الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَيْثُ شِئْتَ فَقَالَ بَخٍ ذلِكَ مالٌ رَائِحٌ قدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيها وأرَى أنْ تَجْعَلَها فِي الأقْرَبِينَ قَالَ أفْعَلُ يَا رسولَ الله فَقَسَمَهَا أبُو طَلْحَةَ فِي أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّه. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَول أبي طَلْحَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا صَدَقَة فضعها يَا رَسُول الله حَيْثُ شِئْت، فَإِنَّهُ لم يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك، وَإِن كَانَ مَا وَضعهَا بِنَفسِهِ بل أمره أَن يَضَعهَا فِي الْأَقْرَبين، وَيفهم مِنْهُ أَن الْوكَالَة لَا تتمّ إلَاّ بِالْقبُولِ، أَلا ترى أَن أَبَا طَلْحَة قَالَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ضعها يَا رَسُول الله حَيْثُ شِئْت! فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يَجْعَلهَا فِي الْأَقْرَبين، بعد أَن قَالَ: قد سَمِعت مَا قلت فِيهَا، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب الزَّكَاة على الْأَقَارِب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك
…
إِلَى آخِره نَحوه، وَأخرجه هُنَا: عَن يحيى بن يحيى بن بكر بن زِيَاد التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي شيخ مُسلم أَيْضا، مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخ صفر سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (رائج)، بِالْجِيم: من الرواج، وَقيل: بِالْحَاء، وَقيل: بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: دُخُول الشَّارِع حَوَائِط أَصْحَابه وشربه من المَاء العذب. وَفِيه: رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى.
تابَعَهُ إسْماعِيلُ عنْ مالِكٍ
يَعْنِي: تَابع يحيى بن يحيى إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك عَن أنس، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي تَفْسِير آل عمرَان.
وَقَالَ روْحٌ عنْ مالِكٍ رابِحٌ
يَعْنِي: قَالَ روح بن عبَادَة فِي رِوَايَته عَن مَالك: رابح، بِالْبَاء الْمُوَحدَة من الرِّبْح، وَقد ذكرنَا الْآن أَن فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات.
61 -
(بابُ وَكالةِ الأمِينِ فِي الخِزَانَةِ ونَحْوِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم وكَالَة الرجل الْأمين فِي الخزانة وَنَحْوهَا.
9132 -
حدَّثنا محَمَّدُ بنُ العَلَاءِ قَالَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الخَازِنُ الأمِينُ الَّذِي يُنْفِقُ ورُبَّمَا قَالَ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كامِلاً مُوَفَّرا طَيِّبٌ نَفْسُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ بِهِ أحَدُ المُتَصَدِّقِينِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الخازن الْأمين مفوض إِلَيْهِ الْإِنْفَاق والإعطاء بِحَسب أَمر الْآمِر بِهِ، وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَأَبُو بردة كَذَلِك بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، واسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَاسم أبي مُوسَى: عبد الله بن قيس، والْحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب أجر الْخَادِم، بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن بعينهما، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
بِسم الله الرحمان
(كتاب المُزَارَعَةِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْمُزَارعَة، وَهِي مفاعلة من الزَّرْع، والزراعة هِيَ الْحَرْث والفلاحة، وَتسَمى: مخابرة ومحاقلة، ويسميها أهل الْعرَاق: القراح، وَفِي الْمغرب: القراح من الأَرْض كل قِطْعَة على حيالها لَيْسَ فِيهَا شجر وَلَا شائب سبخ، وَتجمع على: أقرحة، كمكان وأمكنة. وَفِي الشَّرْع: الْمُزَارعَة عقد على زرع بِبَعْض الْخَارِج، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: كتاب الْحَرْث، وَفِي بعض النّسخ: كتاب الْحَرْث والزراعة.
1 -
(بابُ فَضْلِ الزَّرْعِ والْغِرْسِ إذَا اكِلَ مِنه)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الزِّرَاعَة وغرس الْأَشْجَار إِذا أكل مِنْهُ، أَي: من كل وَاحِد من الزَّرْع وَالْغَرْس، وَهَذَا الْقَيْد لَا بُد مِنْهُ
لحُصُول الْأجر، وَهَذِه التَّرْجَمَة كَذَا هِيَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والكشميهني بعد قَوْله: كتاب الْمُزَارعَة، إلَاّ أَنَّهُمَا أخرا الْبَسْمَلَة عَن كتاب الْمُزَارعَة، وَفِي بعض النّسخ: بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَرْث والمزارعة، وَفضل الزَّرْع، وَلم يذكر فِيهِ كتاب الْمُزَارعَة، قيل: هُوَ للأصيلي وكريمة.
وقَوْلِهِ تعالَى: {أفَرَأيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاما} (الْوَاقِعَة: 36، 56) .
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: فضل الزَّرْع، وَذكر هَذِه الْآيَة لاشتمالها على الْحَرْث وَالزَّرْع، وَأَيْضًا تدل على إِبَاحَة الزَّرْع من جِهَة الامتنان بِهِ، وفيهَا وَفِي الْآيَات الَّتِي قبلهَا رد وتبكيت على الْمُشْركين الَّذين قَالُوا: نَحن موجودون من نُطْفَة حدثت بحرارة كائنة، وأنكروا الْبَعْث والنشور بِأُمُور ذكرت فِيهَا، من جُمْلَتهَا قَوْله: أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ؟ أَي تثيرون فِي الأَرْض وتعملون فِيهَا وتطرحون البذار، أأنتم تزرعونه أَي تنبتونه وتردونه نباتاً ينمي إِلَى أَن يبلغ الْغَايَة. قَوْله تَعَالَى:{لَو نشَاء لجعلناه حطاماً} (الْوَاقِعَة: 36، 56) . أَي: هشيماً لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا تقدرون على مَنعه، وَقيل: نبتاً لَا قَمح فِيهِ، فظللتم تفكهون أَي: تفجعون، وَقيل: تَحْزَنُونَ، وَهُوَ من الأضداد، تَقول الْعَرَب: تفكهت أَي تنعمت وتفكهت، أَي: حزنت، وَقيل: التفكه التَّكَلُّم فِيمَا لَا يَعْنِيك، وَمِنْه قيل للمزاح: فكاهة، وَأخذُوا من قَوْله: أم نَحن الزارعون؟ أَن لَا يَقُول أحد: زرعت، وَلَكِن يَقُول: حرثت، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(لَا يَقُولَن أحدكُم: زرعت، وَليقل: حرثت) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: (ألم تسمعوا قَول الله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون} (الْوَاقِعَة: 36، 56) . قلت: هَذَا الحَدِيث أخرجه ابْن أبي حَاتِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَفِي تَفْسِير عبد ابْن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن، يَعْنِي السّلمِيّ، أَنه كره أَن يُقَال: زرعت، وَيَقُول حرثت.
0232 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدثنَا أَبُو عَوَانَةَ ح وحدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ المُبَارَكِ قَالَ حدَّثنا أَبُو عَوانَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ مُسلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً فَيأكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أوْ إنْسانٌ أوْ بَهِيمَةٌ إلَاّ كانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ. (الحَدِيث 0232 طرفه فِي: 2106) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأخرجه بطريقين عَن شيخين: أَحدهمَا: عَن قُتَيْبَة عَن أبي عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح ابْن عبد الله الْيَشْكُرِي عَن قَتَادَة. وَالْآخر: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك بن عبد الله الْعَبْسِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، ويروي عَن قَتَادَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي الْوَلِيد. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة.
وَقَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي أَيُّوب، وَأم مُبشر، وَجَابِر، وَزيد بن خَالِد. قلت: أما حَدِيث: أبي أَيُّوب فَأخْرجهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: (مَا من رجل يغْرس غرساً إلَاّ كتب الله لَهُ من الْأجر قدر مَا يخرج من ثَمَر ذَلِك الْغَرْس) . وَأما حَدِيث أم مُبشر فَأخْرجهُ مُسلم فِي أَفْرَاده من رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن أم مُبشر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيث عَطاء، وَأبي الزبير وَعَمْرو بن دِينَار عَن جَابر، وَلم يسق لَفظه. وَأما حَدِيث جَابر فَأخْرجهُ مُسلم أَيْضا فِي أَفْرَاده من رِوَايَة عبد الْملك بن سُلَيْمَان الْعَزْرَمِي عَن عَطاء عَن جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُول للهلله صلى الله عليه وسلم: (مَا من مُسلم يغْرس غرسا إلَاّ كَانَ مَا أكل مِنْهُ لَهُ صَدَقَة، وَمَا سرق مِنْهُ لَهُ صَدَقَة، وَمَا أكل السَّبع فَهُوَ لَهُ صَدَقَة، وَمَا أكلت الطير فَهُوَ لَهُ صَدَقَة، وَلَا يزراه أحدا إلَاّ كَانَ لَهُ صَدَقَة) . وَأخرجه أَيْضا من رِوَايَة اللَّيْث عَن أبي الزبير عَن جَابر: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل على أم معبد
أَو أم مُبشر الْأَنْصَارِيَّة فِي نخل لَهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم:(من غرس هَذَا النّخل أمسلم أم كَافِر؟ فَقَالَت: بل مُسلم، فَقَالَ: (لَا يغْرس مُسلم غرساً، وَلَا يزرع زرعا فيأكل مِنْهُ إنس ان وَلَا دَابَّة وَلَا شَيْء إلَاّ كَانَت لَهُ صَدَقَة) . وَأخرجه أَيْضا من رِوَايَة زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار أَنه سمع جَابر بن عبد الله، يَقُول: دخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم على أم معبد وَلم يشك، فَذكر نَحوه، قلت: أم مُبشر هَذِه هِيَ امْرَأَة زيد بن حَارِثَة، كَمَا ورد فِي (الصَّحِيح) فِي بعض طرق الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال: إِنَّهَا أم بشر بنت البرار بن معْرور، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَيُقَال: إِن فِيهَا أَيْضا أم بشير، قَالَ: فَحصل أَنه يُقَال لَهَا أم مُبشر وَأم معبد وَأم بشير، قيل: اسْمهَا خليدة، بِضَم الْخَاء وَلم يَصح. وَأما حَدِيث زيد بن خَالِد
…
. .
…
وَقَالَ شَيخنَا فِي شرح هَذَا الحَدِيث: وَفِي الْبَاب مِمَّا لم يذكرهُ التِّرْمِذِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء والسائب بن خَلاد ومعاذ بن أنس وصحابي لم يسم. وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء فَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) عَنهُ: أَن رجلا مر بِهِ وَهُوَ يغْرس غرسا بِدِمَشْق، فَقَالَ: أتفعل هَذَا وَأَنت صَاحب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا تعجل عَليّ، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: من غرس غرساً لم يَأْكُل مِنْهُ آدَمِيّ وَلَا خلق من خلق الله إلَاّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَة) . وَأما حَدِيث السَّائِب بن خَلاد فَأخْرجهُ أَحْمد أَيْضا من رِوَايَة خَلاد بن السَّائِب عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من زرع زرعا فَأكل مِنْهُ الطير أَو الْعَافِيَة كَانَ لَهُ صَدَقَة) . وَأما حَدِيث معَاذ بن أنس، فَأخْرجهُ أَحْمد أَيْضا عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:(من بنى بَيْتا فِي غير ظلم وَلَا اعتداء، أَو غرس غرساً فِي غير ظلم وَلَا اعتداء، كَانَ لَهُ أجرا جَارِيا مَا انْتفع من خلق الرَّحْمَن تبارك وتعالى أحد) ، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي كتاب التَّوَكُّل. وَأما حَدِيث الصَّحَابِيّ الَّذِي لم يسم، فَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا من رِوَايَة: فنج، بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد النُّون وبالجيم، قَالَ: كنت أعمل فِي الدينباد وأعالج فِيهِ، فَقدم يعلى بن أُميَّة أَمِيرا على الْيمن، وَجَاء مَعَه رجال من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَنِي رجل مِمَّن قدم مَعَه، وَأَنا فِي الزَّرْع، وَفِي كمه جوز، فَذكر الحَدِيث، وَفِيه فَقَالَ رجل: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هَاتين يَقُول: (من نصب شَجَرَة فَصَبر على حفظهَا وَالْقِيَام عَلَيْهَا حَتَّى تثمر كَانَ لَهُ فِي كل شَيْء يصاب من ثَمَرهَا صَدَقَة، عِنْد الله، عز وجل . قلت: وَعند يحيى بن آدم: حَدثنَا عبد السَّلَام بن حَرْب حَدثنَا إِسْحَاق بن أبي فَرْوَة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن أبي أسيد، يرفعهُ: (من زرع زرعا أَو غرس غرساً فَلهُ أجر مَا أَصَابَت مِنْهُ العوافي) وَذكر عَليّ بن عبد الْعَزِيز فِي (الْمُنْتَخب) بِإِسْنَاد حسن عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(إِن قَامَت السَّاعَة وبيد أحدكُم فسيلة، فاستطاع أَن لَا تقوم حَتَّى يغرسها فليغرسها) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فضل الْغَرْس وَالزَّرْع، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن الزِّرَاعَة أفضل المكاسب، وَاخْتلف فِي أفضل المكاسب، فَقَالَ النَّوَوِيّ: أفضلهَا الزِّرَاعَة، وَقيل: أفضلهَا الْكسْب بِالْيَدِ، وَهِي الصَّنْعَة، وَقيل: أفضلهَا التِّجَارَة، وَأكْثر الْأَحَادِيث تدل على أَفضَلِيَّة الْكسْب بِالْيَدِ. وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث أبي بردة، قَالَ:(سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَي الْكسْب أطيب؟ قَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقد يُقَال: هَذَا أطيب من حَيْثُ الْحل، وَذَاكَ أفضل من حَيْثُ الِانْتِفَاع الْعَام، فَهُوَ نفع مُتَعَدٍّ إِلَى غَيره، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يخْتَلف الْحَال فِي ذَلِك باخْتلَاف حَاجَة النَّاس، فَحَيْثُ كَانَ النَّاس مُحْتَاجين إِلَى الأقوات أَكثر، كَانَت الزِّرَاعَة أفضل، للتوسعة على النَّاس، وَحَيْثُ كَانُوا مُحْتَاجين إِلَى المتجر لانْقِطَاع الطّرق كَانَت التِّجَارَة أفضل، وَحَيْثُ كَانُوا مُحْتَاجين إِلَى الصَّنَائِع أَشد، كَانَت الصَّنْعَة أفضل، وَهَذَا حسن. وَفِيه: أَن الثَّوَاب الْمُتَرَتب على أَفعَال الْبر فِي الْآخِرَة يخْتَص بِالْمُسلمِ دون الْكَافِر، لِأَن الْقرب إِنَّمَا تصح من الْمُسلم، فَإِن تصدق الْكَافِر أَو بنى قنطرة للمارة أَو شَيْئا من وُجُوه الْبر لم يكن لَهُ أجر فِي الْآخِرَة، وَورد فِي حَدِيث آخر: أَنه يطعم فِي الدنيابذلك، ويجازى بِهِ من دفع مَكْرُوه عَنهُ، وَلَا يدّخر لَهُ شَيْء مِنْهُ فِي الْآخِرَة. فَإِن قلت: قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث: مَا من عبد وَهُوَ يتَنَاوَل الْمُسلم وَالْكَافِر. قلت: يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد. وَفِيه: أَن الْمَرْأَة تدخل فِي قَوْله: مَا من مُسلم، لِأَن هَذَا اللَّفْظ من الْجِنْس الَّذِي إِذا كَانَ الْخطاب بِهِ يدْخل فِيهِ الْمَرْأَة، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يرد بِهَذَا اللَّفْظ أَن الْمسلمَة إِذا فعلت هَذَا الْفِعْل لم يكن لَهَا هَذَا الثَّوَاب، بل الْمسلمَة فِي هَذَا الْفِعْل فِي اسْتِحْقَاق الثَّوَاب مثل الْمُسلم سَوَاء. وَفِيه: حُصُول الْأجر للغارس والزارع، وَإِن لم يقصدا ذَلِك، حَتَّى لَو غرس وَبَاعه أَو زرع وَبَاعه كَانَ لَهُ بذلك صَدَقَة لتوسعته على النَّاس فِي أقواتهم، كَمَا ورد الْأجر للجالب، وَإِن كَانَ يَفْعَله للتِّجَارَة والاكتساب. فَإِن قلت: فِي بعض طرق حَدِيث جَابر عِنْد مُسلم: إلَاّ كَانَت لَهُ صَدَقَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَقَوله: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، هَل يُرِيد بِهِ أَن أجره لَا يَنْقَطِع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَإِن فني الزَّرْع وَالْغِرَاس؟ أَو يُرِيد مَا بَقِي من ذَلِك الزَّرْع وَالْغِرَاس مُنْتَفعا بِهِ، وَإِن بَقِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة؟ قلت: الظَّاهِر أَن المُرَاد الثَّانِي. وَزَاد النَّوَوِيّ: