الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنه صلى الله عليه وسلم عرف أَنه فِي مَال حَرْبِيّ كَافِر. ثمَّ لَو ضَاعَت اللّقطَة قبل الْحول فَهَل يضمن أَو لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن: إِن كَانَ حِين أَخذهَا أشهد عَلَيْهِ ليردها لم يضمن، وإلَاّ ضمن، لحَدِيث عِيَاض بن حَمَّاد وَقد ذَكرْنَاهُ وَعَن أبي يُوسُف: لَا يشْتَرط الْإِشْهَاد كَمَا لَو أَخذهَا بِإِذن الْمَالِك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد، وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ عِنْد الإلتقاط وَادّعى أَنه أَخذهَا ليردها. وَادّعى صَاحبهَا أَنه أَخذهَا لنَفسِهِ، فَالْقَوْل لصَاحِبهَا، وَيضمن الْمُلْتَقط قيمتهَا عِنْدهمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: القَوْل قَول الْمُلْتَقط، فَلَا يضمن، وَإِذا لم يُمكنهُ الْإِشْهَاد بِأَن لم يجد أحدا وَقت الِالْتِقَاط، أَو خَافَ من الظلمَة عَلَيْهَا، فَلَا يضمن بالِاتِّفَاقِ.
وَاخْتلف فِي ضياعها بعد الْحول من غير تَفْرِيط، فالجمهور على عدم الضَّمَان، وَنقل ابْن التِّين عَن الشَّافِعِيَّة: أَنه إِذا نوى تَملكهَا ثمَّ ضَاعَت ضمنهَا، وَعند الْبَعْض: لَا ضَمَان، ثمَّ عِنْد الشَّافِعِيَّة: لَا يحْتَاج فِي إنفاقها على نَفسه إِلَى اخْتِيَار التَّمْلِيك، بل إِذا انْقَضتْ السّنة دخلت فِي ملكه، يدل عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك. قَالَ شَيخنَا: هَذَا وَجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي، وَالصَّحِيح عِنْدهم: أَنه لَا بُد من اخْتِيَار التَّمَلُّك قبل الْإِنْفَاق، وَهُوَ الَّذِي صَححهُ النَّوَوِيّ، فَقَالَ: لَا بُد من اخْتِيَار التَّمْلِيك لفظا.
وَفِيه: وَجه آخر: أَنه لَا يملكهَا إلَاّ بِالتَّصَرُّفِ بِالْبيعِ وَنَحْوه، وَنقل ابْن التِّين عَن جَمِيع فُقَهَاء الْأَمْصَار أَنه: لَيْسَ لَهُ أَن يتملكها قبل السّنة، وَنقل عَن دَاوُد أَنه يأكلها ثمَّ يضمنهَا. وَفِيه: دلَالَة على إبِْطَال قَول من يَدعِي علم الْغَيْب بكهانة أَو سحر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ يُعلم شَيْء من الْغَيْب بذلك لما ذكر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، لصَاحب اللّقطَة معرفَة الْأَوْصَاف الَّتِي ذكرهَا فِيهِ.
2 -
(بابُ ضالَّةِ الإبِلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْتِقَاط ضَالَّة الْإِبِل، هَل يجوز التقاطها أم لَا؟ وَاكْتفى بِمَا فِي الحَدِيث عَن الْجَزْم بِالْجَوَابِ، وَالْمرَاد بالضالة هُنَا: الْإِبِل وَالْبَقر مِمَّا يحمي نَفسه وَيقدر على الإبعاد فِي طلب المرعى وَالْمَاء، وَقيل: هِيَ الضائعة فِي كل مَا يقتنى من الْحَيَوَان وَغَيره، يُقَال: ضل الشَّيْء إِذا ضَاعَ وضل عَن الطَّرِيق إِذا حَار، والضالة فِي الأَصْل فاعلة، ثمَّ اتَّسع فِيهَا فَصَارَت من الصِّفَات الْغَالِبَة، وَيَقَع على الذّكر وَالْأُنْثَى والاثنين وَالْجمع، وَيجمع على: ضوال.
7242 -
حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ قَالَ حدَّثنا عبدُ الرَّحْمانِ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ رَبِيعَةَ قَالَ حدَّثني يَزِيدُ مَوْلاى الْمُنْبَعِث عنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ جَاءَ أعْرَابي النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسَألَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فإنْ جاءَ أحدٌ يُخْبِرُكَ بِها وإلَاّ فاسْتَنْفِقْها قَالَ يَا رسولَ الله فَضالَّةُ الغَنَم قالَ لَكَ أوْ لِأَخيكَ أوْ لِلذِّئْبِ قَالَ ضالَّةُ الْإبِلِ فَتَمَعَّرَ وجْهُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مالَكَ ولَهَا معَها حِذَاؤُها وسِقَاؤُهَا تَرِدُ الماءَ وتَأْكُلُ الشَّجَرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ضَالَّة الْإِبِل) وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْغَضَب فِي الموعظة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن أبي عَامر عَن سُلَيْمَان بن بِلَال الْمَدِينِيّ عَن ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن إِلَى آخِره، وَهَهُنَا أخرجه: عَن عَمْرو بن عَبَّاس بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بن حسان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِالرَّأْيِ بِسُكُون الْهمزَة عَن يزِيد من الزِّيَادَة مولى المنبعث، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصًى.
قَوْله: (جَاءَ أَعْرَابِي) وَفِي رِوَايَة مَالك عَن ربيعَة: جَاءَ رجل، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال الْمَدِينِيّ عَن ربيعَة: سَأَلَهُ رجل عَن اللّقطَة، وَقد مضى هَذَا فِي كتاب الْعلم، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: سُئِلَ عَن اللّقطَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: جَاءَ رجل يسْأَله عَن اللّقطَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن اللّقطَة، وَفِي رِوَايَة لَهُ: أَتَى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَأَنا مَعَه، فَسَأَلَهُ عَن اللّقطَة. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى مثل رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَكَذَا فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَن اللّقطَة، وَفِي رِوَايَة حَدِيث هَذَا الْبَاب جَاءَ أَعْرَابِي، وَزعم ابْن بشكوال: أَن هَذَا
السَّائِل عَن اللّقطَة هُوَ بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَزاهُ لأبي دَاوُد، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نسخ أبي دَاوُد شَيْء من ذَلِك، وَفِيه بُعدٌ أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يُوصف بِأَنَّهُ أَعْرَابِي. قلت: ابْن بشكوال لم يُصَرح بِأَن الْأَعرَابِي الَّذِي سَأَلَ هُوَ بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: السَّائِل الْمَذْكُور فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال، وَهُوَ قَوْله: سَأَلَهُ رجل، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم هُوَ بِلَال وَلَفظ السَّائِل أَعم من الْأَعرَابِي وَغَيره، وبلال وَغَيره، وَابْن بشكوال أوضح السَّائِل بِأَنَّهُ بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ كَلَام لَيْسَ فِيهِ غُبَار، وَلَيْسَ فِيهِ بعد، وَلَو صرح بقوله: الْأَعرَابِي هُوَ بِلَال، لَكَانَ ورد عَلَيْهِ مَا قَالَه، وَأما عزو ابْن بشكوال ذَلِك إِلَى أبي دَاوُد فَلَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن أَبَا دَاوُد روى هَذَا الحَدِيث بطرق كَثِيرَة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا عزاهُ ابْن بشكوال إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَفظه: أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَفِي رِوَايَة: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن اللّقطَة، وَلَيْسَ لِبلَال ذكر أصلا، فَافْهَم. ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: ثمَّ ظَفرت بِتَسْمِيَة السَّائِل وَذَلِكَ فِيمَا أخرجه الْحميدِي وَالْبَغوِيّ وَابْن السكن وَالْمَاوَرْدِيّ وَالطَّبَرَانِيّ، كلهم من طَرِيق مُحَمَّد بن معن الْغِفَارِيّ عَن ربيعَة عَن عقبَة بن سُوَيْد الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه، قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن اللّقطَة، فَقَالَ: عرفهَا سنة ثمَّ أوثق وعاءها
…
الحَدِيث، قَالَ: وَهُوَ أولى مَا فسر بِهِ هَذَا الْمُبْهم لكَونه من رَهْط زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ. انْتهى. قلت: حَدِيث سُوَيْد بن عقبَة الَّذِي يرويهِ عَنهُ ابْنه عقبَة غير حَدِيث زيد بن خَالِد، فَكيف يُفَسر الْمُبْهم الَّذِي فِي حَدِيث زيد بن خَالِد بِحَدِيث سُوَيْد؟ وَلَا يلْزم من كَون سُوَيْد من رَهْط زيد أَن يكون حَدِيثهمَا وَاحِدًا بِحَسب الصُّورَة، وَإِن كَانَا فِي الْمَعْنى من بَاب وَاحِد، وَأَيْضًا هُوَ استبعد كَلَام ابْن بشكوال فِي إِطْلَاق الْأَعرَابِي على بِلَال، وَكَيف لَا يستبعد هُنَا إِطْلَاق الْأَعرَابِي على سُوَيْد بن عقبَة؟ وَلَا يلْزم من سُؤال سُوَيْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن اللّقطَة أَن يكون هُوَ الْأَعرَابِي الَّذِي فِي حَدِيث زيد بن خَالِد. قَوْله:(فَسَأَلَهُ عَمَّا يلتقطه) أَي: عَن الشَّيْء الَّذِي يلتقطه، وَوَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات أَنه سَأَلَ عَن اللّقطَة، وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن اللّقطَة الذَّهَب أَو الْوَرق، وَهَذَا لَيْسَ بِقَيْد، وَإِنَّمَا هُوَ كالمثال، وَحكم غير الذَّهَب وَالْفِضَّة كحكمهما، وَوَقع فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: وَسُئِلَ عَن النَّفَقَة. قَوْله: (عرفهَا)، بِالتَّشْدِيدِ أَمر من التَّعْرِيف. قَوْله:(ثمَّ احفظ عفاصها)، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالصاد هُوَ: الْوِعَاء الَّذِي يكون فِيهِ النَّفَقَة، سَوَاء كَانَ من جلد أَو خرقَة أَو حَرِير أَو غَيرهَا، واشتقاقه من: العفص، وَهُوَ الثني والعطف لِأَن الْوِعَاء يثنى عَليّ مَا فِيهِ، وَوَقع فِي (زَوَائِد الْمسند) لعبد الله بن أَحْمد من طَرِيق الْأَعْمَش عَن سَلمَة فِي حَدِيث أبي أَو خرقتها، بدل عفاصها، وَوَقع فِي حَدِيث أبي أَيْضا: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، وَفِي حَدِيث زيد بن خَالِد: إحفظ عفاصها ووكاءها، فأسقط ذكر الْعدَد وَزَاد ذكر العفاص، وَقد اخْتلف فِي العفاص، فَذهب أَبُو عبيد إِلَى أَنه مَا يرْبط فِيهِ النَّفَقَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَصله: الْجلد الَّذِي يلبس رَأس القارورة. وَقَالَ الْجُمْهُور: وَهُوَ الْوِعَاء: قَالَ شَيخنَا: قَول الْخطابِيّ هُوَ الأولى، فَإِنَّهُ جمع فِي حَدِيث زيد بَين الْوِعَاء والعفاص، فَدلَّ على أَنه غَيره. قلت: الَّذِي ذكره شَيخنَا هُوَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ ذكر العفاص والوكاء، وَالَّذِي يَقُول: العفاص هُوَ الْوِعَاء، هُوَ الأولى، وَلم يجمع فِي حَدِيث زيد إلَاّ العفاص والوكاء، لِأَن الأَصْل حفظ العفاص الَّذِي هُوَ الْوِعَاء. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ثمَّ إعرف وعاءها ووكاءها وعفاصها، فعلى مَا ذكرت يكون ذكر الْوِعَاء أَو ذكر العفاص تَكْرَارا؟ قلت: قد ذكرت أَن العفاص فِيهِ اخْتِلَاف، فعلى قَول من فسر العفاص بِالْجلدِ الَّذِي يلبس رَأس القارورة لَا يكون تَكْرَارا. فَإِن قلت: ذكر الْعدَد فِي حَدِيث أبي، وَلم يذكرهُ فِي حَدِيث زيد؟ قلت: قد جَاءَ ذكر الْعدَد فِي حَدِيث زيد أَيْضا فِي رِوَايَة لمُسلم، أَو الظَّاهِر أَن تَركه هُنَا بسهو من الرَّاوِي، وَالله أعلم. قَوْله:(فَإِن جَاءَ أحد يُخْبِرك بهَا) ، جَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف، تَقْدِيره: فَإِن جَاءَ أحد يُخْبِرك باللقطة وأوصافها فأدها إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان، كَمَا سَيَأْتِي، فَإِن جَاءَ أحد يُخْبِرك بعفاصها ووكائها. قَوْله:(وإلَاّ فاستنفقها)، أَي: وَإِن لم يَأْتِ أحد بعد التَّعْرِيف حولا فاستنفقها من الاستنفاق، وَهُوَ استفعال، وَبَاب الاستفعال للطلب، لَكِن الطّلب على قسمَيْنِ: صَرِيح وتقديري، وَهَهُنَا لَا يَتَأَتَّى الصَّرِيح فَيكون للطلب التقديري، كَمَا فِي قَوْلك: استخرجت الوتد من الْحَائِط: فَإِن قلت: فِي رِوَايَة مَالك كَمَا يَجِيء بعد بَاب: (اعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا سنة) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، من طَرِيق عبد الله بن يزِيد مولى المنبعث بِلَفْظ:(عرفهَا حولا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فادفعها إِلَيْهِ، وإلَاّ أعرف وكاءها وعفاصها ثمَّ اقبضها فِي مَالك) . فرواية مَالك تَقْتَضِي سبق الْمعرفَة على التَّعْرِيف، وَرِوَايَة
أبي دَاوُد بِالْعَكْسِ. قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: الْجمع بَينهمَا بِأَن يكون مَأْمُورا بالمعرفة فِي حالتين، فَيعرف العلامات أول مَا يلتقط حَتَّى يعلم صدق واصفها إِذا وصفهَا، ثمَّ بعد تَعْرِيفهَا سنة إِذا أَرَادَ أَن يتملكها فيعرفها مرّة أُخْرَى معرفَة وافية مُحَققَة ليعلم قدرهَا وصفتها لاحْتِمَال أَن يَجِيء صَاحبهَا فَيَقَع الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك، فَإِذا عرفهَا الْمُلْتَقط وَقت التَّمَلُّك يكون القَوْل قَوْله، لِأَنَّهُ أَمِين. واللقطة وَدِيعَة عِنْده، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون: ثمَّ، فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِمَعْنى: الْوَاو، فَلَا يَقْتَضِي ترتيباً، فَلَا يَقْتَضِي تخالفاً يحْتَاج الى الْجمع. قلت: خُرُوج: ثمَّ، عَن معنى التَّشْرِيك فِي الحكم والمهلة وَالتَّرْتِيب إِنَّمَا يمشي على قَول الْكُوفِيّين، فَتكون حِينَئِذٍ زَائِدَة، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون فِي مَوضِع لَا يخل بِالْمَعْنَى، وَهَهُنَا لَا وَجه لما قَالَه، وَلَئِن سلمنَا أَنه يكون بِمَعْنى: الْوَاو، و: الْوَاو، أَيْضا تَقْتَضِي التَّرْتِيب على قَول الْبَعْض، فَلَا يتم الْجَواب بِمَا قَالَه. فَإِن قلت: هَذَا الْعرْفَان وَاجِب أم سنة؟ قلت: قيل: وَاجِب لظَاهِر الْأَمر، وَقيل: مُسْتَحبّ، وَقيل: يجب عِنْد الِالْتِقَاط، وَيسْتَحب بعده، قَوْله:(فضالَّة الْغنم؟) أَي: مَا حكم ضَالَّة الْغنم؟ قَوْله: (قَالَ: لَك، أَو لأخيك أَو الذِّئْب)، كلمة: أَو، فِيهِ للتقسيم والتنويع، وَالْمعْنَى: إِن ضَالَّة الْغنم لَك إِن أَخَذتهَا وعرفتها، وَلم تَجِد صَاحبهَا. قَوْله:(أَو لأخيك) يَعْنِي: إِن أَخَذتهَا وعرفتها وَجَاء صَاحبهَا فَهِيَ لَهُ، وَأَرَادَ بِهِ الْأَخ فِي الدّين، وَهُوَ صَاحب الْغنم. قَوْله:(أَو للذئب) يَعْنِي: إِن تركتهَا وَلم يتَّفق آخذ غَيْرك فَهِيَ طعمة للذئب غَالِبا، لِأَنَّهَا لَا تَحْمِي نَفسهَا، وَذكر الذِّئْب مِثَال، وَلَيْسَ بِقَيْد، وَالْمرَاد جنس مَا يَأْكُل الشَّاة ويفترسها من السبَاع، وَوَقع فِي رِوَايَة اسماعيل بن جَعْفَر عَن ربيعَة، كَمَا سَيَأْتِي بعد أَبْوَاب، فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك
…
إِلَى آخِره، وَهُوَ صَرِيح بِالْأَمر بِالْأَخْذِ، وَفِيه رد على أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه أَنه يتْرك الْتِقَاط الشَّاة، وَبِه تمسك مَالك فِي أَنه يَأْخُذهَا ويملكها بِالْأَخْذِ، وَلَو جَاءَ صَاحبهَا لِأَنَّهُ صَار حكمه حكم الذِّئْب فَلَا غَرَامَة، ورد عَلَيْهِ بِأَن اللَاّم لَيست للتَّمْلِيك لِأَن الذِّئْب لَا يملك وَإِنَّمَا يأكلها الْمُلْتَقط بِالضَّمَانِ، وَقد أَجمعُوا على أَنه لَو جَاءَ صَاحبهَا قبل أَن يأكلها الْمُلْتَقط فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا لِأَنَّهَا بَاقِيَة على ملكه. قَوْله:(قَالَ: ضَالَّة الْإِبِل؟) أَي: مَا حكم ضَالَّة الْإِبِل؟ قَوْله: (فتمعر وَجه النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي: تغير وَجهه من الْغَضَب ومادة تمعر: مِيم وَعين مُهْملَة وَرَاء، وَأَصله فِي الشّجر إِذا قل مَاؤُهُ فصَال قَلِيل النضرة عديم الْإِشْرَاق وَيُقَال للوادي المجدب: أمعر، وَقَالَ بَعضهم: وَلَو روى بالغين الْمُعْجَمَة لَكَانَ لَهُ وَجه، أَي: صَار بلون الْمغرَة، وَهِي حمرَة شَدِيدَة إِلَى كمودة، ويقويه قَوْله فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر: فَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه، أَو وَجهه. قلت: إِذا لم تثبت فِيهِ الرِّوَايَة فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التعسف. قَوْله: (مَا لَك)، يَعْنِي: لَيْسَ لَك هَذَا، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة الَّتِي سبقت فِي كتاب الْعلم، فذرها حَتَّى يلقاها رَبهَا. قَوْله:(مَعهَا حذاؤها) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة ممدوداً، أَي: خفها. قَوْله: (وسقاؤها) ، السقاء بِالْكَسْرِ فِي الأَصْل ظرف المَاء من الْجلد، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا: جوفها، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِذا شربت يَوْمًا تصبر أَيَّامًا على الْعَطش، وَقيل: المُرَاد بِهِ عُنُقهَا لِأَنَّهَا تتَنَاوَل الْمَأْكُول بِغَيْر تَعب لطول عُنُقهَا، فَلَا تحْتَاج إِلَى ملتقط. وَمَا يتَعَلَّق بِهِ الحكم قد مضى فِي كتاب الْعلم، ولنذكر شَيْئا نزراً.
اخْتلف الْعلمَاء فِي ضَالَّة الْإِبِل: هَل تُؤْخَذ؟ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: لَا يَأْخُذهَا وَلَا يعرفهَا، قَالَه مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لنَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن ضَالَّة الْإِبِل. الثَّانِي: أَخذهَا وتعريفها أفضل، قَالَه الْكُوفِيُّونَ: لِأَن تَركهَا سَبَب لضياعها. وَفِيه قَول ثَالِث: إِن وجدهَا فِي الْقرى عرفهَا، وَفِي الصَّحرَاء لَا يعرفهَا. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: الْأَصَح أَنه إِن وجدهَا بمفازة فللقاضي التقاطها للْحِفْظ، وَكَذَا لغيره، وَيحرم التقاطها للتَّمَلُّك، وَإِن وجدهَا بقرية فَيجوز التَّمَلُّك. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمِمَّنْ رأى ضَالَّة الْبَقر كضالة الْإِبِل طَاوُوس وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَبَعض أَصْحَاب مَالك، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي ضَالَّة الْبَقر: إِن وجدت فِي مَوضِع يخَاف عَلَيْهَا فَهِيَ فِي منزلَة الشَّاة، وإلَاّ فكالبعير، وَقيل: إِن كَانَت لَهَا قُرُون تمنع بهَا فكالبعير وإلَاّ فكالشاة، حَكَاهُ ابْن التِّين، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: عندنَا فِي الْبَقر وَالْغنم قَولَانِ، وَرَأى مَالك إلحاقها بالغنم، وَرَأى ابْن الْقَاسِم إلحاقها بِالْإِبِلِ إِذا كَانَت بِموضع لَا يخَاف عَلَيْهَا من السبَاع، وَكَانَ هَذَا تَفْصِيل أَحْوَال لَا اخْتِلَاف أَقْوَال، وَمثلهَا جَاءَ فِي الْإِبِل إِلْحَاقًا بهَا.
وَاخْتلف فِي الْتِقَاط الْخَيل وَالْبِغَال والحمر، فَظَاهر قَول ابْن الْقَاسِم: الْجَوَاز، وَمنعه أَشهب وَابْن كنَانَة، وَقَالَ ابْن حبيب: وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْعَبِيد كل مَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ وَيذْهب، هُوَ دَاخل فِي الضَّالة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْخَيل وَالْإِبِل وَالْبَقر وَالْبِغَال وَالْحمير وَالشَّاة والظباء: لَا يجوز عندنَا التقاطها إلَاّ أَن يَأْخُذهَا الإِمَام للْحِفْظ، وَفِي (التَّوْضِيح) : إِذا عرف المَال وَشبهه وانقضى الْحول أَو قبله، وَجَاء صَاحبه أَخذه بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَة، وَكَذَا الْمُنْفَصِلَة إِن حدثت قبل التَّمَلُّك، وَإِن حدثت بعده رَجَعَ فِيهَا دون الزِّيَادَة.