الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقبُول هديته وجائزته، فرخصت فِيهِ طَائِفَة، فَكَانَ الْحسن بن أبي الْحسن لَا يرى بَأْسا أَن يَأْكُل الرجل من طَعَام العشار والصراف وَالْعَامِل، وَيَقُول: قد أحل الله طَعَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَقد أخبر أَن الْيَهُود أكالون للسحت. قَالَ الْحسن: مَا لم يعرفوا شَيْئا مِنْهُ حَرَامًا، يَعْنِي: معينا. وَعَن الزُّهْرِيّ وَمَكْحُول: إِذا كَانَ المَال فِيهِ حرَام وحلال فَلَا بَأْس أَن يُؤْكَل مِنْهُ، إِنَّمَا يكره من ذَلِك الشَّيْء الَّذِي يعرف بِعَيْنِه، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا أحب مبايعة من أَكثر مَاله رَبًّا أَو كَسبه من حرَام، فَإِن بُويِعَ لَا يفْسخ البيع. وَقَالَ ابْن بطال: وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَالْحَرْبِيّ فِي هَذَا سَوَاء، وَحجَّة من رخص حَدِيث الْبَاب، وَحَدِيث رَهنه صلى الله عليه وسلم درعه عِنْد الْيَهُودِيّ، وَكَانَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يأخذان هَدَايَا الْمُخْتَار، وَبعث عَمْرو بن عبيد الله بن معمر إِلَى ابْن عمر بِأَلف دِينَار، وَإِلَى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بِأَلف دِينَار فَأَخذهَا ابْن عمر وَقَالَ: لقد جاءتنا على حَاجَة، وأبى أَن يقبلهَا الْقَاسِم، فَقَالَت امْرَأَته: إِن لم تقبلهَا فَأَنا ابْنة عَمه كَمَا هُوَ ابْن عَمه، فأخذتها. وَقَالَ عَطاء: بعث مُعَاوِيَة إِلَى عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بطوق من ذهب فِيهِ جَوْهَر قوم بِمِائَة ألف، وقسمته بَين أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. وكرهت طَائِفَة الْأَخْذ مِنْهُم رُوِيَ ذَلِك عَن مَسْرُوق وَسَعِيد بن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَبشر بن سعيد وطاووس وَابْن سِيرِين وَالثَّوْري وَابْن الْمُبَارك وَمُحَمّد بن وَاسع وَأحمد، وَأخذ ابْن الْمُبَارك قذاة من الأَرْض وَقَالَ: من أَخذ مِنْهُم مثل هَذِه فَهُوَ مِنْهُم.
001 -
(بابُ شِرَاءِ المَمْلُوكِ مِنَ الحَرْبِيِّ وهِبَتِهِ وعِتْقِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شِرَاء الْمَمْلُوك من الْحَرْبِيّ، وَحكم هِبته وعتقه. وَقَالَ ابْن بطال: غَرَض البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِثْبَات ملك الْحَرْبِيّ وَجَوَاز تصرفه فِي ملكه بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَالْعِتْق وَغَيرهَا، إِذْ أقرّ صلى الله عليه وسلم سلمَان عِنْد مَالِكه من الْكفَّار وَأمره أَن يُكَاتب، وَقبل الْخَلِيل، عليه الصلاة والسلام، هبة الْجَبَّار وَغير ذَلِك مِمَّا تضمنه أَحَادِيث الْبَاب.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَلْمَانَ كاتِبْ وكانَ حُرّا فَظَلَمُوهُ وباعُوهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يعلم من قَضِيَّة سلمَان تَقْرِير أَحْكَام الْحَرْبِيّ على مَا كَانَ عَلَيْهِ، وسلمان هُوَ الْفَارِسِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وقصته طَوِيلَة على مَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وملخصها: أَنه هرب من أَبِيه لطلب الْحق وَكَانَ مجوسيا، فلحق براهب ثمَّ براهب ثمَّ بآخر، وَكَانَ يصحبهم إِلَى وفاتهم حَتَّى دله الْأَخير إِلَى الْحجاز وَأخْبرهُ بِظُهُور رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فقصده مَعَ بعض الْأَعْرَاب فغدروا بِهِ وباعوه فِي وَادي الْقرى ليهودي، ثمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ يَهُودِيّ آخر من بني قُرَيْظَة، فَقدم بِهِ الْمَدِينَة، فَلَمَّا قدم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَرَأى عَلَامَات النُّبُوَّة أسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: كَاتب عَن نَفسك، عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة، وَقيل: مِائَتَيْنِ وَخمْس وَسبعين سنة، وَمَات سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ بالمداين.
ثمَّ هَذَا التَّعْلِيق الَّذِي علقه البُخَارِيّ أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) . وَالْحَاكِم من حَدِيث زيد بن صوحان سلمَان. وَأخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مَحْمُود بن لبيد عَن سلمَان. قَالَ: كنت رجلا فارسيا
…
فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: ثمَّ مر بِي نفر من بني كلب تجار، فحملوني مَعَهم حَتَّى إِذا قدمُوا وَادي الْقرى ظلموني فباعوني من رجل يَهُودِيّ
…
الحَدِيث، وَفِيه: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: كَاتب يَا سلمَان. قَالَ: فكاتب صَاحِبي على ثَلَاثمِائَة ودية
…
الحَدِيث، وَفِي حَدِيث الْحَاكِم مَا يدل أَنه هُوَ ملك رقبته لَهُم، وَعِنْده من حَدِيث أبي الطُّفَيْل عَن سلمَان وَصَححهُ، وَفِيه: فَمر نَاس من أهل مَكَّة فسألتهم عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا نعم، ظهر منا رجل يزْعم أَنه نَبِي، فَقلت لبَعْضهِم: هَل لكم أَن أكون عبدا لبعضكم على أَن تحملوني عقبَة وتطعموني من الْكسر، فَإِذا بَلغْتُمْ إِلَى بِلَادكُمْ فَمن شَاءَ أَن يَبِيع بَاعَ وَمن شَاءَ أَن يستعبد استعبد؟ فَقَالَ رجل مِنْهُم: أَنا، فصرت عبدا لَهُ حَتَّى أَتَى بِي مَكَّة فجعلني فِي بُسْتَان لَهُ
…
الحَدِيث.
قَوْله: (كَاتب) أَمر من الْمُكَاتبَة. قَوْله: (وَكَانَ حرا)، جملَة وَقعت حَالا من: قَالَ، لَا من قَوْله:(كَاتب)، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ أمره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ حر؟ قلت: أَرَادَ بِالْكتاب صُورَة الْكِتَابَة لَا حَقِيقَتهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أفد عَن نَفسك وتخلص من ظلمه. انْتهى. قلت: هَذَا السُّؤَال غير وَارِد، فَلَا يحْتَاج إِلَى الْجَواب، فَكَانَ الْكرْمَانِي اعْتقد أَن قَوْله صلى الله عليه وسلم: وَكَانَ حرا، يَعْنِي فِي حَال الْكِتَابَة، فَإِنَّهُ فِي ذَلِك الْوَقْت كَانَ فِي ملك الَّذِي اشْتَرَاهُ لِأَنَّهُ غلب عَلَيْهِ
بعض الْأَعْرَاب فِي وَادي الْقرى فملكه بالقهر، ثمَّ بَاعه من يَهُودِيّ، وَاشْترى مِنْهُ يَهُودِيّ آخر كَمَا ذكرنَا. وَقَوله صلى الله عليه وسلم:(وَكَانَ حرا) إِخْبَار مِنْهُ بحريَّته فِي أول أمره قبل أَن يخرج من دَار الْحَرْب، وَالْعجب من الْكرْمَانِي أَنه قَالَ: قَوْله: (وَكَانَ حرا) حَال من: قَالَ، يَعْنِي من: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لَا من: قَوْله: (كَاتب) فَكيف غفل عَن هَذَا وَسَأَلَ هَذَا السُّؤَال السَّاقِط؟ وَنَظِير ذَلِك مَا قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَكِن مَا هُوَ فِي الْبعد مثل مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَهُوَ أَنه قَالَ: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ لِلْيَهُودِيِّ ملك سلمَان وَهُوَ مُسلم، فَلَا يجوز للْكَافِرِ ملك مُسلم؟ قلت: أجَاب عَنهُ الطَّبَرِيّ: بِأَن حكم هَذِه الشَّرِيعَة أَن من غلب من أهل الْحَرْب على نفس غَيره أَو مَاله، وَلم يكن المغلوب على ذَلِك مِمَّن دخل فِي الْإِسْلَام، فَهُوَ ملك للْغَالِب، وَكَانَ سلمَان حِين غلب نَفسه لم يكن مُؤمنا، وَإِنَّمَا كَانَ إيمَانه تَصْدِيق النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، إِذا بعث مَعَ إِقَامَته على شَرِيعَة عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، انْتهى. وَيُؤَيّد مَا ذكره الطَّبَرِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم لما قدم الْمَدِينَة وَسمع بِهِ سلمَان فَذهب إِلَيْهِ بِبَعْض تمر يختبره إِن كَانَ هُوَ هَذَا النَّبِي يقبل الْهَدِيَّة وَيرد الصَّدَقَة، فَلَمَّا تحَققه دخل فِي ذَلِك الْوَقْت فِي الْإِسْلَام، كَمَا هوشرطه، فَلذَلِك أمره، صلى الله عليه وسلم، بِالْكِتَابَةِ ليخرج من ملك مَوْلَاهُ الْيَهُودِيّ.
وسُبِيَ عَمَّارٌ وصُهَيْبٌ وبِلَالٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أم عمار كَانَت من موَالِي بني مَخْزُوم وَكَانُوا يعاملون عمارا مُعَاملَة السَّبي، فَهَذَا هُوَ السَّبي، فَهَذَا هُوَ الْوَجْه هُنَا لِأَن عمارا مَا سبي، على مَا نذكرهُ. وَأما صُهَيْب وبلاد فباعهما الْمُشْركُونَ على مَا نذكرهُ، فدخلا فِي قَوْله فِي التَّرْجَمَة: شِرَاء الْمَمْلُوك من الْحَرْبِيّ. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَوْله: (وَسبي عمار وصهيب وبلال) يَعْنِي: أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يسبي بَعضهم بَعْضًا ويملكون بذلك. انْتهى. قلت: هَذَا الْكَلَام الَّذِي يقرب قطّ من الْمَقْصُود أَخذه من صَاحب (التَّلْوِيح) ، وَكَون أهل الْجَاهِلِيَّة سابين بَعضهم بَعْضًا لَا يسْتَلْزم كَون عمار مِمَّن سبي وَلَا بلالد وَإِنَّمَا كَانَا يعذبان فِي الله تَعَالَى حَتَّى خلصهما الله تَعَالَى ببركة إسلامهما، نعم سبي صُهَيْب وَبيع على يَد الْمُشْركين، وَرُوِيَ عَن ابْن سعد أَنه قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَامر الْعَقدي وَأَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بن مَسْعُود، قَالَا: حَدثنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن حَمْزَة بن صُهَيْب عَن أَبِيه، قَالَ: إِنِّي رجل من الْعَرَب من النمر بن قاسط، وَلَكِنِّي سبيت، سبتني الرّوم غُلَاما صَغِيرا بعد أَن عقلت أَهلِي وقومي وَعرفت نسبي، وَعَن ابْن سعد: كَانَ أَبَاهُ من النمر بن قاسط، وَكَانَ عَاملا لكسرى: فسبت الرّوم صهيبا لما غزت أهل فَارس فابتاعه مِنْهُم عبد الله بن جدعَان، وَقيل: هرب من الرّوم إِلَى مَكَّة فحالف ابْن جدعَان، فَهَذَا يُنَاسب التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ دخل فِي قَوْله: شِرَاء الْمَمْلُوك من الْحَرْبِيّ. وَأما بِلَال فَإِن ابْن إِسْحَاق ذكر فِي (الْمَغَازِي) : حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: مر أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بأمية بن خلف وَهُوَ يعذب بِلَالًا، فَقَالَ: أَلا تتقي الله فِي هَذَا الْمِسْكِين؟ فَقَالَ: انقذه أَنْت بِمَا ترى. فَأعْطَاهُ أَبُو بكر غُلَاما أجلد مِنْهُ، وَأخذ بِلَالًا، فَأعْتقهُ. وَقيل غير ذَلِك، فحاصل الْكَلَام أَنه أَيْضا يُنَاسب التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ دخل فِي قَوْله: شِرَاء الْمَمْلُوك من الْحَرْبِيّ، أما الشِّرَاء فَإِن أَبَا بكر قايض مَوْلَاهُ، والمقايضة نوع من الْبيُوع، وَأما كَونه اشْترى من الْحَرْبِيّ لِأَن مَكَّة فِي ذَلِك الْوَقْت كَانَت دَار الْحَرْب وَأَهْلهَا من أهل الْحَرْب، وَأما عمار فَإِنَّهُ كَانَ عَرَبيا عنسيا، بالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة، مَا وَقع عَلَيْهِ سباء، وَإِنَّمَا سكن أَبوهُ يَاسر، مَكَّة وحالف بني مَخْزُوم فَزَوجُوهُ سميَّة، بِضَم السِّين: وَهِي من مواليهم، أسلم عمار بِمَكَّة قَدِيما، وَأَبوهُ وَأمه وَكَانُوا مِمَّن يعذب فِي الله، عز وجل، (فَمر بهم النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وهم يُعَذبُونَ: فَقَالَ صبرا آل يَاسر، فَإِن مَوْعدكُمْ الْجنَّة) . وَقيل أَبُو جهل سميَّة، طَعنهَا بِحَرْبَة فِي قُبُلِها فَكَانَت أول شَهِيد فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ مُسَدّد: لم يكن أحد أَبَوَاهُ مسلمان غير عمار بن يَاسر، وَلَيْسَ لَهُ وَجه فِي دُخُوله فِي التَّرْجَمَة إلَاّ بتعسف، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: سبي، أَي أسر: وَلم يذكر شَيْئا غَيره، لِأَنَّهُ لم يجد شَيْئا يذكرهُ، على أَن السَّبي هَل يَجِيء بِمَعْنى الْأسر؟ فِيهِ كَلَام.
وَقَالَ الله تَعَالَى {وَالله فَضَّلَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} (النَّحْل: 17) .
مُطَابقَة هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: {على مَا ملكت أَيْمَانهم} (النَّحْل: 17) . وَالْخطاب فِيهِ للْمُشْرِكين، فَأثْبت لَهُم ملك الْيَمين مَعَ كَون ملكهم غَالِبا على غير الأوضاع الشَّرْعِيَّة. وَقيل: مَقْصُوده صِحَة ملك الْحَرْبِيّ وَملك الْمُسلم عَنهُ. قلت: إِذا صَحَّ ملكهم يَصح تصرفهم فِيهِ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْهِبَة وَالْعِتْق وَنَحْوهَا، وَقَالَ ابْن التِّين: مَعْنَاهُ: أَن الله فضل الْملاك على مماليكهم، فَجعل الْمَمْلُوك لَا يقوى على ملك مَعَ مَوْلَاهُ، وَاعْلَم أَن الْمَالِك لَا يُشْرك مَمْلُوكه فِيمَا عِنْده، وهما من بني آدم، فَكيف تَجْعَلُونَ بعض الرزق الَّذِي يرزقكم الله لله، وَبَعضه لأصنامكم فتشركون بَين الله وَبَين الْأَصْنَام وَأَنْتُم لَا ترْضونَ ذَاك مَعَ عبيدكم لأنفسكم؟ وَقَالَ ابْن بطال: تَضَمَّنت التقريع للْمُشْرِكين والتوبيخ لَهُم على تسويتهم عبَادَة الْأَصْنَام بِعبَادة الرب تَعَالَى، وتعظم فنبههم الله تَعَالَى على أَن مماليكهم غير مساوين فِي أَمْوَالهم فَالله تَعَالَى أولى بإفراد الْعِبَادَة، وَأَنه لَا يُشْرك مَعَه أحد من عبيده إِذْ لَا مَالك فِي الْحَقِيقَة سواهُ، وَلَا يسْتَحق الإلهية غَيره. قَوْله:{أفبنعمة الله يجحدون} (النَّحْل: 17) . الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار، مَعْنَاهُ: لَا تجحدوا نعْمَة الله وَلَا تكفرُوا بهَا، وجحودهم بِأَن جعلُوا مَا رزقهم الله لغيره، وَقيل: أنعم الله عَلَيْهِم بالبراهين فجحدوا نعمه.
7122 -
حدَّثنا أبوُ اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدثنَا أَبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هاجرَ إبراهِيمُ عليه الصلاة والسلام بِسارَةَ فدَخَلَ بِها قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ أوْ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةَ فَقِيلَ دَخَلَ إبْرَاهِيمُ بامْرَأةٍ هِيَ مِنْ أحْسَنِ النِّساءِ فأرْسَلَ إلَيْهِ أنْ يَا إبْرَاهِيمُ مَنْ هاذِهِ الَّتِي معَكَ قَالَ أُخْتِي ثُمَّ رجَعَ إلَيْهَا فَقَالَ لَا تُكَذِّبِي حَدِيثِي فإنِّي أخْبَرْتُهُمْ أنَّكِ أُخْتِي وَالله إنْ عَلَى الأرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وغَيْرُكِ فأرْسَلَ بِهَا إلَيْهِ فقامَ إلَيْهَا فقامَتْ تَوَضَّأُ وتصَلِّي فقالَتْ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وبِرَسُولِكَ وأحْصَنْتُ فَرْجِي إلَاّ عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ قَالَ الأعْرَجُ قَالَ أبُو سلَمَةَ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قالَتِ اللَّهُمَّ إنْ يَمُتْ يُقالُ هِيَ قَتَلَتْهُ فارْسِلَ ثُمَّ قامَ إلَيهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأ وتُصَلي وتَقُولُ أللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وبِرَسُولِكَ وأحصَنْتِ فَرْجِي إلَاّ علَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ هاذا الكافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ قَالَ أبُو سَلَمَةَ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ فقالَتِ اللَّهُمَّ إنْ يَمُتُ فيُقَالُ هِيَ قتَلَتْهُ فأُرْسِلَ فِي الثَّانيَةِ أوْ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ وَالله مَا أرْسَلْتُمْ إلَيَّ إلَاّ شَيْطانا ارْجِعُوهَا إلَى إبْرَاهِيمَ وأعْطُوها آجَرَ فرَجعَتْ إلَى إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَالَت أشَعَرْتَ أنَّ الله كبَتَ الكَافِرَ وأخْدَمَ ولِيدَةً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أعطوها هَاجر فَقَبلتهَا سارة، فَهَذِهِ هبة من الْكَافِر إِلَى الْمُسلم، فَدلَّ ذَلِك على جَوَاز تصرف الْكَافِر فِي ملكه، وَرِجَاله كلهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَتَخْفِيف الْمِيم: الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِبَة وَفِي الْإِكْرَاه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (هَاجر إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، بسارة) أَي: سَافر بهَا، و: سارة، بتَخْفِيف الرَّاء، بنت توبيل ابْن ناحور. وَقيل: سارة بنت هاران بن ناحور، وَقيل: بنت هاران بن ناحور، وَقيل: بنت هاران بن تارخ، وَهِي بنت أَخِيه على هَذَا وَأُخْت لوط. قَالَه الْعُتْبِي فِي (المعارف) والنقاش فِي التَّفْسِير قَالَ: وَذَلِكَ أَن نِكَاح بنت الْأَخ كَانَ حَلَالا إِذْ ذَاك، ثمَّ إِن النقاش نقض هَذَا القَوْل، فَقَالَ فِي تَفْسِير قَوْله عز وجل:{شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا} (الشورى: 31) . إِن هَذَا يدل على تَحْرِيم بنت الْأَخ على لِسَان نوح، عليه الصلاة والسلام، قَالَ السُّهيْلي: هَذَا هُوَ الْحق، وَإِنَّمَا توهموا أَنَّهَا بنت أَخِيه، لِأَن هاران أَخُوهُ، وَهُوَ هاران الْأَصْغَر، وَكَانَت هِيَ بنت هاران الْأَكْبَر وَهُوَ عَمه. قَوْله:(فَدخل بهَا قَرْيَة) الْقرْيَة من قريت المَاء فِي الْحَوْض أَي: جمعته، سميت بذلك لِاجْتِمَاع النَّاس فِيهَا، وَتجمع
على قرى، قَالَ الدَّاودِيّ: الْقرْيَة تقع على المدن الصغار والكبار، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْقرْيَة الْأُرْدُن وَالْملك صادوق، وَكَانَت هَاجر لملك من مُلُوك القبط، وَعند الطَّبَرِيّ: كَانَت امْرَأَة ملك من مُلُوك مصر، فَلَمَّا قَتله أهل عين شمس احتملوها مَعَهم، وَزعم أَن الْملك الَّذِي أَرَادَ سارة اسْمه سِنَان بن علوان، أَخُو الضَّحَّاك، وَقَالَ ابْن هِشَام فِي (كتاب التيجان) : إِن إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، خرج من مَدين إِلَى مصر، وَكَانَ مَعَه من الْمُؤمنِينَ ثَلَاثمِائَة وَعِشْرُونَ رجلا، وبمصر ملكهَا عَمْرو بن امرىء الْقَيْس بن نابليون من سبأ. قَوْله:(أَو جَبَّار) ، شكّ من الرَّاوِي، والجبار يُطلق على ملك عَاتٍ ظَالِم. قَوْله:(فَقيل: دخل إِبْرَاهِيم بِامْرَأَة) ، وَقَالَ ابْن هِشَام وشى بِهِ حناط كَانَ إِبْرَاهِيم يتمار مِنْهُ، فَأمر بِإِدْخَال إِبْرَاهِيم وَسَارة عَلَيْهِ، ثمَّ نحى إِبْرَاهِيم وَقَامَ إِلَى سارة، فَلَمَّا صَار إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، خَارج الْقصر جعله الله لَهُ كالقارورة الصافية، فَرَأى الْملك وَسَارة وَسمع كَلَامهمَا، فهم عَمْرو بسارة وَمد يَده إِلَيْهَا، فيبست فَمد الْأُخْرَى فَكَذَلِك، فَلَمَّا رأى ذَلِك كف عَنْهَا. وَقَالَ ابْن هِشَام: وَكَانَ الحناط أخبر الْملك بِأَنَّهُ رَآهَا تطحن، فَقَالَ الْملك: يَا إِبْرَاهِيم! مَا يَنْبَغِي لهَذِهِ أَن تخذم نَفسهَا؟ فَأمر لَهُ بهاجر. قَوْله: (قَالَ: أُخْتِي) يَعْنِي: فِي الدّين.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: على هَذَا الحَدِيث إِشْكَال مَا زَالَ يختلج فِي صَدْرِي، وَهُوَ أَن يُقَال: مَا معنى توريته، عليه السلام، عَن الزَّوْجَة بالأخت، وَمَعْلُوم أَن ذكرهَا بِالزَّوْجِيَّةِ كَانَ أسلم لَهَا، لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: هَذِه أُخْتِي قَالَ: زوجنيها. وَإِذا قَالَ امْرَأَتي سكت هَذَا إِن كَانَ الْملك يعْمل بِالشَّرْعِ، فَأَما إِذا كَانَ كَمَا وصف من جوره فَمَا يُبَالِي إِذا كَانَت زَوْجَة أَو أُخْتا إِلَى أَن وَقع لي أَن الْقَوْم كَانُوا على دين الْمَجُوس، وَفِي دينهم أَن الْأُخْت إِذا كَانَت زَوْجَة كَانَ أَخُوهَا الَّذِي هُوَ زَوجهَا أَحَق بهَا من غَيره، فَكَانَ الْخَلِيل، عليه الصلاة والسلام، أَرَادَ أَن يستعصم من الْجَبَّار بِذكر الشَّرْع الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ، فَإِذا هُوَ جَبَّار لَا يُرَاعِي جَانب دينه. قَالَ: وَاعْترض على هَذَا بِأَن الَّذِي جَاءَ على مَذْهَب الْمَجُوس زرادشت، وَهُوَ مُتَأَخّر عَن هَذَا الزَّمن، فَالْجَوَاب أَن لمَذْهَب الْقَوْم أصلا قَدِيما ادَّعَاهُ زرادشت وَزَاد عَلَيْهِ خرافات، وَقد كَانَ نِكَاح الْأَخَوَات جَائِزا فِي زمن آدم، عليه السلام، وَيُقَال: كَانَت حرمته على لِسَان مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، قَالَ: وَيدل على أَن دين الْمَجُوس لَهُ أصل مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَخذ الْجِزْيَة من مجوس هجر، وَمَعْلُوم أَن الْجِزْيَة لَا تُؤْخَذ إلَاّ مِمَّن لَهُ كتاب أَو شُبْهَة كتاب، ثمَّ سَأَلت عَن هَذَا بعض عُلَمَاء أهل الْكتاب فَقَالَ: كَانَ من مَذْهَب الْقَوْم أَن من لَهُ زَوْجَة لَا يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج إلَاّ أَن يهْلك زَوجهَا، فَلَمَّا علم إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، هَذَا قَالَ: هِيَ أختى، كَأَنَّهُ قَالَ: إِن كَانَ الْملك عادلاً، فَخَطَبَهَا مني أمكنني دَفعه، وَإِن كَانَ ظَالِما تخلصت من الْقَتْل، وَقيل: إِن النُّفُوس تأبى أَن يتَزَوَّج الْإِنْسَان بِامْرَأَة وَزوجهَا مَوْجُود، فَعدل، عليه السلام، عَن قَوْله: زَوْجَتي، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قَتله أَو طرده عَنْهَا، أَو تَكْلِيفه لفراقها. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قيل: إِن من سيرة هَذَا الْجَبَّار أَنه لَا يغلب الْأَخ على أُخْته وَلَا يَظْلمه فِيهَا، وَكَانَ يغلب الزَّوْج على زَوجته. وَالله أعلم.
قَوْله: (إِن على الأَرْض) كلمة: إِن، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون للنَّفْي، يَعْنِي: وَالله مَا على الأَرْض مُؤمن غَيْرِي وَغَيْرك. قَوْله: (وَغَيْرك)، بِالْجَرِّ عطفا على: غَيْرِي، ويروى بِالرَّفْع بَدَلا عَن الْمحل، ويروى: مَنْ يُؤمن، بِكَلِمَة: مَنْ، الموصولة: وَصدر صلتها مَحْذُوف تَقْدِيره: وَالله، الَّذِي على الأَرْض لَيْسَ بِمُؤْمِن غَيْرِي وَغَيْرك. قَوْله:(فَقَامَتْ تَوَضَّأ) ، بِرَفْع الْهمزَة فِي مَحل النصب على الْحَال، وَتصلي (عطف عَلَيْهِ) . قَوْله:(أللهم إِن كنت آمَنت. .) قيل: شَرط مَدْخُول أَن كَونه مشكوكا فِيهِ، وَالْإِيمَان مَقْطُوع بِهِ. وَأجِيب: بِأَنَّهَا كَانَت قَاطِعَة بِهِ، وَلكنهَا ذكرته على سَبِيل الْفَرْض هَهُنَا هضما لنَفسهَا. قَوْله:(فغط)، قَالَ ابْن التِّين: ضبط فِي بعض الْأُصُول بِفَتْح الْغَيْن وَالصَّوَاب بِالضَّمِّ، كَذَا فِي بعض الْأُصُول. قلت: هُوَ بالغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة، وَمَعْنَاهُ: أَخذ مجاري نَفسه حَتَّى سمع لَهُ غطيط، يُقَال: غط المخنوق إِذا سمع غَطِيطه. قَوْله: (حَتَّى ركض بِرجلِهِ)، أَي: حركها وضربها على الأَرْض. قَوْله: (قَالَ الْأَعْرَج) ، هُوَ الْمَذْكُور فِي السَّنَد، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، قَالَ أَبُو سَلمَة: إِن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: قَالَت: أللهم إِن يمت (ح) هُوَ مَوْقُوف ظَاهرا، وَكَذَا ذكره صَاحب (الْأَطْرَاف) ، وَكَانَ أَبَا الزِّنَاد روى الْقطعَة الأولى مُسندَة، وَهَذِه مَوْقُوفَة. قَوْله:(يُقَال: هِيَ قتلته)، ويروى: يقل هِيَ قتلته، وَهُوَ الظَّاهِر لوُجُوب الْجَزْم فِيهِ، وَوجه رِوَايَة: يُقَال: هُوَ، إِمَّا أَن الْألف حصلت من إشباع الفتحة، وَإِمَّا أَنه كَقَوْلِه تَعَالَى:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} (النِّسَاء: 87) . بِالرَّفْع فِي قِرَاءَة بَعضهم. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قيل: هُوَ بِتَقْدِير الْفَاء: قلت: تَقْدِيره: فيدرككم الْمَوْت، وَكَذَلِكَ
هُنَا يكون التَّقْدِير: فَيُقَال. قَوْله: (فِي الثَّانِيَة)، أَي: أرسل سارة فِي الْمرة الثَّانِيَة. قَوْله: (أَو فِي الثَّالِثَة)، شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو أرسلها فِي الْمرة الثَّالِثَة. قَوْله: (إلَاّ شَيْطَانا) أَي: متمردا من الْجِنّ، وَكَانُوا يهابون الْجِنّ ويعظمون أَمرهم، وَيُقَال: سَبَب قَوْله ذَلِك أَنه جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: لما قبضت يَده عَنْهَا، قَالَ لَهَا: ادعِي لي، فَقَالَ ذَلِك لِئَلَّا يتحدث بِمَا ظهر من كرامتها فتعظم فِي نفوس النَّاس وتتبع، فَلبس على السَّامع بِذكر الشَّيْطَان. قَوْله:(إرجعوا)، بِكَسْر الْهمزَة أَي: ردوهَا إِلَى إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام. قَوْله:(وأعطوها آجر) أَي: أعْطوا سارة آجر، وَهِي الوليدة: اسْمهَا آجر، بِهَمْزَة ممدودة وجيم مَفْتُوحَة وَفِي آخِره رَاء، واستعملوا الْهَاء مَوضِع الْهمزَة، فَقيل: هَاجر، وَهِي أم إِسْمَاعِيل، عليه الصلاة والسلام، كَمَا أَن سارة أم إِسْحَاق، عليه الصلاة والسلام، وَقيل: إِن هَاجر من حقن من كورة أنصنا قَوْله. قلت: حقن، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَفِي آخِره نون، وَهُوَ اسْم لقرية من صَعِيد مصر، قَالَه ابْن الْأَثِير. قلت: هُوَ كفر من كفور كورة أنصنا، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة ثمَّ نون ثَانِيَة وَألف مَقْصُورَة، وَهِي بَلْدَة بالصعيد الْأَوْسَط على شط النّيل من الْبر الشَّرْقِي فِي قبالة الأشمونيين من الْبر الآخر، وَبهَا آثَار عَظِيمَة ومزدرع كثير. وَقَالَ اليعقوبي: هِيَ مَدِينَة قديمَة يُقَال إِن سحرة فِرْعَوْن كَانُوا فِيهَا. قَوْله: (أشعرت)، أَي: أعلمت تخاطب إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، قَوْله:(كبت الْكَافِر)، أَي: رده خاسئا خائبا. وَقيل: أحزنه. وَقيل: أغاظه، لِأَن الكبت شدَّة الغيظ، وَقيل: صرعه، وَقيل: أذله، وَقيل: أَخْزَاهُ، وَقيل: أَصله كبد، أَي: بلغ الْهم كبده فأبدل من الدَّال تَاء. قَوْله: (واخدم وليدة) أَي: أعطي خَادِمًا أَي: أَعْطَاهَا أمة تخدمها، والوليدة تطلق على الْجَارِيَة وَإِن كَانَت كَبِيرَة، وَفِي الأَصْل الْوَلِيد الطِّفْل وَالْأُنْثَى وليدة وَالْجمع ولائد. فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِبَاحَة الْمعَارض لقَوْله: إِنَّهَا أُخْتِي وَإِنَّهَا مندوحة عَن الْكَذِب. وَفِيه: إِن أخوة الْإِسْلَام أخوة تجب أَن يتسمى بهَا. وَفِيه: الرُّخْصَة فِي الأنقياد للظالم أَو الْغَاصِب. وَفِيه: قبُول صلَة السُّلْطَان الظَّالِم وَقبُول هَدِيَّة الْمُشرك. وَفِيه: إِجَابَة الدُّعَاء بإخلاص النِّيَّة وكفاية الرب، جل جلاله، لمن أخلصها بِمَا يكون نوعا من الْآفَات وَزِيَادَة فِي الْإِيمَان تَقْوِيَة على التَّصْدِيق وَالتَّسْلِيم والتوكل. وَفِيه: ابتلاء الصَّالِحين لرفع درجاتهم. وَفِيه: أَن من قَالَ لزوجته: أُخْتِي، وَلم ينوِ شَيْئا لَا يكون طَلَاقا، وَكَذَلِكَ لَو قَالَ: مثل أُخْتِي، لَا يكون ظِهَارًا. وَفِيه: أَخذ الحذر مَعَ الْإِيمَان بِالْقدرِ. وَفِيه: مُسْتَند لمن يَقُول: إِن طَلَاق الْمُكْره لَا يَقع، وَلَيْسَ بِشَيْء. وَفِيه: الْحِيَل فِي التَّخَلُّص من الظلمَة، بل إِذا علم أَنه لَا يتَخَلَّص إلَاّ بِالْكَذِبِ جَازَ لَهُ الْكَذِب الصراح، وَقد يجب فِي بعض الصُّور بالِاتِّفَاقِ لكَونه يُنجي نَبيا أَو وليا مِمَّن يُرِيد قَتله أَو لنجاة الْمُسلمين من عدوهم، وَقَالَ الْفُقَهَاء: لَو طلب ظَالِم وَدِيعَة لإِنْسَان ليأخذها غصبا وَجب عَلَيْهِ الْإِنْكَار وَالْكذب فِي أَنه لَا يعلم موضعهَا.
8122 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عَن عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّها قالَتِ اخْتَصَمَ سَعْدُ بنُ أبِي وقاصٍ وعَبْدُ بنُ زَمْعَةَ فِي غلامٍ فقالَ سَعْدٌ هَذَا يَا رسولَ الله ابنُ أخي عُتْبَةَ بنِ أبِي وقَّاصٍ عَهدَ إلَى أنَّهُ ابْنُهُ انْظُر إِلَى شبَهِهِ وَقَالَ عَبدُ بنُ زَمْعَةَ هَذَا أخي يَا رسولَ الله وُلِدَ علَى فِراشِ أبِي مِنْ ولِيدَتِهِ فنَظَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلاى شبَهِهِ فرَأى شبَها بَيِّنا بِعُتْبَةَ فَقال هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ الوَلدُ لِلْفِراشِ ولِلْعَاهِرِ الحَجَرُ واحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عبد بن زَمعَة قَالَ: هَذَا ابْن أمة أبي، ولد على فرَاشه، فَأثْبت لِأَبِيهِ أمه وملكا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلم يُنكر صلى الله عليه وسلم ذَلِك، وَسمع خصامهما وَهُوَ دَلِيل على تَنْفِيذ عهد الْمُشرك وَالْحكم بِهِ، وَإِن تصرف الْمُشرك فِي ملكه يجوز كَيفَ شَاءَ، وَحكم النَّبِي صلى الله عليه وسلم هُنَا بِأَن الْوَلَد للْفراش فَلم ينظر إِلَى الشّبَه وَلَا اعْتَبرهُ. والْحَدِيث قد مر فِي تَفْسِير المشبهات فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة
…
إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً. قَوْله:(أنظر إِلَى شبهه) أَي: إِلَى مشابهة الْغُلَام بِعتبَة، والعاهر: الزَّانِي.