود، الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا فَهد حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد أخبرنَا شريك عَن إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، قَالَ: سَأَلت مُوسَى بن طَلْحَة عَن الْمُزَارعَة، فَقَالَ: أقطع عُثْمَان عبد الله أَرضًا، وأقطع سَعْدا أَرضًا، وأقطع خباباً أَرضًا وأقطع صهيباً أَرضًا فَكل جاري، فَكَانَا يزرعان بِالثُّلثِ وَالرّبع. انْتهى وَفِيه: خباب وصهيب أَيْضا. وَوصل تَعْلِيق عمر بن عبد الْعَزِيز ابْن أبي شيبَة من طَرِيق خَالِد الْحذاء: أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَى عدي بن أَرْطَأَة أَن يزارع بِالثُّلثِ أَو الرّبع. وَوصل تَعْلِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عبد الرَّزَّاق، قَالَ: سَمِعت هشاماً يحدث أَن ابْن سِيرِين أرْسلهُ إِلَى الْقَاسِم بن مُحَمَّد يسْأَله عَن رجل قَالَ لآخر: إعمل فِي حائطي هَذَا وَلَك الثُّلُث أَو الرّبع، قَالَ: لَا بَأْس. قَالَ: فَرَجَعت إِلَى ابْن سِيرِين فَأَخْبَرته، فَقَالَ: هَذَا أحسن مَا يصنع فِي الأَرْض، وَوصل تَعْلِيق عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام ابْن أبي شيبَة، قَالَه بَعضهم وَلم أَجِدهُ. وَوصل تَعْلِيق آل أبي بكر وَآل عمر فوصله ابْن أبي شيبَة بِسَنَدِهِ إِلَى أبي شيبَة، بِسَنَدِهِ إِلَى أبي جَعْفَر الباقر: أَنه سُئِلَ عَن الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ وَالرّبع؟ فَقَالَ: إِن نظرت فِي آل أبي بكر وَآل عمر وَجَدتهمْ يَفْعَلُونَ ذَلِك، قلت آل الرجل أهل بَيته، لِأَن الْآل الْقَبِيلَة ينْسب إِلَيْهَا فَيدْخل كل من ينْسب إِلَيْهِ من قبل آبَائِهِ إِلَى أقْصَى أَب لَهُ فِي الْإِسْلَام الْأَقْرَب والأبعد. وَوصل تَعْلِيق مُحَمَّد بن سِيرِين بن سعيد بن مَنْصُور بِإِسْنَادِهِ عَنهُ: أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَجْعَل الرجل للرجل طَائِفَة من زرعه أَو حرثه، على أَن يَكْفِيهِ مؤونتها وَالْقِيَام عَلَيْهَا.
وَقَالَ عبدُ الرَّحْمانُ بنُ الأسْوَدِ كُنْتُ أُشَارِكُ عبدَ الرَّحْمانِ بنَ يَزِيدَ فِي الزَّرْعِ
عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ أَبُو بكر الْكُوفِي، وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ الْكُوفِي هُوَ أَخُو الْأسود بن يزِيد، وَابْن أخي عَلْقَمَة بن قيس، وَهُوَ أَيْضا أدْرك جمَاعَة من الصَّحَابَة. وَوصل تَعْلِيقه ابْن أبي شيبَة، وَزَاد فِيهِ، واحمله إِلَى عَلْقَمَة وَالْأسود، فَلَو رَأيا بِهِ بَأْسا لنهياني عَنهُ.
وعامَلَ عُمَرُ الناسَ علَى إنْ جاءَ عُمَرُ بالبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فلَهُ الشَّطْرُ وإنْ جاؤُا بالبَذْرِ فلَهُمْ كذَا
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن يحيى بن سعيد: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أجلى أهل نَجْرَان وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَاشْترى بَيَاض أَرضهم وكرومهم، فعامل عمر النَّاس: إِن هم جاؤا بالبقر وَالْحَدِيد من عِنْدهم فَلهم الثُّلُثَانِ ولعمر الثُّلُث، وَإِن جَاءَ عمر بالبذر من عِنْده فَلهُ الشّطْر، وعاملهم فِي النّخل على أَن لَهُم الْخمس، وَله الْبَاقِي وعاملهم فِي الْكَرم على أَن لَهُم الثُّلُث وَله الثُّلثَيْنِ.
وَقَالَ الحسَنُ لَا بَأْسَ أنْ تَكُونَ الأرضُ لِأَحَدِهِمَا فيُنْفِقَانِ جَمِيعاً فَما خَرَجَ فَهْوَ بَيْنَهُمَا
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، قَالَ بَعضهم: أما قَول الْحسن فوصله سعيد بن مَنْصُور نَحوه. قلت: لم أَقف على ذَلِك بعد الْكَشْف.
ورَأى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ
أَي: رأى مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ مَا قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ، يَعْنِي: يذهب إِلَيْهِ فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: أما قَول الزُّهْرِيّ فوصله عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة نَحوه. قلت: لم أَجِدهُ عِنْدهمَا.
وقالَ الحَسَنُ لَا بَأْسَ أنْ يُجْتَنَى الْقُطْنُ علَى النِّصْفِ
أَن يجتنى من: جنيت الثَّمَرَة إِذا أَخَذتهَا من الشَّجَرَة. وَقَالَ ابْن بطال: أما اجتناء الْقطن والعصفر ولقاط الزَّيْتُون والحصاد، كل ذَلِك غير مَعْلُوم، فَأَجَازَهُ جمَاعَة من التَّابِعين، وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل قاسوه على الْقَرَاض، لِأَنَّهُ يعْمل بِالْمَالِ على جُزْء مِنْهُ مَعْلُوم لَا يدْرِي مبلغه، وَمنع من ذَلِك مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، لِأَنَّهَا عِنْدهم إِجَارَة بِثمن مَجْهُول لَا يعرف.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ وابنُ سِيرينَ وعطَاءٌ والحَكَمُ والزُّهْرِيُّ وقَتادَةُ لَا بأسَ أنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بالثُّلْثِ أوِ الرُّبْعِ ونَحْوَهُ
إِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَابْن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح وَالْحكم هُوَ ابْن عتيبة وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم وَقَتَادَة هُوَ ابْن دعامة، قَالُوا: لَا بَأْس أَن يعْطى للنساج الْغَزل لينسجه وَيكون ثلث المنسوج لَهُ وَالْبَاقِي لمَالِك الْغَزل، وَأطلق الثَّوْب على الْغَزل مجَازًا. أما قَول إِبْرَاهِيم فوصله أَبُو بكر الْأَثْرَم من طَرِيق الحكم أَنه: سَأَلَ إِبْرَاهِيم عَن الحواك يُعْطي الثَّوْب على الثُّلُث وَالرّبع، فَقَالَ: لَا بَأْس بذلك، وَأما قَول ابْن سِيرِين فوصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق ابْن عون: سَأَلت مُحَمَّدًا هُوَ ابْن سِيرِين عَن الرجل يدْفع إِلَى النساج الثَّوْب بِالثُّلثِ أَو بِالربعِ أَو بِمَا تَرَاضيا عَلَيْهِ فَقَالَ لَا أعلم بِهِ بَأْسا وَقَالَ بَعضهم وَأما قَول عَطاء وَالْحكم فوصلهما ابْن أبي شيبَة. قلت: لم أجد ذَلِك عِنْده. وَأما قَول الزُّهْرِيّ فَلم أَقف عَلَيْهِ. وَأما قَول قَتَادَة فوصله ابْن أبي شيبَة بِلَفْظ: أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يدْفع الثَّوْب إِلَى النساج بِالثُّلثِ. وَقَالَ أَصْحَابنَا: من دفع إِلَى حائك غزلاً لينسجه بِالنِّصْفِ فَهَذَا فَاسد، فللحائك أجر مثله. وَفِي (الْمَبْسُوط) : حكى الْحلْوانِي عَن أستاذه أبي عَليّ أَنه كَانَ يُفْتِي بِجَوَاز ذَلِك فِي دياره بنسف، لِأَن فِيهِ عرفا ظَاهرا، وَكَذَا مَشَايِخ بَلخ يفتون بِجَوَاز ذَلِك فِي الثِّيَاب للتعامل، وَكَذَا قَالُوا: لَا يجوز إِذا اسْتَأْجر حمارا يحمل طَعَاما بقفيز مِنْهُ، لِأَنَّهُ جعل الْأجر بعض مَا يخرج من عمله، فَيصير فِي معنى قفيز الطَّحَّان وَقد نهى عَنهُ صلى الله عليه وسلم، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: نهى عَن عسب الْفَحْل وَعَن قفيز الطَّحَّان، وَتَفْسِير: قفيز الطَّحَّان: أَن يسْتَأْجر ثوراً ليطحن لَهُ حِنْطَة بقفيز من دقيقه، وَكَذَا إِذا اسْتَأْجر أَن يعصر لَهُ سمسماً بِمن من دهنه أَو اسْتَأْجر امْرَأَة لغزل هَذَا الْقطن أَو هَذَا الصُّوف برطل من الْغَزل، وَكَذَا اجتناء الْقطن بِالنِّصْفِ، ودياس الدخن بِالنِّصْفِ، وحصاد الْحِنْطَة بِالنِّصْفِ، وَنَحْو ذَلِك، وكل ذَلِك لَا يجوز.
وَقَالَ مَعْمَرٌ لَا بأسَ أَن تكُونَ المَاشِيَةُ علَى الثُّلْثِ أوِ الرُّبْعِ إلَى أجَلٍ مُسَمًّى
معمر، بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد. قَوْله:(أَن تكون الْمَاشِيَة)، ويروى: أَن يكْرِي الْمَاشِيَة، وَذَلِكَ: أَن يكْرِي دَابَّة تحمل لَهُ طَعَاما مثلا إِلَى مُدَّة مُعينَة، على أَن يكون ذَلِك بَينهمَا أَثلَاثًا أَو أَربَاعًا، فَإِنَّهُ لَا بَأْس. وَعِنْدنَا: لَا يجوز ذَلِك، وَعَلِيهِ أُجْرَة الْمثل لصَاحب الدَّابَّة.
8232 -
حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ عِيَاضٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ أنَّ عبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أخْبَرَهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَر أوْ زَرْعٍ فَكانَ يُعْطِي أزْوَاجَهُ مِائَةَ وسْقٍ ثَمانُونَ وسْقَ تَمْرٍ وعِشْرُونَ وسْقَ شَعِيرٍ فقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ فَخَيَّرَ أزْوَاجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ المَاءِ والأرْضِ أوْ يُمْضِي لَهُنَّ فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأرْضَ ومِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الوَسْقَ وكانَتْ عائِشَةُ اخْتَارَتِ الأرْضَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَامل خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج مِنْهَا من تمر أَو زرع) ، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أخبرهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، ويروى: أخبرهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (عَامل خَيْبَر) أَي: أهل خَيْبَر، نَحْو:{واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: 28) . أَي: أهل الْقرْيَة. قَوْله: (بِشَطْر)، أَي: بِنصْف مَا يخرج مِنْهَا. قَوْله: (من ثَمَر)، بالثاء الْمُثَلَّثَة إِشَارَة إِلَى الْمُسَاقَاة. قَوْله:(أَو زرع)، إِشَارَة إِلَى الْمُزَارعَة. قَوْله:(فَكَانَ يُعْطي أَزوَاجه مائَة وسق) ، الوسق سِتُّونَ صَاعا بِصَاع النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَفِي كتاب الْخراج ضَبطه ابْن التِّين: الوسق، بِضَم الْوَاو، وَقَالَ غَيره: هُوَ بِالْفَتْح. قَوْله: (ثَمَانُون وسق تمر وَعِشْرُونَ وسق شعير)، كذاا هُوَ: ثَمَانُون وَعِشْرُونَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثَمَانِينَ وَعشْرين، وَجه الرّفْع على تَقْدِير: مِنْهَا ثَمَانُون وسق تمر، فَيكون ارْتِفَاع: ثَمَانُون، على الِابْتِدَاء، وَخَبره مقدما لفظ: مِنْهَا. وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي: وَعِشْرُونَ، أَي: وَمِنْهَا عشرُون، وَوجه النصب على تَقْدِير: أَعنِي ثَمَانِينَ وسق تمر وَعشْرين وسق شعير، وَقَالَ بَعضهم: الرّفْع على الْقطع، وَثَمَانِينَ على الْبَدَل، وَلَا يَصح شَيْء من ذَلِك يعرف بِالتَّأَمُّلِ، وَلَفظ: وسق، فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَنْصُوب على التَّمْيِيز، وَكِلَاهُمَا بِالْإِضَافَة. قَوْله:(فقسم عمر)، ويروى: وَقسم بِالْوَاو. وَقَالَ بَعضهم: وَقسم عمر أَي: خَيْبَر وَصرح بذلك أَحْمد فِي رِوَايَته عَن ابْن نمير عَن عبيد الله بن عمر. قلت: فِي كثير من النّسخ قلت: خَيْبَر، مَوْجُود فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير إلَاّ فِي نُسْخَة سقط مِنْهَا هَذَا اللَّفْظ. قَوْله:(أَن يقطع) ، بِضَم الْيَاء من الإقطاع بِكَسْر الْهمزَة، يُقَال: أقطع السُّلْطَان فلَانا أَرض كَذَا، إِذا أعطَاهُ وَجعله قطيعة لَهُ. قَوْله:(ويمضي لَهُنَّ) أَي: أَو يجْرِي لَهُنَّ قِسْمَتهنَّ على مَا كَانَ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا كَانَ من التَّمْر وَالشعِير.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: هَذَا الحَدِيث عُمْدَة من أجَاز الْمُزَارعَة. وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي كِرَاء الأَرْض بِالشّرطِ وَالثلث وَالرّبع، فَأجَاز ذَلِك عَليّ وَابْن مَسْعُود وَسعد وَالزُّبَيْر وَأُسَامَة وَابْن عمر ومعاذ وخباب، وَهُوَ قَول ابْن الْمسيب وطاووس وَابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد، وَهَؤُلَاء أَجَازُوا الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة. وكرهت ذَلِك طَائِفَة، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعِكْرِمَة وَالنَّخَعِيّ، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر، قَالُوا: لَا تجوز الْمُزَارعَة، وَهُوَ كِرَاء الأَرْض بِجُزْء مِنْهَا، وَيجوز عِنْدهم الْمُسَاقَاة، ومنعها أَبُو حنيفَة وَزفر فَقَالَا: لَا تجوز الْمُزَارعَة وَلَا الْمُسَاقَاة بِوَجْه من الْوُجُوه، وَقَالُوا: الْمُزَارعَة مَنْسُوخَة بِالنَّهْي عَن كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج، وَهِي إِجَارَة مَجْهُولَة، لِأَنَّهُ قد لَا تخرج الأَرْض شَيْئا. وأدعوا أَن الْمُسَاقَاة مَنْسُوخَة بِالنَّهْي عَن الْمُزَابَنَة، وَذكر الطَّحَاوِيّ حَدِيث رَافع: نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْمُزَارعَة، وَحَدِيث ابْن عمر: كُنَّا لَا نرى بَأْسا حَتَّى زعم رَافع أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن المخابرة، وَمثله: نهى عَن كِرَاء الأَرْض، وَحَدِيث ثَابت بن الضَّحَّاك: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن الْمُزَارعَة. وَحَدِيث جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو ليزرعها أَخَاهُ وَلَا يؤاجرها) . وَفِي لفظ: (من لم يدع المخابرة فليؤذن