الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ إِذَا وُجِدَتْ حَامِلًا وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ وَلَمْ تَذْكُرْ شُبْهَةً وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالُوا إِذَا حَمَلَتْ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا عَرَفْنَا إِكْرَاهَهَا لَزِمَهَا الْحَدُّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ غَرِيبَةً وَتَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَبَلِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الِاعْتِرَافِ أَوِ الْبَيِّنَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ هَذَا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى هَلَاكِ النُّفُوسِ وَكَوْنُهُ قَالَهُ فِي مَجْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعًا كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُخَالِفِ (أَوِ اعْتِرَافٌ) أَيِ الإقرار بالزنى وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى من اعترف بالزنى وَهُوَ مُحْصَنٌ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالْحَدِّ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَكْرَارِ إِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
4 -
(بَاب رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ)
[4419]
(عَنْ هِشَامِ بن سعد) هو القرشي ضعفه بن معين والنسائي وبن عَدِيٍّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ نُعَيْمٍ (فِي حِجْرِ أَبِي) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُكْسَرُ أَيْ فِي تَرْبِيَةِ أَبِي هَزَّالٍ (فَأَصَابَ جَارِيَةً) أَيْ جَامَعَ مَمْلُوكَةً (مِنَ الْحَيِّ) أَيِ الْقَبِيلَةِ (فَقَالَ لَهُ أَبِي) أَيْ هَزَّالٌ (ائْتِ) أَمْرٌ مِنَ الْإِتْيَانِ أَيِ احْضُرْ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنَ الْإِتْيَانِ وَالْإِخْبَارِ (رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجًا) أَيْ عَنِ الذَّنْبِ
قَالَ الطِّيِبِيُّ اسْمُ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى الْمَذْكُورِ وَخَبَرُهُ مَخْرَجًا وَلَهُ ظَرْفُ لَغْوٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ
تعالى ولم يكن له كفوا أحد والمعنى يكون إتيانك وإخبارك رسول الله مَخْرَجًا لَكَ (فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ) أَيْ حكمه (فأعرض) أي رسول الله (عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَاعِزٍ (فَعَادَ) أَيْ فَرَجَعَ بعد ما غاب
قاله القارىء (قَالَهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ (فَبِمَنْ) أَيْ فَبِمَنْ زَنَيْتَ
قَالَ الطِّيِبِيُّ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَبِمَنْ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا كَانَ كَمَا قُلْتَ فَبِمَنْ زَنَيْتَ (هَلْ بَاشَرْتَهَا) أَيْ وَصَلَ بَشَرَتُكَ بَشَرَتَهَا وَقَدْ يُكَنَّى بِالْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْمُجَامَعَةِ
قال تعالى فالآن باشروهن (فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي بِهِ (فَأُخْرِجَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِهِ) قَالَ الطِّيِبِيُّ وَعُدِّيَ أُخْرِجَ بِالْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ تَأْكِيدًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ قَالَهُ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ (إِلَى الْحَرَّةِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ خَرَجْنَا بِهِ إِلَى الْبَقِيعِ فَوَاللَّهِ مَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَكِنَّهُ قَامَ لَنَا
قَالَ أَبُو كَامِلٍ قَالَ فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ فَاشْتَدَّ وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ حَتَّى أَتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ فَانْتَصَبَ لَنَا فَرَمَيْنَاهُ بِجَلَامِيدِ الْحَرَّةِ
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَرَجَمْنَاهُ يَعْنِي مَاعِزًا بِالْمُصَلَّى وَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ وَالْمُصَلَّى كَانَ بِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ فَيَتَّفِقُ الْحَدِيثَانِ
وَأَمَّا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فَأُمِرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يُتَأَوَّلْ عَلَى أَنَّهُ اتُّبِعَ حِينَ هَرَبَ حَتَّى أُخْرِجَ إِلَى الْحَرَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الصِّحَاحَ وَالْحِسَانَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ إِلَيْهَا هَارِبًا لَا أَنَّهُ ذُهِبَ بِهِ إِلَيْهَا ابْتِدَاءً لِيُرْجَمَ بِهَا (مَسَّ الْحِجَارَةَ) أَيْ أَلَمَ إِصَابَتِهَا (فَجَزِعَ) أَيْ فَلَمْ يَصْبِرْ (فَخَرَجَ) أَيْ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي يُرْجَمُ فِيهِ (يَشْتَدُّ) أَيْ يَسْعَى وَيَعْدُو حَالٌ (فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ) بِالتَّصْغِيرِ (أَصْحَابَهُ) أَيْ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَصْحَابَ مَاعِزٍ الَّذِينَ يَرْجُمُونَهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (بِوَظِيفِ بَعِيرٍ) الْوَظِيفُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مُسْتَدَقُّ الذراع
وَالسَّاقِ مِنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الْمُغْرِبِ وَظِيفُ الْبَعِيرِ مَا فَوْقَ الرُّسْغِ مِنَ السَّاقِ (ثم أتى) أي جاء بن أُنَيْسٍ (فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ جَزَعَهُ وَهَرَبَهُ (هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ) جَمَعَ الْخِطَابَ لِيَشْمَلَهُ وَغَيْرَهُ (لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ) أَيْ يَرْجِعَ عَنْ إِقْرَارِهِ (فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ فَيَقْبَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَيُكَفِّرَ عنه سيئته من غير رجمه
قال القارىء قَالَ الطِّيِبِيُّ الْفَاءَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ لَمَّا فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا رُجِمَ إِلَى قَوْلِهِ فَقَتَلَهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَصْلُحُ لِلْعَطْفِ إِمَّا عَلَى الشَّرْطِ أَوْ عَلَى الْجَزَاءِ إِلَّا قَوْلَهُ فَوَجَدَ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الْجَزَاءِ وَقَوْلُهُ فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَصْلُحُ لِلْجَزَاءِ وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ جَوَابَ لَمَّا لَا يَدْخُلُهُ الْفَاءُ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ الْجَزَاءُ وَيُقَالُ تَقْدِيرُهُ لَمَّا رُجِمَ فَكَانَ كَيْتُ فَكَيْتُ عَلِمْنَا حُكْمَ الرَّجْمِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْفَاءَاتُ كُلُّهَا لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا الْعَطْفَ عَلَى الشَّرْطِ انْتَهَى
قُلْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخَ الْمَوْجُودَةِ جَزِعَ بِغَيْرِ الْفَاءِ فَعَلَى هَذَا الظَّاهِرِ أَنَّهُ هُوَ جَوَابُ لَمَّا وَبَقِيَّةُ الْفَاءَاتِ لِلْعَطْفِ عَلَى الْجَزَاءِ
وَفِي قَوْلِهِ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ إِلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ إِذَا فَرَّ يُتْرَكُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ فَذَاكَ وَإِلَّا اتُّبِعَ وَرُجِمَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ لَا يُتْرَكُ إِذَا هَرَبَ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ تُرِكَ وعن بن عُيَيْنَةَ إِنْ أُخِذَ فِي الْحَالِ كُمِّلَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَ أَيَّامٍ تُرِكَ
وَعَنْ أَشْهَبَ إِنْ ذَكَرَ عُذْرًا يُقْبَلُ تُرِكَ وَإِلَّا فَلَا وَنَقَلَهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ
وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالرَّجْمِ بَسَطَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي صُحْبَةِ يَزِيدَ وَصُحْبَةِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ
[4420]
(قِصَّةُ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ) أَيِ الْمَذْكُورَةُ في الحديث المتقدم
وفيه قوله هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ (فَقَالَ) أَيْ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ (حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ) هُوَ أبو محمد المدني وأبوه بن الْحَنَفِيَّةِ الْفَقِيهُ مُوَثَّقٌ (قَالَ) أَيْ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ (ذَلِكَ) مَفْعُولُ حَدَّثَنِي وَفَاعِلُهُ مَنْ شِئْتُمْ (من قول رسول الله) مِنْ بَيَانِيَّةٌ (فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِ رسول الله (مِنْ رِجَالِ أَسْلَمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ قَبِيلَةٌ (مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ) أَيْ رِجَالِ أَسْلَمَ الَّذِينَ حَدَّثُونِي الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ غَيْرَ مُتَّهَمِينَ عِنْدِي (قَالَ) أَيْ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ (وَلَمْ أَعْرِفْ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ مَعَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ أو
الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ فَقَطْ (كنت في من رَجَمَ الرَّجُلَ) أَيْ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ (صَرَخَ) أَيْ صَاحَ (رُدُّونِي) أَيْ أَرْجِعُونِي (وَغَرُّونِي) أَيْ خدعوني (وأخبروني أن رسول الله غَيْرُ قَاتِلِي) هَذَا بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ قَتَلُونِي وَغَرُّونِي (فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ) أَيْ لَمْ نَنْتَهِ عَنْهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَزَعَ عَنِ الْأُمُورِ انْتَهَى عَنْهَا (لِيَسْتَثْبِتَ إِلَخْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِيَسْتَتِيبَ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ رضي الله عنه يعني أن النبي إِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ لِأَجْلِ الِاسْتِيتَابِ أَوْ لِأَجْلِ الِاسْتِثْبَاتِ وَالِاسْتِفْصَالِ فَإِنْ وَجَدَ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ أَسْقَطَهُ لِأَجْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شُبْهَةً كَذَلِكَ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ النبي أَمَرَهُمْ أَنْ يَدَعُوهُ وَأَنَّ هَرَبَ الْمَحْدُودِ مِنَ الْحَدِّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْقِطَاتِ وَلِهَذَا قَالَ فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ (فَأَمَّا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ حَرْفُ الشَّرْطِ (لِتَرْكِ حَدٍّ فَلَا) أَيْ إنما قال فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ إِلَخْ لِلِاسْتِثْبَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْحَدِّ فَلَا (قَالَ) أَيْ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْمُقِرَّ إِنْ فَرَّ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ الْحَدِّ هَلْ يُتْرَكُ أَمْ يُتْبَعُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ طَرَفًا مِنْهُ بِنَحْوِهِ
[4421]
(فَسَأَلَ قَوْمَهُ أَمَجْنُونٌ هُوَ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سلمة عنه فقال له النبي أَبِكَ جُنُونٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ سَأَلَهُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ قَوْمَهُ احْتِيَاطًا فَإِنَّ فَائِدَةَ سُؤَالِهِ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى الْجُنُونَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ دَفْعٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ دَعْوَاهُ فَلَمَّا أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا جُنُونَ بِهِ سَأَلَ عَنْهُ قَوْمَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ولا يعتد
بِقَوْلِهِ كَذَا جَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ (فَانْطُلِقَ) بصيغة المجهول (به) الباء للتعدية (فلم يصل) أي النبي (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَاعِزٍ وَسَيَجِيءُ فِي هَذَا الباب تحقيق أنه صَلَّى عَلَيْهِ أَمْ لَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلًا
[4422]
(أَعْضَلُ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُشْتَدُّ الْخَلْقِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ وَفِي لَفْظٍ ذُو عَضَلَاتٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْعَضَلَةُ مَا اجْتَمَعَ مِنَ اللَّحْمِ فِي أَعْلَى بَاطِنِ السَّاقِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ كُلُّ عصبة مع لحم فهي عضلة
وقال بن الْقَطَّاعِ الْعَضَلَةُ لَحْمُ السَّاقِ وَالذِّرَاعِ وَكُلُّ لَحْمَةٍ مُسْتَدِيرَةٍ فِي الْبَدَنِ وَالْأَعْضَلُ الشَّدِيدُ الْخَلْقِ وَمِنْهُ أَعْضَلَ الْأَمْرُ إِذَا اشْتَدَّ لَكِنْ دَلَّتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا كَثِيرُ الْعَضَلَاتِ انْتَهَى (فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) احتج به من قال إن الإقرار بالزنى لَا يَثْبُتُ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (قَبَّلْتُهَا) مِنَ التَّقْبِيلِ (إِنَّهُ قَدْ زَنَى الْأَخِرُ) بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَخَاءٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ الْأَرْذَلُ وَالْأَبْعَدُ وَالْأَدْنَى وَقِيلَ اللَّئِيمُ وَقِيلَ الشَّقِيُّ وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ وَمُرَادُهُ نفسه فحقرها وعابها لاسيما وَقَدْ فَعَلَ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ الْأَخِرَ بِوَزْنِ الْكَبِدِ أَيِ الْأَبْعَدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنِ الْخَيْرِ (فَرَجَمَهُ) أَيْ أَمَرَ بِرَجْمِهِ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ (كُلَّمَا نَفَرْنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (خَلَفَ أَحَدُهُمْ) أَيْ بَقِيَ خَلْفَ الْغُزَاةِ خَلِيفَةٌ لَهُمْ فِي أَهَالِيهِمْ وَيَخُونُ فِي نِسَائِهِمْ (لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْخَلِيفَةِ (نَبِيبٌ) بِنُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ يَاءٍ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ عَلَى وَزْنِ الْأَمِيرِ هُوَ صَوْتُ التَّيْسِ عِنْدَ السِّفَادِ (كَنَبِيبِ التَّيْسِ) فِي الْقَامُوسِ التَّيْسُ الذَّكَرُ مِنَ الظِّبَاءِ وَالْمَعْزِ (يَمْنَحُ) أَيْ يُعْطِي (إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ الْقَلِيلُ مِنَ اللَّبَنِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَفِي النِّهَايَةِ الْكُثْبَةُ كُلُّ قَلِيلٍ جَمَعْتَهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْجَمْعُ كُثَبٌ
وَالْمَعْنَى أَيْ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمُغِيبَةِ فَيَخْدَعُهَا بِالْقَلِيلِ مِنَ اللَّبَنِ وَغَيْرِهِ فَيُجَامِعُ مَعَهَا (إِنْ يُمْكِنَنِي مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ) كَلِمَةُ إِنْ نَافِيَةٌ (إِلَّا نَكَّلْتُهُ) أَيْ عَذَّبْتُهُ بِالرَّجْمِ أَوِ الْجَلْدِ
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ يُمَكِّنَنِي مِنْ أَحَدٍ لَأُنَكِّلَنَّهُ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُمَكِّنَنِي مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا نَكَّلْتُ بِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَحَكَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ سِمَاكًا عَنِ الْكُثْبَةِ فَقَالَ اللَّبَنُ
الْقَلِيلُ
[4423]
(وَالْأَوَّلُ أَتَمُّ) الْمُرَادُ مِنَ الْأَوَّلِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ (قَالَ فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ) أَيْ رَدَّ رَسُولُ الله ماعز بن مَالِكٍ مَرَّتَيْنِ (فَقَالَ إِنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) قَالَ الْحَافِظُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ وَفِي أُخْرَى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
قَالَ شُعْبَةُ قَالَ سِمَاكٌ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عند مسلم أيضا فاعترف بالزنى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَمَّا رِوَايَةُ مَرَّتَيْنِ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ وَمَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ آخَرَ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ بُرَيْدَةَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَاقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى إِحْدَاهُمَا أَوْ مُرَادِهِ اعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ فَيَكُونُ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ
وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن بن عَبَّاسٍ جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ فاعترف بالزنى مرتين فطرده ثم جاء فاعترف بالزنى مَرَّتَيْنِ
وَأَمَّا رِوَايَةُ الثَّلَاثِ فَكَانَ الْمُرَادُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَرَّاتِ الَّتِي رَدَّهُ فِيهَا
وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بَلِ اسْتَثْبَتَ فِيهِ وَسَأَلَ عَنْ عَقْلِهِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّامِتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْبَاتَ فِيهِ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَلَفْظُهُ جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عنه رسول الله فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَالَ تَدْرِي مَا الزَّانِي إِلَى آخِرِهِ
وَالْمُرَادُ بِالْخَامِسَةِ الصِّفَةُ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُ عِنْدَ السُّؤَالِ وَالِاسْتِثْبَاتِ لِأَنَّ صِفَةَ الْإِعْرَاضِ وَقَعَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَصِفَةَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ لِلسُّؤَالِ وَقَعَ بَعْدَهَا انْتَهَى
[4425]
(أَحَقٌّ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَثَابِتٌ (مَا بَلَغَنِي عَنْكَ) مَا مَوْصُولَةٌ أَيِ الْخَبَرُ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ فِي شَأْنِكَ هَلْ هُوَ حَقٌّ ثَابِتٌ (قَالَ) مَاعِزٌ (فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) أَيْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (فَأَمَرَ بِهِ) أَيْ بِرَجْمِهِ
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ الذي يدل على أنه كَانَ عَارِفًا بِزِنَا مَاعِزٍ فَاسْتَنْطَقَهُ لِيُقِرَّ بِهِ لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى الَّتِي تدل على أنه لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ فَجَاءَ مَاعِزٌ فَأَقَرَّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ مِرَارًا قُلْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اختصار
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَهُ حَدِيثُ مَاعِزٍ فَأَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَنْطَقَهُ لِيُنْكِرَ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ لِدَرْءِ الْحَدِّ فَلَمَّا أَقَرَّ أَعْرَضَ عَنْهُ مِرَارًا وَكُلُّ ذَلِكَ لِيَرْجِعَ عَمَّا أَقَرَّ فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ أَبِهِ جُنُونٌ إِلَخْ
هَذَا تَلْخِيصُ مَا قَالَهُ الطِّيِبِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[4426]
(فَطَرَدَهُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الطَّرْدُ الْإِبْعَادُ (اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْجُمُ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4427]
(حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنِي يَعْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ أن النبي) هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُرْسَلَةٌ وَرِوَايَةُ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ مَوْصُولَةٌ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَذْكُرْ مُوسَى فِي روايته بن عَبَّاسٍ بَلْ أَرْسَلَهُ وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْعِلَّةَ لِأَنَّ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ وَصَلَهُ وَهُوَ أَخْبَرَ بِحَدِيثِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ دُونَ مُوسَى فِي الْحِفْظِ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ عن بن عَبَّاسٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَمِنْ رواية خالد الحذاء عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ انْتَهَى (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ) مِنَ التَّقْبِيلِ حَذَفَ الْمَفْعُولَ لِلْعِلْمِ بِهِ أَيِ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ التَّقْبِيلِ (أَوْ غَمَزْتَ) أَيْ لَمَسْتَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ مِنْ غَمَزْتُ الشَّيْءَ بِيَدِي أَيْ لَمَسْتُ بِهَا أَوْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ بِهَا قاله القارىء
قُلْتُ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا هِيَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ غَمَزَهُ بِيَدِهِ شِبْهُ نَخَسَهُ وَبِالْعَيْنِ وَالْجَفْنِ وَالْحَاجِبِ أَشَارَ (أَوْ نَظَرْتَ) أَيْ فَأَطْلَقْتَ عَلَى أَيِّ وَاحِدَةٍ فَعَلْتَ مِنَ الثلاث زنا الْمُرَادُ لَعَلَّكَ وَقَعَ مِنْكَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فَتَجَوَّزْتَ بإطلاق لفظ الزنى عَلَيْهَا فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاهَا النَّظَرُ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ
عِنْدَهُمَا أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْأُذُنِ قَالَهُ الْحَافِظُ (أَفَنِكْتَهَا) بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْكَافِ عَلَى وَزْنِ بِعْتَ أَيْ أَفَجَامَعْتَهَا يُقَالُ نَاكَهَا يَنِيكُهَا جَامَعَهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُرْسَلًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُسْنَدًا
[4428]
(جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ) يَعْنِي مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ (حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ) أَيِ الذَّكَرُ (فِي ذَلِكَ مِنْهَا) أَيْ فِي فَرْجِهَا
وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ هَلْ أَدْخَلْتَهُ وَأَخْرَجْتَهُ قَالَ نَعَمْ (كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمِيلُ (فِي الْمُكْحُلَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُكْحُلَةُ مَا فِيهِ الْكُحْلُ وَهُوَ أَحَدُ مَا جَاءَ مِنَ الْأَدَوَاتِ بِالضَّمِّ (وَالرِّشَاءِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرِّشَاءُ كَكِسَاءِ الْحَبْلِ وَفِي هَذَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِثْبَاتِ وَالِاسْتِفْصَالِ مَا لَيْسَ بَعْدَهُ فِي تَطَلُّبِ بَيَانِ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِإِقْرَارِ المقر بالزنى بَلِ اسْتَفْهَمَهُ بِلَفْظٍ لَا أَصْرَحَ مِنْهُ فِي المطلوب وهو لفظ النيك الذي كان يَتَحَاشَى عَنِ التَّكَلُّمِ بِهِ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ بَلْ صَوَّرَهُ تَصْوِيرًا حِسِّيًّا وَلَا شَكَّ أَنَّ تَصْوِيرَ الشَّيْءِ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِفْصَالِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِأَصْرَحِ أَسْمَائِهِ وَأَدَلِّهَا عَلَيْهِ (انْظُرْ إِلَى هَذَا) أَيْ مَاعِزٍ (فَلَمْ تَدَعْهُ) مِنْ وَدَعَ أَيْ فَلَمْ تَتْرُكْهُ (رَجْمَ الْكَلْبِ) مَفْعُولٌ لَهُ لِلنَّوْعِ (فَسَكَتَ) رسول الله (عَنْهُمَا) وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا شَيْئًا (شَائِلٌ بِرِجْلِهِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ رَافِعٌ رِجْلَهُ مِنْ شِدَّةِ الِانْتِفَاخِ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ شَالَتِ النَّاقَةُ بِذَنَبِهَا شَوْلًا وَشَوَلَانًا وَأَشَالَتْهُ رَفَعَتْهُ فَشَالَ الذَّنَبُ نَفْسُهُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ (نَحْنُ ذَانِ) تَثْنِيَةُ ذَا أَيْ نَحْنُ هَذَانِ مَوْجُودَانِ وَحَاضِرَانِ (فَقَالَ انْزِلَا) لَعَلَّهُمَا كَانَا عَلَى الْمَرْكَبِ أَوْ كَانَتْ جِيفَةُ الْحِمَارِ
فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَالَ مِنْ عِرْضِهِ سَبَّهُ (أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْحِمَارِ (إِنَّهُ) أَيْ مَاعِزًا (يَنْغَمِسُ فِيهَا) أَيْ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَنْقَمِسُ بِالْقَافِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ يَنْغَمِسُ وَيَغُوصُ فِيهَا
وَالْقَامُوسُ مُعْظَمُ الْمَاءِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَمَسَهُ فِي الْمَاءِ فَانْقَمَسَ أَيْ غَمَسَهُ وَغَطَّهُ وَيُرْوَى بِالصَّادِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ فِيهِ أَنَكَحْتَهَا
قُلْتُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُقَالُ فيه بن الصَّامِتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ هَصَّاصٍ وبن الهصهاص وصحح بعضهم بن الْهَصْهَاصِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَحَكَى الْخِلَافَ فِيهِ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ حَدِيثُهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ لَيْسَ يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْوَاحِدِ
[4429]
(حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ إِلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُنْذِرِيُّ وَأَوْرَدَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ ثُمَّ قَالَ حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ (زَادَ) أَيْ حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (وَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ رُبِطَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ لِمَاعِزٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَيَكُونُ لَفْظُ الْحَدِيثِ هَكَذَا فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَ إِلَى شَجَرَةٍ فَرُجِمَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ وُقِفَ) أَيْ مَكَانَ رُبِطَ
[4430]
(أَنَّ رَجُلًا) هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ (قَالَ أَحْصَنْتَ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَتَزَوَّجْتَ وَدَخَلْتَ بِهَا وَأَصَبْتَهَا (فَرُجِمَ فِي الْمُصَلَّى) أَيْ عِنْدَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَ يُصَلَّى عنده
الْعِيدُ وَالْجَنَائِزُ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأُمِرْنَا أَنْ نَرْجُمَهُ فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَالَهُ الْحَافِظُ (فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ أَيْ أَوْجَعَتْهُ (فَرَّ) بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ هَرَبَ (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ خَيْرًا) أَيْ ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ
وَتَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا وَهُوَ فِي السُّنَنِ لِأَبِي قُرَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ لَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله وَالنَّاسُ فَهَذَا الْخَبَرُ يَجْمَعُ الِاخْتِلَافَ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ النَّفْيِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ حِينَ رُجِمَ وَرِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
وَكَذَا طَرِيقُ الْجَمْعِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ بُرَيْدَةَ أن النبي لَمْ يَأْمُرْ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَاعِزٍ وَلَمْ يَنْهَ عن الصلاة عليه وبتأيد بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي قِصَّةِ الْجُهَنِيَّةِ الَّتِي زَنَتْ وَرُجِمَتْ أن النبي صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ لَوَسِعَتْهُمْ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ وَلَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ يُغَسِّلُونَهُ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ رَدْعًا لِأَهْلِ الْمَعَاصِي إِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ مِمَّنْ لا يصلى عليه ولئلا يجترىء النَّاسُ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ
وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَرْجُومِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَرْجُومِ وَلَا عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ
وَعَنْ قَتَادَةَ لَا يصلى على المولود من الزنى
وَأَطْلَقَ عِيَاضٌ فَقَالَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْفِسْقِ وَالْمَعَاصِي وَالْمَقْتُولِينَ فِي الْحُدُودِ وَإِنْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إِلَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُحَارِبِينَ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ فِي الْمَيِّتَةِ من نفاس الزنى وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ
قَالَ وَحَدِيثُ الْبَابِ فِي صِفَةِ الْغَامِدِيَّةِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي الْجُزْءِ الْعِشْرِينَ
[4431]
(إِلَى الْبَقِيعِ) أَيْ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (مَا أَوْثَقْنَاهُ) قَالَ النووي هكذا
الْحُكْمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (وَلَا حَفَرْنَا لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةُ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ وَلِلْمَرْجُومَةِ فَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رضي الله عنهم لَا يُحْفَرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ يُحْفَرُ لَهُمَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُحْفَرُ لِمَنْ يُرْجَمُ بِالْبَيِّنَةِ لَا لِمَنْ يُرْجَمُ بِالْإِقْرَارِ
وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَالُوا لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهَا يُسْتَحَبُّ الْحَفْرُ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا لِيَكُونَ أَسْتَرَ وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ بَلْ هُوَ إِلَى خِيرَةِ الْإِمَامِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ اسْتُحِبَّ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إِنْ رَجَعَتْ
فَالْقَائِلُ بِالْحَفْرِ لَهُمَا احْتَجَّ بِأَنَّهُ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَلِمَاعِزٍ فِي رِوَايَةٍ وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ أَنَّ الْمُرَادَ حَفِيرَةٌ عَظِيمَةٌ
وَأَمَّا الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْحَفْرِ فَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ وَلِرِوَايَةِ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَيَحْمِلُ رِوَايَةَ الْحَفْرِ لِمَاعِزٍ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى (وَالْمَدَرُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالدَّالِ هُوَ الطِّينُ الْمُجْتَمِعُ الصُّلْبُ (وَالْخَزَفُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالزَّايِ آخِرُهُ فَاءٌ وهي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد وَقَدْ اِخْتُلِفَ فِي حَدِيث مَاعِز هَلْ حُفِرَ لَهُ أَمْ لَا
فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ نَرْجُم مَاعِز بْن مَالِك خَرَجْنَا بِهِ إِلَى الْبَقِيع فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَكِنْ قَامَ لَنَا فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْخَزَف فَاشْتَكَى فَخَرَجَ يَشْتَدّ حَتَّى اِنْتَصَبَ لَنَا فِي عُرْض الْحَرَّة الْحَدِيث
وَفِي صحيح مسلم أيضا عن بن بُرَيْدَةَ قَالَ جَاءَ مَاعِز بْن مَالِك إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي زَنَيْت فَأُرِيد أَنْ تُطَهِّرنِي فَرَدَّهُ
فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي قَدْ زَنَيْت فَرَدَّهُ الثَّانِيَة فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْله فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمهُ إِلَّا وَفِي الْعَقْل مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نَرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَة فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَة حَفَرَ لَهُ حُفْرَة ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَذَكَرَ الْحَدِيث
وَهَذَا الْحَدِيث فِيهِ أَمْرَانِ سَائِر طُرُق حَدِيث مَالِك تَدُلّ عَلَى خِلَافهمَا
أَحَدهمَا أَنَّ الْإِقْرَار مِنْهُ وَتَرْدِيد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَجَالِس مُتَعَدِّدَة وَسَائِر الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَجْلِس وَاحِد
الثَّانِي ذَكَرَ الْحَفْر فِيهِ وَالصَّحِيح فِي حَدِيثه أَنَّهُ لَمْ يَحْفِر لَهُ وَالْحَفْر وَهْم وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّهُ هَرَبَ وَتَبِعُوهُ
أَكْسَارُ الْأَوَانِي الْمَصْنُوعَةِ مِنَ الْمَدَرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِجَارَةَ لَا تَتَعَيَّنُ لِلرَّجْمِ وَعَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ (فَاشْتَدَّ) أَيْ عَدَا عَدْوًا شَدِيدًا (عُرْضُ الْحَرَّةِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ جَانِبُهَا وَالْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ (فَانْتَصَبَ) أَيْ قَامَ (بِجَلَامِيدِ الْحَرَّةِ) أَيِ الْحِجَارَةِ الْكِبَارِ وَاحِدُهَا جَلْمَدٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَجُلْمُودٌ بِضَمِّ الْجِيمِ (حَتَّى سَكَتَ) هُوَ بِالتَّاءِ فِي آخِرِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ
قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ سَكَنَ بِالنُّونِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَمَعْنَاهُمَا مَاتَ انْتَهَى (فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا سَبَّهُ) أَمَّا عَدَمُ السَّبِّ فَلِأَنَّ الْحَدَّ كَفَّارَةٌ لَهُ مَطْهَرَةٌ لَهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ الِاسْتِغْفَارِ فَلِئَلَّا يَغْتَرَّ غَيْرُهُ فَيَقَعَ فِي الزنى اتكالا على استغفاره قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ
[4432]
(جَاءَ رَجُلٌ) وَهُوَ مَاعِزٌ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَلَيْسَ بِتَمَامِهِ) أَيْ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ تَامًّا مِثْلَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (ذَهَبُوا يَسُبُّونَهُ) أَيْ جَعَلُوا يَسُبُّونَهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ
[4433]
(اسْتَنْكَهَ مَاعِزًا) مِنَ النَّكْهَةِ وَهِيَ رِيحُ الْفَمِ أَيْ شَمَّ رِيحَ فَمِهِ لَعَلَّهُ يَكُونُ شَرِبَ خَمْرًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَأَنَّهُ ارْتَابَ بِأَمْرِهِ هَلْ هُوَ سَكْرَانُ انْتَهَى
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا وَفِيهِ فَقَالَ أَشَرِبَ خَمْرًا فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ صِحَّةُ إِقْرَارِ السَّكْرَانِ وَنُفُوذُ أَقْوَالِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ وَالسُّؤَالُ عَنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَكْرَانَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَم مِنْ سُوء حِفْظ بَشِير بْن مُهَاجِر وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل الْإِمَام أَحْمَد إِنَّ تَرْدِيده إِنَّمَا كَانَ فِي مَجْلِس وَاحِد إلا ذلك الشيخ بن مهاجر
الْحَدُّ
قَالَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ الْحِجَازِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشُرْبِهَا وَلَا أَقَرَّ بِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا لَا يُحَدُّ بِمُجَرَّدِ رِيحِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى شُرْبِهِ أَوْ إِقْرَارِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِطُولِهِ وَفِيهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ
[4434]
(أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ) هِيَ امرأة من غامد رجمت بإقرارها بالزنى وَسَيَجِيءُ حَدِيثُهَا (لَوْ رَجَعَا) أَيْ إِلَى رِحَالِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِقْرَارِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ يَرْجِعَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَمْ يَرْجِعَا إِلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَوْ رَجَعَا إِلَى رِحَالِهِمَا ولم يرجعا إليه بَعْدَ كَمَالِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَرْجُمْهُمَا
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ رحمه الله
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْكُوفِيُّ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
[4435]
(أَنَّ اللَّجْلَاجَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ جِيمٌ أَيْضًا بِوَزْنِ تَكْرَارِ (أَبَاهُ) بَدَلٌ مِنْ اللَّجْلَاجِ (أَخْبَرَهُ) أَيْ خَالِدًا أَنَّهُ أَيْ اللَّجْلَاجَ (يَعْتَمِلُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ اعْتَمَلَ عَمِلَ بِنَفْسِهِ (تَحْمِلُ صَبِيًّا) صِفَةٌ لِامْرَأَةٍ (فَثَارَ النَّاسُ) أَيْ وَثَبُوا (مَعَهَا) أَيْ مَعَ تِلْكَ المرأة (وهو) أي رسول الله وَالْوَاوُ حَالِيَّةٌ (مَنْ أَبُو هَذَا) أَيْ هَذَا الصبي (معك) بكسر الكاف
والحاصل أنه قَالَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ مَنِ الَّذِي تَوَلَّدَ هَذَا الصَّبِيَّ مِنْ زِنَاهُ بِكِ فَصَارَ هُوَ أَبًا لِهَذَا الصَّبِيِّ (فَسَكَتَتْ) تِلْكَ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تُجِبْ شَيْئًا (فَقَالَ شَابٌّ حَذْوَهَا) بِالْفَتْحِ وَبِالنَّصْبِ أَيْ قَالَ شَابٌّ كَائِنٌ حِذَاءَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ دَارِي حِذْوَةَ دَارِهِ وَحِذَتُهَا وَحَذْوُهَا بالفتح مرفوعا ومنصوبا
إزائها (أَنَا أَبُوهُ) أَيْ أَنَا الَّذِي زَنَيْتُ بِأُمِّهِ (إِلَى بَعْضِ مَنْ حَوْلَهُ) أَيْ حَوْلَ ذَلِكَ الشَّابِّ (فَحَفَرْنَا لَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِالْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ وَتَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا (حَتَّى هَدَأَ) أَيْ سَكَنَ (فَانْطَلَقْنَا بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ (فَإِذَا هُوَ أَبُوهُ) أَيْ فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَبًا لِلْمَرْجُومِ (فَأَعَنَّاهُ) مِنَ الْإِعَانَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَاللَّجْلَاجُ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ أسلم وهو بن خَمْسِينَ سَنَةً وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ جِيمٌ أَيْضًا وَهُوَ عَامِرِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَلَاءِ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً رضي الله عنه
[4437]
(حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ إِلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فِي بَابِ إِذَا أقر الرجل بالزنى وَلَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ وَسَيَأْتِي وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَجَلَدَهُ الْحَدَّ) لِإِقْرَارِهِ (وَتَرَكَهَا) لِإِنْكَارِهَا
[4438]
(أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ) فَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وبن السَّرْحِ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ