الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
(بابٌ فِي الشُّرْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الشّرْب، وَقد مر تَفْسِير الشّرْب عَن قريب.
ومنْ رَأى صَدَقَةَ المَاءِ وهِبَتَهُ ووَصِيَّتَهُ جائِزَةً مَقْسُوماً كانَ أوْ غَيْرَ مَقْسُومٍ
أَي: فِي بَيَان من رأى
…
إِلَى آخِره، قَالَ بَعضهم: أَرَادَ البُخَارِيّ بالترجمة الرَّد على من قَالَ: إِن المَاء لَا يملك. قلت: من أَيْن يعلم أَنه أَرَادَ بالترجمة الرَّد على من قَالَ: إِن المَاء لَا يملك، وَيحْتَمل الْعَكْس، وَأَيْضًا فَقَوله: إِن المَاء لَا يملك، لَيْسَ على الْإِطْلَاق، لِأَن المَاء على أَقسَام: قسم مِنْهُ لَا يملك أصلا، وكل النَّاس فِيهِ سَوَاء فِي الشّرْب وَسقي الدَّوَابّ وَكري النَّهر مِنْهُ إِلَى أرضه، وَذَلِكَ كالأنهار الْعِظَام مثل النّيل والفرات وَنَحْوهمَا، وَقسم مِنْهُ يملك، وَهُوَ المَاء الَّذِي يدْخل فِي قسْمَة أحد إِذا قسمه الإِمَام بَين قوم، فَالنَّاس فِيهِ شُرَكَاء فِي الشّرْب وَسقي الدَّوَابّ دون كري النَّهر، وَقسم مِنْهُ يكون محرزا فِي الْأَوَانِي كالجباب والدنان والجرار وَنَحْوهَا، وَهَذَا مَمْلُوك لصَاحبه بالإحراز، وَانْقطع حق غَيره عَنهُ كَمَا فِي الصَّيْد الْمَأْخُوذ حَتَّى لَو أتْلفه رجل يضمن قِيمَته، وَلَكِن شُبْهَة الشّركَة فِيهِ بَاقِيَة بقوله صلى الله عليه وسلم:(الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي الثَّلَاث: المَاء والكلأ وَالنَّار) ، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن عمر، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن رجل من الصَّحَابَة وَأحمد فِي (مُسْنده) وَابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) وَالْمرَاد شركَة إِبَاحَة لَا شركَة ملك، فَمن سبق إِلَى أَخذ شَيْء مِنْهُ فِي وعَاء أَو غَيره وأحرزه فَهُوَ أَحَق بِهِ، وَهُوَ ملكه دون سواهُ، لكنه لَا يمْنَع من يخَاف على نَفسه من الْعَطش أَو مركبه، فَإِن مَنعه يقاتله بِلَا سلَاح، بِخِلَاف المَاء الثَّانِي فَإِنَّهُ يقاتله فِيهِ بِالسِّلَاحِ.
قَوْله: (من رأى صَدَقَة المَاء) إِلَى آخِره لم يبين المُرَاد مِنْهُ: هَل هُوَ جَائِز أم لَا؟ وَظَاهر الْكَلَام يحْتَمل الْجَوَاز وَعَدَمه، وَلَكِن فِيهِ تَفْصِيل، وَهُوَ: أَن الرجل إِذا كَانَ لَهُ شرب فِي المَاء وَأوصى أَن يسْقِي مِنْهُ أَرض فلَان يَوْمًا أَو شهرا أَو سنة أجيزت من الثُّلُث، فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ بطلت الْوَصِيَّة بِمَنْزِلَة مَا إِذا أوصى بِخِدْمَة عَبده لإِنْسَان فَمَاتَ الْمُوصى لَهُ بطلت الْوَصِيَّة، وَإِذا أوصى بِبيع الشّرْب وهبته أَو صدقته، فَإِن ذَلِك لَا يَصح للْجَهَالَة أَو للغرر فَإِنَّهُ على خطر الْوُجُود لِأَن المَاء يَجِيء وَيَنْقَطِع، وَكَذَا لَا يَصح أَن يكون مُسَمّى فِي النِّكَاح حَتَّى يجب مهر الْمثل وَلَا بدل الصُّلْح عَن الدَّعْوَى، وَلَا يُبَاع الشّرْب فِي دين صَاحبه بِدُونِ أَرض بعد مَوته، وَكَذَا فِي حَيَاته، وَلَو بَاعَ المَاء المحرز فِي إِنَاء أَو وهبه لشخص أَو تصدق بِهِ فَإِنَّهُ يجوز، وَلَو كَانَ مُشْتَركا بَينه وَبَين آخر فَلَا يجوز قبل الْقِسْمَة، فَافْهَم، هَذِه الْفَوَائِد الَّتِي خلت عَنْهَا الشُّرُوح.
وَقَالَ عُثْمانُ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: منْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فيَكُونُ دَلْوُهُ فِيها كَدِلَاءِ المُسْلِمينَ فاشْتَرَاهَا عُثْمانُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
أَي: قَالَ عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا التَّعْلِيق سقط من رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَوَصله التِّرْمِذِيّ:(حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن جَعْفَر الرقي، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عَمْرو عَن زيد هُوَ ابْن أبي أنيسَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، قَالَ: لما حصر عُثْمَان أشرف عَلَيْهِم فَوق دَاره، ثمَّ قَالَ: أذكركم بِاللَّه {هَل تعلمُونَ أَن حراء حِين انتفض قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اثْبتْ حراء فَلَيْسَ عَلَيْك إلَاّ نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: أذكركم بِاللَّه} هَل تعلمُونَ أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي جَيش الْعسرَة: من ينْفق نَفَقَة متقبلة؟ وَالنَّاس مجهدون معسرون فجهزت ذَلِك الْجَيْش؟ قَالُوا: نعم، ثمَّ قَالَ: أذكركم بِاللَّه هَل تعلمُونَ أَن بِئْر رومة لم يكن يشرب مِنْهَا أحد إلَاّ بِثمن فابتعتها فجعلتها للغني وَالْفَقِير وَابْن السَّبِيل؟ قَالُوا: نعم. وَأَشْيَاء عدهَا) . ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(بِئْر رومة) بِإِضَافَة: بِئْر، إِلَى: رومة، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وبالميم. ورومة علم على صَاحب الْبِئْر، وَهُوَ رومة الْغِفَارِيّ. وَقَالَ ابْن بطال: بِئْر رومة كَانَت ليهودي، وَكَانَ
يقفل عَلَيْهَا بقفل ويغيب فَيَأْتِي الْمُسلمُونَ ليشربوا مِنْهَا فَلَا يجدونه حَاضرا فيرجعون بِغَيْر مَاء، فَشَكا الْمُسلمُونَ ذَلِك، فَقَالَ، صلى الله عليه وسلم: من يَشْتَرِيهَا ويمنحها للْمُسلمين وَيكون نصِيبه فِيهَا كنصيب أحدهم فَلهُ الْجنَّة؟ فاشتراها عُثْمَان. وَهِي بِئْر مَعْرُوفَة بِمَدِينَة النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، اشْتَرَاهَا عُثْمَان بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فوقفها، وَزعم الْكَلْبِيّ أَنه كَانَ قبل أَن يَشْتَرِيهَا عُثْمَان يَشْتَرِي مِنْهَا كل قربَة بدرهم. قَوْله:(فَيكون دلوه فِيهَا) أَي: دلو عُثْمَان فِي الْبِئْر الْمَذْكُور كدلاء كل الْمُسلمين، يَعْنِي: يوقفها وَيكون حَظه مِنْهَا كحظ غَيره من غير مزية، وَظَاهره أَن لَهُ الِانْتِفَاع إِذا شَرطه، وَلَا شكّ أَنه إِذا جعلهَا للسقاة إِن لَهُ الشّرْب وَإِن لم يشْتَرط لدُخُوله فِي جُمْلَتهمْ.
وَفِيه: جَوَاز بيع الْآبَار. وَفِيه: جَوَاز الْوَقْف على نَفسه وَلَو وقف على الْفُقَرَاء ثمَّ صَار فَقِيرا جَازَ أَخذه مِنْهُ.
1532 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا أبُو غسَّانَ قَالَ حدَّثني أَبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فشَرِبَ مِنهُ وعنْ يَمِينهِ غلَامٌ أصْغَرُ الْقَوْمِ والأشْيَاخُ عنْ يَسارِهِ فَقَالَ يَا غُلامُ أتَأذَنُ لِي أنْ أُعْطِيَهُ الأشْياخَ قَالَ مَا كُنْتُ لِأُؤثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أحدا يَا رسولَ الله فأعْطَاهُ إيَّاهُ. .
وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب من حَيْثُ مَشْرُوعِيَّة قسْمَة المَاء، وَأَنه يملك، إِذْ لَو كَانَ لَا يُمكن لما جَاءَت فِيهِ الْقِسْمَة. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث أَن الْقدح كَانَ فِيهِ مَاء؟ قلت: جَاءَ مُفَسرًا فِي كتاب الْأَشْرِبَة بِأَنَّهُ كَانَ شرابًا، وَالشرَاب هُوَ المَاء أَو اللَّبن المشوب بِالْمَاءِ.
وَرِجَاله: سعيد بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي مَوْلَاهُم الْمصْرِيّ، وَأَبُو غَسَّان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وبالنون: واسْمه مُحَمَّد بن مُضر اللَّيْثِيّ الْمدنِي نزل عسقلان، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج الْمدنِي، قَالَ أَبُو عَمْرو: روى أَبُو حَازِم هَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه، وَقَالَ فِيهِ: وَعَن يسَاره أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذكر أبي بكر فِيهِ عِنْدهم خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عَمْرو بن حَرْمَلَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: دخلت أَنا وخَالِد بن الْوَلِيد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، على مَيْمُونَة، فجاءتنا بِإِنَاء فِيهِ لبن فَشرب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا مَعَه، وخَالِد عَن يسَاره، فَقَالَ لي: الشربة لَك، وَإِن شِئْت آثرت خَالِدا. فَقلت: مَا كنت لأوثر بسؤرك أحدا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: من أطْعمهُ الله طَعَاما فَلْيقل: أللهم بَارك لنا فِيهِ وأطعمنا خيرا مِنْهُ، وَمن سقَاهُ الله لَبَنًا فَلْيقل: أللهم بَارك لنا فِيهِ وزدنا مِنْهُ.
قَوْله: (وَعَن يَمِينه غُلَام) ، هُوَ الْفضل بن عَبَّاس، حَكَاهُ ابْن بطال، وَحكى ابْن التِّين أَنه أَخُوهُ عبد الله. قَوْله:(بفضلي)، ويروى: بِفضل.
وَفِيه: فَضِيلَة الْيَمين على الشمَال، وَقد أمروا بالشرب بهَا والمعاطاة دون الشمَال. وَفِيه: أَن من اسْتحق شَيْئا من الْأَشْيَاء لم يدْفع عَنهُ، صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا، إِذا كَانَ مِمَّن يجوز إِذْنه.
2532 -
حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ قَالَ أخْبَرَنا شُعَيْبٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّها حُلِبَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم شاةٌ داجِنٌ وهْوَ فِي دَارِ أنَسِ بنِ مالِكٍ وشِيبَ لَبَنُها بِماءٍ مِنَ البِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أنَسٍ فأعْطِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القَدَحَ فشَرِبَ مِنْهُ حتَّى إذَا نَزَعَ الْقَدَحَ مِنْ فِيهِ وعَلَى يَسارهِ أبُو بَكْرٍ وعنْ يَمِينِهِ أعْرَابِيٌّ فَقَالَ عُمَرُ وخافَ أنْ يُعْطِيهِ الأعْرَابِيَّ أعْطِ أبَا بَكْرٍ يَا رسولَ الله عِنْدَكَ فأعْطَاهُ الأعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ قالَ الأيْمَنَ فالأيْمَنَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وشيب لَبنهَا بِمَاء وَالْمَاء يجْرِي فِيهِ الْقِسْمَة وانه يملك وَهَذَا الاسناد بِعَيْنِه قد مر غير مرّة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي وَشُعَيْب بن ابي حَمْزَة الْحِمصِي وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم والْحَدِيث
أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَشْرِبَة عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار، ستتهم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس.
قَوْله: (شَاة دَاجِن) ، الدَّاجِن شَاة ألفت الْبيُوت وأقامت بهَا، وَالشَّاة تذكر وتؤنث، فَلذَلِك قَالَ: دَاجِن، وَلم يقل: داجنة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الدَّاجِن الشَّاة الَّتِي يعلفها النَّاس فِي مَنَازِلهمْ، يُقَال: دجنت تدجن دجوناً. قَوْله: (وشيب) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: خلط من شَاب يشوب شوباً، وأصل الشوب الْخَلْط. قَوْله:(وعَلى يسَاره) إِنَّمَا قَالَ هُنَا: بعلى، وَفِي يَمِينه: بعن، لِأَن لَعَلَّ يسَاره كَانَ موضعا مرتفعاً فَاعْتبر استعلاؤه، أَو كَانَ الْأَعرَابِي بَعيدا عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(وَعَن يَمِينه أَعْرَابِي)، قيل: إِنَّه خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَكَاهُ ابْن التِّين، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُقَال لَهُ: أَعْرَابِي. قيل: الْحَامِل لَهُ على ذَلِك أَنه رأى فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، الَّذِي مضى ذكره عَن قريب، وَهُوَ أَنه قَالَ: دخلت أَنا وخَالِد ابْن الْوَلِيد على مَيْمُونَة
…
الحَدِيث، فَظن أَن الْقِصَّة وَاحِدَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن هَذِه الْقِصَّة فِي بَيت مَيْمُونَة، وقصة أنس فِي دَاره، وَبَينهمَا فرق. قَوْله:(وَخَافَ أَن يُعْطِيهِ) ، جملَة حَالية، وَالضَّمِير فِي: خَافَ، يرجع إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَ:(أعْط أَبَا بكر) تذكيراً لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم وإعلاماً للأعراب بجلالة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَا وَقع: أعطِ أَبَا بكر، لجَمِيع أَصْحَاب الزُّهْرِيّ، وشذ معمر فِيمَا رَوَاهُ وهب عَنهُ، فَقَالَ: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، بدل: عمر، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالَّذِي فِي البُخَارِيّ هُوَ الصَّحِيح. قيل: إِن معمراً لما حدث بِالْبَصْرَةِ حدث من حفظه فَوَهم فِي أَشْيَاء، فَكَانَ هَذَا مِنْهَا. قلت: الْأَوْجه أَن يُقَال: يحْتَمل أَن يكون مَحْفُوظًا أَن يكون كل من عمر وَعبد الرَّحْمَن قَالَ ذَلِك. لتوفر دواعي الصَّحَابَة على تَعْظِيم أبي بكر، وَهَذَا أحسن من أَن يُنسب معمراً إِلَى الشذوذ وَالوهم. قَالَ النَّسَائِيّ: معمر بن رَاشد الثِّقَة الْمَأْمُون، وَقَالَ الْعجلِيّ: بَصرِي رَحل إِلَى صنعاء وَسكن بهَا وَتزَوج، ورحل إِلَيْهِ سُفْيَان وَسمع مِنْهُ هُنَاكَ، وَسمع هُوَ أَيْضا من سُفْيَان. قَوْله:(الْأَيْمن فالأيمن) بِالنّصب على تَقْدِير: أعْط الْأَيْمن، وبالرفع على تَقْدِير: الْأَيْمن أَحَق، وَيدل على تَرْجِيح رِوَايَة الرّفْع قَوْله فِي بعض لَعَلَّهَا طرقه: الأيمنون الأيمنون. قَالَ أنس: فَهِيَ سنة فَهِيَ سنة فَهِيَ سنة. هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي طوالة عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مَشْرُوعِيَّة تَقْدِيم من هُوَ على يَمِين الشَّارِب فِي الشّرْب وَإِن كَانَ مفضولاً بِالنِّسْبَةِ إِلَى من كَانَ على يسَار الشَّارِب، لفضل جِهَة الْيَمين على جِهَة الْيَسَار، وَهل هُوَ على جِهَة الِاسْتِحْبَاب أَو أَنه حق ثَابت للجالس على الْيَمين؟ فَقَالَ القَاضِي عِيَاض: إِنَّه سنة. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّهَا سنة وَاضِحَة، وَخَالف فِيهِ ابْن حزم فَقَالَ: لَا بُد من مناولة الْأَيْمن كَائِنا من كَانَ، فَلَا يجوز مناولة غير الْأَيْمن إلَاّ بِإِذن الْأَيْمن. قَالَ: وَمن لم يرد أَن يناول أحدا فَلهُ ذَلِك. فَإِن قلت: فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه أَبُو يعلى بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا سقى قَالَ: (ابدأوا بالكبراء، أَو قَالَ: بالأكابر) . فَكيف الْجمع بَين أَحَادِيث الْبَاب؟ قلت: يحْتَمل هَذَا الحَدِيث على مَا إِذا لم يكن على جِهَة يَمِينه صلى الله عليه وسلم بل كَانَ الْحَاضِرُونَ تِلْقَاء وَجهه مثلا، أَو وَرَاءه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَأما تَقْدِيم الأفاضل والكبار فَهُوَ عِنْد التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَاف، وَلِهَذَا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن النسيب فِي الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة. وَفِيه: أَن غير المشروب، مثل: الْفَاكِهَة وَاللَّحم وَنَحْوهمَا، هَل حكمه حكم المَاء؟ فَنقل عَن مَالك تَخْصِيص ذَلِك بالشرب، وَقَالَ ابْن عبد الْبر وَغَيره: لَا يَصح هَذَا عَن مَالك. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: يشبه أَن يكون قَول مَالك: إِن السّنة وَردت فِي الشّرْب خَاصَّة، وَإِنَّمَا يقدم الْأَيْمن فالأيمن فِي غَيره بِالْقِيَاسِ، لِأَن السّنة منصوصة فِيهِ وَكَيف مَا كَانَ فَالْعُلَمَاء متفقون على اسْتِحْبَاب التَّيَامُن فِي الشّرْب وأشباهه. وَفِيه: جَوَاز شوب اللَّبن بِالْمَاءِ لنَفسِهِ وَلأَهل بَيته ولأضيافه، وَإِنَّمَا يمْتَنع شوبه بِالْمَاءِ إِذا أَرَادَ بَيْعه لِأَنَّهُ غش. وَفِيه: أَن الجلساء شُرَكَاء فِي الْهَدِيَّة، وَذَلِكَ على جِهَة الْأَدَب والمروءة وَالْفضل والأخوة، لَا على الْوُجُوب، لإجماعهم على أَن الْمُطَالبَة بذلك غير وَاجِبَة لأحد. فَإِن قلت رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (جلساؤكم شركاؤكم فِي الْهَدِيَّة) : رويي أَنه، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: جلساؤكم شركاؤكم فِي الْهَدِيَّة. فَإِن قلت: مَحْمُول على مَا ذكرنَا مَعَ أَن إِسْنَاده فِيهِ لين. وَفِيه: دلَالَة أَن من قدم إِلَيْهِ شَيْء من الْأكل أَو الشّرْب فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْأَل من أَيْن هُوَ وَمَا أَصله؟ إِذا علم طيب مكسب صَاحبه فِي الْأَغْلَب.