الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزل على الْجِعِرَّانَة فِيمَن مَعَه من النَّاس وَلما نزل على الْجِعِرَّانَة انْتظر وَفد هوَازن بضع عشرَة لَيْلَة، وَهُوَ معنى قَوْله فِي الحَدِيث:(انتظرهم بضع عشرَة لَيْلَة حِين قفل من الطَّائِف)، ثمَّ جرى مَا ذكر فِي الحَدِيث. قَوْله:(أَن يطيب) من الثلاثي من طَابَ يطيب وَمن بَاب أطاب يطيب، وَمن بَاب التفعيل من طيب يطيب. قَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي يرد السَّبي مجَّانا بِرِضا نَفسه وَطيب قلبه. وَفِي (التَّوْضِيح) : أَرَادَ أَن يطيب أنفسهم، لأهل هوَازن، بِمَا أَخذ مِنْهُم من الْعِيَال لرفع الشحناء والعداوة وَلَا تبقى إحْنَة الْغَلَبَة لَهُم فِي انتزاع السَّبي مِنْهُم فِي قُلُوبهم، فيولد ذَلِك اخْتِلَاف الْكَلِمَة. قلت: الْمَعْنى على كَونه من الثلاثي: أَن يطيب نَفسه بذلك أَي: يدْفع السَّبي إلهم فَلْيفْعَل، وَهُوَ جَوَاب: من المتضمنة معنى الشَّرْط، فَلذَلِك حصلت فِيهِ الْفَاء، وَالْفِعْل هُنَا لَازم وعَلى كَونه من بَاب الإفعال أَو التفعيل يكون الْفِعْل مُتَعَدِّيا وَالْمَفْعُول محذوفا تَقْدِيره: أَن يطيب نَفسه بذلك، بِضَم الْيَاء وَكسر الطَّاء وَسُكُون الْيَاء، وَأَن يطيب، بِضَم الْيَاء وَفتح الطَّاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله:(على حَظه) أَي: على نصِيبه من السَّبي. قَوْله: (مَا يفِيء الله) من: أَفَاء يفِيء من بَاب: أفعل يفعل من الْفَيْء، وَهُوَ مَا يحصل للْمُسلمين من أَمْوَال الْكفَّار من غير حَرْب وَلَا جِهَاد، وأصل الْفَيْء: الرُّجُوع. يُقَال: فَاء يفِيء فيئة وفيوا كَأَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل لَهُم فَرجع إِلَيْهِم، وَمِنْه قيل للظل الَّذِي بعد الزَّوَال: فَيْء، لِأَنَّهُ يرجع من جَانب الغرب إِلَى جَانب الشرق. قَوْله:(قد طيبنَا ذَلِك لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم ، أَي: لأَجله، ويروى: يَا رَسُول الله. قَوْله: (حَتَّى يرفع إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ) العرفاء جمع عريف، وَهُوَ الَّذِي يعرف أَمر الْقَوْم وأحوالهم، وَهُوَ النَّقِيب وَهُوَ دون الرئيس. وَفِي (التَّلْوِيح) : العريف: الْقيم بِأَمْر الْقَبِيلَة والمحلة يَلِي أَمرهم وَيعرف الْأَمِير حَالهم، وَهُوَ مُبَالغَة فِي اسْم من يعرف الْجند وَنَحْوهم، فعيل بِمَعْنى فَاعل، والعرافة عمله وَهُوَ النَّقِيب، وَقيل: النَّقِيب فَوق العريف وَإِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: (حَتَّى يرجع إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ) للتقصي عَن أصل الشَّيْء فِي استطابة النُّفُوس، ويروى: حَتَّى يرفعوا إِلَيْنَا، على لُغَة أكلوني البراغيث. قَوْله:(أَخْبرُوهُ) أَي: وَأخْبر عُرَفَاؤُهُمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنهم قد طيبُوا ذَلِك وأذنوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يرد السَّبي إِلَيْهِم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الْغَنِيمَة إِنَّمَا يملكهَا الغانمون بِالْقِسْمَةِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، واستفيد ذَلِك من انْتِظَاره، صلى الله عليه وسلم. وَفِيه: دَلِيل أَيْضا على استرقاق الْعَرَب وتملكهم كالعجم، إلَاّ أَن الْأَفْضَل عتقهم للترحم ومراعاتها، كَمَا فعل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي خِلَافَته، حِين ملك الْمُرْتَدين، وَهُوَ على وَجه النّدب لَا على الْوُجُوب. وَفِيه: أَن الْعِوَض إِلَى أجل مَجْهُول جَائِز، قَالَه ابْن التِّين: قَالَ: إِذْ لَا يدْرِي مَتى يفِيء الله عَلَيْهِم. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: يُمكن أَن يُقَاس عَلَيْهِ من أكره على بيع مَاله فِي حق عَلَيْهِ، قَالَ ابْن بطال: فِيهِ بيع الْمُكْره فِي الْحق جَائِز، لِأَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، حكم دبر السَّبي، قَالَ: من أحب أَن يكون على حَظه وَلم يَجْعَل لَهُم الْخِيَار فِي إمْسَاك السَّبي أصلا وَإِنَّمَا خَيرهمْ فِي أَن يعوضهم من غَنَائِم أخر، وَلم يخيرهم فِي أَعْيَان السَّبي، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُم بعد أَن رد أهلهم: وَإِنَّمَا خَيرهمْ فِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لِئَلَّا تجحف بِالْمُسْلِمين فِي مغانمهم. وَفِيه: أَنه يجوز للامام إِذا جَاءَهُ أهل الْحَرْب مُسلمين بعد أَن غنم أَمْوَالهم وأهليهم أَن يرد عَلَيْهِم إِذا رأى فِي ذَلِك مصلحَة. وَفِيه: اتِّخَاذ العرفاء. وَفِيه: قبُول خبر الْوَاحِد. وَفِيه: من رأى قبُول إِقْرَار الْوَكِيل على مُوكله، لِأَن العرفاء كَانُوا كالوكلاء فِيمَا أقِيمُوا لَهُ من أَمرهم، فَلَمَّا سمع النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مقَالَة العرفاء أنفذ ذَلِك وَلم يسألهم عَمَّا قَالُوهُ، وَكَانَ فِي ذَلِك تَحْرِيم فروج السبايا على من كَانَت حلت لَهُ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو يُوسُف، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِقْرَار الْوَكِيل جَائِز عِنْد الْحَاكِم، وَلَا يجوز عِنْد غَيره، وَقَالَ مَالك: لَا يقبل إِقْرَاره وَلَا إِنْكَاره إلَاّ أَن يَجْعَل ذَلِك إِلَيْهِ مُوكله. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقبل إِقْرَاره عَلَيْهِ، وَالله أعلم.
8 -
(بابٌ إذَا وكِّل رَجُلٌ أنْ يُعْطِيَ شَيْئا ولَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي فأعْطَى عَلَى مَا يتَعَارَفُهُ الناسُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا وكل رجل رجلا أَن يُعْطي شَيْئا وَلم يعين أَي: الَّذِي وكل كم يُعْطي أَي: الْوَكِيل فَأعْطى أَي: الْوَكِيل على مَا يتعارفه النَّاس، أَي: على عرف النَّاس فِي هَذِه الصُّورَة، وَجَزَاء: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: فَهُوَ جَائِز أَو نَحوه.
9032 -
حدَّثنا المَكِّيُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدثنَا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَطَاءِ بنِ أبِي رَبَاحٍ وغَيْرِهِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ولَمْ يُبَلِّغْهُ كُلُّهُمْ رَجُلٌ واحِدٌ مِنْهُمْ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفالٍ إنَّما هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ فمَرَّ بِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالِ مَنْ هَذَا قُلْتُ جابِرُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ مَا لَكَ قلْتُ إنِّي على جَمَلٍ ثَفالٍ قَالَ أمَعَكَ قَضيبٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أعْطِنِيهِ فأعْطَيْتُهُ فَضَرَبهُ فزَجَرهُ فكانَ مِنْ ذَلِكَ المَكانِ مِنْ أوَّلِ الْقَوْمِ قَالَ بِعْنِيهِ فقُلْتُ بلْ هُوَ لكَ يَا رسولَ الله قَالَ بِعْنِيهِ قَدْ أخَذْتُهُ بأرْبَعَةِ دَنانِيرَ ولَكَ ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ فلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ أخَذْتُ أرْتَحِلُ قَالَ أيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ تَزَوَّجْتُ امْرَأةً قَدْ خلَا مِنْها زَوْجُها قَالَ فهَلَاّ جارِيةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ قلْتُ إنَّ أبي تُوَفِّيَ وتَرَكَ بَناتٍ فأردْتُ أنْ أنْكِحَ امرَأةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلا مِنْها قَالَ فَذَلِكَ فلَمَّا قَدِمنا المَدِينَةِ قَالَ يَا بِلَالُ إقْضِيه وزِدْهُ فأعْطَاهُ أرْبَعَةَ دَنانِيرَ وزَادَهُ قِيرَاطا قَالَ جابرٌ لَا تُفَارِقُنِي زِيادَةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فلَمْ يَكنِ القِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: (يَا بِلَال اقضِهِ وزده، فَأعْطَاهُ أَرْبَعَة دَنَانِير وزاده قيراطا) فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يذكر مِقْدَار مَا يُعْطِيهِ عِنْد أمره بِالزِّيَادَةِ، فاعتمد بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْعرف فِي ذَلِك، فزاده قيراطا.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَنهُ عَن عَطاء عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: قد أخذت جملك بأَرْبعَة دَنَانِير، وَلَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة لم يزدْ على هَذَا، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي كتاب الْبيُوع: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا عبيد الله عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فِي غزَاة فأبطأني جملي. . الحَدِيث مطولا، وَفِيه: فَأمر بِلَالًا أَن يزن لي أُوقِيَّة، فوزن لي بِلَال فأرجح. وَقَالَ بَعضهم: وَقد تقدم فِي الْحَج شَيْء من ذَلِك. قلت: لَيْسَ فِي الْحَج شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا الَّذِي تقدم فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب شِرَاء الدَّوَابّ وَالْحمير، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَغَيره يزِيد بَعضهم على بعض وَلم يبلغهُ كلهم رجل وَاحِد مِنْهُم عَن جَابر) كَذَا وَقع فِي أَكثر نسخ البُخَارِيّ، وَقَالَ بَعضهم: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَغَيره يزِيد بَعضهم على بعض لم يبلغهُ كُله رجل مِنْهُم، ثمَّ قَالَ: كَذَا للْأَكْثَر، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ أَي: لَيْسَ جَمِيع الحَدِيث عِنْد وَاحِد مِنْهُم بِعَيْنِه، وَإِنَّمَا عِنْد بَعضهم مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْد الآخر. انْتهى. قلت: فِي (شرح عَلَاء الدّين صَاحب (التَّلْوِيح) بِخَطِّهِ وَضَبطه: عَن عَطاء وَغَيره إِلَى آخِره، مثل مَا ذَكرْنَاهُ الْآن بِعَيْنِه، ثمَّ قَالَ: كَذَا فِي أَكثر نسخ البُخَارِيّ، ثمَّ قَالَ: وَفِي الْإِسْمَاعِيلِيّ لم يبلغهُ كل رجل مِنْهُم عَن جَابر، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا لفظ حَدِيث حَرْمَلَة عَن ابْن وهب، أَنبأَنَا ابْن جريج، وَعند أبي نعيم: لم يبلغهم كلهم إلَاّ رجل وَاحِد عَن جَابر، وَكَذَا هُوَ عِنْد أبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي كتاب (الْأَطْرَاف) وَتَبعهُ الْمزي، وَفِيه نظر، إِذْ ذكرَاهُ من (صَحِيح البُخَارِيّ) ثمَّ قَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْمَذْكُور: وَفِي بعض النّسخ المقروءة على شَيخنَا الْحَافِظ أبي مُحَمَّد التوني على يبلغهُ، ضمة على الْيَاء وفتحة على الْبَاء وَشدَّة على اللَّام وجزمة على الْغَيْن. وَفِي أُخْرَى على الْيَاء فَتْحة وعَلى الْبَاء جزمة، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْن التِّين مَعْنَاهُ أَن بَعضهم بَينه وَبَين جَابر غَيره، قَالَ: وَفِي رِوَايَة لم يبلغهُ كلهم، وكل وَاحِد مِنْهُم عَن جَابر، وَفِي (التَّوْضِيح) : وبخط الدمياطي لم يبلغهُ بِضَم أَوله وَكسر ثالثه مشددا، ثمَّ قَالَ: وَذكر ابْن التِّين أَن فِي رِوَايَة: (وكل) ، بدل رجل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بَعضهم، الضَّمِير فِيهِ رَاجع إِلَى الْغَيْر، وَهُوَ فِي معنى الْجمع وَفِي: لم يبلغهُ، إِلَى الحَدِيث أَو إِلَى الرَّسُول، وَرجل يدل عَن الْكل، وَعَن جَابر مُتَعَلق بعطاء، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات لَفْظَة: الْغَيْر، بِالْجَرِّ، وَأما رَفعه