الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوبخها بِالزِّنَا بعد الضَّرْب، والتثريب اللوم، وَقيل أَرَادَ: لَا يَقع فِي عقوبتها التثريب بل يضْربهَا الْحَد، فَإِن زنا الْإِمَاء لم يكن عِنْد الْعَرَب مَكْرُوها وَلَا مُنْكرا، فَأَمرهمْ بِحَدّ الْإِمَاء كَمَا أَمرهم بِحَدّ الْحَرَائِر، ومادته: ثاء مُثَلّثَة وَرَاء وباء مُوَحدَة. قَوْله: (وَلَو بِحَبل) أَي: وَلَو كَانَ بِحَبل من شعر.
111 -
(بابٌ هَلْ يُسَافِرُ بالجَارِيَةِ أنْ يَسْتَبْرِئَها)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يُسَافر شخص بالجارية الَّتِي اشْتَرَاهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا؟ وَإِنَّمَا قيد بِالسَّفرِ، وَإِن كَانَ فِي الْحَضَر أَيْضا لَا بُد من الِاسْتِبْرَاء، لِأَن السّفر مَظَنَّة المخالطة وَالْمُلَامَسَة غَالِبا، واستبراء الْجَارِيَة طلب بَرَاءَة رَحمهَا من الْحمل، وَأَصله من: استبرأت الشَّيْء إِذا طلبت أمره لتعرفه وتقطع الشُّبْهَة. وَقيل: الِاسْتِبْرَاء عبارَة عَن التعرف والتبصر احْتِيَاطًا، والاستبراء الَّذِي يذكر مَعَ الِاسْتِنْجَاء فِي الطَّهَارَة هُوَ أَن يستفرغ بَقِيَّة الْبَوْل وينقي مَوْضِعه وَمَجْرَاهُ، وَكلمَة: هَل: هُنَا للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، وَلم يذكر جَوَابه لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ.
ولَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسا أَن يُقَبِّلَها أوْ يُبَاشِرَهَا
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن ابْن علية، قَالَ: سُئِلَ يُونُس عَن الرجل يَشْتَرِي الْأمة فيستبرئها يُصِيب مِنْهَا الْقبْلَة والمباشرة؟ فَقَالَ ابْن سِيرِين: يكره ذَلِك، وَيذكر عَن الْحسن أَنه كَانَ لَا يرى بالقبلة بَأْسا. قَوْله:(أَو يُبَاشِرهَا) يَعْنِي فِيمَا دون الْفرج، ويروى: ويباشرها بِالْوَاو، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن، قَالَ: يُصِيب مَا دون الْفرج، وَلَفظ الْمُبَاشرَة أَعم من التَّقْبِيل وَغَيره، وَلَكِن الْفرج مُسْتَثْنى لأجل الْمعرفَة بِبَرَاءَة الرَّحِم.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا وُهِبَتِ الوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطأ أوْ بِيعَتْ أوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرأ رَحِمُها بِحَيْضَةٍ ولَا تَسْتَبُرَأُ العَذْرَاءُ
ابْن عمر هُوَ عبد الله بن عمر. قَوْله: (إِذا وهبت) إِلَى قَوْله: (بِحَيْضَة)، تَعْلِيق وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة من طَرِيق عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر والوليدة الْجَارِيَة. قَوْله:(الَّتِي تُوطأ) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَو بِيعَتْ)، بِكَسْر الْبَاء على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا. قَوْله:(أَو عتقت) ، بِفَتْح الْعين وَقيل بضَمهَا، وَلَيْسَ بِشَيْء. قَوْله:(فليستبرأ) على صِيغَة الْمَجْهُول أَو الْمَعْلُوم أَي: ليستبرىء الْمُتَّهب وَالْمُشْتَرِي والمتزوج بهَا الْغَيْر الْمُعْتق. قَوْله: (وَلَا تستبرأ الْعَذْرَاء) وَهِي الْبكر إِذْ لَا شكّ فِي بَرَاءَة رَحمهَا من الْوَلَد، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْوَهَّاب عَن سعيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: إِن اشْترى أمة عذراء فَلَا يَسْتَبْرِئهَا. وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا خلاف مَا يَقُوله مَالك. قيل: وَالشَّافِعِيّ أَيْضا. وَقيل: يستبرىء اسْتِحْبَابا، وَعَن ابْن سِيرِين فِي الرجل يَشْتَرِي الْأمة الْعَذْرَاء، قَالَ لَا يقربن رَحمهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا. وَعَن الْحسن: يَسْتَبْرِئهَا وَإِن كَانَت بكرا، وَكَذَا قَالَه عِكْرِمَة، وَقَالَ عَطاء فِي رجل اشْترى جَارِيَة من أَبَوَيْهَا عذراء، وَقَالَ: يَسْتَبْرِئهَا بحيضتين. وَمذهب جمَاعَة مِنْهُم: ابْن الْقَاسِم وَسَالم وَاللَّيْث وَأَبُو يُوسُف: لَا اسْتِبْرَاء إلَاّ على الْبَالِغَة، وَكَانَ أَبُو يُوسُف لَا يرى اسْتِبْرَاء الْعَذْرَاء وَإِن كَانَت بَالِغَة، ذكره ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ، وَقَالَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة فِي رجل اشْترى جَارِيَة صَغِيرَة، لَا يُجَامع مثلهَا، قَالَ: لَا بَأْس أَن يَطَأهَا وَلَا يَسْتَبْرِئهَا، وَكره قَتَادَة تقبيلها حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا. وَقَالَ أَيُّوب اللَّخْمِيّ، وَقعت فِي سهم ابْن عمر جَارِيَة يَوْم جَلُولَاء، فَمَا ملك نَفسه حَتَّى قبلهَا. قَالَ ابْن بطال: ثَبت هَذَا عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَقَالَ عَطاءٌ لَا بأسَ أنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الحامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ وَقَالَ الله تَعَالَى: {إلَاّ عَلى أزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ
عَطاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ، وَالْمرَاد بقوله:(الْحَامِل) من غير سَيِّدهَا، لِأَنَّهَا: إِذا كَانَت حَامِلا من سَيِّدهَا فَلَا يرتاب فِي حلّه، ثمَّ وَجه الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ هُوَ أَن الله تَعَالَى مدح الحافظين فروجهم إلَاّ عَلى أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم، فَإِنَّهَا دلّت على جَوَاز الِاسْتِمْتَاع بِجَمِيعِ وجوهه لَكِن خرج الْوَطْء بِدَلِيل، فَبَقيَ الْبَاقِي على أَصله.
3522 -
حدَّثنا عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ داوُدَ قَالَ حدَّثنا يَعْقوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرِو بنِ أبِي عَمْرٍ وعنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ فَلَمَّا فتَحَ الله عَلَيْهِ الحصْنَ ذكِرَ لَهُ جَمالُ صفيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بن أخْطَبَ وقَدْ قتلَ زَوْجُها وكانَتْ عَرُوسا فاصْطَفاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسهِ فخَرَجَ بِها حتَّى بلغْنَا سَدَّ الرَّوْحاءِ حلَّتْ فبَنَى بهَا ثُمَّ صنَعَ حَيْسا فِي نطَعٍ صغيرٍ ثمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فكانَتْ تِلُكَ وَلِيمَةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم علَى صفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنا إِلَى المَدِينَةِ قَالَ فرأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يحَوِّي لَها ورَاءَهُ بِعَباءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فيَضَعُ رُكْبَتَهُ فتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَرْكَبَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عليه وسلم، لما اصْطفى صَفِيَّة استبرأها بِحَيْضَة ثمَّ بنى بهَا، وَهَذَا يفهم من قَوْله: حَتَّى بلغنَا سد الروحاء حلت، فَإِن المُرَاد بقوله: حلت أَي: طهرت من حَيْضهَا. وَقد روى الْبَيْهَقِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم اسْتَبْرَأَ صَفِيَّة بِحَيْضَة.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الْغفار بن دَاوُد بن مهْرَان، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْقَارِي، من القارة، حَلِيف بني زهرَة، وَقد مر فِي: بَاب الْخطْبَة على الْمِنْبَر. الثَّالِث: عَمْرو بن أبي عَمْرو، واسْمه: ميسرَة يكنى أَبَا عُثْمَان. الرَّابِع: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَعبد الْغفار حراني سكن مصر وَأَن يَعْقُوب مدنِي سكن إسكندرية وَأَن عَمْرو بن أبي عَمْرو مدنِي مَاتَ فِي أول خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عبد الْغفار، وَفِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْمَغَازِي أَيْضا عَن أَحْمد عَن ابْن وهب، وَفِي الْأَطْعِمَة وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة أَيْضا. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن سعيد بن مَنْصُور.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (خَيْبَر) ، كَانَت غَزْوَة خَيْبَر سنة سِتّ، وَقيل: سبع. قَوْله: (الْحصن) ، اسْمه القموص وَكَانَ، صلى الله عليه وسلم، سبى صَفِيَّة وَابْنَة عَم لَهَا من هَذَا الْحصن. قَوْله:(صَفِيَّة)، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف. الصَّحِيح: أَن هَذَا كَانَ اسْمهَا قبل السَّبي، وَقيل: كَانَ اسْمهَا: زَيْنَب، فسميت صَفِيَّة بعد السَّبي. قَوْله:(بنت حييّ) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الأولى وَتَشْديد الثَّانِيَة، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: المحدثون يَقُولُونَهُ بِكَسْر الْحَاء، وَأهل اللُّغَة بضَمهَا. قَوْله:(ابْن أَخطب)، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. قَوْله:(وَقد قتل زَوجهَا) ، وَهُوَ كنَانَة بن أبي الْحقيق وَكَانَ زَوجهَا أَو لأسلام بن مشْكم، وَكَانَ خمارا فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ خلف عَلَيْهَا كنَانَة، وَكَانَت صَفِيَّة رَأَتْ فِي الْمَنَام قمرا أقبل من يثرب وَوَقع فِي حجرها، فقصت على زَوجهَا، فلطم وَجههَا وَقَالَ: أَنْت تزعمين أَن ملك يثرب يتزوجك، وَفِي لفظ: تحبين أَن يكون هَذَا الْملك الَّذِي يَأْتِي من الْمَدِينَة زَوجك، وَفِي لفظ: رَأَيْت كَأَنِّي وَهَذَا الَّذِي يزْعم أَن الله أرْسلهُ وَملك يسترنا بجناحه، وَكَانَ، صلى الله عليه وسلم، رأى بوجهها أثر خضرَة قَرِيبا من عينهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَت: يَا رَسُول الله رَأَيْت فِي الْمَنَام
…
فَذكرت مَا مضى إِلَى آخِره، و: هَذِه الخضرة من لطمة على وَجْهي، وَفِي (الإكليل) للْحَاكِم، وَجُوَيْرِية رَأَتْ فِي الْمَنَام كرؤية صَفِيَّة قبل تزَوجهَا برَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَذكر ابْن سعد أَن أم حَبِيبَة، قَالَت: رَأَيْت فِي النّوم كَأَن آتِيَا يَقُول لي: يَا أم الْمُؤمنِينَ، فَفَزِعت وأولت أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، يَتَزَوَّجنِي، وَعَن ابْن عَبَّاس: رَأَتْ سَوْدَة فِي الْمَنَام كَأَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حَتَّى وطىء على عُنُقهَا، فَقَالَ زَوجهَا: إِن صدقت رُؤْيَاك لتتزوجي بِهِ، ثمَّ رَأَيْت لَيْلَة
أُخْرَى أَن قمرا أَبيض انقض عَلَيْهَا من السَّمَاء وَهِي مُضْطَجِعَة، فَأخْبرت زَوجهَا السَّكْرَان، فَقَالَ: إِن صدقت رُؤْيَاك لم ألبث إلَاّ يَسِيرا حَتَّى أَمُوت وتتزوجيه من بعدِي، فاشتكى من يَوْمه ذَلِك وَلم يلبث إلَاّ قَلِيلا حَتَّى مَاتَ. قَوْله:(وَكَانَت عروسا) الْعَرُوس: نعت يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، وَعَن الْخَلِيل: رجل عروس وَامْرَأَة عروس وَنسَاء عرائس. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال للرجل عروس كَمَا يُقَال للْمَرْأَة، وَهُوَ اسْم لَهَا عِنْد دُخُول أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَيُقَال: أعرس الرجل فَهُوَ معرس إِذا دخل بامرأته عِنْد بنائها. قَوْله: (فاصطفاها) أَي: أَخذهَا صفيا، والصفي سهم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، من الْمغنم، كَانَ يَأْخُذهُ من الأَصْل قبل الْقِسْمَة جَارِيَة أَو سِلَاحا، وَقيل: إِنَّمَا سميت صَفِيَّة بذلك لِأَنَّهَا كَانَت صَفِيَّة من غنيمَة خَيْبَر. قَوْله: (سد الروحاء) السد، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال، والروحاء، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وبالمد. مَوضِع قريب من الْمَدِينَة وَفِي (الْمطَالع) : الروحاء من عمل الْفَرْع على نَحْو من أَرْبَعِينَ ميلًا من الْمَدِينَة، وَفِي مُسلم: على سِتَّة وَثَلَاثِينَ، وَفِي كتاب ابْن أبي شيبَة: على ثَلَاثِينَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقيل: الصَّوَاب الصَّهْبَاء بدل سد الروحاء. وَفِي (الْمطَالع) : الصَّهْبَاء من خَيْبَر على رَوْحَة. قَوْله: (حلت) قد فسرناه عَن قريب فِي أول الْبَاب. قَوْله: (فَبنى بهَا) أَي: دخل بهَا، قَالَ ابْن الْأَثِير: الابتناء وَالْبناء: الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الرجل كَانَ إِذا تزوج بِامْرَأَة بنى عَلَيْهَا قبَّة ليدْخل بهَا فِيهَا. فَيُقَال: بنى الرجل على أَهله. قَالَ الْجَوْهَرِي: لَا يُقَال بنى بأَهْله. قَوْله: (حَيْسًا)، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة. وَهُوَ: أخلاط من التَّمْر والأقط وَالسمن، وَيُقَال: من الثَّمر والسويق، وَيُقَال: من التَّمْر وَالسمن، وَعَن أبي الْوَلِيد، وَلِيمَة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، السّمن والأقط وَالثَّمَر. وَفِي لفظ: التَّمْر والسويق. قَوْله: (فِي نطع) ، بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء على الْأَفْصَح، وَقَالَ ابْن التِّين، يُقَال: قطع، بِسُكُون الطَّاء وَفتحهَا: جُلُود تدبغ وَيجمع بَعْضهَا على بعض وتفرش. قَوْله: (آذن من حولك) أَي: أعلمهُ لإشهاد النِّكَاح، وَهُوَ أَمر من: آذن يُؤذن إِيذَانًا، وَالْخطاب لأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(وَلِيمَة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم ، الْوَلِيمَة: هِيَ الطَّعَام الَّذِي يصنع عِنْد الْعرس. قَوْله: (يحوِّي) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة، وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر، وَقَول أهل اللُّغَة: وَفِي رِوَايَة أبي الْحُسَيْن: يحوى، بِالتَّخْفِيفِ ثلاثي وَهُوَ أَن يُدِير كسَاء فَوق سَنَام الْبَعِير ثمَّ يركبه، والعباءة، مَمْدُود: ضرب من الأكيسة، وَكَذَلِكَ العباء. قَوْله:(فَيَضَع ركبته) إِلَى آخِره، قَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت تعظم أَن تجْعَل رجلهَا على ركبته، صلى الله عليه وسلم، فَكَانَت تضع ركبتها على ركبته، وَلما أركبها على الْبَعِير وحجبها علم النَّاس أَنَّهَا زَوجته، وَكَانُوا قبل ذَلِك لَا يَدْرُونَ أَنه تزَوجهَا أم اتخذها أم ولد. وَقَالَ الجاحظ فِي (كتاب الموَالِي) ولد صَفِيَّة مائَة نَبِي وَمِائَة ملك ثمَّ صيرها الله تَعَالَى أمة لسيدنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَت من سبط هَارُون، عليه الصلاة والسلام، وَقَالَ القَاضِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان النوقائي فِي (كتاب المحنة) : إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما أَرَادَ الْبناء بصفية استأذنته عَائِشَة أَن تكون فِي المتنقبات، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:(يَا عَائِشَة إِنَّك لَو رَأَيْتهَا اقشعر جِلْدك من حسنها) فَلَمَّا رأتها حصل لَهَا ذَلِك، وَقيل: حَدِيث اصطفائه صلى الله عليه وسلم بصفية يُعَارضهُ حَدِيث أنس أَنَّهَا صَارَت لدحية، فَأَخذهَا مِنْهُ وَأَعْطَاهُ سَبْعَة أرؤس، ويروى أَنه أعطَاهُ بِنْتي عَمها عوضا مِنْهَا، ويروى أَنه قَالَ لَهُ: خُذ رَأْسا آخر مَكَانهَا. وَأجِيب: لَا مُعَارضَة، لِأَن أَخذهَا من دحْيَة قبل الْقسم وَمَا عوضه فِيهَا لَيْسَ على جِهَة البيع، وَلَكِن على جِهَة النَّفْل أَو الْهِبَة، غير أَن بعض رُوَاة الحَدِيث فِي الصَّحِيح يَقُولُونَ فِيهِ: إِنَّه ترى صَفِيَّة من دحْيَة، وَبَعْضهمْ يزِيد فِيهِ بعد الْقسم. وَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ، وَفِي (حَوَاشِي السّنَن) : الإِمَام إِذا نفل مَا لم يعلم بمقداره لَهُ استرجاعه والتعويض عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِغَيْر عوض، وَإِعْطَاء دحْيَة كَانَ بِرِضَاهُ فَيكون مُعَاوضَة جَارِيَة بِجَارِيَة. فَإِن قلت: الْوَاهِب مَنْهِيّ عَن شِرَاء هِبته. قلت: لم يَهبهُ من مَال نَفسه، وَإِنَّمَا أعطَاهُ من مَال الله، عز وجل، على جِهَة النّظر كَمَا يُعْطي الإِمَام النَّفْل لأحد من أهل الْجَيْش نظرا.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث: أَنه يدل على أَن الِاسْتِبْرَاء أَمَانَة يؤتمن الْمُبْتَاع عَلَيْهَا بِأَن لَا يَطَأهَا حَتَّى تحيض حَيْضَة إِن لم تكن حَامِلا، لِأَن الْحَامِل لَا تُوطأ حَتَّى تضع لِئَلَّا يسْقِي مَاؤُهُ زرع غَيره. وَأجْمع الْفُقَهَاء على أَن حَيْضَة وَاحِدَة بَرَاءَة فِي الرَّحِم إلَاّ أَن مَالِكًا وَاللَّيْث قَالَا: إِن اشْتَرَاهَا فِي أول حَيْضهَا اعْتد بهَا، وَإِن كَانَت فِي آخرهَا لم يعْتد بهَا، وَقَالَ ابْن الْمسيب: