الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ (أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ) أَيْ بِحَدِّهِمَا أَوْ بِإِحْضَارِهِمَا وَهُمَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ (وَالْمَرْأَةِ) بِالْجَرِّ أَيْ وَبِالْمَرْأَةِ وَهِيَ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ (فَضُرِبُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (حَدَّهُمْ) أَيْ حَدَّ الْمُفْتَرِينَ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ فحد واحدهم
[4475]
(وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيِ النُّفَيْلِيُّ (مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِالْفَاحِشَةِ) أَيِ الْقَذْفِ (حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُشَدَّدَةِ الصَّحَابِيُّ الْأَنْصَارِيُّ شَاعِرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِهِ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَ حَسَّانٍ مَا دَامَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي أُثَاثَةَ (يَقُولُونَ) أَيِ الْمُحَدِّثُونَ (الْمَرْأَةُ) أَيِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ (حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ) أَيْ أُخْتُ زَيْنَبَ رضي الله عنها
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ هَذَا آخر كلامه
وقد أسنده بن إِسْحَاقَ مَرَّةً وَأَرْسَلَهُ أُخْرَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
6 -
(باب في الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ)
قَالَ الْعَيْنِيُّ الْحَدُّ الْمَنْعُ لُغَةً يُقَالُ لِلْبَوَّابِ حَدَّادٌ لِمَنْعِهِ النَّاسَ عَنِ الدُّخُولِ
وَفِي الشَّرْعِ الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِلَّهِ تعالى
[4476]
(عن محمد بن علي) بن يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ الْمُطَّلِبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَنْهُ بن جريج وثقه بن حِبَّانَ (لَمْ يَقِتْ فِي الْخَمْرِ) أَيْ لَمْ يُوقِتْ وَلَمْ يُعَيِّنْ يُقَالُ وَقَتَ بِالتَّخْفِيفِ يَقِتُ فَهُوَ مَوْقُوتٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَا قَرَّرَ حَدًّا أَصْلًا حَتَّى يُقَالَ لَا تَثْبُتُ بِالرَّأْيِ فَكَيْفَ أَثْبَتَ النَّاسُ فِي الْخَمْرِ حَدًّا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ قَدْرًا مُعَيَّنًا بَلْ كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إِلَى ثَمَانِينَ وَعَلَى هَذَا فَحِينَ شَاوَرَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ اتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى تَقْرِيرِ أَقْصَى الْمَرَاتِبِ
قِيلَ سَبَبُهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَمَكُوا فِي الشُّرْبِ وَتَحَاقَرُوا الْعُقُوبَةَ فَانْدَفَعَ تَوَهُّمُ أَنَّهُمْ كَيْفَ زَادُوا فِي حَدٍّ مِنْ
حُدُودِ اللَّهِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْحَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (فَسَكِرَ) بِكَسْرِ الْكَافِ (فَلُقِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رؤي (يَمِيلُ) حَالٌ مِنَ الْمُسْتَسْكِنِ فِي لُقِيَ أَيْ مَائِلًا (فِي الْفَجِّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (فَانْطُلِقَ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ فَأُخِذَ وَأُرِيدَ أَنْ يُذْهَبَ بِالرَّجُلِ (فَلَمَّا حَاذَى) أَيْ قَابَلَ الشَّارِبَ (انْفَلَتَ) أَيْ تَخَلَّصَ وَفَرَّ (فَالْتَزَمَهُ) أَيِ الْتَجَأَ الشَّارِبُ إِلَى الْعَبَّاسِ وَتَمَسَّكَ بِهِ أَوِ اعْتَنَقَهُ مُتَشَفِّعًا لَدَيْهِ (فَذُكِرَ ذَلِكَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ فَحُكِيَ مَا ذُكِرَ (وَقَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَفَعَلَهَا) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ التَّعَجُّبِيِّ الضَّمِيرُ لِلْمَذْكُورَاتِ مِنَ الِانْفِلَاتِ وَالدُّخُولِ وَالِالْتِزَامِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْدَرِ أَيْ أَفَعَلَ الْفَعْلَةَ (وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيْءٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ أَخَفُّ الْحُدُودِ وَأَنَّ الْخَطَرَ فِيهِ أَيْسَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْفَوَاحِشِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْعَبَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ أَوْ شَهَادَةِ عُدُولٍ وَإِنَّمَا لُقِيَ فِي الطَّرِيقِ يَمِيلُ فَظُنَّ بِهِ السُّكْرُ فَلَمْ يَكْشِفْ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَهُ عَلَى ذَلِكَ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ إِلَخْ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ حَدِيثَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَلَّالِ هَذَا تَفَرَّدَ بِهِ عكرمة عن بن عباس وعكرمة مولى بن عَبَّاسٍ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4477]
(قَدْ شَرِبَ) أَيِ الْخَمْرَ (فَقَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (اضْرِبُوهُ) أَيِ الشَّارِبَ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ الْعَدَدَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا حِينَئِذٍ (الضَّارِبُ بِيَدِهِ) أَيْ بِكَفِّهِ (وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ) أَيْ بَعْدَ فَتْلِهِ لِلْإِيلَامِ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنَ الضَّرْبِ (قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ) قِيلَ إِنَّهُ عُمَرُ رضي الله عنه (أَخْزَاكَ اللَّهُ) أَيْ أَذَلَّكَ اللَّهُ (لَا تَقُولُوا هَكَذَا) أَيْ لَا تَدْعُوا عَلَيْهِ بِالْخِزْيِ وَهُوَ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ (لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّارِبِ (الشَّيْطَانَ) لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْخِزْيُ فَإِذَا دَعَوْا عليه بالخزي
فَكَأَنَّهُمْ قَدْ حَصَّلُوا مَقْصُودَ الشَّيْطَانِ
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَا تَدْعُوا عَلَيْهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَخْزَاهُ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا سَمِعَ مِنْكُمُ انْهَمَكَ فِي الْمَعَاصِي وَحَمَلَهُ اللَّجَاجُ وَالْغَضَبُ عَلَى الْإِصْرَارِ فَيَصِيرُ الدُّعَاءُ وَصْلَةً وَمَعُونَةً فِي إِغْوَائِهِ وَتَسْوِيلِهِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْعُ الدُّعَاءِ عَلَى الْعَاصِي بِالْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كَاللَّعْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[4478]
(بِإِسْنَادِهِ) السَّابِقِ (وَمَعْنَاهُ) أَيِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (قَالَ) الرَّاوِي (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (بَكِّتُوهُ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ مِنَ التَّبْكِيتِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيرُ بِاللِّسَانِ وَقَدْ فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ (فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَاضٍ مِنَ الْإِقْبَالِ أَيْ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ (مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ) أَيْ مُخَالَفَتَهُ (مَا خَشِيتَ اللَّهَ) أَيْ مَا لَاحَظْتَ عَظَمَتَهُ أَوْ مَا خِفْتَ عقوبته (وما استحييت من رسول الله) أَيْ مِنْ تَرْكِ مُتَابَعَتِهِ أَوْ مُوَاجَهَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ (ثُمَّ أَرْسَلُوهُ) أَيِ الشَّارِبَ (وَقَالَ) الرَّاوِي (فِي آخِرِهِ) أَيِ الْحَدِيثِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) أَيْ بِمَحْوِ الْمَعْصِيَةِ (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) أَيْ بِتَوْفِيقِ الطَّاعَةِ أَوِ اغْفِرْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَارْحَمْهُ فِي الْعُقْبَى (وَبَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الرُّوَاةِ (يَزِيدُ الْكَلِمَةَ) فِي حَدِيثِهِ (وَنَحْوَهَا) أَيْ نَحْوَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَهِيَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4479]
(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ) لَعَلَّ فِيهِ تَجْرِيدًا أَيْ أَمَرَ بِالضَّرْبِ (فِي الْخَمْرِ) أَيْ فِي شَارِبِهَا أَوِ التَّقْدِيرُ جَلَدَ شَارِبَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ شُرْبِهَا (بِالْجَرِيدِ) وَهُوَ جَمْعُ جَرِيدَةٍ وَهِيَ السَّعَفَةُ سُمِّيَتْ بِهَا لِكَوْنِهَا مُجَرَّدَةً عَنِ الْخُوصِ وَهُوَ وَرَقُ النَّخْلِ (وَالنِّعَالِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ النَّعْلِ وَهُوَ مَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ وَهَذَا مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الآتية التي رواها بن أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ (وَجَلَدَ) أَيْ ضَرَبَ (أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ) أَيْ جَلْدَةً أَوْ ضَرْبَةً
قَالَ السِّنْدِيُّ أَيْ كَانُوا يَكْتَفُونَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَيْضًا فِي زَمَانِهِمَا إِلَّا أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَزِيدُونَ عَلَيْهِ قَطُّ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّ حَدَّ السَّكْرَانِ أَرْبَعُونَ سوطا
وقال بن حَزْمٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنه وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ثَمَانُونَ سَوْطًا
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ انْتَهَى
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اسْتَقَرَّ الإجماع على ثبوت حد الخمر وأن لاقتل فِيهِ وَاسْتَمَرَّ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَرْبَعِينَ وَالثَّمَانِينَ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يُحَدُّ فِيهِ (فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَبِتَخْفِيفِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْوِلَايَةِ أَيْ مَلَكَ أَمْرَ النَّاسِ وَقَامَ بِهِ (دَعَا النَّاسَ) أَيِ الصَّحَابَةَ (قَدْ دَنَوْا مِنَ الرِّيفِ) فِي النِّهَايَةِ الرِّيفُ كُلُّ أَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ وَنَخْلٌ وَقِيلَ هُوَ مَا قَارَبَ الْمَاءَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَمِنْ غَيْرِهَا انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الرِّيفُ الْمَوَاضِعُ الَّتِي فِيهَا الْمِيَاهُ أَوْ هِيَ قَرْيَةٌ مِنْهَا وَمَعْنَاهُ لَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَفُتِحَتِ الشَّامُ وَالْعِرَاقُ وَسَكَنَ النَّاسُ فِي الرِّيفِ وَمَوَاضِعِ الْخِصْبِ وَسَعَةِ الْعَيْشِ وَكَثْرَةِ الْأَعْنَابِ وَالثِّمَارِ أَكْثَرُوا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَزَادَ عُمَرُ فِي حَدِّ الْخَمْرِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ وَزَجْرًا لَهُمْ عَنْهَا (فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِعُمَرَ (نَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ) أَيْ حَدَّ الْخَمْرِ (كَأَخَفِّ الْحُدُودِ) يَعْنِي الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ وَهِيَ حَدُّ السَّرِقَةِ بقطع اليد وحد الزنى جَلْدُ مِائَةٍ وَحَدُّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ وَهُوَ أَخَفُّ الْحُدُودِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ هُوَ الَّذِي أَشَارَ بِهَذَا
وَفِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَأَشَارَا جَمِيعًا وَلَعَلَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَدَأَ بِهَذَا الْقَوْلِ فَوَافَقَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ فَنُسِبَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنه لِسَبْقِهِ بِهِ وَنُسِبَ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه لِفَضِيلَتِهِ وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَرُجْحَانِهِ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنه وَفِي هَذَا جَوَازُ الْقِيَاسِ وَاسْتِحْبَابُ مُشَاوَرَةِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي أَصْحَابَهُ وَحَاضِرِي مَجْلِسِهِ فِي الْأَحْكَامِ (فَجَلَدَ) عُمَرُ (فِيهِ) أَيْ فِي حَدِّ الْخَمْرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ
وَأَخْرَجَ البخاري المسند وفعل الصديق فقط وأخرج بن مَاجَهْ الْمُسْنَدَ مِنْهُ فَقَطْ (أَنَّهُ) أَيِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (جَلَدَ بِالْجَرِيدِ) مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ شاخ خرما (ضَرَبَ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَرِيدَتَيْنِ كَانَتَا مُفْرَدَتَيْنِ جَلَدَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَدَدًا حَتَّى كَمَلَ مِنَ
الْجَمِيعِ أَرْبَعُونَ وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ يَقُولُ جَلْدُ الْخَمْرِ ثَمَانُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا فَجَلَدَهُ بِهِمَا أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَيَكُونُ الْمَبْلَغُ ثَمَانِينَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحَدِيثُ شُعْبَةَ الَّذِي عَلَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اللَّفْظَ
[4480]
(عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ) هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالْجِيمِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الدَّانَا بِحَذْفِ الْجِيمِ وَالدَّانَاهُ بِالْهَاءِ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ الْعَالِمُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (حَدَّثَنِي حُضَيْنٌ) بِمُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ (شَهِدْتُ) أَيْ حَضَرْتُ (عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أَيْ عِنْدَهُ (وَأُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (فَشَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلِيدِ (حُمْرَانُ) بضم أوله بن أَبَانٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ اشْتَرَاهُ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثِقَةٌ (أَنَّهُ رَآهُ) أَيِ الْوَلِيدَ (وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ) أَيِ الوليد (يتقيأها) أي الخمر (إنه) الوليد (لم يتقيأها) أَيِ الْخَمْرَ (حَتَّى شَرِبَهَا) أَيِ الْخَمْرَ (فَقَالَ) عثمان (لعلي) بن أَبِي طَالِبٍ (أَقِمْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلِيدِ (الْحَدَّ)
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّهُ مَنْ تَقَيَّأَ الْخَمْرَ يُحَدُّ حَدَّ الشارب (فقال علي للحسن) بن عَلِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ الْحَدُّ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَهُوَ الْإِمَامُ لِعَلِيٍّ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرِمَةِ لَهُ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ قُمْ فَاجْلِدْهُ أَيْ أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِأَنْ تَأْمُرَ مَنْ تَرَى بِذَلِكَ فَقَبِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه ذَلِكَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَامْتَنَعَ الْحَسَنُ فَقَالَ لِابْنِ جَعْفَرٍ فَقَبِلَ فَجَلَدَهُ وَكَانَ عَلِيٌّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّفْوِيضِ إِلَى مَنْ رَأَى قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَلِّ) أَمْرٌ مِنَ التَّوْلِيَةِ (حَارَّهَا) أَيِ الْخِلَافَةِ وَالْوِلَايَةِ الْحَارُّ الشَّدِيدُ الْمَكْرُوهُ (مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا) أَيِ الْخِلَافَةِ وَالْوِلَايَةِ الْقَارُّ الْبَارِدُ وَالْهَنِيءُ الطَّيِّبُ وَهَذَا مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ وَلِّ شِدَّتَهَا وَأَوْسَاخَهَا مَنْ تَوَلَّى هَنِيئَهَا وَلَذَّاتِهَا أَيْ كَمَا أَنَّ عُثْمَانَ وَأَقَارِبَهُ يَتَوَلَّوْنَ هَنِيءَ الْخِلَافَةِ وَيَخْتَصُّونَ بِهِ يَتَوَلَّوْنَ نَكَدَهَا وَقَاذُورَاتِهَا وَمَعْنَاهُ لِيَتَوَلَّى هَذَا الْجَلْدَ عُثْمَانُ بِنَفْسِهِ أَوْ بَعْضُ خَاصَّةِ أَقَارِبِهِ الْأَدْنِينَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مَثَلٌ يَقُولُ وَلِّ الْعُقُوبَةَ وَالضَّرْبَ مَنْ تُوَلِّيهِ الْعَمَلَ وَالنَّفْعَ انتهى
(لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) الطَّيَّارِ (أَقِمْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلِيدِ (فَأَخَذَ) عَبْدُ اللَّهِ (السَّوْطَ فَجَلَدَهُ) أَيِ الْوَلِيدَ (وَعَلِيٌّ يَعُدُّ) ضَرَبَاتِ السَّوْطِ (فَلَمَّا بَلَغَ) الْجَلَّادُ (أَرْبَعِينَ) سَوْطًا (قَالَ) عَلِيٌّ مُخَاطِبًا لِعَبْدِ اللَّهِ (حَسْبُكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ أَمْسِكْ (وَكُلٌّ سُنَّةٌ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَالثَّمَانِينَ سُنَّةٌ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَوْلُهُ وَكُلٌّ سُنَّةٌ يَقُولُ إِنَّ الْأَرْبَعِينَ سُنَّةٌ قَدْ عَمِلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي زَمَانِهِ وَالثَّمَانِينَ سُنَّةٌ قَدْ عَمِلَ بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه فِي زَمَانِهِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ وَكُلٌّ سُنَّةٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَارَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَالْوُصُولُ إِلَى الثَّمَانِينَ سُنَّةُ عُمَرَ رَدْعًا لِلشَّارِبِينَ الَّذِينَ احْتَقَرُوا الْعُقُوبَةَ الْأُولَى انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ سُنَّةٌ يُعْمَلُ بِهَا وَكَذَا فِعْلُ عُمَرَ وَلَكِنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ (وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ) إِشَارَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ التي كان جلدها وقال لجلاد حَسْبُكَ وَمَعْنَاهُ هَذَا الَّذِي قَدْ جَلَدْتَهُ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الثَّمَانِينَ
قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَحَاصِلُ مَا وَقَعَ مِنَ اسْتِنْبَاطِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا السُّكْرَ مَقَامَ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا فَأَعْطَوْهُ حُكْمَهُ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ فَقَدِ اشْتَهَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَلَمْ يُنْكِرْهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مُنْكِرٌ انْتَهَى
وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَحَرَّى مَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُ أَرْبَعِينَ فَعَمِلَ بِهِ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ فِي زَمَنِهِ مُخَالِفٌ فَإِنْ كَانَ السُّكُوتُ إِجْمَاعًا فَهَذَا الْإِجْمَاعُ سَابِقٌ عَلَى مَا وَقَعَ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَفَعَلَهُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بِحَضْرَتِهِ وَبِحَضْرَةِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الَّذِي بَاشَرَ ذَلِكَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَإِنْ كَانَ السُّكُوتُ إِجْمَاعًا فَهَذَا هُوَ الْأَخِيرُ فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ بِمَا صُنِعَ فِي عَهْدِ عُمَرَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنِ الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّ الْمَضْرُوبَ كَانَ عَبْدًا وَهُوَ بَعِيدٌ فَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ أَنْ يَكُونَ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا
وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِينَ تَعْزِيرًا بِمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ أَنَّ عُمَرَ حَدَّ الشَّارِبَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نَفَاهُ إِلَى الشَّامِ وَبِمَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ النَّجَاشِيَّ الشَّاعِرَ ثَمَانِينَ ثُمَّ أَصْبَحَ فَجَلَدَهُ عِشْرِينَ بِجَرَاءَتِهِ بِالشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ انْتَهَى