الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخُدْرِيّ، وروى عَنهُ ابْنه سعيد وَآخَرُونَ، وَقَالَ مُحَمَّد بن عمر: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث، توفّي سنة مائَة فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: جعله عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على حفر الْقُبُور فَسُمي المَقْبُري، وَأما ابْنه سعيد فروى عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس بن مَالك وَجَابِر بن عبد الله وَعبد الله بن عمر وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعَائِشَة وَأم سَلمَة وَآخَرين، وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ وَآخَرُونَ: ثِقَة، وَكَذَا قَالَ ابْن خرَاش، وَزَاد: جليل أثبت النَّاس فِيهِ اللَّيْث، وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة بِالْمَدِينَةِ، روى لَهُ الْجَمَاعَة وَآخَرُونَ.
11 -
(بابٌ إذَا حَلَّلَهُ مِنْ ظُلْمِهِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حلل الْمَظْلُوم من ظلمه فَلَا رُجُوع فِيهِ إِن كَانَ مَعْلُوما عِنْد من يَشْتَرِطه، أَو مَجْهُول عِنْد من يُجِيزهُ على الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق.
0542 -
حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي هاذِهِ الْآيَة {وإنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزَاً أوْ إعْرَاضاً} (النِّسَاء: 821) . قالَتِ الرَّجُلُ تَكونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْها يُريدُ أنْ يُفارِقَها فَقَالَتْ أجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ فنَزَلَتْ هاذِهِ الآيةُ فِي ذالِكَ. .
قَالَ الدَّاودِيّ: لَيست التَّرْجَمَة مُطَابقَة للْحَدِيث، لِأَن هَذَا فِيمَا يَأْتِي وَلَيْسَ بظُلْم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ دلّ، يَعْنِي: الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ قلت: الْخلْع عقد لَازم لَا رُجُوع فِيهِ، وَكَذَا لَو كَانَ التَّحْلِيل بطرِيق الصُّلْح أَو الْهِبَة أَو الْإِبْرَاد، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: قَالَ الْكرْمَانِي كَذَا فَوَهم، ومورد الحَدِيث وَالْآيَة إِنَّمَا هُوَ فِي حق من يسْقط حَقّهَا من الْقِسْمَة، وَلَيْسَ من الْخلْع فِي شَيْء. انْتهى. قلت: نعم، قَوْله: الْخلْع عقد لَازم لَا رُجُوع فِيهِ لَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ مَا فِي التَّرْجَمَة، وَلَا فِي الحَدِيث شيى يدل على الْخلْع، وَلَكِن قَوْله: وَكَذَا
…
إِلَى آخِره، لَهُ وَجه، لِأَن التَّرْجَمَة فِي تَحْلِيل من ظلمه وَلَا رُجُوع فِيهِ. والْحَدِيث أَيْضا فِيهِ التَّحْلِيل على مَا لَا يخفى، وَلَكِن يُعَكر عَلَيْهِ بِشَيْء، وَذَلِكَ لِأَن التَّحْلِيل إِسْقَاط الْحق من الْمظْلمَة الْفَائِتَة ومضمون الْآيَة إِسْقَاط الْحق الْمُسْتَقْبل حَتَّى لَا يكون عدم الْوَفَاء بِهِ مظْلمَة لسقوطه، وَلَكِن وَجه هَذَا بِأَن يُقَال: بِأَن البُخَارِيّ تأنق فِي الِاسْتِدْلَال، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا نفذ الْإِسْقَاط فِي الْحق المتوقع فنفوذه فِي الْحق المتحقق أولى وأجدر، وَهَذَا هُوَ وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن مقَاتل. الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ، عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَمن لطائف إِسْنَاده أَن فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين. وَأَن فِيهِ: العنعنة فِي موضِعين وَأَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مروزيان وَأَن هشاماً وأباه عُرْوَة مدنيان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد عَن عبد الله أَيْضا، وَلكنه فِي التَّفْسِير نسبهما، وَهَهُنَا لم ينسبهما، كَمَا ترى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي هَذِه الْآيَة)، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن امْرَأَة خَافت
…
} (النِّسَاء: 821) . الْآيَة. قَوْله: (قَالَت)، أَي: عَائِشَة. قَوْله: (الرجل عِنْده الْمَرْأَة) إِلَى آخِره، مقول القَوْل:(وَالرجل) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره قَوْله: (يُرِيد أَن يفارقها) وَقَوله: (عِنْده الْمَرْأَة لَيْسَ بمستكثر مِنْهَا) جملتان حاليتان، والجمل بعد الْمعرفَة تقع حَالا، وَبعد النكرَة صفة. وَمعنى قَوْله:(لَيْسَ بمستكثر مِنْهَا) : لَيْسَ بطالب كَثْرَة الصُّحْبَة مِنْهَا، وَيُرِيد مفارقتها إِمَّا لكبرها أَو لدمامتها أَو لسوء خلقهَا أَو لِكَثْرَة شَرها أَو غير ذَلِك. قَوْله:(فَقَالَت)، أَي: تِلْكَ الْمَرْأَة: (أجعلك من شأني) أَي: من أجل شأني (فِي حل) من مواجب الزَّوْجِيَّة وحقوقها. قَوْله: (فَنزلت هَذِه الْآيَة) أَي: قَوْله تَعَالَى: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا
…
} (النِّسَاء: 821) . الْآيَة قَوْله: (فِي ذَلِك)، أَي: فِي أَمر هَذِه الْمَرْأَة. قَوْله: {وَإِن امْرَأَة خَافت} (النِّسَاء: 821) . أَي: وَإِن خَافت امْرَأَة من بَعْلهَا أَي: من زَوجهَا نُشُوزًا، والنشوز مِنْهُ أَن يسيء عشرتها ويمنعها النَّفَقَة. قَوْله:{أَو إعْرَاضًا} (النِّسَاء: 821) . الْإِعْرَاض مِنْهُ كَرَاهَته إِيَّاهَا وإرادته مفارقتها، فَإِذا كَانَ كَذَلِك: {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصالحا بَينهمَا
صلحا} (النِّسَاء: 821) . وَهُوَ أَن يقبل مِنْهَا مَا تسقطه من حَقّهَا من نَفَقَة أَو كسْوَة أَو مبيت عِنْدهَا أَو غير ذَلِك من حُقُوقهَا عَلَيْهِ، فَلَا جنَاح عَلَيْهَا فِي بذلها لَهُ ذَلِك، وَلَا عَلَيْهِ فِي قبُوله مِنْهَا، وَلِهَذَا قَالَ:{فَلَا جناج عَلَيْهِمَا أَن يصالحا بَينهمَا صلحا} (النِّسَاء: 821) . ثمَّ قَالَ: {وَالصُّلْح خير} (النِّسَاء: 821) . أَي: من الْفِرَاق، وَلِهَذَا لما كَبرت سَوْدَة بنت زَمعَة وعزم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها صالحته على أَن يمْسِكهَا وتترك يَوْمهَا لعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وأبقاها على ذَلِك، فَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا سُلَيْمَان ابْن معَاذ عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: خشيت سَوْدَة أَن يطلقهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول الله! لَا تُطَلِّقنِي وَأَجْعَل يومي لعَائِشَة، فَفعل، فَنزلت هَذِه الْآيَة:{وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} (النِّسَاء: 821) . الْآيَة، قَالَ ابْن عَبَّاس: فَمَا اصطلحا عَلَيْهِ من شَيْء فَهُوَ جَائِز، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَقَالَ: حسن غَرِيب وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: انزلت فِي سَوْدَة وأشباهها: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} (النِّسَاء: 821) . وَذَلِكَ أَن سَوْدَة كَانَت امْرَأَة قد أَسِنَت، ففرقت أَن يفارقها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وضنت بمكانها مِنْهُ، وَعرفت من حب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَائِشَة ومنزلتها مِنْهُ، فَوهبت يَوْمهَا من رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، لعَائِشَة، فَقبل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الدغولي فِي أول (مُعْجَمه) : حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا الدستوَائي حَدثنَا الْقَاسِم بن أبي بزَّة قَالَ: بعث النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، إِلَى سَوْدَة بت زَمعَة بِطَلَاقِهَا، فَلَمَّا أَن أَتَاهَا جَلَست لَهُ على طَرِيق عَائِشَة، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَت لَهُ: أنْشدك بِالَّذِي أنزل عَلَيْك كِتَابه واصطفاك على خلقه لما راجعتني، فَإِنِّي قد كَبرت وَلَا حَاجَة لي فِي الرِّجَال، أبْعث مَعَ نِسَائِك يَوْم الْقِيَامَة، فَرَاجعهَا، قَالَت: فَإِنِّي قد جعلت يومي وليلتي لحبة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ ابْن كثير: وَهَذَا غَرِيب مُرْسل. وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا ابْن حميد وَابْن وَكِيع، قَالَا: حَدثنَا جرير عَن شُعْبَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَسَأَلَهُ عَن آيَة، فكره ذَلِك وضربه بِالدرةِ، فَسَأَلَهُ آخر عَن هَذِه الْآيَة:{وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} (النِّسَاء: 821) . فَقَالَ: عَن مثل هَذَا فَسَلُوا، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل قد خلا من سنّهَا فَتزَوج الْمَرْأَة الشَّابَّة يلْتَمس وَلَدهَا، فَمَا اصطلحا عَلَيْهِ من شَيْء فَهُوَ جَائِز. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا عَليّ بن الْحسن الهسنجاني حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن سماك بن حَرْب عَن خَالِد بن عُرْوَة، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَسَأَلَهُ عَن قَول الله عز وجل:{وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا} (النِّسَاء: 821) . قَالَ عَليّ: يكون الرجل عِنْده الْمَرْأَة فسوا عَيناهُ عَنْهَا من دمامتها أَو كبرها أَو سوء خلقهَا أَو قذرها فتكره فِرَاقه، فَإِن وضعت لَهُ من مهرهَا شَيْئا حل لَهُ، وَإِن جعلت لَهُ من أَيَّامهَا فَلَا حرج، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَأبي الْأَحْوَص، وَرَوَاهُ ابْن جرير من طَرِيق إِسْرَائِيل أربعتهم عَن سماك بِهِ، وَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس وَعبيدَة السَّلمَانِي وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وعطية الْعَوْفِيّ وَمَكْحُول وَالْحكم بن عتيبة وَالْحسن وَقَتَادَة وَغير وَاحِد من السّلف وَالْأَئِمَّة، وَلَا أعلم فِي ذَلِك خلافًا فِي أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة هَذَا، وَالله أعلم. وَذكر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن خضر ابْن عَسْكَر فِي كِتَابه (ذيل التَّعْرِيف والإعلام) : أَنَّهَا نزلت بِسَبَب أبي السنابل بن بعكك وَامْرَأَته، وَفِي تَفْسِير مقَاتل: نزلت فِي خُوَيْلَة بنت مُحَمَّد بن مسلمة حِين أَرَادَ زَوجهَا رَافع بن خديج طَلاقهَا، وَفِي كتاب عبد الرَّزَّاق: خَوْلَة، وَفِي (غرر التِّبْيَان) زَوجهَا سعد بن الرّبيع، وَفِي (تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ) : هِيَ عمْرَة بنت مُحَمَّد بن مسلمة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز هبة بعض الزَّوْجَات يَوْمهَا لبعضهن، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: لَا يكون ذَلِك إلَاّ برضى الزَّوْج والتسوية بَينهُنَّ كَانَ غير وَاجِب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَله تفضلاً مِنْهُ، وَعَن الدَّاودِيّ: إِذا رضيت بترك الْقسم والإنفاق عَلَيْهَا ثمَّ سَأَلته الْعدْل فلهَا ذَلِك، وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: ولواحدة مِنْهُنَّ أَن ترجع إِن وهبت قسمهَا لِلْأُخْرَى لِأَنَّهَا أسقطت حَقًا لم يجب بعد، فَلَا يسْقط كالمعير يرجع فِي الْعَارِية مَتى شَاءَ.