الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
73 -
(كِتَابُ الإجَارَة)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْإِجَارَة وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْإِجَارَات، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ قَوْله: فِي الْإِجَارَات، وَكَذَا لَيْسَ فِي رِوَايَة البَاقِينَ لفظ: كتاب الْإِجَارَة، وَالْإِجَارَة على وزن فعالة، بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة اسْم للأجرة، وَهُوَ كِرَاء الْأَجِير، وَقد أجره إِذا أعطَاهُ أجرته من بَابي طلب وَضرب فَهُوَ آجر، وَذَاكَ مأجور، وَفِي كتاب (الْعين) : آجرت مملوكي أَو جَرّه إيجارا فَهُوَ موجر، وَفِي (الأساس) : أجرني دَاره فاستأجرتها، وَهُوَ مؤجر، وَلَا تقل مؤاجر فَإِنَّهُ خطأ فَاحش، وَتقول: أجره إِذا أعطَاهُ أجرته، وَإِذا نقلته إِلَى بَاب الإفعال تَقول: أجر، بِالْمدِّ لِأَن أَصله: اءجر، بهمزتين إِحْدَاهمَا فَاء الْفِعْل وَالْأُخْرَى همزَة أفعل، فقلبت الْهمزَة الثَّانِيَة ألفا للتَّخْفِيف فَصَارَ: آجر، على وزن أفعل، فاسم الْفَاعِل من الأول: آجر، وَمن الثَّانِي: مؤجر، وَفِي الشَّرْع: الْإِجَارَة عقد الْمَنَافِع بعوض، وَقيل: تمْلِيك الْمَنَافِع بعوض، وَقيل: بيع مَنْفَعَة مَعْلُومَة بِأَجْر مَعْلُوم، وَهَذَا أحسن.
1 -
(بابٌ فِي استِئْجارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان استيجار الرجل الصَّالح، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قصَّة مُوسَى مَعَ ابْنة شُعَيْب، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {إنَّ خَيْرَ منِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ} (الْقَصَص: 62) .
وَقَوله الله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: فِي استيجار الرجل الصَّالح، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، وَقَالَ الله تَعَالَى:{إِن خير من اسْتَأْجَرت. .} (الْقَصَص: 62) . الْآيَة. وَقَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي (تَفْسِيره) : هَذَا قَول صفوراء ابْنة شُعَيْب، عليه الصلاة والسلام، وَهِي الَّتِي تزَوجهَا مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، وَكَانَت توأمة عبوراء، ولدت صفوراء قبلهَا بِنصْف يَوْم، وَكَانَ بَين الْمَكَان الَّذِي سقى فِيهِ الْغنم وَبَين شُعَيْب ثَلَاثَة أَمْيَال فَمشى مَعهَا وأمرها أَن تمشي خَلفه وتدله على الطَّرِيق، كَرَاهِيَة أَن ينظر إِلَيْهَا وهما على غير جادة، فَقَالَ شُعَيْب لابنته: من أَيْن علمت قوته وأمانته؟ فَقَالَت: أَزَال الْحجر عَن رَأس الْبِئْر، وَكَانَ لَا يطيقه إلَاّ رجال، وَقيل: أَرْبَعُونَ رجلا. وَذكرت أَنه أمرهَا أَن تمشي خَلفه كَرَاهَة أَن ينظر إِلَيْهَا، وسأوضح لَك هَذِه الْقِصَّة حَتَّى تقف على حَقِيقَتهَا مَعَ اخْتِصَار غير مخل.
لما قتل مُوسَى القبطي كَمَا أخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ، فَأصْبح فِي الْمَدِينَة خَائفًا يترقب الْأَخْبَار، وَأمر فِرْعَوْن الذباحين بقتل مُوسَى، فَجَاءَهُ رجل من شيعته يُقَال لَهُ: خربيل، وَكَانَ قد آمن بإبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وَصدق مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، وَكَانَ ابْن عَم فِرْعَوْن، وَقَالَ لَهُ: إِن الْمَلأ يأتمرون بك، أَي: يتشاورون فِي قَتلك فَاخْرُج من هَذِه الْمَدِينَة إِنِّي لَك من الناصحين، فَخرج وَلم يدر أَيْن يذهب، فَجَاءَهُ ملك ودله على الطَّرِيق، فهداه إِلَى مَدين وَبَينهَا وَبَين مصر مسيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام، وَقيل: عشرَة، وَكَانَ يَأْكُل من ورق الشّجر وَيَمْشي حافيا حَتَّى ورد مَاء مَدين وَنزل عِنْد الْبِئْر، وَإِذا بجنبه أمة من النَّاس يسقون، وَوجد من دونهم امْرَأتَيْنِ تذودان أَي: تمنعان أغنامهما عَن الِاخْتِلَاط بأغنام النَّاس، فَقَالَ لَهما:{مَا خطبكما قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء} (الْقَصَص: 32) . لأَنا ضعفاء لَا نقدر على مزاحمتهم {وأبونا شيخ كَبِير} (الْقَصَص: 52) . تعنيان شعيبا، عليه الصلاة والسلام، وَالْمَشْهُور عِنْد الْجُمْهُور أَنه شُعَيْب النَّبِي،، وَقيل: إِنَّه ابْن أخي شُعَيْب، ذكره أَحْمد فِي (تَفْسِيره) وَذكر السُّهيْلي أَن شعيبا هُوَ شيرون بن ضيفون بن مَدين بن إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وَيُقَال: شُعَيْب بن ملكاين، وَقيل: شيرون ابْن أخي شُعَيْب، وَقيل: ابْن عَم شُعَيْب، وَقَالَ وهب: اسْم ابْنَته الْكُبْرَى صفوراء، وَاسم الصُّغْرَى عبوراء،، وَقيل: اسْم إحديهما شرفا، وَقيل: ليا، وَالْمَقْصُود: لما جَاءَ إِلَى شُعَيْب بعد أَن فعل مَا ذكرنَا، قصَّ عَلَيْهِ الْقَصَص، قَالَ:{لَا تخف نجوت من الْقَوْم الظَّالِمين} (الْقَصَص: 62) . و {قَالَت إِحْدَاهمَا} (الْقَصَص: 32) . وَهِي صفوراء {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين} (الْقَصَص: 62) . فَقَالَ لَهَا شُعَيْب، وَمَا علمك بِهَذَا؟ فَأخْبرت بِالَّذِي فعله مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ شُعَيْب:{إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} (الْقَصَص: 72) . إِلَى آخر الْآيَة، وَكَانَ فِي شرعهم: يجوز تَزْوِيج الْمَرْأَة على رعي الْغنم، وَأما فِي شرعنا فَفِيهِ خلاف مَشْهُور، وَقَالَ مُوسَى: {ذَلِك بيني وَبَيْنك
…
} (الْقَصَص: 82) . الْآيَة.
والخَازِنُ الأمِينُ ومنْ لَمْ يَسْتعْملْ مَنْ أرَادَهُ
هَذَا أَيْضا من التَّرْجَمَة، وَلها جزآن: أَحدهمَا: قَوْله: والخازن الْأمين. وَالْآخر: قَوْله: وَمن لم يسْتَعْمل من أَرَادَهُ، وَقد ذكر بعد لكل وَاحِد حَدِيثا، فَالْحَدِيث الأول للجزء الأول وَالثَّانِي للثَّانِي، وَمعنى: من لم يسْتَعْمل من أَرَادَهُ الإِمَام الَّذِي لم يسْتَعْمل الَّذِي أَرَادَ الْعَمَل، لِأَن الَّذِي يُريدهُ يكون طلبه لِحِرْصِهِ فَلَا يُؤمن عَلَيْهِ.
1622 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى عَن قرَّةَ بنِ خالِدٍ قَالَ حدَّثني حُمَيْدُ بنُ هِلال قَالَ حدَّثنا أبُو بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أقْبَلْتُ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَعِي رَجلانِ منَ الأشْعَرِيِّينَ فَقُلْتُ مَا عَلِمْتُ أنَّهُمَا يَطْلُبَانِ العَمَلَ فقالَ لَنْ أوْ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلى عَمَلِنَا مَنْ أرَادَهُ. .
مطابقته لقَوْله: وَمن لم يسْتَعْمل من أَرَادَهُ، ظَاهِرَة وَأما وَجه دُخُوله فِي هَذَا الْبَاب فَلِأَن الَّذِي يطْلب الْعَمَل إِنَّمَا يَطْلُبهُ غَالِبا لتَحْصِيل الْأُجْرَة الَّتِي شرعت لَهُ، وَهَذَا كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان، وَأما الَّذِي يطْلب الْعَمَل فِي زَمَاننَا هَذَا فَلَا يَطْلُبهُ إلَاّ لتَحْصِيل الْأَمْوَال، سَوَاء كَانَ من الْحَلَال أَو الْحَرَام، وللأمر وَالنَّهْي بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي، بل غَالب من يطْلب الْعَمَل إِنَّمَا يَطْلُبهُ بالبراطيل والرشوة، وَلَا سِيمَا فِي مصر، فَإِن الْأَمر فَاسد جدا فِي الْعمَّال فِيهَا حَتَّى إِن أَكثر الْقُضَاة يتولون بالرشوة وَهَذَا غير خَافَ على أحد، فنسأل الله الْعَفو والعافية.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وقرة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد، وَأَبُو خَالِد السدُوسِي الْبَصْرِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن هِلَال بن هُبَيْرَة الْعَدوي الْهِلَالِي الْبَصْرِيّ مر فِي: بَاب يرد الْمُصَلِّي من بَين يَدَيْهِ، وَأَبُو بردة عَامر، وَقد مضى الْآن.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا وَمُطَولًا فِي الْإِجَارَة وَالْأَحْكَام وَفِي استنابة الْمُرْتَدين عَن مُسَدّد عَن يحيى وَفِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن عبد الله بن الصَّباح. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي قدامَة وَمُحَمّد بن حَاتِم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود عَن أَحْمد بن حَنْبَل ومسدد بِتَمَامِهِ وَفِي القضايا عَن أَحْمد بن حَنْبَل