الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُنْقَطِعًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ حَافِظٌ قَدْ أَقَامَ إِسْنَادَهَ فَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ
4 -
(بَاب القود بغير حديد)
[4535]
قَدْ وُجِدَ هَذَا الْبَابُ مَعَ حَدِيثِهِ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ الْبَابِ فِي بَابِ يُقَادُ مِنَ الْقَاتِلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَاللَّفْظِ
5 -
(بَاب الْقَوَدِ مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَصِّ الْأَمِيرِ مِنْ نفسه)
وَسَيَجِيءُ مَعْنَى الْقَصِّ
[4536]
(عَنْ بُكَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (فَأَكَبَّ عَلَيْهِ) فِي الْقَامُوسِ أَكَبَّ عَلَيْهِ أَقْبَلَ وَلَزِمَ (فَطَعَنَهُ) أَيْ ضَرَبَهُ وَوَخَزَهُ (بِالْعُرْجُونِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَضَمِّ الْجِيمِ هُوَ عُودٌ أَصْفَرُ فِيهِ شَمَارِيخُ الْعِذْقِ (فَاسْتَقِدْ) أَيْ خُذِ القصاص مني
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي رِوَايَة الرَّبِيع وَرَوَى مِنْ حَدِيث عُمَر أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله يُعْطِي الْقَوَد مِنْ نَفْسه وَأَبَا بَكْر يُعْطِي الْقَوَد مِنْ نَفْسه وَأَنَا أُعْطِي الْقَوَد مِنْ نَفْسِي اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيّ فِي الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث النُّعْمَان بْن بَشِير وَقَوْله لِمُدَّعِي السَّرِقَة إِنْ شِئْتُمْ أَنْ أَضْرِبهُمْ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ عِلْم
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[4537]
(أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهُمَا أَلِفٌ فَرَاءٌ مُهْمَلَةٌ (عَنِ الْجُرَيْرِيِّ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ أَبِي فِرَاسٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ (أَبْشَارَكُمْ) أَيْ أَجْسَامَكُمْ (فَمَنْ فُعِلَ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (ذَلِكَ) أَيِ الضَّرْبُ وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ (أَقُصُّهُ مِنْهُ) فِي الْقَامُوسِ أَقَصَّ الْأَمِيرُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ اقْتَصَّ لَهُ مِنْهُ فَجَرَحَهُ مِثْلَ جَرْحِهِ أَوْ قَتَلَهُ قَوَدًا (قَالَ إِي) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ أَيْ بَلَى (أَقَصَّ مِنْ نَفْسِهِ) فِي الْقَامُوسِ أَقَصَّ الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ مَكَّنَ مِنَ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَبُو فِرَاسٍ قِيلَ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنَسٍ الْحَارِثِيُّ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَإِلَّا أَخَذْت مِنْ ظُهُوركُمْ مِثْل مَا أَخَذْت مِنْ ظُهُورهمْ فَقَالُوا هَذَا حُكْمك فَقَالَ هَذَا حكم الله ورسوله
وروى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن هِلَال عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا نَقْعُد مع رسول الله فِي الْمَسْجِد فَإِذَا قَامَ قُمْنَا فَقَامَ يَوْمًا وَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ وَسَط الْمَسْجِد أَدْرَكَهُ أَعْرَابِيّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ مِنْ وَرَائِهِ وَكَانَ رِدَاؤُهُ خَشِنًا فَحَمَّرَ رَقَبَته قَالَ يَا مُحَمَّد اِحْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّك لَا تَحْمِل مِنْ مَالِك وَلَا مِنْ مَال أَبِيك فقال رسول الله لَا وَأَسْتَغْفِر اللَّه لَا أَحْمِل لَك حَتَّى تُقِيدنِي مِمَّا جَبَذْت بِرَقَبَتِي فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ لَا وَاَللَّه لَا أُقِيدك فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْل الْأَعْرَابِيّ أَقْبَلْنَا إِلَيْهِ سِرَاعًا فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُول اللَّه فَقَالَ عَزَمْت عَلَى مَنْ سَمِعَ كَلَامِي أَنْ لَا يَبْرَح مَقَامه حَتَّى آذَن لَهُ فَقَالَ رسول الله لِرَجُلِ مِنْ الْقَوْم يَا فُلَان اِحْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِير شَعِيرًا وَعَلَى بَعِير تَمْرًا ثُمَّ قال رسول الله اِنْصَرِفُوا
تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْقَوَد مِنْ الْجَبْذَة وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث سعيد بن جبير أخبرني بن عَبَّاس أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ فِي أَب كَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَطَمَهُ الْعَبَّاس فَجَاءَ قَوْمه فقالوا لتلطمنه كَمَا لَطَمَهُ فَلَبِسُوا السِّلَاح فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَصَعِدَ الْمِنْبَر فَقَالَ أَيّهَا النَّاس أَيُّ أَهْل الْأَرْض تَعْلَمُونَ أَكْرَم عَلَى اللَّه قَالُوا أَنْتَ قَالَ فَإِنَّ الْعَبَّاس مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا فَجَاءَ الْقَوْم فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبك اِسْتَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْقَوَد مِنْ اللَّطْمَة
وَقِيلَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عَنْ أَبِي فِرَاسٍ هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو نَضْرَةَ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ الْكَرَابِيسِيُّ وَلَا أَعْرِفُ أَبَا نضرة
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا حَدِيث أَبِي سَعِيد الْمُتَقَدِّم وقال بينا رسول الله يَقْسِم شَيْئًا بَيْننَا إِذَا أَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُل فطعنه رسول الله بِعُرْجُونٍ كَانَ مَعَهُ فَصَاحَ الرَّجُل فَقَالَ لَهُ رسول الله تعالى فَاسْتَقِدْ فَقَالَ الرَّجُل بَلْ عَفَوْت يَا رَسُول اللَّه
وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْقَوَد مِنْ الطَّعْنَة
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ لَدَدْنَا رَسُول اللَّه فِي مَرَضه فَأَشَارَ أَنْ لَا تَلِدُونِي فَقُلْنَا كَرَاهَة الْمَرِيض لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لَا يَبْقَى أَحَد مِنْكُمْ إِلَّا لَدَّ وَأَنَا أَنْظُر إِلَى الْعَبَّاس فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَد
وَمِنْ بَعْض تَرَاجِم الْبُخَارِيّ عَلَيْهِ
بَاب الْقِصَاص
بَيْن الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الْجِرَاحَات
وَفِي الْبَاب حَدِيث أُسَيْد بن حضير أن النبي طَعَنَهُ فِي خَاصِرَته بِعُودٍ فَقَالَ اِصْبِرْنِي فَقَالَ اِصْطَبِرْ قَالَ إِنَّ عَلَيْك قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قميص فرفع النبي عَنْ قَمِيصه
فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّل كَشْحه قَالَ إِنَّمَا أَرَدْت هَذَا يَا رَسُول اللَّه رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَاب الْأَدَب وَسَيَأْتِي هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى
وَاصْبِرْنِي أَيْ أَقِدْنِي من نفسك وواصطبر أَيْ اِسْتَقِدْ
وَالِاصْطِبَار الِاقْتِصَاص
يُقَال أَصَبَرْته بِقَتِيلِهِ أَقَدْته مِنْهُ
وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عن عائشة أن النبي بَعَثَ أَبَا جَهْم بْن حُذَيْفَة مُصَدِّقًا فَلَاحَاهُ رَجُل فِي صَدَقَته فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْم فَأَتَوْا النبي فَقَالُوا الْقَوَد يَا رَسُول اللَّه فَقَالَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ فَقَالَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا بِهِ فَقَالَ رَسُول اللَّه إِنِّي خَاطِب عَلَى النَّاس وَمُخْبِرهمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نعم فخطب النبي فَقَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَد فَعَرَضْت عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا قَالُوا لَا فَهَمَّ المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله أَنْ يَكُفُّوا ثُمَّ دَعَاهُمْ فَقَالَ أَرَضِيتُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي خَاطِب عَلَى النَّاس وَمُخْبِرهمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ النَّاس ثُمَّ قَالَ أَرَضِيتُمْ قَالُوا نَعَمْ
وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ السُّلْطَان يُصَاب عَلَى يَده فَصْل
وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهِيَ الْقِصَاص فِي اللَّطْمَة وَالضَّرْبَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يُمْكِن لِلْمُقْتَصِّ أَنْ يَفْعَل بِخَصْمِهِ مِثْل مَا فَعَلَهُ بِهِ مِنْ كُلّ وجه هل يسوع الْقِصَاص فِي ذَلِكَ أَوْ يَعْدِل إِلَى عُقُوبَته بِجِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ التَّعْزِير عَلَى قَوْلَيْنِ
أَصَحّهمَا أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ الْقِصَاص وَهُوَ مَذْهَب الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ حَكَاهُ عَنْهُمْ
رَوَى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ شَيْئًا إِنَّمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو مِجْلَزٍ وَقَتَادَةُ وَذَكَرَهُ الشَّعْبِيُّ فِي بَعْضِ أَخْبَارِهِ
وَأَبُو فِرَاسٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو نَضْرَةَ هُوَ النَّهْدِيُّ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَأَبُو نَضْرَةَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الضَّادِ المعجمة هو المنذر بن مالك العوقي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحْمَد وَأَبُو إِسْحَاق الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَم وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَام أَحْمَد فِي رِوَايَة الشَّالِنْجِيّ وَغَيْره قَالَ شَيْخنَا رحمه الله وَهُوَ قَوْل جُمْهُور السَّلَف
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُشْرَع فِيهِ الْقِصَاص وَهُوَ الْمَنْقُول عَنْ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَقَوْل الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَاب أَحْمَد حَتَّى حَكَى بَعْضهمْ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاص فِيهِ
وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ حِكَايَة إِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَى الْقِصَاص أَقْرَب مِنْ حِكَايَة الْإِجْمَاع عَلَى مَنْعه
فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ وَلَا يُعْلَم لَهُمْ مُخَالِف فِيهِ
وَمَأْخَذ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالْعَدْلِ فِي ذَلِكَ فَبَقِيَ النَّظَر فِي أَيّ الْأَمْرَيْنِ أَقْرَب إِلَى الْعَدْل
فَقَالَ الْمَانِعُونَ الْمُمَاثَلَة لَا تُمْكِن هُنَا فَكَأَنَّ الْعَدْل يَقْتَضِي الْعُدُول إِلَى جِنْس آخَر وهو التعزيز فَإِنَّ الْقِصَاص لَا يَكُون إِلَّا مَعَ الْمُمَاثَلَة وَلِهَذَا لَا يَجِب فِي الْجُرْح حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَدّ وَلَا فِي الْقَطْع إِلَّا مِنْ مَفْصِل لِتَمَكُّنِ الْمُمَاثَلَة فَإِذَا تَعَذَّرَتْ فِي الْقَطْع وَالْجُرْح صِرْنَا إِلَى الدِّيَة
فَكَذَا فِي اللَّطْمَة وَنَحْوهَا لَمَّا تَعَذَّرَتْ صِرْنَا إِلَى التَّعْزِير
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ الْقِصَاص فِي ذَلِكَ أَقْرَب إِلَى الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْقِيَاس وَالْعَدْل مِنْ التَّعْزِير
أَمَّا الْكِتَاب فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه قَالَ (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَة مِثْلهَا) وَقَالَ (فَمَنْ اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ)
وَمَعْلُوم أَنَّ الْمُمَاثَلَة مَطْلُوبَة بِحَسَبِ الْإِمْكَان وَاللَّطْمَة أَشَدّ مُمَاثَلَة لِلَّطْمَةِ وَالضَّرْبَة لِلضَّرْبَةِ مِنْ التَّعْزِيز لَهَا فَإِنَّهُ ضَرْب فِي غَيْر الْمَوْضِع غَيْر مُمَاثِل لَا فِي الصُّورَة وَلَا فِي الْمَحَلّ وَلَا فِي الْقَدْر فَأَنْتُمْ فَرَرْتُمْ مِنْ تَفَاوُت لَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز منه بين اللطمتين فصرتم إلى أعظم تفاوتا مِنْهُ بِلَا نَصّ وَلَا قِيَاس
قَالُوا وَأَمَّا السُّنَّة فَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاب إِلَّا سُنَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ لَكَفَى بِهَا دَلِيلًا وَحُجَّة
قَالُوا
فَالتَّعْزِير لَا يُعْتَبَر فِيهِ جِنْس الْجِنَايَة وَلَا قَدْرهَا بَلْ قَدْ يُعَزِّرُوهُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَيَكُون إِنَّمَا ضَرَبَهُ بِيَدِهِ أَوْ رِجْله فَكَانَتْ الْعُقُوبَة بِحَسَبِ الْإِمْكَان فِي ذَلِكَ أَقْرَب إِلَى الْعَدْل الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه بِهِ كُتُبه وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُله
قَالُوا وَقَدْ دَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة فِي أَكْثَر مِنْ مِائَة مَوْضِع عَلَى أَنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ كَمَا قَالَ تَعَالَى (جَزَاء وِفَاقًا) أَيْ وَفْق أَعْمَالهمْ وَهَذَا ثَابِت شَرْعًا وَقَدْرًا
أَمَّا الشَّرْع
فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص} فَأَخْبَرَ سبحانه أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْجُرُوح قِصَاص مَعَ أَنَّ الْجَارِح قَدْ يَشْتَدّ عَذَابه إِذَا فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ حَتَّى يستوفي منه
وقد ثبت عن النبي أَنَّهُ رَضَخَ رَأْسَ الْيَهُودِيّ كَمَا رَضَخَ رَأْس الْجَارِيَة وَهَذَا الْقَتْل قِصَاص لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَقْضِ الْعَهْد أَوْ لِلْحِرَابَةِ لَكَانَ بِالسَّيْفِ
وَلَا يُرْضَخ الرَّأْس
وَلِهَذَا كَانَ أَصَحّ الْأَقْوَال أَنَّهُ يُفْعَل بِالْجَانِي مِثْل مَا فَعَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّه كَالْقَتْلِ بِاللِّوَاطَةِ وَتَجْرِيع الْخَمْر وَنَحْوه فَيُحَرَّق كَمَا حَرَّقَ وَيُلْقَى مِنْ شَاهِق كَمَا فَعَلَ وَيُخْنَق كَمَا خَنَقَ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَب إِلَى الْعَدْل
وَحُصُول مُسَمَّى الْقِصَاص وَإِدْرَاك الثَّأْر وَالتَّشَفِّي وَالزَّجْر الْمَطْلُوب مِنْ الْقِصَاص
وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَإِحْدَى الرِّوَايَات عَنْ أَحْمَد
قَالُوا وَأَمَّا كَوْن الْقِصَاص لَا يَجِب فِي الْجُرْح حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ وَلَا فِي الطَّرَف حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مفصل لتحقق المماثلة فهذا إنما اشترط لِئَلَّا يَزِيد الْمُقْتَصّ عَلَى مِقْدَار الْجِنَايَة فَيَصِير الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَظْلُومًا بِذَهَابِ ذَلِكَ الْجُزْء فَتَعَذَّرَتْ الْمُمَاثَلَة فَصِرْنَا إِلَى الدِّيَة وَهَذَا بِخِلَافِ اللَّطْمَة والضربة فإنه لو قَدَّرَ تَعَدِّي الْمُتَقَضِّي فِيهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِذَهَابِ جُزْء بَلْ بِزِيَادَةِ أَلَم وَهَذَا لَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْهُ وَلِهَذَا تُوجِبُونَ التَّعْزِير مَعَ أن أَلَمه يَكُون أَضْعَاف أَلَم اللَّطْمَة وَالْبَرْد مِنْ سِنّ الْجَانِي مِقْدَار مَا كَسَرَ مِنْ سِنّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَعَ شِدَّة الْأَلَم وَكَذَلِكَ قَلْع سِنّه وَعَيْنه أَوْ نَحْو ذَلِكَ لَا بُدّ فِيهِ مِنْ زِيَادَة أَلَم لِيَصِل الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ إِلَى اِسْتِيفَاء حَقّه فَهَلَّا اِعْتَبَرْتُمْ هَذَا الْأَلَم المقدرة زيادته في اللطمة والضربة كما اعتبرتموه فيما ذَكَرْنَا مِنْ الصُّوَر وَغَيْرهَا
قَالَ الْمَانِعُونَ كَمَا عَدَلْنَا فِي الْإِتْلَاف الْمَالِيّ إِلَى الْقِيمَة عِنْد تَعَذُّر الْمُمَاثَلَة فَكَذَلِكَ هَا هُنَا بَلْ أَوْلَى لِحُرْمَةِ الْبَشَرَة وَتَأَكُّدهَا عَلَى حُرْمَة الْمَال
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ هَذَا قِيَاس فَاسِد مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي إِتْلَاف الْمَال فَإِنَّهُ إِذَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ ثَوْبًا لَمْ تُجَوِّزُوا أَنْ يُتْلِف عَلَيْهِ مِثْله مِنْ كُلّ وَجْه
وَلَوْ قَطَعَ يَده أَوْ قَتَلَهُ لَقُطِعَتْ يَده وَقُتِلَ بِهِ فَعُلِمَ الْفَرْق بَيْن الْأَمْوَال وَالْأَبْشَار وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَة عَلَى النُّفُوس وَالْأَطْرَاف يُطْلَب فِيهَا الْمُقَاصَّة بِمَا لَا يُطْلَب فِي الْأَمْوَال
وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ هُوَ الَّذِي سَلَّمَ لَكُمْ أَنَّ غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون يُضَمْنَ بِالْقِيمَةِ لَا بِالنَّظِيرِ
وَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة وَلَا نَصّ بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ يَجِب الْمِثْل فِي الْحَيَوَان وَغَيْره بِحَسَبِ الْإِمْكَان كَمَا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَة فِي جَزَاء الصَّيْد أَنَّهُمْ قَضَوْا فِيهِ بملثه مِنْ النَّعَم بِحَسَبِ الْإِمْكَان فَقَضَوْا فِي النَّعَامَة بِبَدَنَةٍ وَفِي بَقَرَة الْوَحْش بِبَقَرَةٍ وَفِي الظَّبْي بِشَاةٍ إِلَى غَيْر ذَلِكَ
قَالَ الْمَانِعُونَ هَذَا عَلَى خِلَاف الْقِيَاس فَيُصَار إِلَيْهِ اتِّبَاعًا لِلصَّحَابَةِ وَلِهَذَا مَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَة وَقَدَّمَ الْقِيَاس عَلَيْهِ وَأَوْجَبَ الْقِيمَة
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ قَوْلكُمْ إِنَّ هَذَا عَلَى خِلَاف الْقِيَاس فَرْع عَلَى صِحَّة الدَّلِيل الدَّالّ عَلَى أَنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْمُعْتَبَر فِي ذَلِكَ هُوَ الْقِيمَة دُون النَّظِير وَأَنْتُمْ لَمْ تَذْكُرُوا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع حَتَّى يَكُون قَضَاء الصَّحَابَة بِخِلَافِهِ عَلَى خِلَاف الْقِيَاس فَأَيْنَ الدَّلِيل قَالَ الْمَانِعُونَ الدَّلِيل عَلَى اِعْتِبَار الْقِيمَة فِي إِتْلَاف الْحَيَوَان دُون الْمِثْل أَنَّ النبي ضَمَّنَ مُعْتِق الشِّقْص إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ وَلَمْ يُضَمِّنهُ نَصِيب الشَّرِيك بِمِثْلِهِ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْل هُوَ الْقِيمَة فِي غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ هَذَا أَصْل مَا بَنَيْتُمْ عَلَيْهِ اِعْتِبَار الْقِيمَة فِي هَذِهِ الْمَسَائِل وَغَيْرهَا وَلَكِنَّهُ بِنَاء عَلَى غَيْر أَسَاس فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي شَيْء فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَاب ضَمَان الْمُتْلَفَات بِالْقِيمَةِ بَلْ هُوَ مِنْ بَاب تَمَلُّك مَال الْغَيْر بِالْقِيمَةِ كَتَمَلُّكِ الشِّقْص الْمَشْفُوع بِثَمَنِهِ فَإِنَّ نَصِيب الشريك يقدر دُخُوله فِي مِلْك الْمُعْتَق ثُمَّ يَعْتِق عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ وَالْقَائِلُونَ بِالسِّرَايَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ يَعْتِق كُلّه عَلَى مِلْك الْمُعْتَق وَالْوَلَاء لَهُ دُون الشَّرِيك
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَسْرِي الْعِتْق عَقِب إِعْتَاقه أَوْ لَا يَعْتِق حَتَّى يُؤَدِّي الثَّمَن عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِي وَهُمَا فِي مَذْهَب أَحْمَد قَالَ شَيْخنَا وَالصَّحِيح أَنَّهُ لَا يَعْتِق إِلَّا بِالْأَدَاةِ
وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي مَا إِذَا أَعْتَقَ الشَّرِيك نَصِيبه بَعْد عِتْق الْأَوَّل وَقَبْل وَزْن الْقِيمَة فَعَلَى الْأَوَّل لَا يَعْتِق عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّانِي يَعْتِق عَلَيْهِ وَيَكُون الْوَلَاء بَيْنهمَا
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي مَا إِذَا قَالَ أَحَدهمَا إِذَا أَعْتَقْت نَصِيبك فَنَصِيبِي حُرّ فَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل لَا يَصِحّ هَذَا التَّعْلِيق وَيَعْتِق كُلّه فِي مَال الْمُعْتَق
وَعَلَى الْقَوْل الثَّانِي يَصِحّ التَّعْلِيق وَيَعْتِق نَصِيب الشَّرِيك مِنْ مَاله
فَظَهَرَ أَنَّ اِسْتِدْلَالكُمْ بِالْعِتْقِ اِسْتِدْلَال بَاطِل بَلْ إِنَّمَا يَكُون إِتْلَافًا إِذَا قَتَلَهُ فَلَوْ ثَبَتَ لَكُمْ بِالنَّصِّ أَنَّهُ ضَمَّنَ قَاتِل الْعَبْد بِالْقِيمَةِ دُون الْمِثْل كَانَ حُجَّة وَأَنَّى لَكُمْ بِذَلِكَ
قَالُوا وَأَيْضًا فَالْفَرْق وَاضِح بَيْن أَنْ يَكُون الْمُتْلَف عَيْنًا كَامِلَة أَوْ بَعْض عَيْن
فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّضْمِين كَانَ تَضْمِين إِتْلَاف لَمْ يَجِب مِثْله فِي الْعَيْن الْكَامِلَة
وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ حَقّ الشَّرِيك فِي الْعَيْن الَّتِي لَا يُمْكِن قِسْمَتهَا فِي نِصْف الْقِيمَة مَثَلًا أَوْ ثُلُثهَا فَالْوَاجِب لَهُ مِنْ الْقِيمَة بِنِسْبَةِ مِلْكه وَلِهَذَا يُجْبَر شَرِيكه عَلَى الْبَيْع إِذَا طَلَبَهُ لِيَتَوَصَّل إلى حقه من القيمة والنبي رَاعَى ذَلِكَ وَقَوَّمَ عَلَيْهِ الْعَبْد قِيمَة كَامِلَة ثُمَّ أَعْطَاهُ حَقّه مِنْ الْقِيمَة وَلَمْ يُقَوِّم عَلَيْهِ الشِّقْص وَحْده فَيُعْطِيه قِيمَته
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَقّ الشَّرِيك فِي نِصْف الْقِيمَة
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ ضَمَّنَّا الْمُعْتَق نَصِيب الشَّرِيك بِمِثْلِهِ مِنْ عَبْد آخَر لَمْ نُجْبِرهُ عَلَى الْبَيْع إِذَا طَلَبَهُ شَرِيكه لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقّ فِي الْقِيمَة بَلْ حَقّه فِي نَفْس الْعَيْن فَحَقّه بَاقٍ مِنْهَا
قَالُوا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَكُمْ أَصْل تَقِيسُونَ عَلَيْهِ لَا مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع
وقد ثبت في الصحيح أن النبي اِقْتَرَضَ بَكْرًا وَقَضَى خَيْرًا مِنْهُ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ يُجَوِّز قَرْض الْحَيَوَان مَعَ أَنَّ الْوَاجِب فِي الْقَرْض رَدّ الْمِثْل وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَان مِثْلِيّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَمِنْ الْعَجَب أَنْ يُقَال إِذَا اِقْتَرَضَ حَيَوَانًا رَدَّ قِيمَته وَيُقَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِتْلَاف وَالْغَصْب فَيُتْرَك مُوجَب النَّصّ الصَّحِيح لِقِيَاسٍ لَمْ يَثْبُت أَصْله بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاع وَنُصُوص أَحْمَد أَنَّ الْحَيَوَان فِي الْقَرْض يُضَمْنَ بِمِثْلِهِ
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه بَلْ بِالْقِيمَةِ طَرْدًا لِلْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْب
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابه فِي مُوجَب الضَّمَان فِي الْغَصْب وَالْإِتْلَاف عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه أَحَدهَا أَنَّ الْوَاجِب الْقِيمَة فِي غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون
وَالثَّانِي الْوَاجِب الْمِثْل فِي الْجَمِيع
وَالثَّالِث الْوَاجِب الْمِثْل فِي غَيْر الْحَيَوَان وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد فِي الثَّوْب وَالْقَصْعَة وَنَحْوهمَا
وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ فِي الْجِدَار الْمَهْدُوم ظُلْمًا يُعَاد مِثْله وَأَقْوَل النَّاس بِالْقِيمَةِ أَبُو حَنِيفَة وَمَعَ هَذَا فَعِنْده إِذَا أَتْلَفَ ثَوْبًا ثَبَتَ فِي ذِمَّته مِثْله لَا قِيمَته وَلِهَذَا يَجُوز الصُّلْح عَنْهُ بِأَكْثَر مِنْ قِيمَته وَلَوْ كَانَ الثَّابِت فِي الذِّمَّة الْقِيمَة لَمَا جَازَ الصُّلْح عَنْهَا بِأَكْثَر مِنْهَا
فَظَهَرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِر الْمِثْل فَلَا بُدّ مِنْ تَنَاقُضه أَوْ مُنَاقَضَته لِلنَّصِّ الصَّرِيح وَهَذَا مَا لا ملخص مِنْهُ
وَأَصْل هَذَا كُلّه هُوَ الْحُكُومَة الَّتِي حكم فيها داود وسليمان عليهما السلام وَقَصَّهَا اللَّه عَلَيْنَا فِي كِتَابه
وَكَانَتْ فِي الْحَرْث وَهُوَ الْبُسْتَان وَقِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ أَشْجَار عِنَب
فَنَفَشَتْ فِيهَا الْغَنَم وَالنَّفْش إِنَّمَا يَكُون لَيْلًا فَقَضَى دَاوُدُ لِأَصْحَابِ الْبُسْتَان بِالْغَنَمِ لِأَنَّهُ اِعْتَبَرَ قِيمَة مَا أَفْسَدَتْهُ فَوَجَدَهُ يُسَاوِي الْغَنَم فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا وَأَمَّا سُلَيْمَان فَقَضَى عَلَى أَصْحَاب الْغَنَم بِالْمِثْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْمُرُوا الْبُسْتَان كَمَا كَانَ ثُمَّ رَأَى أَنَّ مُغَلَّهُ إِلَى حِين عَوْدِهِ يَفُوت عَلَيْهِمْ وَرَأَى أَنَّ مُغَلّ الْغَنَم يُسَاوِيه فَأَعْطَاهُمْ الْغَنَم يَسْتَغِلُّونَهَا حَتَّى يَعُود بُسْتَانهمْ كَمَا كَانَ فَإِذَا عَادَ رَدُّوا إِلَيْهِمْ غَنَمهمْ
فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مِثْل هَذِهِ الْقَضِيَّة عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحَدهَا الْقَوْل بِالْحُكْمِ السُّلَيْمَانِيّ فِي أَصْل الضَّمَان وَكَيْفِيَّته وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَال وَأَشَدّهَا مُطَابَقَة لِأُصُولِ الشَّرْع وَالْقِيَاس كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَاب مُفْرَد فِي الِاجْتِهَاد وَهَذَا أَحَد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْر مَوْضِع وَيَذْكُر وَجْهًا فِي مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ
وَالثَّانِي مُوَافَقَته فِي النَّفْش دُون الْمِثْل وَهَذَا الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد
وَالثَّالِث عَكْسه وَهُوَ مُوَافَقَته فِي الْمِثْل دُون النَّفْش وَهُوَ قَوْل دَاوُدَ وَغَيْره فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا أَتْلَفَ الْبُسْتَان بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ
وَأَمَّا إِذَا اِنْفَلَتَتْ الْغَنَم لَيْلًا لَمْ يَضْمَن صاحبها ما أتلفته
والرابع أن النقش لَا يُوجِب الضَّمَان وَلَوْ أَوْجَبَهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمِثْلِ بَلْ بِالْقِيمَةِ فَلَمْ تُوَافِقهُ لَا فِي النقش وَلَا فِي الْمِثْل وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَهَذَا مِنْ اِجْتِهَادهمْ فِي الْقِيَاس وَالْعَدْل هُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه
فَكُلّ طَائِفَة رَأَتْ الْعَدْل هُوَ قَوْلهَا وَإِنْ كَانَتْ النُّصُوص وَالْقِيَاس وَأُصُول الشَّرْع تَشْهَد بِحُكْمِ سُلَيْمَان كَمَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه أَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَهَّمَهُ إِيَّاهُ
وَذَكَرَ مَأْخَذ هَذِهِ الْأَقْوَال وَأَدِلَّتهَا وَتَرْجِيح الرَّاجِح مِنْهَا لَهُ مَوْضِع غَيْر هَذَا أَلْيَق بِهِ مِنْ هَذَا